الصداقة أرض نزرعها بأيدينا

صادق غانم الاسدي

ما أسنى من كلمة الصداقة في الوجود الانساني فهي النبض والدافع الحقيقي لديمومة المجتمع وخيط الأمل للفرد في أن يعيش راحة البال والسعادة مع من حوله ,فالصداقة هي حب ووفاء واخلاص وتمنيات للصديق مثلما انت تتمناه لنفسك كما هي أنسجام روحي وفكري وعاطفي وقلبي يصبان في جسد واحد رغم اختلاف الذوق وشدة الاحساس والارادة , ولكي يصبح المجتمع متماسك يسوده الامن والامان وتنتشر فيه الاخلاق الرفيعة وتقل فيه نسبة الجريمة والمشاكل العشائرية وتعلو فيه الصفات الحميدة يخضع ايضا لمدى طبيعة وتبادل الصداقة النقية والتي تؤثر في اوساط الآسرة فكلما تكون العلاقة مبنية على الود وتبادل المشاعر بعيدة عن المقايضة والغش نثمر بمجتمع متماسك رصين , عنوان الموضوع لمثل يوناني شاع لدى المجتمع اليوناني وانعكس على سلوكيات وعلاقات حب الرجل مع المرأة لتعطي صورة انطباعية بأن الصداقة شيئاً مقدسا ومثمراً, وقد عظم الاسلام واعطى اهمية بالغة للصداقة الطيبة وحث على الاحترام وتبادل الاراء وتحولت الى رابطة الدم حينما يقدم الصديق الوفي على المصاهرة لتقوية العلاقات من صديقه في الحياة لذلك قال الامام علي عليه السلام ( الصديق نسيب الروح والاخ نسيب الجسم ) وايضا قال الامام عليه السلام ( لايكون الصديق صديقا حتى يحفظ آخاه في ثلاث في نكبته وغيبته ووفاته ) في الواقع الحالي اصبحت الامور في منحدر تام بسبب دخول الحضارة بكافة محتوياتها وانشغال الناس بالعمل وطرق تدابير الحياة ,فاصبحت الصداقة يتيمه وبدأ المجتمع متباعد لربما العائلة الواحدة لاتلتقي على مائدة الاكل لطبيعة الظروف وما ألت اليه تداعيات عمل كل واحد منهم , ولايغفل على المجتمع ان الصداقة تمر بمراحل وادوار كثيرة قابلة للتغير فهي تتأثر بالاحداث وسيرة الايام والمستقبل المجهول والحاضر المتمدن ,هنالك صداقة بدأت منذ الطفولة وانتهت الى نهاية العمر جمعتهم مصالح عمل ومواقع سكنية وأسر متداخلة لم يتفرقوا وأن وجدت فانها قليلة, من جانب اخر نجد أن لكل مرحلة صديق صديق الطفولة ضمن المحلة الواحدة عاش وترعرعه واكتسب الموروثات داخل البيئة وعندما وصل الى مرحلة الشباب مرحلة العنفوان والمغامرة والبحث عن الاحلام والتفكير الرومانسي يجد من يطابقه في الفكر يبدأ التعرف والكسب على اصدقاء جدد وفي مرحلة خريف العمر بدأ يبحث عن مايناسبه في الفكر والتقاليد ومن يطابقه في الرأي والعمل ,وهذه ايضا تخضع لطيبيعة عمل وطموح الانسان فالتغير ربما يكون قسرا او طوعيا لتحسن المستوى المعاشي ويكون صب اهتمامه الحصول على مستقبل يؤهله ان يتميز على الاخرين ويرتقي الى حال افضل , فالصداقة تتغير لطبيعة الظروف وتتأثر بسلوكيات المجتمع , فصديقك من يصارحك بأخطائك لا من يجملها ليكسب رضاءك, وصدق من قال الصديق الحقيقي هو الذي تتشاجر معه يوميا ! وتصابون أنت وهو بفققدان الذاكرة في اليوم التالي , وسجل التاريخ زاخر لنا الكثير من الحوادث التي جسدت مواقف بطولية وشجاعة نادرة عن رجال ونساء قدموا ارواحهم وضحوا بأنفسهم فداءً للصداقة والولاء كاصحاب علي ابن ابي طالب عليه السلام حينما سمل اعينهم وقطعت ايديهم ورقابهم على ان يسبوا ويتبراءو عن حب وصداقة علي فلم يفعلوا , كذلك اصحاب الحسين عليه السلام وقفتهم المشرفة وقال عنهم ( أني لا اعلم اصحابا اوفى ولا خيرا من اصحابي وكذلك اهل بيته فجزاهم الله جميعا عني خيراً ) ربما الصحبة في تلك المواقف تخضع للايمان والموالاة كونهم من بيت النبوة ولكن جائز أن نوصفها بالصداقة والمصاحبة ثم بعد ذلك الايمان والوفاء نتيجة التجربة , ولايختلف الامر بأن الصديق عليه ان يتحمل صديقه في كل المواقف كما جر لاثنين من الاصدقاء في هذه القصة القصيرة ,, كانوا يسيرون في الصحراء فتجادل الصديقان فضرب احدهما الاخر , فالمضروب على وجه كتب على الرمل اعز الاصدقاء ضربني , وساروا وبعد ان غرسة وتعلقت رجل الصديق المضروب بالرمل المتحركة انقذه صديقه من الغرق فنقش على الصخرة اعز الاصدقاء اليوم انقذ حياتي , ثم سأله صديقه لماذا حينما صفعتك على خدك كتبت على الرمل ولما انقذتك كتبت على الحجر , قال عندما يؤذينا احد علينا ان نكتب مافعله على الرمال حيث رياح التسامح , وعندما يصنع لنا احد معروفا علينا نكتب ماصنعه من معروفا على الصخر حيث لا يمكن ان يمحي مهما كانت شدة الرياح , هكذا الصداقة وهكذا الاخوة والوفاء والصحبة العامرة جذور في قلب المؤمن تسقى بالايمان ,وكلما كانت النية الحسنة في العلاقات تتحسن احوال البلاد فهل ياترى ان الصداقة حالة تخضع للظروف الاجتماعية تتبدل بمرور الايام والسنين ام هي صفة وطبيعة تلازم البشر في كل زمان ومكان .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here