دهاء الإيرانيين ام سذاجة خصومهم ..؟!

دهاء الإيرانيين ام سذاجة خصومهم ..؟!
منذ قديم الزمان عرف عن الفرس الدهاء والمكر في السياسة، التروي وعدم الاندفاع في اطلاق الاحكام. ومع ان ذلك واقع لا يمكن تجاهله باي شكل من الاشكال الا ان الملاحظ ان عامل التفوق الإيراني ليس فقط قدرة الإيرانيين على العمل بنضج وصبر كبيرين، بل الأكثر من ذلك هو العاطفة المفرطة والصبيانية في حراك خصومهم التقليديين. تشعرك أحيانا ردات فعل بعض خصوم او حتى أعداء الإيرانيين تجاه ايران بصبيانة لا تمت بصلة للعمل الجاد والهادف. وليس بعيدا عن ما اشير اليه تاتي ردود الأفعال من قبل أمريكا، إسرائيل وحتى بعض البلدان العربية تجاه ما حصل في ايران مؤخرا من مظاهرات.
دوائر القرار في تلك البلدان لم تكلف نفسها دراسة الموقف بتاني، اندفعت بسرعة كبيرة للحديث عن ربيع إيراني جديد وليس عن مظاهرات ومطالبات اقتصادية تتعلق بالشان الداخلي الإيراني فحسب “بما في ذلك تلك المطالبات التي تتحدث عن إيقاف الدعم للجماعات المسلحة خارج ايران”. وان وضعنا جزءا من تلك المواقف في اطار الدعم الكبير من قبل خصوم ايران لاي جهد داخل البلاد يساهم في ارباك الحسابات الإيرانية، حتى وان لم يكن محسوبا بشكل دقيق، لكن ما الذي يشفع للمتابعين والمحللين لما دار في ايران حينما ساقوا تحليلاتهم وفقا للتمنيات وليس لتوصيف الواقع؟!
ومع ان وسائل التواصل الاجتماعي قد تدفع باي تحرك شعبي لان يتطور بشكل سريع ويخرج عن السيطرة في أي بلد من بلدان العالم الأول والثالث وشاهدنا في بعض الفترات تطورات شعبية حصلت في فرنسا على سبيل المثال، الا ان ما طرح في الاعلام العربي وحتى غير العربي عن تلك الاحداث كان مثيرا للشفقة ويقدم قراءة معكوسة تماما في بعض الأحيان.
وفي مقابل ذلك كانت هناك قناعات متعاطفة مع ايران أيضا بطريقة انفعالية غير واقعية تقفز على امتعاض الشعب الإيراني من الإجراءات التقشفية، وتضع جميع المتظاهرين في خانة الخيانة. ان حدوث مظاهرات في ايران على خلفية مطالب اقتصادية حالة متكررة وليست جديدة، وربما أحيانا قد تخرج تلك المظاهرات عن السيطرة لبعض الوقت. لكن من المستبعد ان تتطور الاحداث الى ثورة شعبية عارمة، وذلك لاسباب عديدة من بينها:
ـ ان من المستبعد حصول ثورة شعبية كبرى في أي بلد من بلدان المنطقة بعد التجارب الثورية الشعبية التي أدت الى انهيار الأمور في سوريا، اليمن وليبيا.. وهناك بلدان أخرى استطاعت ان تلم شتاتها وترجع لحكم العسكر بشكل او باخر مثل مصر وتونس. الإيرانيون يعرفون ذلك جيدا، ناهيك عن ان ايران بلد نصف ديمقراطي فيه تبادل سلمي للسلطة وحضور قوي للمراة وحراك شعبي ممتاز ويبقى دائه في مجلس صيانة الدستور الذي يقف عائقا في وجه التجديد، الحراك السياسي فيه افضل بكثير من البلدان الأخرى.
ـ . قبل تجارب الربيع العربي الفاشلة في معظمها كانت هناك فرصة لتحول سياسي في ايران على خلفية اتهامات بتزوير الانتخابات الرئاسية عام 2009 لصالح احمدي نجاد. حصل انقسام حاد بين أبناء الثورة الإسلامية انفسهم، ونزل الإيرانيون للشارع. لكن الإيرانيين تجاوزوا تلك المرحلة المهمة فمن الطبيعي جدا انها سيتجاوزون أزمات اقل منها بكثير لاحقا. أيضا حصلت احداث شعبية خرجت عن السيطرة لبعض الوقت على سبيل المثال المظاهرات التي قام بها طلاب جامعة طهران عام 1999 التي استمرت لعدة أيام بسبب اغلاق صحيفة “سلام” وصحف أخرى. ان الإيرانيين يمتلكون تجربة جيدة في استيعاب احداث من هذا النوع.
ـ نعم هناك مقترح لخطة تقشف أعدتها الحكومة الحالية وهذا ما اثار امتعاض الإيرانيين، وقد يدفعهم للنزول الى الشارع بهدف الحيلولة دون تطبيق خطط التقشف. لكن ايران تجاوزت عنق الزجاجة على الصعيد الاقتصادي، وهناك تحسن ولو بطيء في نمو الاقتصاد الإيراني بالقياس للظروف الصعبة التي عاشتها ايران قبل توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب عام 2015، في تلك الفترة كانت ايران منهكة تماما في المستنقع السوري، ناهيك عن جهودها في العراق وأيضا العقوبات على البنك المركزي الإيراني حيث وصلت الأمور بايران انها تعقد صفقاتها بالمقايضة او حتى تشتري سندات من الحكومة العراقية بهدف توفير سيولة بالعملة الصعبة.
اضف لجميع ما تقدم فان اغلب بلدان المنطقة بما في ذلك الخليجية منها اعدت خططا تقشفية غير مسبوقة، وفرضت ضرائب بنسب كبيرة لم تكن متعارفة فيما سبق، وان فرض تلك الإجراءات التقشفية في ايران ليس جديدا وان كان بحد ذاته مؤشرا اقتصاديا سلبيا على الوضع في ايران لكنه لا يعني انهيار الوضع الداخلي اقتصاديا كما يحاول بعضهم تسويقه في وسائل الاعلام.
ـ التحرك الشعبي الحالي في ايران او في أي دولة أخرى لا يلقى استجابة دولية كبيرة خصوصا بعد انشغال العالم بكثير من الملفات المفتوحة والمثيرة للقلق. الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال لم يبد موقفا واضحا داعما للمظاهرات كما كان في السابق، ليس فقط لان بلدان أوروبا تتانى في مواقف من هذا النوع ولكنها أيضا محرجة كثيرا بسبب التطورات التي حصلت في اسبانيا، وانحياز الاتحاد الأوروبي للحكومة الاسبانية على حساب حق تقرير المصير للكتلونيين. وبقي الموقف الأمريكي، الإسرائيلي وبعض البلدان العربية هو الداعم الأكبر بشكل معلن لما جرى في ايران، وهذا ما انعكس سلبا على تلك المظاهرات ودفع الإيرانيين للتوقف عن التظاهرات ضد الحكومة والانخراط في مظاهرات مؤيدة للنظام الإيراني عموما.
ان التدخل الأمريكي السافر والانفعالي اضر كثيرا بتلك الحركة وبكل من أراد ان يستثمرها لتحسين الأوضاع الاقتصادية. وهكذا فان التفوق الإيراني لم يتات فقط من مكر الإيرانيين بل من حماقة خصومهم.
جمال الخرسان

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here