فقدوا الأرض والقادة: 2017 عام المصائب للكرد

هستيار قادر

جلب عام 2017 عددا من المصائب والانتكاسات على اقليم كردستان، فإجراء الاستفتاء صغّر الإقليم بدل توسيعه كما قلل من سلطاته التي استقطعها بعد عام 2003 من العراق.

شهد عام 2017 العديد من الأحداث المهمة في اقليم كردستان، يمكن اعتبار بعضها تحولا كبيرا، فكانت أحداثا لم تشهد الاعوام الماضية مثيلاً لها كما لا يمكن ان تتكرر قريباكما زاد تعمق الخلافات بين الأطراف السياسية واندلاع التظاهرات طين المشكلات الداخلية في الإقليم بلَة.

فقد أجرى الكرد الاستفتاء وخسروا الأرض والسماء، كما انسحب ثلاثة من قادة الكرد المؤثرين من الساحة السياسية ورحلوا، كما واجهت كردستان الحرب وشهدت الأزمات تباعا.

واعتبر محمد بازياني رئيس مركز الهدى للدراسات الاستراتيجية عام 2017 الأصعب سياسيا واقتصاديا وامنيا بالنسبة للاقليم بعد سقوط نظام صدام عام 2003.

وقال بازياني لـ”نقاش”: “يتجه الاقليم الى الانهيار لأنه لا يملك مشروعا وان الأطراف الأخرى تملك مشاريع خاصة بها، وفي عام 2018 اما سيتدهور الوضع اكثر أو ان ينتظر الاقليم مخرجا عبر التغييرات التي ستشهدها بغداد نتيجة للانتخابات العراقية”.

كابوس الاستفتاء

ومن الصحيح ان الاقليم وبغداد مختلفان منذ ثلاثة اعوام، ولكن العلاقات بينهما دخلت مرحلة اخرى بعد السابع من حزيران (يوليو) الماضي، عندما قررت الاطراف السياسية في اقليم كردستان بإشراف مسعود بارزاني رئيس الاقليم السابق إجراء الاستفتاء في كردستان في الخامس والعشرين من ايلول (سبتمبر) للاستقلال عن العراق.

داخليا كانت هناك اصوات قوية لا تؤيد المشروع، وهي حركة التغيير والجماعة الإسلامية، اما خارجيا فقد دعا الكثير من دول العالم القيادة السياسية في الاقليم الى عدم التفكير في الانفصال عن العراق ومعالجة مشكلاتها مع بغداد عبر الحوار.

وما حرك مياه الخلافات بين بغداد والاقليم اكثر كان قرار مجلس محافظة كركوك للمشاركة في الاستفتاء. فقد قررت اغلبية اعضاء مجلس محافظة كركوك – عدا العرب والتركمان – في شهر آب (اغسطس) مشاركة كركوك في استفتاء كردستان.

سماء بغداد والاقليم خلال الاشهر الثلاثة التي سبقت الاستفتاء كانت تعج بالوفود التي كانت تزور الجانبين من اجل ايجاد حل، وقد ابلغ المسؤولون الايرانيون والاتراك قيادة الاقليم بوضوح انهم لن يسمحوا بإجراء الاستفتاء، كما كانت بغداد تشدد من مواقفها تدريجيا، اما اللاعب الاخير الذي رمى ورقته الاخيرة قبل ايام من اجراء الاستفتاء فكان بريت ماكغورك مبعوث الرئيس الأمريكي الى الحرب ضد داعش والذي دعا الى تأجيل الاستفتاء أيضا.

لكن بارزاني قال في آخر تجمع جماهيري في اربيل في الثاني والعشرين من ايلول (سبتمبر) حول الاستفتاء: “لن اخذل الشعب ولن يتم تأجيل الاستفتاء ولم يبق هناك متسع من الوقت”.

وفي صبيحة الخامس والعشرين من ايلول (سبتمبر) شارك مواطنو اقليم كردستان في عملية الاستفتاء للاستقلال اذ بلغت نسبة المشاركة فيها 72% صوت منهم 92% للاستقلال.

ولم تكن احتفالات مواطني اقليم كردستان بنجاح الاستفتاء قد انتهت بعد حتى اقدمت بغداد في السادس والعشرين من ايلول (سبتمبر) على اول خطوة فعلية ضد إقليم كردستان فقد اصدر حيدر العبادي رئيس الوزراء عددا من القرارات.

قرر المركز بعد ذلك ايقاف جميع الرحلات الجوية الخارجية من مطاري اربيل والسليمانية وطالب بإغلاق وتسليم المعابر الحدودية لاقليم كردستان. وهكذا فقد اقليم كردستان سلطته على سمائه وعادت الى بغداد.

رد فعل بغداد على الاستفتاء وصل الى حد التحشيد العسكري اذ هاجمت القوات الامنية العراقية في السادس عشر من تشرين الاول (اكتوبر) قوات البيشمركة في حدود قضاء طوزخورماتو ومدينة كركوك وبعد قليل من المواجهة انسحبت قوات البيشمركة التابعة للاقليم.

وأدى تقدم القوات العراقية الى انسحاب قوات البيشمركة من معظم المناطق المتنازع عليها في حدود محافظات صلاح الدين وديالى ونينوى والتي كانت قد سيطرت عليها بعد عام 2003، كما استولت بغداد على الحقول النفطية في كركوك وعين زالة ضمن المناطق المتنازع عليها في نينوى والتي كان الاقليم يصدر منها النفط بعد عام 2014 وكانت تشكل اكثر من نصف مصادر وارداته الرئيسية.

وجاءت الخطوة الاولى للتراجع عن الاستفتاء من قبل حكومة اقليم كردستان عندما اعلن تجميد نتائج الاستفتاء في الخامس والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر)، إلا أنها لم تتمكن من إقناع بغداد التي كانت تطالب بإلغائه.

تدهور الوضع الداخلي

لم تكن ردود الأفعال على الاستفتاء والضغوط الخارجية هي مصيبة العام الوحيدة لإقليم كردستان، اذ لم تكن الأحداث الداخلية للإقليم مفرحة كثيرا والتي كان لها تأثير في تباعد الأطراف السياسية أكثر.

وعلى الرغم من تفعيل برلمان كردستان لاول مرة في الخامس عشر من ايلول (سبتمبر) بعد اثنين وعشرين شهرا من تعطيله، الا ان يوسف محمد رئيس البرلمان عن حركة التغيير لم يعد الى منصبه كما لم ترق العملية للجماعة الإسلامية وهي خامس قوة في الاقليم من حيث عدد مقاعد البرلمان اذ لم تشارك مع التغيير في التفعيل بمنصب سكرتير البرلمان.

تلك الخطوة عمقت الخلافات بين الاطراف السياسية وطالبت حركة التغيير في الثاني والعشرين من الشهر نفسه بحل الحكومة وتشكيل حكومة انقاذ وطني كما تبعتها الجماعة الإسلامية في تكرار الموقف نفسه.

ردود الأفعال وصلت الى حد استقالة فخرالدين قادر سكرتير البرلمان عن الجماعة الإسلامية وشغل المنصب من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني في الرابع والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر).

بعد ذلك قرر البرلمان في الرابع والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر) تمديد مدته لثمانية أشهر وبذلك تم تأجيل موعد انتخابات البرلمان ورئاسة الاقليم والتي كان مقررا إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر).

وكان يوم التاسع والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر) مختلفا بالنسبة للإقليم حيث اعلن مسعود بارزاني في رسالة الى البرلمان استقالته من منصب رئيس الإقليم والذي كان منذ عام 2015 محور المشكلات بين الأطراف السياسية وقد وزع البرلمان صلاحياته على رئاسة الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء.

أوضاع اقليم كردستان كانت صعبة أيضا داخل بعض الاحزاب، ففي الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) قررت قيادة الاتحاد الوطني حل المكتب السياسي للحزب وذلك بعد اعلان برهم صالح نائب الامين العام للحزب في السادس عشر من ايلول (سبتمبر) تأسيس كيان سياسي جديد خارج قائمة حزبه.

ووصل توتر الاوضاع السياسية في اقليم كردستان الى اوجه في العشرين من كانون الاول (ديسمبر) عندما قررت حركة التغيير والجماعة الاسلامية الانسحاب من التشكيلة الثامنة لحكومة اقليم كردستان والعودة كمعارضة.

أحزاب فقدوا قادتهم

التوتر شمل أيضاً إدارة الأحزاب السياسية في اقليم كردستان في عام 2017 بسبب فقدان القادة الذين كانوا يعتبرون شخصيات كاريزمية داخل احزابهم وخارجها.

ففي التاسع عشر من أيار (مايو) رحل نوشيروان مصطفى المنسق العام لحركة التغيير في السليمانية وكان يعد احد القادة الجماهيريين في الاقليم واحد الشخصيات المؤثرة في الثورة الكردية سابقا عندما كان في صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني.

تلاه اقرب أصدقائه السياسيين واحد ابرز شخصيات اقليم كردستان وهو جلال طالباني الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني الذي توفي في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) في ألمانيا.

وكان رحيل الزعيمين بالنسبة لإقليم كردستان مرحلة جديدة ابتعد فيها اثنان من واضعي السياسة الداخلية والخارجية للإقليم.

ماذا يحمل العام الجديد في جعبته؟

أنهى الإقليم العام بأزمة، فعند كتابة هذا التقرير كانت هناك العديد من المدن والمناطق أوكلت الى السلطة العسكرية وانتشرت فيها الشرطة والبيشمركة لمنع المظاهرات الاحتجاجية للمواطنين، كما انسحب طرفان رئيسيان من الحكومة وهما حركة التغيير والجماعة الإسلامية، هذا فضلا عن تراكم ديون كبيرة عليها وعدم صرفها لرواتب الموظفين وتراجع مصادر وارداتها.

وان لم تشهد الخارطة السياسية للمنطقة تغييرا فسيكون 2018 عاما صعبا على مواطني كردستان ولاسيما وان الإقليم مقبل بمشكلاته على انتخابات برلمان ورئاسة اقليم كردستان والانتخابات العراقية.

وقال د. ريبوار كريم أستاذ العلوم السياسية في جامعة السليمانية لـ”نقاش”: “سيواجه الإقليم العام المقبل تحديات صعبة وان استمر بهذا الأسلوب من الحكم فانه سيتراجع الى الوراء إن استمر الوضع على ما هو عليه ولم تشهد أوضاع المنطقة تغييرا”.

وأضاف: “تدل الإشارات على انه اذا استمر الوضع على ما هو عليه في عام 2018 فان اقليم كردستان سيساوم اكثر للحكومة المركزية على مصالح مواطني الاقليم وذلك لإخفاء مشكلاته الداخلية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here