أزهر العبيدي
كثرت الأسواق في مدينة الموصل منذ القدم بوصفها مدينة تجارية قديمة وتركز وجودها في بداية العهد الإسلامي قرب دار الإمارة والمسجد الجامع في قليعات، وفيها كلّ ما يحتاجه الجيش والسكان من حاجيات وطعام. ومن تلك الأسواق سوق الشعارين والقتابين (صانعو أقتاب الجمال) والبزازين والحشيش والدواب والطعام والأربعاء والجسر والمربعة (جهار سوق) وسوق السقط. مع توسع المدينة بمرور الزمن بنيت أسواق جديدة وخانات وقيصريات استخدمت لبعض الصناعات والحرف اليدوية ومختلف الخدمات، وتركزت هذه الأسواق جنوب المدينة وقرب الجسر الأموي القديم. ومن هذه الأسواق التي زالت في الوقت الحاضر سوق الخفافين الذي اختصّ بعمل الأحذية القديمة (الايمني) الحمراء، وكان صانعوها يشغلون قيصرية الخفافين في سوق السراي. وسوق (القوندرجية) مقابل حمام الصالحية بعد ظهور الأحذية الحديثة المسمّاة (القوندرة) باللغة العثمانية. وتحوّلت قيصرية الخفافين مؤخراً بعد تجديدها إلى سوق لليوزبكية (اليوزبكي مهنة قديمة تعني بائع المائة حاجة). وقيصرية القزازين هي الأخرى أصبحت سوقاً لليوزبكية وتقع قرب جامع الباشا (والقزاز هو صانع العقال وبائع خيوط القزّ المنتج من نسيج حرير دودة القزّ). وسوق الكوازين (القماطين) ويسمى أيضاً (سوق تحت المنارة) لوقوعه تحت منارة جامع الأغوات في باب الجسر، تحول هو الآخر إلى سوق لليوزبكية وباعة أدوات النجارة بعد أن كان متخصصاً في بيع الشربات والحبوب والبراني (الزير). وفي المكان المقابل لساحة البلدية القديمة كان سوق المعاش الذي تباع فيه الخضراوات والفواكه، وسوق البصل الذي يباع فيه بصل سنجار اليابس، وانتقل السوقان إلى سوق المعاش الحالي خارج المدينة، وحلّ مكانهما سوق لبيع اليابسات. وفي سوق الميدان التي يشغلها الآن سوق السمك كانت هناك دكاكين عامرة لبيع المواد التموينية من رز وبرغل وعدس وشاي وسكر، وانتقلت إلى سوق البورصة الحالي. وحلّ عدد من باعة المواد التموينية بدل القصابين في السوق المجاور والموازي لسوق الصوافة بعد انتقال القصابين إلى السوق العصري في باب لكش. وسوق الملاحين الذي اختصّ ببيع مواد الملاحة النهرية من الحبال ومتعلقاتها تحوّل إلى سوق للشكرجية باعة الحلويات. واختفى العاملون في سوق البرذعجية (البغضعجية) نسبة إلى براذع الحيوانات التي يصنعونها، وحلّ مكانهم الشكرجية أيضاً. وهدم معظم سوق التنكجية الكبير قرب جامع باب الطوب الذي يختصّ في عمل أواني الماء من الصفيح مثل الخزانات والطشوت والسطول، وكان يسمّى (سوق المعاليق) أيضاً التي تباع فيه صباحاً، وحلّ محلّه باعة الملابس المستعملة الرجالية. وفي هذا المكان كانت حمدية (أم البامية) وجكّومي (أبو الكباب) يفترشان الأرض ويقدمان للقادمين من خارج المدينة ألذ وأرخص الأطعمة. كما اختفى باعة الفحم في سوق الفحامين بعد هدم خان أيوب بك وبناء دكاكين جديدة شغلها باعة الحاجيات البلاستيكية والنايلون. وسوق الكالجية من الأسواق التي زالت الآن وكان موقعه خلف جامع الأغوات، وتخصص في عمل (الكلاش) أو الكالة التي كان ينتعلها الفقراء، وتصنع من نعل من جلد الجاموس أو مطاط السيارات، وينسج الوجه من الخيوط البيضاء من قبل بعض الأسر الفقيرة. وزال سوق الحصيرجية صانعوا الحصران الكائن قرب باب حمام الصالحية، وتحوّل إلى سوق لبيع الفرش الإسفنجية وأسرة النوم الحديدية. واختفى سوق الصاغة الصابئة في باب الطوب الذين تخصصوا في صياغة وبيع الفضة للأعراب والمجاور لسوق الصوافة وتحوّل إلى سوق لبيع الأقمشة البدوية. وتحوّل سوق المكتبات في شارع النجفي الذي كان يضمّ أفضل المكتبات العراقية مثل الأهالي والأمل والعصرية والعربية والوطنية التي احتوت آخر طبعات الكتب العربية القيمة، تحوّل هذا السوق إلى مركز لبيع القرطاسية والدفاتر المدرسية.
ومن الأسواق القديمة التي بقيت إلى اليوم سوق الهرج في باب الطوب، وبجواره سوق الأطرقجية باعة الفرش والسجاد، وإلى جانبه سوق الفروجية، وسوق العطارين، وسوق الخياطين، وسوق البزازين في سوق السراي. وتحوّل سوق الصفّارين في سوق السراي إلى بيع الحاجيات المصنوعة من الألمنيوم بدل النحاس. وبقي سوق القطانين في السرجخانة، وسوق الصوافين في باب الطوب، وسوق التحافية وسوق السراجين وسوق القهوجية في باب السراي.
واستحدثت أسواق جديدة في التسعينيات وما بعدها بعد التوسع الكبير للمدينة منها: سوق البورصة في باب سنجار الذي تباع فيه المواد التموينية والحلويات والسكاير فضلاً عن تصريف العملة الأجنبية. وسوق الزجاج في منطقة الساعة وشهر سوق الذي راجت مبيعاته بفضل الحروب. وسوق الصباغين والصبغ شمال سوق الزجاج، وسوق المواد النجارية في شارع الفاروق الجديد والمكّاوي. وسوق الهرج في باب الجديد، وسوق الإطارات والبطاريات في الموصل الجديدة، والبطاريات في قصر المطران. وأحدث الأسواق هو سوق الستلايت والموبايل في باب الطوب والجامعة وشارع الزهور وأماكن عدة يصعب حصرها في الوقت الحاضر إذ تحوّلت واجهات الكثير من المناطق السكنية في الجانب الأيسر إلى أسواق لبيع حاجيات مختلفة لخدمة الأهالي الذين يصعب عليهم الانتقال إلى الجانب الأيمن للتسوّق من السرجخانة وباب السراي. وفي يومنا هذا انعكست الحالة بانتقال معظم أهالي الجانب الأيمن إلى الأيسر وغطّت الأنقاض والصفيح محلاّت الجانب الأيمن وراح أصحابها يجاهدون في إعادة ترميمها وتخليصها من الأنقاض والصفيح الذي اشتروه لتغطية أسواقهم أو أبواباً لمحلاّتهم مما يتطلّب من لجان التعويض النظر في تعويضهم عن مفقوداتهم وبخاصة البضائع الثمينة التي كانت تملأ محلاّتهم والتي اختفت بفعل فاعل في الوقت الحاضر.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط