الحشد الشعبي ومستقبل العراق

تشظّى جهاز الأمن العراقي الرسمي الناشئ، في خضم معاركه مع الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتياً، إلى مجموعات عدة تحت مظلة الدولة وباستقلالية عنها. أكبر هذه المجموعات الكامنة خارج السيطرة الحكومية المباشرة، هي قوات الحشد الشعبي (أكثر من 60 ألف مقاتل) التي تحرّكت لضمان الأمن في العراق غداة انهيار القوات المسلحة للدولة في العام 2014. بيد أن هذه المنظمة لاتزال مدعاة إلى الانقسام، وتفتقر كثيراً إلى فهم المحللين لطبيعتها، ومُبتلية بالانقسامات الداخلية، فيما هي تحظى في آن بكلٍ من اعتراف الدولة وتمتثل إلى رغبة وإرادة شخصيات وقيادات غير دُولتية. والتحديات الرئيسة المتعلّقة بقوات الحشد الشعبي هي التي ستحدد وتشكّل طبيعة المستقبل الأمني والسياسي للعراق.

معطيات وحقائق حول الحشد الشعبي

  • تتضمن قوات الحشد الشعبي ثلاث فصائل متمايزة، استناداً إلى ولاءاتها إلى كلٍ من آية الله الخامنئي، وآية الله العظمى علي السيستاني، ومقتدى الصدر.
  • كان دور قوات الحشد الشعبي حاسماً خلال الجهود الأوّلية للتصدي للدولة الإسلامية، بيد أن جهاز الدولة الأمني استجمع قواه منذ ذلك الحين، ما قلّص دور الحشد في المعارك اللاحقة، بما في ذلك الحملة المتواصلة حالياً في الموصل.
  • تجهد حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي للسيطرة على قوات الحشد الشعبي. لكنها بدلاً من دمجها في القوات العسكرية الرسمية القائمة حاليا، عمدت حتى الآن إلى الاعتراف بها ككيان شرعي متفرّع عن الدولة.
  • أضحى الحشد الشعبي حالياً جزءاً من الصراع على السلطة بين القوى الشيعية. وهذا أدى إلى وضع نوري المالكي، الذي يُعتبر “عرّاب” هذه المنظمة، في مواجهة مقتدى الصدر الذي يُحبّذ تقليص دور قوات الحشد والسيطرة عليها.
  • بعض الفصائل الفرعية في قوات الحشد تسنّمت أدواراً سياسية وستسعى إلى استخدام دورها في منازلة الدولة الإسلامية لكسب الأصوات في انتخابات 2018، مُركِّزة على المعارك الرئيسة في تلفار وحويجة، حيث تتصدّر قوات الحشد الصفوف الأمامية في الجبهة.

توصيات السياسة العامة للحلفاء متماثلي التوجُهات

  • فهم المجموعات الفرعية أمر حيوي وأساسي. فقوات الحشد الشعبي ليست كياناً ميليشياوياً شيعياً واحداً موحّدا. والتوصيات السياسية يجب أن تتطرّق على نحو منفصل إلى الأجنحة اليمينية الموالية للخامنئي والوكيلة لإيران في العراق، وبين المجموعات المُوالية للسيستاني ومقتدى الصدر.
  • دعم توجّه الحكومة العراقية إلى تقليص سطوة المجموعات اليمينية الموالية للمالكي. سيسهّل على نحو أفضل دمجها المُحتمل. ويدّعي كلٌ من الصدر والسيستاني أنهما مستعدان لدمج قوات الحشد في جهاز الدولة.
  • سيكون دمج المقاتلين على أساس فردي، وليس كمجموعات، أفضل لمعالجة مشكلة الانتماءات المتعددة. وهكذا، بدلاً من تعيين مجموعات برمتها في فرق جديدة، يجب أن يستند أي دمج لقوات الحشد الشعبي وقوات الأمن الرسمية العراقية إلى الالتحاق الفردي، كي يتم تجنّب انقسام وتوزُّع الولاءات بين الحكومة وبين الانتماءات شبه العسكرية السابقة للأعضاء.
  • ضرورة مواصلة تقديم الدعم الذي تحتاجه جهود الحكومة العراقية لفصل المؤسسات الأمنية والسياسية، ومساندة قرارها برفض مسعى قوات الحشد الشعبي كي تُصبح كياناً انتخابياً. كما يجب أثباط أي حزب من استخدام شعبية قوات الحشد ورمزيته للظفر بأصوات الناخبين.

مقدّمة

في العام 2014، استولى مايُسمى تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث أراضي العراق، بما في ذلك الموصل ثاني أكبر مدن البلاد. وفي الوقت نفسه، سَرَت مخاوف حقيقية من احتمال إطباق مقاتلي الدولة الإسلامية، السنَة في معظمهم، على العاصمة بغداد والسيطرة عليها. ومنذ ذلك الحين، جهدت الحكومة العراقية- بدعم من مروحة واسعة من الحلفاء بينهم الولايات المتحدة وكذلك مقاتلين شيعة وسنّة وأكراد- لاستعادة السيطرة على هذه الأراضي، وتطوّع عشرات آلاف العراقيين في الخدمة العسكرية لتحقيق هذا الهدف.

حين شُنّت الحرب ضد الدولة الإسلامية في العام 2014، انهارت أجهزة الأمن العراقية، مادفع العديد من المقاتلين المتطوعين إلى الانضمام إلى وحدات شبه عسكرية بدلاً من الجيش الواهن أو قوات الشرطة. هذه الوحدات شبه العسكرية المُتفرعة من الدولة تجمّعت تحت مظلة منظمة أُطلق عليها اسم قوات الحشد الشعبي. وعلى رغم أن الرقم المُحدد للحشد غير معروف، إلا أنه ربما يكون في حدود 60 ألف مقاتل.1 بيد أن مصادر أخرى تضعه بين 60 و140 ألف مقاتل. على سبيل المثال، يقول ناطق باسم الحشد إن المنظمة كانت تضم قبل نهاية العام 2016 نحو 142 ألف مقاتل يندرجون في نحو 50 مجموعة.2

لكن، وعلى رغم التضارب والالتباس حول الأعداد، وفي غياب أجهزة أمن رسمية قوية، ساعدت هذه المجموعة بنجاح على تحرير معظم بلدات ومدن العراق منذ تشكيلها.

مع ذلك، لايزال الحشد الشعبي مدعاة للانقسام. فبالنسبة إلى العديد من العراقيين (ومعهم أيضاً جماعات أخرى) الحشد هي وحدات شبه عسكرية مُجازة دينياً (البعض يسميها وحدات الحشد المُقدّس). وكما قال مقاتل من مدينة العمارة: “تستطيع أن تنتقد أي سياسي أو حتى أي رجل دين، لكن ليس في وسعك التحدّث ضد الحشد والشهداء”.3 هؤلاء الشهداء، وفق الكثيرين، ضحّوا بأرواحهم دفاعاً عن الوطن، والمجتمع العراقي يعج هذه الأيام بالأغاني الشعبية، والإعلانات، واللافتات التي تُبجّل قادة وشهداء مختلف المجموعات العسكرية في الحشد.

فالح عبد الجبّار
مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية

بيد أن الأمر مختلف لدى عراقيين آخرين. فالحشد برأيهم هي ميليشيات مثيرة للإشكاليات، ولاتخضع إلى أي مساءلة لا أمام الدولة ولا أمام القانون. على سبيل المثال، اتهمت تقارير منظمتي “هيومان رايتس ووتش” والعفو الدولية الحشد بارتكاب جرائم حرب.4 علاوةً على ذلك، يجسّد الحشد بالنسبة إلى العديد من النقّاد، الجهود الإيرانية والشيعية لممارسة سياسة الغَلَبَة والفوقية في العراق. معروف أنه كان لإيران يد طولى في تنسيق وتنظيم قيادة الحشد التي اجتمعت مراراً وتكراراً بقاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي. وحتى مقتدى الصدر، الذي تخضع وحداته شبه العسكرية إلى قيادة الحشد، أشار إلى الحشد بأنه الميليشيا الوقحة.5 كما انتقد رجال دين من حوزة النجف، بما في ذلك الزعيم الشيعي الأبرز آية الله العظمى علي السيستاني، السلوكيات الاستئثارية لبعض قادة الحشد، خاصة منهم أبو مهدي المهندس.

وهكذا، بات الحشد جزءاً من المشكلة، كما هو جزء من الحل. كثير من أولئك الذين أطلّوا على الحشد بأنه رصيد أمني ومُنقذ في خضم المعركة ضد الدولة الإسلامية في العام 2014، حين كان الجيش العراقي في حالة فوضى شاملة، باتوا يعتبرونه الآن عبئاً وتهديداً للوضع السياسي والأمني للعراق ولإمكان تحسّنه. وبالتالي، سيُواجه العراق في أعقاب معركة استعادة الموصل تحديات كأداء تتعلّق بدور الحشد الشعبي، وسيكون لها تأثيرات عميقة على مستقبل البلاد.

ينغمس العراق حالياً في لُجج صراع سياسي شيعي داخلي تدور رحاه حول السيطرة على الدولة، بين رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي يريد العودة إلى جنّة السلطة، وبين رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي، الذي يحاول أن يحافظ على سلطة الدولة؛ هذا علاوة على رجل الدين مقتدى الصدر المُصمم على ضمان عدم عودة جناح المالكي إلى الحكم. سيكون العامل الحاسم المُرجّح لكفّة أي طرف في هذا الصراع، هو ماذا إذا كانت وحدات الحشد الشعبي ستُدمج في أجهزة الأمن الرسمية القائمة حالياً وتُستخدم لتعزيز الوضع السياسي الحالي في البلاد، أم سيتم الإبقاء عليها كقوات عسكرية منفصلة وموازية يمكن توظيفها لإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني الراهن في العراق.

لايزال الحشد الشعبي مصدر انقسام ويفاقم من حالة اللايقين التي تلف مستقبل العراق بعد معركة الموصل. وهذا أشعل لهيب نقاشات حامية الوطيس، يزيد من حدّتها سوء الفهم وحتى النزعة الطائفية. بيد أن جزءاً من هذا الالتباس يعود إلى أن المراقبين لم يتدارسوا بعد بما فيه الكفاية مسألة الحشد الشعبي بوصفها منظمة وحركة.6 إحدى وسائل تحليل هذه المظلة الفضفاضة والمعقّدة، تستند إلى تحديد وتوصيف الأجنحة الثلاثة المتميّزة التي تُشكّلها، التي يدين كلٌ منها بالولاء إلى شخصية مختلفة: المرشد الأعلى في إيران آية الله علي الخامنئي، ورأس المرجعية الشيعية في العراق آية الله العظمى علي السيستاني، والزعيم الشعبوي العراقي مقتدى الصدر. هذا التحليل ينحو إلى استطلاع رؤية وفهم كلٍ من العراقيين العاديين وقيادات الاجنحة المختلفة في الحشد الشعبي لهذه المنظمة، ولطبيعة الخلافات الداخلية التي تعصف بهذه الجماعات المتنافسة وتشطرها.

من المحتمل أن تخدم البُنية المشاكسة للحشد الشعبي- أي أشتات المجموعات فيها ذات الأهداف المُتباينة- كصمام أمان لضمان ألا تُستخدم المنظمة كمنصة للاستيلاء على الدولة. فالجماعات المُنضوية تحت لواء السيستاني والصدر ستجهد لمنع قيادة الحشد المتحالفة مع المالكي من استعمال نفحة القداسة التي تُضفى على الحركة لإعادة السيطرة على السلطة. والحال أن الاختلافات بين الأجنحة تشي بطبيعة الصراع الدائر للإمساك بزمام الدولة العراقية، حيث يسعى رئيس الحكومة العبادي إلى جعل الحشد جزءاً رسمياً من أجهزة الأمن الحالية التابعة للدولة، فيما يحاول المالكي استخدام الحشد كأداة مُستقلة لإحياء سلطة جناحه الخاص.

كل هذا يوضح مدى أهمية المضاعفات المرتبطة بمصير الحشد، على كلٍ من السياسية الداخلية، وعلى الضوابط والموازين في البلاد. ولذا، تحليل الطابع الغامض والتقسيمي لهذه المنظمة لازب وأساسي ليس لفهم هذه المجموعة وطبيعة تموضعها في المجتمع العراقي وحسب، بل أيضاً لاستشراف الحيوية المستقبلية لمسألة الحوكمة في العراق. ففي العام 2018 سيذهب المواطنون العراقيون إلى أقلام الاقتراع لانتخاب برلمان وطني جديد. ونتائج هذه الانتخابات ستشي بالتوجّه الذي ستسير فيه البلاد، واستتباعاً بما يُخبّئ المستقبل للحشد الشعبي.

تحوّل سياسة بغداد إزاء المجموعات شبه العسكرية

اعتاد الرئيس العراقي السابق صدام حسين المُفاخرة بأن الجيش العراقي هو رابع أقوى قوة عسكرية في العالم.7 لكن في العام 2014، بدأ العديد من العراقيين يزعمون بأن هذا الأخير سيكون محظوظاً إذا ما أصبح رابع أقوى جيش في العراق- بعد الحشد الشعبي، وقوات البيشمركة الكردية، والمقاتلين القَبَليين العراقيين-. والواقع أنه منذ العام 2003، كانت الحكومة العراقية تُواجه تقلبات وتصاريف عدة في محاولاتها لإعادة بناء أجهزة الأمن العراقية غداة الانهيار شبه الكامل للعراق كدولة مركزية واحدة بعد قرار حل الجيش. وهذا أثّر على قدرة الحكومة على إدعاء احتكار شرعية استخدام القوة. ومنذ ذلك الحين، باتت المسألة الأساسية هي العلاقة بين الحكومة المركزية العراقية وبين القوى العسكرية غير الدُولتية.

الموقف التاريخي لحزب الدعوة من الميليشيات

كانت بغداد أحياناً معادية للتشكيلات شبه العسكرية، لكنها عملت في أحيان أخرى كتفاً بكتف مع مجموعات مسلحة. حزب الدعوة كان هو الطرف السياسي الوحيد الذي حكم العراق في حقبة مابعد 2013 الذي أطلّ على الميليشيات اللادُولتية على أنها مسألة إشكالية. كما أنه كان تاريخياً الحزب السياسي الشيعي الأبرز الوحيد الذي لم يشكّل جناحاً عسكرياً- على عكس نظرائه كالمجلس الإسلامي الأعلى في العراق الذي شكّل فيلق بدر كجناح عسكري له حتى العام 2012، والحركة الصدرية بعد العام 2003. نبع افتقاد حزب الدعوة إلى جناح سياسي من إيديولوجية مؤسسه محمد باقر الصدر الذي اعتقد أن مثل هذه الميليشيات تطرح إشكالية. وفي السبعينيات كاد عضو بارز في الدعوة على وشك اغتيال نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، لكنه لم يستطع لأن الصدر لم يُقِر عملية القتل هذه.8

عموماً، وعلى رغم العنف السري الدوري والمتقطع، كان توجُّه حزب الدعوة لعقود مديدة يصب في خانة معارضة العنف غير الدُولتي.

وبالمثل، كان نوري المالكي، الذي تزعّم حزب الدعوة وتسنّم رئاسة الحكومة من 2006 إلى 2014، معارضاً في البداية للميليشيات غير الدُولتية. وخلال هذه الفترة، كانت الدولة لاتزال تطل على التشكيلات شبه العسكرية على أنها إشكالية وغير شرعية. في فترة ولايته الأولى (2006-2010)، حبّذ المالكي شعار “دولة القانون” وروّج له كاسم لكتلته الانتخابية. وهو، على خلاف إرادة إيران، بدأ يستهدف التشكيلات شبه العسكرية، بما في ذلك جيش المهدي، وهي ميليشيا شيعية مرتبطة بمقتدى الصدر، وكذلك القاعدة في العراق، وهي ميليشا سنّية كان يقودها أبو مصعب الزرقاوي. وأشرف المالكي، بدعم من القوات العسكرية الأميركية في العراق، على المحاولات لدمج الوحدات شبه العسكرية، كمنظمة بدر،9 بوزارة الداخلية العراقية.

المالكي يغيّر رأيه

في أوائل العام 2014، انقلب هذا الموقف رأساً على عقب. إذ بدأ المالكي، رئيس الحكومة آنذاك، بدعم 7 فصائل شبه عسكرية والعمل معها، ما سمح لها بمزاولة نشاطاتها رسمياً في العراق. آنذاك، تركّزت توجهات هذه الفصائل على مساندة جهود الدولة العراقية الناشئة لمقاومة للدولة الإسلامية في المناطق المحاذية لبغداد، بما في ذلك جرف الصخر وأبو غريب. ضمّت هذه الفصائل السبع كلاً من منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكتائب سيّد الشهداء، وحركة حزب الله النجباء، وكتاب الإمام علي، وكتائب جند الإمام. وقد استخدم المالكي هذه القوات، وجلّها شيعية، والتي بات يُشار إليها بشكل فضفاض في أوائل 2013 باسم قوات الحشد الشعبي، للتصدي لمقاتلي الدولة الإسلامية وللحفاظ على نفوذه في المناطق ذات الغالبية السنّية.

ماذا كان وراء هذا التحوّل الجذري في التوجه السياسي؟ ثمة عوامل عدة محلية ودولية أملت على المالكي وبعض زملائه في حزب الدعوة اتخاذ قرار الابتعاد التدريجي عن المعارضة التقليدية التي كان يتبناها هذا الحزب للكيانات شبه العسكرية. أحد العوامل السياسية المحلية التي أسفرت عن ظهور هذه الأخيرة في العراق، تمثّل في فشل الدولة في بناء قطاع الأمن في خضم صعود نجم الدولة الإسلامية. ثم جاء سقوط الموصل في صيف 2014 ليخلق بشكل دراماتيكي ضغوطاً إضافية دفعت باتجاه السماح للمجموعات شبه المسلحة بالتنامي والتطور. بدا حينها أن المالكي ودائرته الداخلية فقدا الإيمان بالجيش العراقي غداة هزيمته الماحقة على يد الدولة الإسلامية في الموصل في أوائل حزيران/يونيو. وأسّر وزير الداخلية السابق محمد سالم غبّان في مقابلة خاصة أن “الحشد وُلد من رحم الضرورة. فثُلث العراق كان مُحتّلاً في ذلك الوقت”.10 اكتشف المالكي أن بيروقراطية الدولة المتضخّمة غير فعّالة بفعل تشكُّلِها في إطار المحاصصة الطائفية التي ضمّت أعضاءً من كل الأحزاب الرئيسة الكردية والشيعية والسنّية. ولذا، بدت الميليشيات الشيعية الموالية، وليس التركيبة متعددة الإثنيات المزعزعة والمتداعية للجيش العراقي، طريقة مأمونة وموثوقة أكثر لتوفير هيكلية قيادة وسيطرة أشد إحكاما.

وهكذا، وقّع المالكي فور انهيار الجيش العراقي في حزيران/يونيو 2014 مرسوماً قضى بتشكيل هيئة الحشد الشعبي. هذا المرسوم كان انتهاكاً مباشراً للمادة 9 الفقرة “ب” من الدستور العراقي التي تنص على أنه “يحظّر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة”.11 مع ذلك، كان المالكي قادراً على المضي قدماً في هذه الخطوة اللادستورية بفعل سيطرته المتنامية على الجهاز القضائي وضعف الولاء لدستور البلاد. لَمّ المرسوم شعث مختلف المجموعات شبه العسكرية، التي كان يُعتمد عليها لبعض الوقت، تحت لواء هيئة واحدة منفصلة عن الأجهزة الأمنية الرسمية المُنهارة. والحال أن عجز الدولة عن التصدي لتهديد الدولة الإسلامية، دفع العديدين إلى الاعتماد بدورهم على الكيانات شبه العسكرية وإلى عدم مساءلة المالكي عن خطوته هذه.

ثمة عامل محلي آخر أضفى الشرعية على هذه المجموعات، كَمُن في فتوى آية الله العظمى علي السيستاني حول “الواجب الكفائي”، الذي أفصح عنه أبرز ممثليه الدينيين، عبد المهدي الكربلائي، في حزيران/يونيو 2014. المفارقة هنا أن الشرعية التي أضفتها هذه الفتوى على هذه المجموعات، كانت حصيلة غير مقصودة انبثقت من ثنايا فتوى السيستاني الذي دعا كل المواطنين العراقيين إلى التطوّع في صفوف “القوات الأمنية”، وهذه كانت إشارة إلى الجيش والشرطة الاتحاديَين وليس إلى المجموعات شبه العسكرية السبع التي كانت تعمل إلى جانب حكومة المالكي.12 والواقع أن هذه الفتوى كانت تخلو من أي توجّه طائفي حصري، بل كانت نداء إلى العراقيين كبوتقة وطنية شاملة وليس إلى طائفة بعينها. كما أنها (الفتوى) ابتعدت كلياً عن إثارة النزعة الطائفية من خلال عدم ذكرها الشيعة والعقيدة الشيعية. بيد أن المشكلة كمنت في عدم قدرة السيستاني، وربما عدم استعداده، على الإنفاذ الفعّل للتنبيه الواضح الذي تضمنته الفتوى، كما أعرب عنها ممثلوه.

وهكذا، وعلى رغم نوايا السيستاني هذه، اعتبر المالكي وحلفاؤه- بما في ذلك هادي العامري وقيس الخزعلي- الفتوى أحكاماً تسمح للجميع بالانضمام إلى حلفائه في المجموعات شبه العسكرية، بمن فيها الفصائل السبع التي كانت تنشط خلال السنوات القليلة الماضية. وسرعان ما اتّضح أن هيئة الحشد مكّنت المالكي من الاستدارة بعناية حول فتوى السيستاني الدقيقة في صياغتها. وباستخدامه هذه الرسالة، شنّ المالكي وحلفاؤه حملة واسعة النطاق لتجنيد المتطوعين من خلال مئات المراكز والمكاتب. استندت عملية التجنيد هذه على عملية تلطيخ سمعة الجيش العراقي نفسه الذي خلقوه هم، أي الجيش ذاته الذي يُفترض ان الفتوى دعت المتطوعين إلى الانخراط في صفوفه.13 بالنسبة إلى المالكي وأنصاره، سمحت الفتوى للمجموعات شبه العسكرية السبع الأصلية، ومعها الكيانات الأخرى التي شُكِّلَت لاحقاً، بالخروج من بوتقة السرّية أو شبه السرّية، ومحضتها الشرعية، ما فتح أمامها الأبواب والنوافذ أمام اجتذاب الرأي العام من خلال شبكتي الإذاعة والتلفزيون الخاصين بها، وكذلك من خلال حسابات فايس بوك وتويتر. ولدى هذه المجموعات الآن أسماءها الشرعية الخاصة، وشعاراتها والصور المُعممة علنا. باختصار، أعطى المالكي وفتوى السيستاني ترخيصاً رسمياً لهذه المجموعات للمرة الأولى، ومكّناها من العمل علناً بدعم من أموال الدولة.

اضطر مكتب السيستاني إلى إصدار توضيح، وتوسّع في شرح الفتوى عبر الإدعاء أنها كانت حريصة على حصر التجنيد بعديد الجنود الضروريين للتصدي للدولة الإسلامية. وبالتالي، قال مكتبه “إننا ندعو إلى التطوُّع لمن يستطيع حمل السلام بشرط أن يكون ضمن الأجهزة الأمنية وبالطريقة الرسمية حصراً فقط… يجب تنظيم أمر التطوع قانونياً وبشكل بالغ في الدقة اجتناباً من الفوضى والأعمال غير القانونية مثل إعطاء دور للميليشيات”.14 وقد أكّد العديد من المصادر في مكتب السيستاني الإدعاء بان الفتوى لم تعنِ إرسال المقاتلين إلى الميليشيات، بل تشجيع هؤلاء على الانضمام إلى الأجهزة الأمنية في الدولة.15 ومنذ ذلك الحين، كان مكتب السيستاني يرفض الإشارة إلى الحشد الشعبي بالاسم ويتحدث بدلاَ عن ذلك عن “المتطوعين”.

اعتماد المالكي على إيران

في هذه الأثناء، ساهم نفوذ إيران أيضاً في تعزيز انقلاب المالكي على الخط التقليدي لحزب الدعوة. فقبل فترة مديدة من سقوط الموصل وإعلان فتوى السيستاني، كان المالكي في فترة ولايته الثانية قد بدأ أصلاً يلتف ببطء على معارضته السابقة للمجموعات شبه العسكرية. كان العمل مع هذه المجموعات مطلباً أساسياً طرحته إيران على المالكي.16

كان المالكي، بفعل تقاطع مصالحه مع إيران، قد بات معتمداً على دعمها لمواجهة جيش المهدي التابع للصدر. في المقابل، كانت طهران باشرت تمويل مجموعات منشقّة صغيرة يمكن أن تكون أكثر موالاة لها، على غرار عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله. وقد قَبِلَ المالكي، في حماة جهوده للدفاع عن بقاء حكومته في وجه كل معارضيه، بما في ذلك الصدر واسع النفوذ وجيش المهدي (أكبر ميليشيا شيعية منفردة)، المساعدة الإيرانية، خاصة بعد انسحاب القوات الأميركية في كانون الأول/ديسمبر 2011. والحال أن الظروف هي التي أجبرته أساساً على السماح لإيران برعاية وتلميع قادة ميليشيات مثل قيس الخزعلي وأبو مهدي المهندي المهندس اللذين أصبحا لاحقاً شخصيات نافذة في السياسات العراقية كحلفاء للمالكي. وبالنسبة إلى هذا الأخير، يمكن لهذه المجموعات أن تضمن ألا يُصبح جيش المهدي أكبر قوة شيعية منفردة عسكرياً وسياسياً في العراق، وبأن الصدريين، الذين باتوا على نحو مطّرد خصوماً لطموحات إيران الإقليمية، لن يزدادوا نفوذاً وسطوة. ولذا، اتّجه ضمنياً إلى الاعتراف بقادة الميليشيات المنشقين كحلفاء، بهدف موازنة جيش المهدي.

علاوةً على ذلك، كان المالكي الذي خسر انتخابات 2010 لصالح ائتلاف سياسي معارض يُدعى “العراقية”، مديناً لإيران لدعمها إياه في تشكيل حكومة مابعد الانتخابات بطريقة سمحت له بالبقاء في منصبه كرئيس للوزراء. قبل ذلك، كان المالكي يسير في عكس ماتشتهي السفن الإيرانية، فشكّل إئتلاف دولة القانون تمهيداً للانتخابات المحلية في 2009 ثم الانتخابات الوطنية في 2010. بيد أن خسارة الانتخابات شكّلت مهانة له، وجعلته معتمداً أكثر على طهران لتوفير الدعم الخارجي، خاصة بعد رحيل القوات الأميركية.

تبعاً لذلك، سرعان ما اتّضح أن رئيس الحكومة العراقية يركّز على السير على خطى السياسات الإيرانية في المنطقة- وحتى أكثر من فترة ولايته الأولى-. وبعد 2011، كان من الحاسم بالنسبة إلى إيران أن تقوم المجموعات شبه العسكرية بدعم نظام بشار الأسد في سورية التي كانت ولجت لتوها معارج الحرب الأهلية، الأمر الذي ساعد أيضاً على إعادة تشكيل هيكلية الجيش العراقي. وهكذا أصبح المالكي أبرز رجالات إيران القادرين على إنفاذ سياساتها. وهذا تضمّن تشكيل ميليشيات يمكنها القتال في سورية، وإرسال مقاتلين عراقيين للإنضمام إلى مجموعات ميليشيات سورية، مثل لواء أبو الفضل العباس. ووفقاً لأحد أعضاء المجموعات شبه العسكرية، لم تظهر مليارات الدولارات في حسابات الميزانية العراقية للعام 2012،17 فلم يكن هناك ولا حتى إيصال واحد أو توضيح حول كيفية انفاق هذه الميزانية الاستخبارية المزعومة. ويعتقد العديد من النواب أن هذه الأموال اُنفقت على التشكيلات شبه العسكرية.

كان مثل هذا النقض للتوجّه السياسي السابق مروّعاً، لأن الكثيرين كانوا يتهمون الأسد بإرسال المتشددين الجهاديين- السلفيين إلى العراق لزعزعة حكومة المالكي في فترة الحرب الأهلية بين 2006- 2008. لكن، وبين ليلة وضحاها، أصبح المالكي والأسد المُدافعَين عن العقيدة الشيعية. وقد انطلق المالكي، في ظل قيادة عسكرية إيرانية ولكن بتمويل عراقي، للم شمل مجموعات مُتشددة أو دعمها، وبرّر قراره هذا بأنه يريد حماية مسجد السيدة زينب، التي تحتل مكانة مرموقة في العقيدة الشيعية. هذا المسجد يقع في دمشق. وحين سُئِلَ العديد من أعضاء حزب الدعوة عن أسباب تغيير المالكي لموقفه، أسرّوا للمؤلّفَين أنهم عجزوا عن السيطرة على الجهاديين العراقيين، الذين شعروا بحفز ديني للدفاع عن عقيدتهم ومقاماتهم الدينية ضد السلفيين السنّة الذين يسعون إلى إبادة الشيعة ومحوهم.18

فضلاً عن كل ذلك، أثبتت قوات الحشد الشعبي شبه العسكرية، أنها مهمة وحيوية لجهود المالكي الهادفة إلى الحصول على الشرعية المحلية والحفاظ عليها. فقبل فترة طويل من سقوط الموصل أو فتوى السيستاني، كان المالكي بدأ بالاعتماد على المجموعات شبه العسكرية لمنع تظاهرات الاحتجاج في البلدات السنّية، واستخدم عملياً الأدوات العسكرية غير الرسمية لتنفيذ “الأعمال القذرة”، على حد تعبير مصدر داخلي، ضد منافسيه السياسيين في الداخل أو حتى مهاجمة المُحتجين المدنيين.19 ومنذ العام 2011 وصاعدا، استخدم المالكي المجموعات المسلّحة غير الرسمية لإضعاف خصومه والتحقيق مع حركات المعارضة، خاصة منها الحراك الشعبي السنّي.

استقالة المالكي

باتت المجموعات شبه العسكرية أكثر أهمية للمالكي بعد إطاحته من رئاسة الحكومة في آب/أغسطس 2014.20 كان ينوي في الأساس عدم إخضاع هذه التشكيلات إلى السيطرة المباشرة لوزارتي الدفاع والداخلية. وطالما كان هو رئيس وزراء ويمثّل الدولة بنفسه، كان يبغي إبقاءها تحت سلطة عينه الساهرة، ولهذا بالتحديد كانت هيئة الحشد الشعبي مُلحقة مباشرة بمكتب رئيس الوزراء.

لكن، بعد أشهر قليلة من قيام السيستاني بإضفاء الشرعية على الحشد، وبعد أن استولى تنظيم الدولة الإسلامية على مدن عراقية رئيسة، طلب السيستاني من إيران وقف دعمها للمالكي كرئيس للوزراء، فامتثلت هذه الأخيرة له، وتعيّن على المالكي الاستقالة. وعلى رغم أن انتخابات 2014 كانت المناسية الوحيدة التي حقق فيها المالكي نجاحاً مُبرما، إلا أنه كان لايزال مديناً لإيران ويتعيّن عليه اتبّاع أوامرها والاستقالة. كانت انتخابات 2010 قد أظهرت للمالكي أن أغلبية الناخبين الشيعة ليسوا مضمونين إلى الدرجة التي اعتقدها في البداية. وقد جسّد انتصار “العراقية” التأثير الذي تمثّله أموال دول الخليج وصعود نجم السنّة الذي اعتقد هو أنهم سيبقون أقلية إلى الأبد. وفي سياق مثل هذه الاعتبارات، احتاج المالكي إلى الدعم الإيراني لضمان بقاء الشيعة في سدّة الحكم. أراد المالكي أن تبقى أقوى المجموعات في الحشد الشعبي- خاصة المجموعات شبه العسكرية السبع التي كانت تعمل معه منذ سنوات- لصيقة به. ولهذا نجح في منح الحشد صلاحيات وهيكلية مستقلة ذاتياً. كما حافظ، عبر العمل مع إيران، على نفوذه بين الميليشيات من خلال تزويدها بالأموال، والعتاد العسكري، ومعدات أخرى. كما أنه صَدَحَ بالإيديولوجيا الشيعية التي يتبناها العديد من الميليشيات. وقد أفرز هذا الترتيب الجديد قاعدة قوة إضافية ساعدته على تنظيم حملات الضغط على خلفه، رئيس الوزراء حيدر العبادي، حين ازفّ الوقت المناسب لذلك. كان هدف المالكي استعادة صولجان السلطة.21 وهذه المجموعات تخدم، على الأقل كحد أدنى، كوسيلة في يده للحفاظ على حصة في النظام السياسي.

العبادي والحشد الشعبي

حين استلم العبادي زمام السلطة في آب/أغسطس 2014، وجد نفسه وجهاً لوجه أمام قرار مهم: مايجب عمله مع قوات الحشد الشعبي. كان العبادي قد أعرب في العام 2013 لمؤلّفَي هذه الدراسة عن أساه لبروز مجموعات شبه عسكرية في العراق، مُستعيداً بذلك الخط السياسي التقليدي لزعيم حزبه الدعوة، نوري المالكي.22 المشكلة بالنسبة إلى العبادي أن المالكي بقي نافذاً وحافظ على سيطرته على الحشد الشعبي. ثم أن هذا الأخير كان مستاءً من إطاحته من السلطة، وسعى إلى تجريد العبادي من الشرعية عبر تصوير رئيس الحكومة الجديد بأنه قائد ضعيف. باختصار، برز المالكي بوصفه مقارعاً مباشراً لحكم العبادي البازغ لتوّه.

لم يكن بمقدور العبادي التخلّص ببساطة من المجموعات شبه العسكرية، ولا دمجها في القوات المسلحة العراقية. فالاعتبارات الداخلية نفسها التي أملت على المالكي تغيير الخط السياسي لحزب الدعوة حول مثل هذه المجموعات، كانت لاتزال قائمة وعلى حالها، وهي أساساً قوة إيران وضعف الأجهزة الأمنية العراقية. الدولة كانت عاجزة عن معالجة مشكلة الدولة الإسلامية التي تسعى إلى السيطرة على كل البلاد، بما في ذلك بابل وبغداد ومدينة كربلاء المقدسة. ولذا، مال رئيس الوزراء الضعيف إلى قبول الأمر الواقع المتعلّق بالحشد الشعبي، كما فعل سلفه، بدلاً من تعريض أمن العراق إلى الخطر. علاوةً على ذلك، أدى تدخّل السيستاني إلى جعل الحشد الشعبي مؤسسة مقدّسة في أعين العراقيين. وتبعاً لذلك، لم يكن أمام رئيس الحكومة الجديد من مناص سوى تأييد مرسوم المالكي، ومواصلة سياسة إضفاء الشرعية على الحشد، على رغم نفوره من الميليشيات.

مع ذلك، رغب العابدي في بسط سيطرته على هذه الأطراف غير الدُولتية. في تلك المرحلة، كان مرسوم المالكي الذي محض الشرعية للحشد قد تغيّر بعد مغادرته السلطة- الأمر الذي حوّل هذه المجموعات إلى قوى خارج إطار الدولة مجددا. وبعد عملية صعبة، تمكّن العابدي في شباط/فبراير 2016 من تمرير الأمر الديواني الرقم 91، الذي ينصّ على أن “يكون الحشد تشكيلاً عسكرياً مستقلاً وجزءاً من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة”.23 وهذه كانت محاولة لإعادة مجموعات الحشد الشعبي إلى كنف صلاحيات مؤسسات الدولة. بيد أن المفارقة أن المرسوم لم يصدر حتى تموز/يوليو، مايشير إلى صراع على السلطة خلف الكواليس بين الدولة ممثّلة بالعبادي وبين المجموعات شبه العسكرية القوية، حول حدود وصلاحيات الحشد الشعبي.

شعبية الحشد الشعبي

أحد الأسباب الرئيسة لعدم قدرة العبادي أو سواه من القادة على تحدي مجموعات الحشد الشعبي، يعود إلى الشعبية الواسعة التي تحوزها في أوساط المجتمع العراقي، خاصة بين سكان البلاد الشيعة الذين يحبذون التشكيلات شبه العسكرية. وقد إدّعى استطلاع للرأي في آب/أغسطس 2015 أن 99 في المئة من الشيعة الذين جرى استفتاءهم يؤيدون استخدام قوات الحشد الشعبي لمقاتلة الدولة الإسلامية.24 وأفاد مدير جهاز المخابرات في حكومة العبادي أن نحو 75 في المئة من الرجال بين سنّي الثامنة عشرة والثلاثين تطوّعوا للانضمام إلى الحشد الشعبي قبل حلول ربيع 2016.25 وبما أن هناك متطوعين أكثر مما تحتاج الدولة، بقي معظم طالبي التجنيد غير نشطين ولم يُسجّلوا في القوائم الرسمية للمقاتلين الفعليين.26 ومع تدفّق سيل من المتطوعين من كل محافظات العراق، جنّد الحشد الشعبي عشرة أضعاف ما جنّدته قوات الأمن العراقية.27

لماذا قرر هذا الجمهور العريض الانضمام إلى هذه المجموعات شبه العسكرية وليس إلى الجيش العراقي أو وحدات الشرطة؟

يرجع هذا جزئياً إلى الإرث الضعيف للجيش العراقي، خاصة غداة انهياره وفقدانه ماء الوجه في الموصل في حزيران/يونيو 2014. فطيلة ذلك العام، فقد العديدون الثقة بأن في مقدور جهاز الأمن العراقي الدفاع عن البلدات الشيعية. ووصف بعض المجندين مجزرة معسكر سبايكر، التي قتل فيها متشددو الدولة الإسلامية أكثر من 1700 طالب عسكري جوي تابعين لوزارة الدفاع، غالبيتهم من الشيعة، بأنها مأساة شكّلت دليلاً أخر على الطبيعة الركيكة والضعيفة لجهاز أمن الدولة.28 علاوةً على ذلك، لطّخت روايات الفساد أيضاً سمعة الدولة، كما حدث على سبيل المثال حين كشف وجود 50 ألف جندي شبح على لوائح رواتب الجيش عن مدى انتشار الفساد، ما أطاح بثقة العديدين بالجيش ودفعهم إل البحث عن وسائل أخرى لمنازلة الدولة الإسلامية.29 في المقابل، أبلغ مسؤول في وزارة الداخلية (وعضو بارز في فيلق بدر) المؤلّفين أن الحشد “كان قادراً على القتال في الأشهر الأولى بعد حزيران/يونيو 2014 بشكل أفصل من الجيش وبعتاد أقل.30 ومثل هذه الفعالية جذبت العراقيين إليه.

بالنسبة إلى المتطوعين، كان من الأسهل عليهم الانضمام إلى المجموعات شبه العسكرية عبر هياكل الأحزاب السياسية بدلاً من هيئة الحشد التي بقيت جزءاً من دولة ناشئة وتفتقد إلى مكاتب التجنيد. هذا فيما كانت كل الأحزاب الشيعية تقريباً، وحتى رجال دين منفردين أو نواباً في البرلمان، يفتتحون مكاتب التسجيل. ولأن الدولة نفسها لم يكن لديها مايكفي من المكاتب لتسجيل المتطوعين للجيش العراقي وقوات الشرطة، فقد انضم هؤلاء إلى المجموعات شبه العسكرية التي تمتع العديد منها، بمن فيها المجموعات السبع الأصلية، بآليات التجنيد الموجودة سابقا.

ثمة عامل آخر ساهم في تسهيل جهود التجنيد في مجموعات الحشد الشعبي هو الدعم المؤسسي من لدُن السيستاني والحوزة الشيعية في النجف التي يُشرف عليها. إذ حتى مكتب السيستاني نفسه بدأ بدعم مجموعات معيّنة في الحشد. وعلى رغم أن السيستاني فضّل التجنيد في قوات الدولة، إلا أنه لم يكن قادراً على السيطرة على الجمهور الذي اصطف صفوفاً طويلة في الشوارع للتطوّع. وهكذا، جرى تشكيل العديد من المجموعات غير العسكرية لحماية المقامات والمراقد المقدسة الشيعية، وكذلك مدن عراقية مثل كربلاء. كما قرر السيستاني والمراجع الشيعية العراقية التوصّل إلى حلول وسط عبر توفير الدعم المؤسسي لقوات الحشد الشعبي، وإن لم يشمل ذلك الدعم السياسي أو محضها الشرعية العلنية. وتجدر الملاحظة هنا أن خطوط التمييز بقيت ضبابية، حيث واصل مكتب السيستاني الإشارة إلى أفراد المجموعات شبه العسكرية على أنهم “متطوعون” بدلاً من استخدام تعبير قوات الحشد الشعبي، خوفاً من شرعنة مثل هذه التشكيلات. لكن، وعلى رغم من دعم السيستاني المحدود هذا، قرر العديد من العراقيين امتشاق السلاح بحفز من واجبهم الديني الخاص بالانصياع إلى فتوى السيستاني وحماية المقامات الدينية الشيعية.31 وهكذا، قال مجنّد بشكل جازم إنه لايفكّر لا بزوجته ولا بأولاده، بل يركّز على واجباته الدينية التي تمليها عليه الفتوى.32

يستطيع معظم العراقيين الارتباط بهذه المجموعة أو تلك من قوات الحشد الشعبي، بسبب كون هذه الأخيرة مظلّة واسعة تضم مروحة من التشكيلات. ولذا، فهي تشمل قطاعات واسعة من المتطوعين الموالين لكل الأحزاب السياسية الشيعية، علاوة على متطوعين من المسيحيين والعرب السنّة والتركمان الشيعة. هذه المجموعات لها دوافع متباينة، فمثلاً سعى العديد من التركمان الشيعة إلى الحصول على رعاية الحشد الشعبي بهدف زيادة استقاليتهم عن الأكراد ومواجهة أشقائهم التركمان السنّة الذين اندرجوا في صفوف الدولة الإسلامية.

أدّى فشل النواب السنّة في إقرار قانون الحرس الوطني في البرلمان، والذي كان سيُخضع المقاتلين إلى الوحدات العسكرية المحلية، إلى عدم وجود قوات رسمية قادرة على استيعاب المتطوعين، مادفع السنّة الذين يريدون مقاتلة الدولة الإسلامية إلى الانضمام في البداية إلى قوات الحشد. وقد أُطلق عليهم لاحقاً اسم حشد العشائر. كما يمّمت حركة الصحوة السنّية، التي تشكلّت من مجموعة قبائل السنّية كانت عاودت العام 2008 الارتباط بالحكومة المركزية وتلقّت أموالاً منها، وجهها صوب قوات الحشد الشعبي طلباً للمال والدعم. الاستثناء الوحيد هنا كان سنّة الموصل، بما في ذلك قبيلة شمّر،33 الذين عملوا عن كثب مع البيشماركة الكردية. لكن، قبل نهاية العام 2016، كان حتى المحافظ السابق لنينوى أثيل النجيفي قد لجأ إلى الحشد لتمويل وتسليح مجموعته شبه العسكرية الخاصة. بيد أن العلاقة التي تربط بين القادة القَبَلِيين والسياسيين هي مجرد زواج مصالح يستند إلى الحاجة المشتركة للقتال. وهكذا، بين رُحى الضغوط السياسية وبين الشعبية الكاسحة التي دفعت إلى صعود نجم الحشد الشعبي، كانت الأبواب تُشرع على مصراعيها لهذا المنحى، ولم يعد ثمة مجال للعودة القهقرى إلى الوراء.

أي مجموعات تشكّل الحشد

في كانون الأول/ديسمبر 2016، بدا أن قيادة قوات الحشد الشعبي تشرف على زهاء 160 ألف شخص تحت السلاح،34 لكن البرلمان العراقي، ولاعتبارات تتعلّق بالموازنة، لم يعترف سوى بـ110 آلاف مقاتل.35 وقد ضمّت هذه القوات نحو 50 مجموعة تتباين أحجامها مابين حفنة مئات وعشرات آلاف المقاتلين في كلٍ منها.

كي يتسنى لنا فهم الحشد الشعبي الذي يُعتبر أحجية وبلا ملامح محددة، يمكن تصنيف وحداته المكوّنة له استناداً إلى ركائزها الإيديولوجية، التي تشمل وجهات نظرها حول قضايا مثل ما إذا كان من الضروري التدخّل في سورية، أو التعاون مع الحكومة العراقية، أو الاندماج في خاتمة المطاف في جهاز الدولة، أو دعم ونشر النفوذ الإيراني في العراق، أو تحوّل أعضاء الحشد إلى العمل السياسي. وفي هذا السياق، تندرج المجموعات التي تشكّل الحشد في ثلاث فئات كبرى متميّزة: الموالون للخامنئي، الموالون للسيستاني، والموالون للصدر.36 ويمكن التعرُّف على هذه المجموعات من خلال استشفاف رأيها في ما يجب أن تؤول إليه الأمور لاحقا، حيث أن المجموعتين المؤيدتين للسيستاني والصدر تدعوان إلى حل أو دمج المجموعات شبه العسكرية، فيما تطالب المجموعة المؤيدة للخامنئي باعتراف الدولة بقوات الحشد الشعبي كمؤسسة مستقلة. والعبادي، الذي يمثّل الدولة، معلّقٌ في الهواء بين هذين الطرفين.

الجناح المؤيد للخامنئي

المجموعات الأقوى في الحشد هي تلك التي تحافظ على علاقات وثيقة ومتينة مع طهران وتدين بالولاء الروحي للمرشد الأعلى الإيراني علي الخامنئي. وهي، تبعاً لذلك، حظيت برعاية إيران بكونها حليفاً سياسياً وعسكرياً يُعتد به، وتلقّت تمويلاً أكبر وامدادات أوفر من طهران قياساً بالمجموعات الأخرى في الحشد.

تضم المجموعة المؤيدة للخامنئي عدداً من التشكيلات شبه العسكرية الصغيرة نسبياً التي أسستها إيران، والتي تعمل لصالحها. ويفاخر قادة هذه التشكيلات علناً بهذا الانتماء، ويعلنون ولاءهم الديني لآية الله الخامنئي ولمبدأ ولاية الفقيه، بدلاً من اعتبار آية الله العظمى السيستاني في النجف مرجعيتهم. وتشمل هذه المجموعة على سبيل المثال سرايا الخراساني، وكتائب حزب الله، وكتائب أبو الفضل العباس، وغيرها. والواقع أن هذه المجموعات هي أذرع لوحدات الحرس الثوري الإيراني ولجهاز المخابرات الإيراني “إطلاعات”.

يفيد هذا الجناح في ترقية المصالح الإيرانية في سورية وأيضاً في حماية المناطق الحدودية الإيرانية، كما يسعى إلى توفير جسر لإيران كي تمدّد نفوذها في بلاد المشرق.37 ويتحدر أفراد هذا الجناح من مناطق عربية نائية تمتد من البصرة في الجنوب إلى ديالى في الشمال، وهو يخدم كنوع من حرس الحدود، أي كبوليصة تأمين إيرانية ضد التهديدات المُنبعثة من الحدود المجاورة.

بيد أن العناصر الأشهر في هذا الجناح المؤيد للخامنئي تتكوّن من الأجنحة اليمينية المُتشددة العراقية التي أضحت من اللاعبين السياسيين. كل الموارد العسكرية لهذه الجماعات- بما في ذلك السلاح الثقيل والطائرات من دون طيار والمستشارين العسكريين- تتدفق من طهران، فيما التمويل والشرعية السياسية يأتيان من بغداد. وتعتبر هذه المجموعات شبه العسكرية إما أحزاباً سياسية مكتملة النمو أو على الطريق لتؤسس لتمثيل سياسي تمهيداً للانتخابات البرلمانية والمحلية المقررة العام 2018. وهي وثيقة الصلة للغاية بالمالكي الذي قال في مقابلة في آذار/مارس 2016 إن “قوات الحشد الشعبي باتت بالفعل من القوى السياسية”.38 تجدر بالإشارة هنا إلى أن هذه المجموعة تشمل منظمة بدر وعصائب أهل الحق، وكلتيهما مُمثلتين في البرلمان.

نجح المالكي، من خلال إيران، في إقناع هذه المجموعات بأن تصبح لاعباً سياسياً والانضمام إلى إئتلاف دولة القانون في الانتخابات البرلمانية العام 2014. وعلى رغم أن هذه الميليشيات شُكِّلت أساساً كتشكيلات عسكرية، إلا أنها تحوّلت الآن إلى أحزاب سياسية مكتملة النمو بتوجيه من المالكي. وقد انشقّ هادي العامري وفيلق بدر، الذي كان الذراع العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي منذ تأسيسه في الثمانينيات، عن المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم وأصبح كياناً سياسياً مُستقلاً في العام 2012. الأسباب الرئيسة لهذا الانشقاق كانت نزاعاً إيديولوجياً مع المجلس الأعلى الذي تحوّل من الخامنئي إلى السيستاني العام 2007، إضافةً إلى تنافس داخلي على السلطة بين الحكيم وبين العامري الذي طوّر على نحو مطرد طموحاته السياسية. وقد قررت منظمة بدر، بإيعاز وإغراء من المالكي، الانشقاق عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي. وفي 2014، خاضت بدر المعركة الانتخابية تحت لواء إئتلاف حكم القانون وحصدت 22 مقعداً برلمانياً (من أصل 328).39 وبالمثل، تم تشجيع عصائب أهل الحق على الانشقاق عن جيش المهدي الصدري وانتهجت في نهاية المطاف توجهات سياسية خاصة بها. وقد خرجت العصائب عن طوق الصدر، لأنه بدأ ينتقد على نحو متزايد النفوذ الإيراني في العراق. خاضت العصائب الانتخابات باسم “الصادقين” وفازت بمقعد واحد.40 وثمة فصيل شبه عسكري آخر شبيه بالعصائب هو كتائب التيار الرسالي الذي يرئسه الصدري السابق والحليف الحالي للمالكي عدنان الشحماني.

باختصار، يمكن توصيف هذه المجموعات شبه العسكرية السياسية بأنها حركة يمينية داخل قوات الحشد الشعبي. وهذا الجناح “استيعادي” بمعنى أنها يسعى إلى إعادة حكم المالكي، وأعضاؤه يدينون بالولاء اللفظي للسيستاني لكنهم في الحقيقة يوالون خامئني.

الجناح المؤيّد للسيستاني

الجناح الثاني في الحشد الشعبي يضم العديد من التشكيلات شبه العسكرية غير المسيّسة التي تدين بالولاء للسيستاني، وهي تشكّلت بالتحديد بناء على فتوى السيستاني للدفاع عن المقامات المقّدسة والمناطق الشيعية ضد مايسمّى بالدولة الإسلامية. آنذاك، كان ثمة تخوّف حقيقي من أنه يمكن للدولة الإسلامية أن تدمّر المقامات والمزارات الشيعية في بغداد وأمكنة أخرى. كان هناك أربع مجموعات رئيسة نظمّها النجف: سرايا العتبة العباسية، وسرايا العتبة الحسينية، وسرايا العتبة العلوية، ولواء علي الأكبر. كل اسم من هذه الأسماء يتطابق مع أحد المزارات الكبرى الأربع في القاظمية وكربلاء والنجف. ووفقاً للعديد من قادة وأعضاء هذه المجموعات، فإن هذه الأخيرة ستُحَل حين ينجلي تهديد الدولة الإسلامية،41 إذ أن أولويتها هي الحفاظ على سلامة المناطق الشيعية وإطاعة إرادة السيستاني، وهذا يشمل الاستعداد في نهاية المطاف لحل أو دمج هذه المجموعات في القوات المسلحة العراقية.

المجلس الأعلى الإسلامي العراقي يدين بالولاء هو أيضاً للسيستاني. وفي العام 2007، قام بتحوّل تكتيكي بعيداً عن إيران، في مسعى منه لإحياء شعبيته الواهنة. وبعد أن انشقت منظمة بدر عن المجلس الأعلى نتيجة لهذا التحوّل، شكّل الحكيم وحدات شبه عسكرية أخرى شملت سرايا الجهاد وسرايا العقيدة وسرايا الشورى.

الفصيل الموالي للصدر

تأسست سرايا السلام بقيادة مقتدى الصدر مباشرةً بعد مجزرة معسكر سبايكر بشعة السمعة في حزيران/يونيو 2014. فعلياً، كانت هذه الفرقة عبارة عن جيش المهدي، إنما تحت مسمّى جديد، بعد أن كان جيش المهدي قد جُمِّد في العام 2008، لكنه احتفظ بعدد كبير من كوادره وخبراته وشبكاته الاجتماعية. وقد تمت إعادة تعبئة هؤلاء بسهولة لأنه كانت لدى الصدر تجربة أكبر مع المجموعات شبه العسكرية مقارنةً مع القادة الآخرين لمثل هذه المجموعات.

كشفت أحاديث مع قياديين في التيار الصدري أنه لدى سرايا السلام قدرة افتراضية على بناء جيش من مئة ألف عنصر، وأن عدد المسجّلين على قائمة المتطوعين لدى التيار الصدري ربما يتخطى ذلك العدد.42 وبحسب قادة الفصيل، لم يكن العائق أمام تحقيق قدرتهم الفعلية عدد المتطوعين إنما غياب الموارد – ولاسيما المال والمعدات العسكرية. والسبب هو حرمان الصدريين إلى حد كبير من التمويل الإيراني، خلافاً للمجموعات في الفصيل الموالي للخامنئي.43

يستمد التيار الصدري، وامتداداً جناحه شبه العسكري، شرعيته من وجوده على الأرض في العراق قبل العام 2003. فعلى النقيض من عدد كبير من الأحزاب السياسية والأجنحة العسكرية الأخرى، لم يكن الصدريون جزءاً من نخبة الشتات التي عادت إلى العراق إبان الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003. فقد ظل التيار قريباً من المواطنين العراقيين العاديين وليس من النخب في البلاد، وهو يقرن الوطنية بالسلطة الدينية محلية المنشأ المُستمدّة من اسم عائلة الصدر، ويُصوِّر مقتدى الصدر الآن بأنه سلطة فقهية أكثر منه زعيماً سياسياً.

اختطّ الصدر مساره الخاص، مثيراً حفيظة القادة الإيرانيين الذين استثمروا الكثير في جيش المهدي بين العامَين 2003 و2010، حتى إنه يُشاع أنهم وصفوا الصدر سابقاً بأنه حسن نصرالله العراق، في إشارة إلى أمين عام حزب الله في لبنان.44 اليوم، يحافظ الصدر وجناحه شبه العسكري على موقف مناهض لإيران، ويعارضون وجود أي قوات أجنبية في العراق. لقد تباهى الصدريون مثلاً أنهم أول من نظّموا احتجاجات ضد وجود القوات التركية في بلدة بعشيقة في أيلول/سبتمبر 2016.45

غير أن هذه الروح الاستقلالية تولّد بعض التشوش والارتباك حول دور سرايا السلام في قوات الحشد الشعبي. فتارةً يزعم الصدريون أنهم جزء من هذه القوات، وطوراً يزعمون أنهم لاينتمون إلى الحشد الذي يضم تنظيمات عدة. ويعود ذلك في جانبٍ منه إلى رفض الصدر المجموعات الموالية للخامنئي في صفوف الحشد الشعبي، وفي شكل عام رفضه للنفوذ الإيراني ولدور المالكي في العراق. وفي الوقت نفسه، يجد الصدريون أحياناً أنه من المفيد أن يصوّروا أنفسهم بأنهم جزء من الحشد، نظراً إلى شعبية هذا التنظيم في أوساط العراقيين.

النزاعات بين فصائل الحشد الشعبي

جاء إنشاء قوات الحشد الشعبي نتيجة الاستقطاب إبان الانتخابات العراقية في العام 2014، وصعود نجم الدولة الإسلامية في العديد من البلدات والمدن. كان حزب الدعوة المُنقسم على نفسه بوجود رئيس وزراء منتهية ولايته إنما مصمم على استعادة حكمه، السبب وراء بثّ هذه الأجواء. وساهمت قوات الحشد الشعبي، بعد تشكيلها، في تفاقم حالة الاستقطاب في البيئة السياسية لأسباب إيديولوجية وإدارية على السواء، ما أدّى إلى تصدُّع التكتلات المذكورة آنفاً.

خطوط الصدع الاستراتيجية

تتسبّب سلسلة من خطوط الصدع السياسية والأيديولوجية بانقسام الفصائل الثلاثة الأساسية في قوات الحشد الشعبي حول مسائل جوهرية، كالانخراط مع حكومة العبادي، أو التدخّل في سورية، أو القبول بالاندماج في القوى الأمنية القائمة حالياً في العراق بعد أن تضع المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية أوزارها.

في ما يتعلق بالانخراط مع الحكومة المركزية، لاتزال المجموعات الموالية للخامنئي في قوات الحشد الشعبي تُبدي حذراً من التعامل مع العبادي. فهم يعتبرون ويروّجون أنه رئيس وزراء ضعيف وغير قادر على بسط الأمن في البلاد. وقد انتقد المالكي، في عدد من المناسبات، عجز العبادي عن ممارسة الحكم وبسط الأمن والاستقرار السياسي في العراق،46 وهدفه تشويه سمعة العبادي في مسعى منه للعودة إلى السلطة.

أدلت شخصيات أخرى موالية للخامنئي بدلوها في تصريحات مشابهة ضد رئيس الوزراء. وهكذا، غالباً ما ينتقد هادي العامري، الذي غضب لأن العبادي لم يخترهُ لتولّي منصب وزير الداخلية، أسلوب رئيس الوزراء في التخطيط الحربي. فعلى سبيل المثال، خلال الاستعدادات لمعركة الفلوجة في حزيران/يونيو 2016، زعم العامري أن العبادي يرتكب خيانة بحق أبناء الفلوجة (في محافظة الأنبار)، عبر تحويل تركيزه نحو جبهة أخرى وإرسال آليات مدرّعة إلى مدينة مخمور للمشاركة في المعركة على الموصل (في محافظة نينوى). كذلك أعرب العامري عن اعتراضه على خطط العبادي بصورة عامة، مدّعياً أن من شأنها تهميش قوات الحشد الشعبي في معارك الرمادي والفلوجة والموصل لمصلحة الجيش.47 وانتقد العامري، في مناسبات كثيرة، رزم الإصلاح التي أعدّها العبادي ومحاولاته إرساء حوكمة رشيدة.48 كذلك غالباً ما وجّه أبو مهدي المهندس، الذي أصبح مدير شؤون الحشد الشعبي، انتقادات إلى رئيس الوزراء على خلفية سياساته المالية والإدارية. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، وجّه رسالة استهجان إلى العبادي اشتكى فيها من أن رئيس الوزراء لايسدّد الرواتب والأموال اللازمة إلى الحشد الشعبي، ما يشكّل بالتالي خطراً على آفاق الحرب ضد الدولة الإسلامية.49 أما الخزعلي، من جهته، فقد طرح المفهوم السياسي الخاص بنظام رئاسي قوي يتزعمه قائد جديد وقوي.50 باختصار، يعتبر أنصار الحشد الشعبي الموالون للخامنئي أن العبادي ليس ضعيفاً وحسب إنما أيضاً مضلَّل، ولذلك لايبدون استعداداً كبيراً للعمل مع الحكومة، وينشطون في انتقادها.

في المقابل، ظلّت الفصائل الموالية للسيستاني وللصدر أكثر اصطفافاً إلى جانب الجهود التي يبذلها العبادي. الجزء الأكبر من هذا الدعم نابعٌ من الرغبة في إحباط المساعي التي يبذلها المالكي وحلفاؤه للعودة إلى السلطة. فكلٌّ من السيستاني والصدر متخوّفين من تعاظم النفوذ الإيراني في العراق. والأهم أنهما يعتبران أن المالكي كاد يودي بالدولة إلى الانهيار خلال تولّيه رئاسة الوزراء، ويبديان خشيتهما من أن تؤدّي عودته إلى سدة القيادة إلى استفحال المشاكل. على سبيل المثال، صرّح قيادي بارز في كتلة الصدر في مجلس النواب في خريف 2016، أن هذا الأخير سيدعم العبادي في رزمته الإصلاحية.51 علاوةً على ذلك، قدّم الصدر دعمه لوزير الدفاع السابق في حكومة العبادي، خالد العبيدي، قبل أن يعمد حلفاء المالكي في مجلس النواب إلى عزله من منصبه.52 وقد أسرّ مستشارو الحكيم أيضاً أنهم مستعدّون للعمل مع الحكومة المركزية في حال تلبية مطالبهم.53 وتشمل هذه المطالب الحفاظ على بعض الحقائب الوزارية والمناصب في الخدمة المدنية المرتبطة بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية. كما أنهم نأوا بأنفسهم عن توجيه انتقادات مباشرة وتهجّمية إلى العبادي، والتي أصبحت رائجة في أوساط الشخصيات الموالية للخامنئي.

من خطوط الصدع الأخرى التدخّل في سورية، حيث لايزال الفصيل الموالي للخامنئي قريباً من إيران في هذا المجال، ويؤيّد التدخل في سورية. كما يواصل عدد كبير من هذه المجموعات، ولاسيما التنظيمات شبه العسكرية السبعة التي ظهرت في البداية، متعاطفاً مع نظام بشار الأسد ويُبدي استعداداً للمساعدة على الدفاع عن دمشق. بيد أن داعمي السيستاني والصدر اعترضوا على التدخل دفاعاً عن نظام الأسد. حتى إن الصدر انتقد حسن نصرالله وحزب الله بسبب تدخلهما الرسمي في سورية في العام 2014،54 واعتبر أنه ينبغي على التيارات والأحزاب الشيعية أن تقتصر على العمل ضمن نطاق اختصاصها بدلاً من تعقيد أنشطتها السياسية عبر التدخل في شؤون بلدان أخرى. كذلك انتقد الميليشيات الشيعية العراقية على تواجدها في سورية. ويُبدي عدد كبير من المجموعات الموالية للسيستاني، من جهته، اهتماماً بالدفاع عن الأراضي والمقامات الدينية الشيعية في العراق أكثر منه بالتدخل في سورية.

دمجُ الحشد الشعبي في الأجهزة الأمنية القائمة في العراق مسألة خلافية أخرى. إذ يبقى الفصيل الموالي للخامنئي الأشد حذراً وتخوّفاً من الاندماج ببساطة في الجيش العراقي أو قوات الشرطة. وبحسب عدد كبير من هذه المجموعات، لاتزال دولة مابعد العام 2014 تعاني من ضعف شديد. لكن، وهذه هي النقطة الأهم، ليست هذه المجموعات مستعدّة للتخلي عن مواقع النفوذ التي تتمتع بها حالياً من أجل الخضوع إلى قيادة مركزية على رأسها قائدٌ مثل العبادي لاتمحضه ثقتها. فالحيّز غير الحكومي الذي تشغله هذه المجموعات راهناً يمنحها استقلالية ذاتية أكبر. أما إيران فتفضّل من جهتها الاحتفاظ بمجموعة قوية من الحلفاء في مجلس النواب بإمكانهم وضع كوابح للدولة العراقية في حال قررت بغداد اتّباع سياسات مناهضة لإيران. بيد أن معظم المجموعات التابعة للسيستاني والصدر أبدت استعداداً للاندماج في جهاز الدولة، أو حتى لحل كل مجموعاتها شبه العسكرية. وقد أشار نواب التيار الصدري، في مناسبات عدة، إلى أن الصدر مستعد لحل تنظيم سرايا السلام شبه العسكري شرط أن تتمتع الدولة بالقوة الكافية.55 على رغم أنه من الصعب إلزامه بالوفاء بتعهده بالاستناد فقط إلى أقوال صدرت عنه، إلا أنه أقرّ، شفوياً على الأقل، بأن الميليشيات ليست جيّدة لبناء الدولة.

من خطوط الصدع الإضافية في صفوف مجموعات الحشد الشعبي الحركة الاحتجاجية في العراق، التي انطلقت في صيف 2015 ونمت سريعاً بعدما باشر الصدر المشاركة فيها في أيلول/سبتمبر 2015، ومن ثَمَ انضم إليها في شكل كامل في ربيع 2016. يعبّر المتظاهرون عن امتعاضهم من عجز الحكومة عن تأمين الخدمات الأساسية، ماقد يشكّل بداية تحوُّل نحو سياسة مستندة إلى قضايا داخلية في العراق. في المقابل، أظهرت المجموعات الموالية للخامنئي مؤشرات واضحة عن معارضتها لتحركات المحتجّين، مطالبةً باتخاذ إجراءات حازمة ومشدّدة لمواجهة هذه “التمردات” – وهو مصطلح شائع تستخدمه شخصيات عدة تابعة لتلك المجموعات.56 وقد أسرّ المالكي والغبان وسواهما أن الليونة التي يظهرها العبادي في التعامل مع الحركة الاحتجاجية خطأ فادح. في بعض الحالات، وجّه المالكي وحلفاؤه وابلاً من الانتقادات إلى المحتجّين، واصفين إياهم بالكفّار أو المتمردين أو عملاء الخارج.57 وقد قام قياديون من الحشد الشعبي موالون للخامنئي بزيارة مدحت المحمود، رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، تعبيراً عن دعمهم له، في الوقت الذي كان المحتجّون يطالبون بإقالته. وعلى النقيض، أظهرت المجموعات المرتبطة بالسيستاني والصدر تعاطفاً أكبر بكثير مع الحركة الاحتجاجية.

يتمثّل أحد خطوط اتصدع الكامن خلف العديد من المسائل الواردة أعلاه، في النفوذ الإيراني. فمن الواضح أن المجموعات الموالية للخامنئي تبقى حليفة مقرّبة من طهران تساعدها على التأثير في مسار الأحداث في سورية والعراق. ويُعلن عدد كبير من هذه المجموعات اليمينية عن ولائه الفقهي (وامتداداً السياسي) لآية الله الخامنئي (مرجع التقليد، أي التشبّه بالمرشد الأعلى)، باعتباره سلطة دينية تسمو فوق الانتماءات المجتمعية والوطنية. ومن الشخصيات الأخرى أبو مهدي المهندس الذي هو بمثابة كبير مديري الحشد الشعبي، والذي بدأ مسيرته مع الحرس الثوري الإسلامي في العام 1983، ويتّهمه الإنتربول الدولي بتأدية دور ناشط في العمليات التي نُفِّذت في الكويت في تلك المرحلة.58 اليوم، يحافظ المهندس على علاقات جيدة مع الحرس الثوري الإسلامي. وفي العام 2006، وجّه سامي العسكري، أحد مستشاري المالكي، انتقادات إلى المهندس لجلوسه في الجانب الإيراني بدلاً من الجانب العراقي في وفدٍ ضم مسؤولين من الدولة العراقية خلال زيارة رسمية إلى طهران.59 ولاحقاً أنشأ المهندس كتائب حزب الله في العراق. ويعتقد كثرٌ في بغداد، حيث تكثر الشائعات، يعتقد كثرٌ أن المهندس يتحدّر فعلياً من أصل إيراني، بيد أن المسألة الأوسع هي أنه أصبح بكل وضوح حليفاً لإيران في العراق.

غير أن الفصائل الموالية للسيستاني وللصدر لاتزال حذرة من الدور الإيراني في العراق. فقد نشبت خلافات في بعض الأحيان بين الصدريين والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة الحكيم من جهة، وبين طهران من جهة ثانية. وخلال احتجاجات التيار الصدري في ربيع 2016، صرخ المشاركون: “إيران برا، برا”.60 يتبنّى أنصار الصدر، عن طريق التظاهرات في الشارع، الوطنية العراقية، ويدفعون باتجاه التغيير، بما في ذلك مثلاً من خلال إجراء إصلاحات في منظومة الكوتا العراقية المستندة إلى الهوية في الخدمات المدنية والمسلحة، وكذلك إصلاح الحشد الشعبي.

خطوط الصدع الإدارية

تسبّب الحشد الشعبي أيضاً بظهور معضلة إدارية. فقد صادق العبادي على هيئة الحشد الشعبي التي أنشأها المالكي لتكون مسؤولة عن تجنيد العناصر في التنظيمات شبه العسكرية التابعة للحشد، وتسديد رواتبهم، والتواصل مع تلك التنظيمات. وبعد رسالة الاستهجان التي أرسلها المهندس إلى العبادي، أعلن رئيس الوزراء أن مكتبه سيباشر تسديد رواتب الحشد، واعداً بتخصيص مليار دولار في السنة لهذا الغرض.61 وبحسب أحد النواب، يتم تأمين هذا المال عبر حسم نسبة ثلاثة في المئة من رواتب موظفي الخدمة المدنية، بما يساهم في توفير مبالغ لمساعدة النازحين داخلياً وتمويل الحشد الشعبي.62 قبل ذلك، كان الجزء الأكبر من موازنة المجموعات شبه العسكرية مصدره إيران.63 الآن، أصبحت الهيئة مسؤولة عن الإشراف على هذه الملفات.

رسمياً، تخضع هيئة الحشد الشعبي إلى سلطة مكتب رئاسة الوزراء. ولدى تسلّم العبادي منصبه، كان مهتماً بالسيطرة على الهيئة وإبعاد القياديين الموالين للخامنئي. لهذه الغاية، عيّن فالح الفياض رئيساً للهيئة، في حين جعل المهندس نائباً للرئيس. وعلى غرار المهندس، الفياض هو أيضاً صديق لإيران، وقد أثنى في الماضي على دور قاسم سليماني وفيلق القدس في الدفاع عن العراق.64 لكنه مقرّب من ابراهيم الجعفري الذي كان على امتداد أعوام عدة، في خصومة مع المالكي في حزب الدعوة، وقد وجد العبادي في ذلك فرصة سانحة للتصدّي لنفوذ المالكي.

على رغم هذه المحاولة، عجز العبادي إلى حد كبير عن كبح تأثير القادة العراقيين الموالين للخامنئي. فمع أنه يُفترَض بالهيئة أن تخضع إلى سلطة مكتب رئاسة الوزراء، قال عدد كبير من المستشارين لكاتبَي هذه السطور، إن السلطة الحقيقية تتمثّل في علاقات الهيئة مع وزارة الداخلية التي تديرها منظمة بدر، المنظمة اليمينية البارزة في الحشد الشعبي. وبسبب هذا الرابط مع منظمة بدر، يحمل الأفرقاء النافذون الموالون للخامنئي في وزارة الداخلية ثقلاً أكبر من مكتب رئاسة الوزراء.65 وزعم أحد المسؤولين في وزارة الداخلية أن أكثر من سبعين في المئة من موظّفي الو يكنّون الآن الولاء للمجموعات شبه العسكرية – ولاسيما منظمة بدر.66 يتيح ذلك لطهران الاستمرار في ممارسة سطوة كبيرة على الهيئة.

كما أن تأثير الفصيل الموالي للخامنئي على الحشد الشعبي، يعنزارةي أن المهندس بقي الشخصية الأكثر نفوذاً في الهيئة، على الرغم من أن الفياض هو رئيسها. فمنذ العام 2014، أتت معظم البلاغات والبيانات الصادرة عن الحشد الشعبي، على ذكر المهندس وليس الفياض.67 وبعدما بات واضحاً أن قيادة الهيئة – لاسيما المهندس – موالية للخامنئي، باشر كل تنظيم شبه عسكري يدّعي أنه جزء من الحشد الشعبي، إرسال أسماء المجنّدين للموافقة عليها كي يتم تسديد رواتب المقاتلين. بدايةً توافق وزارة الدفاع على هذه الأسماء، ثم يتم إرسالها إلى وزارة الداخلية، قبل أن تعطي الهيئة الموافقة النهائية.

نظراً إلى أن عدد المقاتلين المحتملين أكبر من عدد الرواتب المتوافرة لعناصر الحشد الشعبي، بات السؤال المطروح: مَن يحدّد كيفية توزيع هذه الأموال المحدودة؟

بما أن المهندس والعامري يفرضان إلى حد كبير سيطرتهما على الهيئة، يبرزان أيضاً في دور مديرَي الحشد الشعبي المسؤولَين عن توزيع الرواتب. لم يتمكّن العبادي من السيطرة على تخصيص الأموال، فجُلّ ما استطاع فعله هو إرسال المال الموعود إلى الهيئة. وبات ذلك واضحاً عندما ظهر إلى الواجهة انتقاد المهندس للعبادي على خلفية البطء في تسديد الرواتب. فقد أُرغِم العبادي على الرضوخ. واقع الحال هو أن شرعية الهيئة، وشعبية الحشد في شكل عام، تعطّلان قدرة العبادي على التصرف بطريقة مستقلة، فهو لايمكنه المجازفة بخوض مواجهة مباشرة مع الحشد الشعبي الذي يدعم قوى الأمن العراقية في المعركة ضد الدولة الإسلامية. فضلاً عن ذلك، لايزال القادة الموالون للخامنئي على غرار المالكي، يتمتعون بالنفوذ، وحتى الآن، رفض العبادي الخوض مباشرةً في المسألة.

بذلك، وبدلاً من قيام الدولة مباشرةً بتوزيع الرواتب شهرياً، يرسل مكتب رئاسة الوزراء مبلغاً مقطوعاً إلى المهندس. وبحسب مصادر متعددة في الحشد الشعبي، المهندس هو صاحب الكلمة الفصل في تحديد الأشخاص الذين سيتم توزيع الرواتب عليهم. إذن عبر التكفّل بتقسيم المبالغ المقطوعة التي يخصّصها مكتب رئاسة الوزراء للحشد الشعبي، يتمتّع القادة الموالون للخامنئي، على غرار العامري والمهندس، بموقع يخوّلهم السيطرة على تدفّق المتطوعين من خلال تخصيص أموال للمجموعات المفضّلة لديهم.68 ليس رئيس الوزراء على اطلاع كافٍ بالطريقة التي تُدار بها تحديداً هذه الموارد المادّية داخل الهيئة.

يولّد ذلك تشنّجات مع المجموعات الموالية للسيستاني وللصدر، التي يتكوّن لديها انطباع بأنه لايتم التعامل معها على قدم من المساواة في إطار هذا الترتيب لتوزيع الموارد. وقد وجّه رجال دين كبار على صلة بالسيستاني إلى المهندس تهمة “التلاعب” بسياسات التجنيد والأموال المخصصة للمقاتلين تحقيقاً لمآربه الفئوية الخاصة.69 وأسرّ ممثل عن السيستاني أن وزارة الدفاع وافقت على تسديد مستحقّات 13 ألفاً فقط من أصل 14500 مجنّد كانوا قد طلبوا الحصول على أموال لتسديد رواتبهم. ثم بعد المراجعة في وزارة الداخلية، لم يوافق المهندس، بوصفه صاحب القرار النهائي، سوى على تسديد رواتب 4800 مقاتل.70 فعلياً، يبدو أن المهندس حرَم أكثر من ثمانية آلاف متطوع محتمل في الفصيل الموالي للسيستاني من الرواتب والأسلحة والمعدات والإمدادات.71

ينطبق الأمر نفسه على الصدريين. فوفق مصادرهم، أرسلت سرايا السلام أسماء أكثر من عشرين ألف مجنّد إلى السلطات المعنيّة للموافقة عليها، غير أن المسؤولين عن الحشد لم يوافقوا سوى على تسديد رواتب ثلاثة آلاف مجنّد.72 أما الباقون فتُرِكوا من دون تمويل كافٍ، شأنهم في ذلك شأن الفصائل الموالية للسيستاني. وقد زعم حكيم الزاملي، وهو من التيار الصدري ويرأس لجنة الدفاع والأمن في البرلمان العراقي، أنه من أصل 14000 مقاتل من مدينة السامراء وحدها، لم يسدّد الحشد الشعبي سوى رواتب ثلاثة آلاف مقاتل.73 ومضى يقول إنه أرسل قائمة بأسماء عشرين شهيداً من كتلته إلى هيئة الحشد من أجل تخصيص أموال لعائلاتهم، لكنه خرج بشروى نقير.

يصعب التثبّت من صحة هذه الاتهامات، ولاسيما أن كبار المتحدثين باسم الحشد (الموالين للخامنئي) يرفضون هذه المزاعم الصادرة عن شخصيات موالية للسيستاني وللصدر. وبمعنى معيّن، يقّدم كل طرف إثباتاته الخاصة. بيد أن هذه الاتهامات تعكس آراء المجموعتَين المواليتَين للسيستاني وللصدر اللتين غالباً مايتحدث أعضاؤهما عن سوء تعاطٍ إداري وفساد في انتقادهم للمجموعة النافذة الموالية للخامنئي. إذن، وفي حين أن الوقائع هي موضع خلاف، يشي لجوء النقّاد إلى هذه المزاعم بوجود شرخ كبير داخل الحشد على خلفية هذه المسألة الإدارية.

نتيجةً لذلك، تشعر المجموعات شبه العسكرية غير المتحالفة مباشرةً مع المهندس أو العامري، بأن إدارة الحشد لاتمثّل مقاتليها. لذلك اضطُرّ مساعدو السيستاني والقياديون في التيار الصدري إلى بذل جهود واسعة لجمع الأموال من أجل دعم باقي المجنّدين، ماتسبّب بتعميق الانقسامات داخل الحشد الشعبي. حتى إنه دفع بالقيادي الصدري حكيم الزاملي – الذي تحدّث عن مشاكل إدارية – إلى الزعم في مرحلة معيّنة أن سرايا السلام، وعلى الرغم تحالفها مع الحشد، ليست جناحاً من أجنحته.74

جهود العبادي للسيطرة على الحشد الشعبي

لم يتمكّن رئيس الوزراء العبادي حتى الآن من انتزاع السيطرة على تمويل الحشد من أيدي المهندس والعامري. في شباط/فبراير 2016، حاول العبادي استعادة بعض السيطرة الإدارية عبر استبدال المهندس بالفريق الركن المتقاعد محسن الكعبي. لكن، على الرغم من أن المهندس خسر لقبه الوظيفي الرسمي داخل الحشد، ظل شخصية بارزة ولايزال يمارس تأثيراً على تخصيص الموارد. والسبب وراء قدرة المهندس على الاحتفاظ بهذا التأثير هو حصوله على الدعم من المجموعة الموالية للخامنئي، بما في ذلك شخصيات نافذة مثل المالكي والعامري. واقع الحال هو أن الموقع الإلكتروني التابع لهيئة الحشد يواصل نقل أخبار المهندس وتصريحاته، وبالكاد يأتي على ذكر الكعبي. وبدلاً من الإشارة إليه بـ”نائب الرئيس”، يقول عنه الموقع إنه “قيادي في الحشد”.75

يبدو أن رئيس الوزراء العبادي وأنصاره، العالقين وسط تناقضات فصائل الحشد المتنوعة، ينتهجون خطاً وسطياً. ففي مواجهة الضغوط المتعددة، تبيّن حتى الآن أن الخط الذي اتّبعوه بالسير في وسط الطريق عمليٌّ وقابل للتطبيق في المدى القصير. يسعى العبادي إلى ممارسة تأثير على نواب الحشد المستقلين ذاتياً، وعددهم كبير، كي تستعيد الدولة زمام السيطرة – كما ورد في الأمر 91 الذي أصدره العبادي ويعرّف الحشد بأنه مؤسسة أمنية تابعة للدولة. وقال أيضاً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2015 إنه يعتبر الحشد جزءاً مما يسمّيه القوى الأمنية العراقية.76 غير أن العبادي واجه صعوبات في تأكيد نفوذه على التنظيمات شبه العسكرية – على الرغم من إصداره الأمر 91.

لم يكن للعبادي، منذ توليه منصبه حتى نيسان/أبريل 2015، تدخّل كبير في الشؤون المالية للحشد أو سياسات التجنيد التي يتبعها. كما أنه لم يُقحم نفسه في أنشطة الحشد العملانية لطرد الدولة الإسلامية من محافظة ديالى، أو من المناطق الواقعة شمال بابل، أو من مدينة بلد والمناطق المحيطة بها في محافظة صلاح الدين جنوب البلاد. في الواقع، كان الحشد مطلَق اليدَين لفترة من الزمن، وحتى وحدات الجيش في بابل وديالى وتكريت رضخت لإرادته على مضض.

كانت نقطة التحول في نيسان/أبريل 2015، مع اكتساب الجيش قوة أكبر بالتدريج، والكشف عن ارتكاب الحشد فظائع في محافظتَي ديالى وصلاح الدين. تمحورت المسألة الأساسية، في هذه المرحلة، حول طبيعة التدخّل الأميركي وحجمه في الحرب ضد الدولة الإسلامية. وقد وجّه الفريق عبد الوهاب السعيدي، قائد عمليات محافظة صلاح الدين آنذاك، نداء إلى الولايات المتحدة لشنّ هجمات جوية.77 بيد أن المجموعة الموالية للخامنئي في الحشد الشعبي، عارضت هذه الخطوة – نظراً إلى أن أي زيادة محتملة في التأثير الأميركي كانت مصدر قلق لإيران وحلفائها العراقيين على السواء. في نهاية المطاف، تمكّنت المجموعة من استبدال السعيدي بالفريق الركن جمعة عناد الذي اختاره العامري – وكان هذا المنحى الذي سلكته الأحداث خير دليل على ضعف العبادي. طلب العبادي، في محاولة منه لاستعادة بعض السلطة، أن يتدخّل الجيش الأميركي من جديد في العراق – في إجراء الهدف منه الالتفاف على الضغوط التي تمارسها إيران على حكومته-.78 وقد أدّى ذلك إلى تبدّلٍ في الظروف الأمنية في العراق. ويقول قيادي عسكري متوسط الرتبة: “تسيطر إيران على الأرض، والولايات المتحدة على السماء” – وقد طبع هذا الواقع الجديد الحرب ضد الدولة الإسلامية.79

سعى العبادي بعد ذلك إلى زيادة نفوذه على الحشد الشعبي. ففي نيسان/أبريل 2015، أنشأ رئيس الوزراء غرفة عمليات خاصة في مكتبه بقيادة الفريق الأول الركن طالب شغاتي لمراقبة مسارح العمليات، حيث يخوض الحشد الشعبي معاركه. وقد عيّن آنذاك الفريق الركن محسن الكعبي رئيساً للعمليات ونائباً لفالح الفياض، في محاولة للحد من تأثير المهندس. اعترضت القيادة الموالية للخامنئي في الحشد على الخطوتَين وهدّدت بالتمرّد. بيد أن تعيين الكعبي لم يفلح، في نهاية المطاف، في الحد من سيطرة المهندس بحكم الأمر الواقع على إدارة الحشد. لكن على رغم أن هذا الأخير لايزال يسيطر على موازنة الحشد، بدأ العبادي يسيطر بصورة مطردة على الاستراتيجية الأمنية ضد الدولة الإسلامية.

يحاول العبادي، منذ ذلك الوقت، استغلال المعارضة المتنامية التي يُظهرها كل من الولايات المتحدة، والجيش العراقي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والتنظيمات شبه العسكرية الموالية للسيستاني وللصدر والقادة المحليين في المحافظات السنّية العراقية، للقيادة الموالية للخامنئي في الحشد الشعبي. فعلى سبيل المثال، يمنح رفض الولايات المتحدة تقديم الدعم الجوي للحشد، زخماً للعبادي على حساب المالكي والقيادة الموالية للخامنئي داخل الحشد الشعبي.80 ويطرح دعم الحشد الشعبي إشكالية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لأنه يعني تقديم المؤازرة إلى مجموعات مدعومة من إيران، ويتسبّب بإضعاف المؤسسات الأمنية التابعة للدولة التي تفضّل واشنطن توجيه الدعم إليها.

علاوةً على ذلك، يبدو الجيش العراقي مصمّماً على استعادة كرامته. ومن الجوانب الأخرى للجهود التي يبذلها العبادي جعل جهاز مكافحة الإرهاب في العراق، أو الفرق الذهبية، يتولّى مهمة القتال على الجبهة الأمامية ضد الدولة الإسلامية. تخضع هذه القوات إلى سيطرة مكتب رئاسة الوزراء، وليس لوزارتَي الدفاع أو الداخلية، مايمنح العبادي قدراً أكبر من الإشراف العسكري.81 وفي ساحة المعركة، شكّلت الرمادي نقطة التحول عندما بدأ العبادي بإقصاء الحشد الشعبي تدريجاً من التدخل في الجبهة الأمامية، وإرسال الفرق الذهبية مكانه. وفي مقابل إطلاق يد الحشد في بيجي (شمال تكريت)، غيّر العبادي خططه مستبدِلاً استهداف الفلوجة (كما كان قادة الحشد يطالبون في السابق) بتحرير الرمادي في كانون الثاني/يناير 2016. وباشر، بعد ذلك، السعي إلى فرض سيطرته بصورة تدريجية بدلاً من العمل على التهدئة، وقطَعَ الأشواط الأولى نحو إبقاء الحشد نسبياً تحت السيطرة. ومع الانتصارات المتلاحقة التي حققتها الفرق الذهبية، أصبح العبادي في موقع أقوى، وبدا أكثر تصميماً على فرض مزيد من الضوابط والكوابح. إذن، على الرغم من عدم تمكّنه من السيطرة على إدارة الحشد، نجح في تهميشه في المعارك الكبرى، مثل المعركة على الموصل، حيث يقتصر دوره على تل عفر، خلافاً للفرق الذهبية والشرطة الحكومية التي تقاتل على الجبهة الأمامية وتكتسب مزيداً من الحظوة في نظر العراقيين.82

أتاح تحقيق نصر سريع في الفلوجة في صيف 2016، من دون اللجوء إلى الميليشيات، للعبادي إرساء نموذج قتالي لمحاربة الدولة الإسلامية، مع الإبقاء على بعض السيطرة على القوات شبه العسكرية العراقية. وقد ساهمت النجاحات التي أُحرِزت في الفلوجة في تعزيز مكانة العبادي أكثر فأكثر في مواجهة قادة الحشد الموالين للخامنئي. وفي تموز/يوليو 2016، تمكّن العبادي من استعادة السيطرة على المدينة، التي بقيت تحت سيطرة الدولة الإسلامية لأطول فترة بالمقارنة مع المدن الأخرى، وذلك عبر اللجوء إلى الفرق الذهبية. لم يُسمَح للتنظيمات شبه العسكرية التابعة للحشد الشعبي بدخول الفلوجة إلا بعدما كانت قوات الكومندوس في الفرق الذهبية قد اخترقت دفاعات الدولة الإسلامية وحرّرت المدينة.

الخطط المستقبلية لقوات الحشد الشعبي

في هذه الأثناء، ومع استمرار الصراع في الموصل، لدى شتّى قيادات الفصائل في بغداد خططاً مختلفة حول الخطوات التالية التي يجب اتخاذها في ما يتعلق بقوات الحشد الشعبي شبه العسكرية. وتكشف هذه الخطط المتباينة عن نزاع شرس من أجل الاستحواذ على السلطة الكاملة القادرة على التحكّم بأمن العراق.

فمن جهة، يقف مؤيدو الخامنئي، والأحزاب اليمينية، وكتلة العامري، والمالكي، والمهندس، وجميعهم يسعون إلى إنشاء هيكل مزدوج رسمي وقانوني ضمن جهاز الأمن العراقي، على غرار الفصل بين حرس الثورة الإسلامية وبين الجيش الإيراني النظامي. إذ بالنسبة إلى المالكي وغيره، تجعل التركيبة متعددة الأعراق للجيش العراقي وقوات الشرطة هذه المؤسسات عرضة إلى تأثيرات مختلفة، وبالتالي إلى انهيار آخر. وهكذا، يسعى هؤلاء القادة إلى الإبقاء على قوات الحشد الشعبي، الشيعية في الدرجة الأولى، فعّالة ومُخلصة لهم.

في المقابل، نجد العبادي، وجناحه من حزب الدعوة، والعديد من القوى العراقية الأخرى – بما في ذلك الأقسام الموالية للسيستاني وللصدر في قوات الحشد الشعبي ومختلف القادة السنّة والأكراد – الذين يفضلون جميعاً أن تدمج الدولة قوات الحشد الشعبي ضمن وحدات الجيش الحالي بموجب الأمر 91، الذي ينصّ على أن أعضاء قوات الحشد الشعبي لايمكن أن يكونوا جزءاً من حزب سياسي أو ينخرطوا في أي نشاط سياسي.83 وشكلّت خطوة العبادي هذه محاولة لردع المالكي والعامري والمهندس عن مواصلة تسييس قوات الحشد الشعبي، لكن جوبهت مساعيهم لتسجيل قوات الحشد الشعبي ككيان انتخابي بالرفض على الفور. وبحسب وزير الدفاع العراقي السابق خالد العُبيدي، يتمثّل أفضل سبيل لحلّ هذه المسألة في دمج قوات الحشد مع الجيش على مستوى الجنود، وليس على مستوى القيادة.84 وقال متحدث باسم الحشد الشعبي إن “عمليّة تحويل الحشد إلى مؤسّسة وفقاً للقانون الذي أقرّه البرلمان، تحتاج إلى تشكيل لجان مختصّة من قبل رئيس الوزراء لفرز أسماء المقاتلين وجردهم وتصنيفهم، والأمر يحتاج إلى بعض الوقت، كما يتطلّب الأمر انتهاء معركة الموصل”.85

في هذا السياق، وطالما أن الدمج ليس ممكناً في الوقت الراهن، فقد ألمح رئيس الوزراء إلى وجود خيار آخر: التحجيم، الذي يمكن أن يؤدي أيضاً إلى إسقاط المجموعة النافذة المؤيدة للخامنئي. وفي لقاء جمعه مع مؤلّفَي هذه الدراسة في آذار/مارس 2016، كشف رئيس الوزراء العبادي عن خطته الرامية إلى ضمّ ما بين 20 و25 ألف مقاتل من الحشد الشعبي إلى القوات المسلحة، ما من شأنه أن يمثّل تخفيضاً بنسبة تزيد عن 80 في المئة.86

بين خياريْ اعتراف الدولة بها وتحجيمها أو دمجها بالكامل مع الجيش، يبقى خيار الحفاظ على هيكل قوات الحشد الشعبي الحالي، مع تغيير طريقة عمل الميليشيات. وكان متحدث باسم الحشد الشعبي قد زعم أن الخطة تهدف إلى ضمّ المجموعات شبه العسكرية المنضوية تحت جناح الحشد الشعبي ضمن جهاز الأمن في الدولة، مضيفاً أن أسماء وشعارات المجموعات ستُلغى وستُستبدل بكل بساطة بأرقام. على سبيل المثال، ستصبح عصائب أهل الحق الفرق الثامنة والتاسعة والعاشرة من الجيش العراقي.87 أما في ما يتعلق بمسألة الدمج، فالأمر 91 الذي أصدره العبادي يعترف بقوات الحشد “ككيان مستقل”، لكنه يصنّفها بموجب اللوائح التأديبية وصلاحيات الجيش كجزء من القوات المسلحة وقوات الأمن. وعلى الرغم من صيغة هذا الأمر 91، لايزال العبادي راغباً في دمج قوات الحشد الشعبي في الجيش العراقي.

لكن سواء تمّ دمج قوات الحشد الشعبي مع جنود القوات المسلحة الحالية أو أُبقي عليها كفرع مستقل من الجيش، سيكون لذلك تبعات ليس على أمن العراق في المستقبل وحسب، بل أيضاً على الآفاق السياسية للبلاد. وإذا كان العبادي قادراً على استعادة السيطرة ودمج المجموعات بشكل فعّال، سيثبت بذلك قوة قيادته. مع ذلك، إذا كان غير قادر على درء المجموعة المؤيدة للخامنئي، سيبقى لدى أمثال المالكي والعامري تأثير على الدولة. وفي الوقت الذي تلوح فيه انتخابات في الأفق خلال العام المقبل، من المرجّح إلى حدّ كبير أن تصبح قوات الحشد الشعبي أداة سياسية تستخدمها جميع الأطراف في مساعيها لنيل خطوة الشرعية.

المرحلة التالية من السياسة الشيعية في العراق

في نهاية المطاف، ستُقرّر علاقات القوة بين الشيعة توجّهات وقوّة الدولة بعد معركة الموصل. ومع احتدام المعارك في هذه الأخيرة، ستستمر حدّة الصراع الشيعي المتفاقم بين القيادات لتولي السلطة في التصاعد ليطغى على السياسة العراقية بعد المعركة.88 ويشمل هذا الصراع العلاقة بين الصدر والمالكي من جهة، وبين العبادي والمالكي من جهة أخرى.89 وستشكّل قوات الحشد الشعبي إحدى السمات الرئيسة لهذا النزاع على السلطة القائم في ما بين الشيعة أنفسهم في عراق ما بعد الدولة الإسلامية. وفي المركز، يواجه العبادين الذي يمثّل الدولة، منافسين شيعة رئيسين.

يتمثّل التحدي الرئيس الأول بضغط من أعلى إلى أسفل يمارسه سلفه المالكي، إضافةً إلى القيادة المؤيدة للخامنئي. تمتلك هذه الشخصيات رؤية واضحة للغاية حيال مواقفها السياسية: لابدّ من أن يسعى الحشد الشعبي إلى السلطة في المركز. ولذا، باتت هذه القوات ناشطة على جبهات عدّة بصرف النظر عن المعركة العسكرية لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية. وتعارض القيادة حركة الاحتجاجات الشعبية، وتعيق إقرار قانون الحرس الوطني، وتدعو إلى نظام رئاسي قوي ومركزي، بينما تنتقد العبادي. وفي الوقت الراهن، يتطلّع المالكي الآن إلى جعل قوات الحشد الشعبي كياناً سياسياً تحت قيادته. وفي أيلول/سبتمبر 2016، قدم طلباً إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لإنشاء كتلة انتخابية تابعة للحشد الشعبي، لتحل محل ائتلاف دولة القانون القديم الذي كان يرأسه، لكنه وُجه بالرفض في المحاكم.90

تعتقد هذه المجموعة أن العراق في حاجة إلى وجود رجل قوي يتولّى مسؤولية الحكومة المركزية ليحل محل العبادي الضعيف. والغريب أن المالكي يبدو يوماً بعد يوم أكقر إقناعاً في طرح فكرة أنه رجل قوي، على الرغم من أنه فقد ثلث الأراضي العراقية، في حين أن العبادي غير قادر على تقديم طروحات مماثلة على الرغم من أنه استعاد السيطرة على معظم هذه الأراضي. يطالب العديد من قادة المجموعة المؤيدة للخامنئي بأن يكون الرئيس العراقي رجلاً قوياً. فعلى سبيل المثال، ينشط المالكي للعودة- بقيادته شخصياً أو بأحد حلفائه الموثوقين- من خلال استخدام سيطرته على الفصيل المؤيد للخامنئي في قوات الحشد الشعبي. صرّح قائلاً: “لو كنتُ رئيساً للوزراء، لأعادت الدولة بسط نفوذها”.91 إذن، يعتزم المالكي العودة إلى سُدة الحكم واستخدام موقعه لتوطيد دعائم الدولة ومؤسساتها. وإذا اتّضح أن عودته إلى السلطة غير عملية، يكون البديل عندئذ أن يقود البلاد بشكلٍ مؤقّت أحد حلفاء المالكي الموثوقين. لكن المالكي غير مستعدّ لتعزيز مؤسسات الدولة إلا إذا كان هو أو حلفاؤه في سُدة الحكم – ولن تسعى هذه المجموعة إلى توطيد دعائم الدولة طالما أن العراق يحكمه قادة آخرون.

بيد أن القانون المتعلّق بقوات الحشد الشعبي يمنعها من الانخراط في العمل السياسي. وتنمّ رمزية الجهود التي يبذلها المالكي لتحسين صورته، عبر البناء على شعبية قوات الحشد الشعبي، عن واقع أنه يحتاج إلى هالة القدسية التي ينسجها الناس حول الحشد الشعبي وشهدائه لكسب ثقل سياسي والحصول على ما يكفي من الأصوات ليتسلّم مجدّداً مقاليد السلطة. ويعتقد عدد لا يُستهان به من العراقيين أن قوات الحشد الشعبي يجب أن تضطلع بدور سياسي في المستقبل، كونها شاركت في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.92 ويبدو أن المالكي سيواصل ترداد معزوفة أنه “عرّاب الحشد الشعبي” – على حدّ تعبير أحد موظّفي الخدمة المدنية في وزارة الدفاع – ليسجّل عودة مدوّية إلى سُدة الحكم.93

في غضون ذلك، ستواصل المجموعة يمينية الهوى استهداف حكومة العبادي. فعلى سبيل المثال، كان الهدف من إرغام وزيري الدفاع والداخلية السابقين في حكومة العبادي على الاستقالة هو خلقَ فراغ أمني، وتلطيخ سمعة الجيش، وطرح الحشد الشعبي على أنه البديل الوحيد.

يرزح العبادي أيضاً تحت وطأة ضغط آخر يمارسه أتباع الصدر الذين دفعوا رئيس الوزراء إلى تغيير تشكيلته الحكومية، وقد نجحوا حتى الآن في استبدال خمسة رؤساء حكومة. فالصدر يطمح بشكلٍ أساسي إلى وقف المالكي أو حلفائه من العودة إلى السلطة. ومع أن أتباع الصدر غالبًا ما يوافقون على خطاب العبادي والسياسات التي ينتهجها، إلا أنهم يعتقدون أنه أضعف من أن يطبّق أفكاره على أرض الواقع. لكن الصدر عبّر عن استعداده لدعم العبادي أو قائد آخر يشبهه على مستوى الأفكار والتصوّرات، على أن يكون قادراً على مكافحة المالكي.

سيشكّل أتباع الصدر أيضاً حصناً منيعاً في وجه المالكي والقيادة الموالية للخامنئي. ويُنبئ ردّ فعل الصدر على محاولة المالكي تشكيل ائتلاف انتخابي جديد بأن ثمة معركة تلوح في الأفق بين الطرفين. قال رجل الدين الشيعي هذا في بيان: “يجب منع استعمال الجهاد والمجاهدين في الخوض الانتخابي والسياسي… وإلا فإن الجهاد سيُذبح على دكّة السياسة ويتحوّل الحكم في العراق إلى حكم عسكري أو ميليشياوي”.94 وقال متحدّث بارز باسم الصدر لمؤلّفَي هذه الدراسة إن الصدر يعتزم تشكيل ائتلاف سياسي بديل لمنع المالكي وحلفائه من تسلّم مقاليد السلطة مجدّداً.95

لكن في أعقاب انتخابات العام 2010، وبعد ضغوط قوية من إيران، اضطرّ الصدر إلى الانضمام إلى ائتلاف المالكي. ويُتوقّع أن تحاول إيران في انتخابات العام 2018 مجدّداً دفع الصدر إلى الحفاظ على وحدة البيت الشيعي. لكن السؤال هو ما إذا سيتمكّن أتباع التيار الصدري من المضي قُدُماً في خطة تشكيل ائتلاف بديل، في خضم الضغوط التي سيتعرّضون إليها من إيران خلال الموسم الانتخابي. وتشي المؤشرات الراهنة بأن الانتخابات العتيدة قد تكون مختلفة: فقد أصدر رجال دين شيعة مقرّبون من إيران، من ضمنهم كاظم الحائري الذي تتلمذ الصدر على يديه، فتاوى تحرّم المظاهرات. وفيما كان الصدر سيرضخ إلى هكذا فتاوى في الماضي، كما حصل في العام 2010 حين أذعن وأيّد المالكي، بات الآن يعبّر عن مواقفه جهاراً متحدّياً فتاوى المرجعية الدينية.96

باختصار، سترسم المواجهة بين المالكي وأنصاره من جهة وبين الصدر وحراكه الاحتجاجي من جهة أخرى، معالم السياسة العراقية في مرحلة مابعد معركة الموصل، وسيعلق العبادي والدولة بين مطرقة الأول وسندان الثاني، محاولَين دفع الطرفين إلى تشكيل حكومة تسوية. لكن، في حال عجز الوسطيون عن التوصّل إلى تسوية والإمساك مجدّداً بزمام الحوكمة والتمثيل بسبب الخلافات المتّقدة داخل الطائفة الشيعية، سيبوء مشروع بناء الدولة العراقية بالفشل، وسيبقى الحشد الشعبي تشكيلاً عسكرياً يتولّى مراقبة المنظومة الأمنية في الدولة.

خاتمة

في نهاية المطاف، لايزال الكثير من الأمور مرتبطاً بمآلات مرحلة مابعد معركة الموصل. وفي حال تمكّن العبادي من بسط نفوذه عبر تسخير القوى الأمنية لاستعادة المدينة كليّاً – فيما تبقى قوات الحشد الشعبي في الظل، كما في معركة الفلوجة – ستزداد حظون الوسطيين في إنجاح مشروع بناء الدولة، بانتظار أن يتّضح أكثر مستقبل قوات الحشد الشعبي ككيان سياسي بعد الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات في العام 2018.

تحتل قوات الحشد الشعبي موقع قلب في المعركة الأوسع على السلطة داخل المعسكر الشيعي المُنقسم. والطرف الظافر في هذه المعركة سيسيطر على الأرجح على السلطة التنفيذية في العراق، وسيقود إلى حدٍّ بعيد عملية إعادة إعمار الدولة والهوية الوطنية العراقية في مرحلة مابعد الدولة الإسلامية. وفي حين أن المالكي وحلفاءه الموالين للخامنئي سيسخّرون هالة القدسية المُحاطَة بالحشد الشعبي لكسب الشعبية وحصد الأصوات، سيحاول العبادي في المقابل الإفادة من الانتصارات التي تحصدها القوات العسكرية العراقية داخل الموصل لتوطيد موقعه كقائد عام للقوات المسلحة. يرى معظم العراقيين أن العبادي اليوم أقوى مما كان في العام 2014، وخير دليل على ذلك العلاقة التي تربطه بقوات الحشد الشعبي. أخيراً، سيحاول الصدر البناء على التظلّمات المتنامية في صفوف الشيعة حيال قضايا الفساد وفشل الحوكمة، للمطالبة بتغيير طاقم القيادة المتحالفة مع المالكي، والتي تحكم العراق بشكلٍ رسمي وغير رسمي منذ العام 2003.

هوامش

Jack Watling, “The Shia Militias of Iraq,” Atlantic, December 22, 2016, https://www.theatlantic.com/international/archive/2016/12/shia-militias-iraq-isis/510938/; وأيضاً: Hamza Hendawi and Qassim Abdul-Zahra, “Fears in Iraqi Government, Army Over Shiite Militias’ Power,” Associated Press, March, 21, 2016, http://bigstory.ap.org/article/9696d8589a774c33a2e29aaf9699330c/fears-iraqi-government-army-over-shiite-militias-power.

2 كان العدد الرسمي الذي قدّمه قادة في قوات الحشد الشعبي سابقاً إلى البرلمان للحصول على تمويل 180.000 مقاتل. وفقاً للنائب في التيار الصدري حاكم الزاملي، رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، اعترف البرلمان بـ110.000 مقاتل، لكنه اعتقد أن الرقم الفعلي أقل من ذلك بكثير. وفي آذار/مارس 2016، أخبر العبادي المؤلّفين بأن ما بين 20.000 و25.000 مقاتل سينضمون إلى المنظومة الأمنية في نهاية المطاف. موقع قناة NRT العربية، “الأسدي يكشف عن العدد الرسمي لمقاتلي الحشد الشعبي”، NRT العربية، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2016، http://www.nrttv.com/ar/Detail.aspx?Jimare=31862

3 مقابلة مع مقاتل في قوات الشعب الشعبي، بغداد، 2016.

4 هيومن رايتس ووتش، “العراق – انتهاكات الفلوجة اختبار لمدى السيطرة على الميليشيات: على الحكومة التحقيق في مسؤولية القيادة، وعلى داعش التوقف عن منع المدنيين من الفرار”، (بيروت: هيومن رايتس ووتش، 2016)، https://www.hrw.org/ar/news/2016/06/09/290908 ومنظمة العفو الدولية، “العراق: غض الطرف عن تسليح ميليشيات “الحشد الشعبي””، (لندن: منظمة العفو الدولية، 2017)، https://www.amnesty.org/ar/documents/mde14/5386/2017/ar/

5 سي إن إن بالعربية، “الصدر يهاجم “المليشيات الوقحة” المقاتلة إلى جانب حكومة بغداد”، سي إن إن، 4 آذار/مارس 2015، http://arabic.cnn.com/middleeast/2015/03/04/iraq-sadr-militias

6 يتجلّى سوء الفهم الجوهري حيال قوات الحشد الشعبي من خلال هذه المجموعة من التغريدات على تويتر بين محلّلين يسهبان في الكتابة عن شؤون المنطقة. انظر: Patrick Osgood, Twitter post, October 2, 2016, 4:13 a.m., https://twitter.com/PatrickOsgood/status/782342793087811584.

7 شيماء مفتاح، “”الجيش العراقي” رابع أقوى الجيوش العالمية في عهد “صدام” ينهار”، 15 أيلول/سبتمبر 2014، http://www.vetogate.com/1225682

8 مقابلة مع أقرباء أحد الأعضاء في حزب الدعوة، لندن، آذار/مارس 2017.

9 تغيّر اسم فيلق بدر إلى منظمة بدر حين انفصل عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي في العام 2012.

10 مقابلة مع محمد الغبان، بغداد، آذار/مارس 2016.

11 “Full Text of Iraqi Constitution,” Washington Post, October 12, 2005, http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2005/10/12/AR2005101201450.html

12 العربية، “الحشد الشعبي: العبادي ضمَّنا للقوات المسلحة رسمياً”، العربية، 27 تموز/يوليو 2016، www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/iraq/2016/07/26/الحشد-الشعبي-العبادي-يمنحنا-صلاحيات-جهة-رسمية-.html

13 مقابلة مع أحد موظّفي الخدمة المدنية في وزارة الداخلية، بغداد، آذار/مارس 2016.

14 علي معموري، “السيستاني .. لم يدعو للجهاد، بل ضبط الوضع قانونياً”، المونيتور، 16 حزيران/يونيو 2014، http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2014/06/iraq-isis-crisis-sistani-avoid-sectarianism.html

15 مقابلة مع عضو مكتب السيستاني، بيروت، نيسان/أبريل 2016.

16 وفقاً لنائب موالٍ لإيران، لم تؤمن إيران بقدرات الجيش العراقي وشكّلت مجموعات مسلّحة على كل النقاط الحدودية بين المحافظات تقريباً، لحماية أمنها القومي. مقابلة مع نائب موالٍ لإيران، بغداد، آذار/مارس 2016.

17 مقابلة مع عدنان الجنابي من ائتلاف “العراقية” بقيادة إياد علاوي، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

18 مقابلات مع عدد من أعضاء حزب الدعوة، بغداد، آذار/مارس وتشرين الثاني/نوفمبر 2016.

19 مقابلة مع مستشار سابق للمالكي، بغداد، خريف العام 2016.

20 Matt Bradley, “Iraq Crisis: Nouri al-Maliki Quits,” Wall Street Journal, August 15, 2014, https://www.wsj.com/articles/iraqi-prime-minister-steps-down-1408047116.

21 Renad Mansour, “The Political Battles in Baghdad After the Battle for Mosul,” War on the Rocks, October 3, 2016, http://warontherocks.com/2016/10/the-political-battles-in-baghdad-after-the-battle-for-mosul/.

22 لقاء مع حيدر العبادي، كامبريدج، تشرين الأول/أكتوبر 2013.

23 العربية، “الحشد الشعبي”.

24 Greenberg Quinlan Rosner Research, “Lack of Responsiveness Impacts Mood: August-September 2015 Survey Findings,” n.d., https://www.ndi.org/files/August 2015 Survey_NDI Website.pdf.

25 مقابلة عبر الهاتف مع قسم المخابرات في مكتب رئيس الوزراء، ربيع العام 2016.

26 Renad Mansour, “The Popularity of the Hashd,” Diwan (blog), Carnegie Endowment for International Peace, February 1, 2016, http://carnegie-mec.org/diwan/62638.

27 هذا العدد منقول عن مصدر مخابراتي في مكتب رئيس الوزراء.

28 “”داعش”، “أزلام صدام” أم “طرف ثالث”.. من يقف وراء قتل 1700 جندي في “مجزرة سبايكر” بالعراق؟”، سي إن إن بالعربية، 10 أيلول/سبتمبر 2014، https://arabic.cnn.com/middleeast/2014/09/10/iraq-speicher-massacre

29 نُفل هذا العدد أولاً عن رئيس الوزراء العبادي بعد فترة وجيزة من تعيينه. انظر: “Iraq Says It Found 50,000 ‘Ghost Soliders’ on Payroll,” Reuters, December 1, 2014, http://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-iraq-soldiers-idUSKCN0JF2RZ20141201.

30 مقابلة مع مسؤول في وزارة الداخلية وشخصية رفيعة في منظمة بدر، بغداد، تشرين الثاني/نوفمبر 2016. 31 مقابلات مع عدد من المجنّدين في قوات الحشد الشعبي، معظمهم من الإدارة المحلية في النجف، بغداد، آذار/مارس 2016.

32 Renad Mansour, “The Popularity of the Hashd.”

33 ريناد منصور، “الموصل مابعد الدولة الإسلامية: استراتيجية إقليم كردستان”، 20 أيار/مايو 2016، http://carnegie-mec.org/2016/05/19/ar-pub-63630

34 Daniel R. DePetris, “How to Keep Iraq’s Unruly Militias Under Control,” National Interest, December 5, 2016, http://nationalinterest.org/blog/the-skeptics/how-keep-iraqs-unruly-militias-under-control-18630.

35 “مسوّدة قانون الحشد تتضمن تسريح ثلثي المقاتلين من دون تقاعد”، المدى، 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، www.almadapaper.net/ar/news/519961/مسودة-قانون-الحشد-تتضمن-تسريح-ثلثي-المقا

36 يمكن إدراج المجموعات غير الشيعية في فئة رابعة، وتتضمن مجموعات شبه عسكرية سنيّة وأشورية وتركمانية تزعم أنها منضوية تحت لواء الحشد الشعبي. لكن هذه المجموعات صغيرة وغير مؤثرة.

37 Martin Chulov, “Amid Syrian Chaos, Iran’s Game Plan Emerges: A Path to the Mediterranean,” Guardian, October 8, 2016, https://www.theguardian.com/world/2016/oct/08/iran-iraq-syria-isis-land-corridor?CMP=share_btn_tw.

38 مقابلة مع نوري المالكي، بغداد، آذار/مارس 2016.

39 Loveday Morris, “Appointment of Iraq’s New Interior Minister Opens Door to Militia and Iranian Influence,” Washington Post, October 18, 2014, https://www.washingtonpost.com/world/appointment-of-iraqs-new-interior-minister-opens-door-to-militia-and-iranian-influence/2014/10/18/f6f2a347-d38c-4743-902a-254a169ca274_story.html.

40 Joel Wing, “Iraq’s Big Gamble,” Daily Beast, August 11, 2015, http://www.thedailybeast.com/articles/2015/08/11/iraq-s-big-gamble.html.

41 مقابلات مع العديد من الممثلين الموالين للسيستاني في الخادمية، بغداد، خريف العام 2016.

42 رفضت هيئة قوات الحشد الشعبي السواد الأعظم من المتطوعين الصدريين، بحسب قياديين في التيار الصدري. وقد تمت الموافقة رسمياً على انضمام ثلاثة آلاف متطوع فقط إلى الهيئة، ويعمل نحو 15 ألفاً بصورة مستقلة عن قوات الحشد الشعبي. تُجمَع التبرعات من المساجد كل يوم جمعة لتغطية التكاليف. مقابلات مع عناصر من سرايا السلام، بغداد، آذار/مارس 2016.

43 مقابلة مع مسؤول بارز في التيار الصدري، بغداد، خريف العام 2016.

44 هذا لم يكن لقباً رسمياً، لكنه عكس الشائعات المتداولة بين العراقيين. انظر على سبيل المثال: فيصل نوز، هكذا حاول مقتدى الصدر إطاحة السيستاني لحساب خامنئي والحائري”،20 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، http://www.fnoor.com/main/articles.aspx?article_no=6999#.WNKvj1Xyjcs

45 المصدر السابق.

46 بي بي سي نيوز، “المالكي لبي بي سي: لا مانع من العودة مجددا لرئاسة الحكومة”، 3 تموز/يوليو 2016، http://www.bbc.com/arabic/multimedia/2016/07/160703_iraq_al_maliki_iv

47 شفق نيوز، “هجوم حاد من العامري على خطط معركة الفلوجة: هناك خيانة”، 6 حزيران/يونيو 2016، http://www.ara.shafaaq.com/74888

48 “كلمة هادي العامري للشعب العراقي”، فيديو على يوتيوب، 12:52، نُشر بواسطة كُلنا للعراق و العراق ينتصر، 8 آب/أغسطس 2015، تمّت زيارة الصفحة في 10 نيسان/أبريل 2017، https://www.youtube.com/watch?v=MGJLAlxghds

49 “بغداد تايمز: تنشر رسالة أبو مهدي المهندس إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي”، بغداد تايمز، 21 تشرين الأول/أكتوبر 2015، https://www.baghdad-times.net/2015/10/21/بغداد-تايمز-تنشر-رسالة-ابو-مهدي-المهند/

50 Niqash, “Iraq’s Most Fearsome Shia Militia Leader Speaks Out,” Daily Beast, August 24, 2015, http://www.thedailybeast.com/articles/2015/08/24/iraq-s-most-fearsome-shia-militia-leader-speaks-out.html.

51 مقابلة مع مسؤول بارز من أتباع الصدر، بغداد، خريف العام 2016.

52 شفق نيوز، “الصدر يدعو لدعم العبادي باختيار وزيرين مستقلين للدفاع والداخلية”، شفق نيوز، 26 آب/أغسطس 2016، http://www.ara.shafaaq.com/89997

53 مقابلة مع مسؤول كبير في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، بغداد، خريف العام 2016.

54 Renad Mansour and Michael David Clark, “Rethinking Sadr: From Firebrand to Iraqi Statesman?” Diwan (blog), Carnegie Endowment for International Peace, November 20, 2014, http://carnegie-mec.org/diwan/57279.

55 مقابلة مع نواب من التيار الصدري، تشرين الثاني/نوفمبر 2016.

56 مقابلة مع مستشار المالكي، بغداد، خريف العام 2016.

57 كيرك سويل، “شعبوية ورفض للتعصب المذهبي زائفان في العراق”، مدونة صدى، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 9 حزيران/يونيو 2016، http://carnegieendowment.org/sada/?fa=63778&lang=ar

58 عثمان المختار، “أبو مهدي المهندس: من تفجيرات الكويت لقيادة الحشد الشعبي”، 4 كانون الثاني/يناير 2015، https://www.alaraby.co.uk/politics/2015/1/2/أبو-مهدي-المهندس-من-تفجيرات-الكويت-لقيادة-الحشد-الشعبي

59 Babak Dehghanpisheh, “Special Report: The Fighters of Iraq Who Answer to Iran,” Reuters, November 12, 2014, http://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-militias-specialreport-idUSKCN0IW0ZA20141112.

60 “هتافات المتظاهرين في ساحة الاحتفالات وسط الخضراء”، فيديو على يوتيوب، 1:08، نُشر بواسطة حبيب الروح، 1 أيار/مايو 2016، تمّت زيارة الصفحة في 10 نيسان/أبريل 2017، https://www.youtube.com/watch?v=-3K0DMFozus

61 Ned Parker, “Power Failure in Iraq as Militias Outgun State,” Reuters, October 21, 2015, http://www.reuters.com/investigates/special-report/iraq-abadi/.

62 لم يعترض معظم العراقيين على هذه الخفوضات في الرواتب، نظراً إلى الأهمية التي يعلّقونها على المسألتَين. مقابلة مع عدنان الجنابي في بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

63 مقابلة مع متحدث باسم الحشد الشعبي، تشرين الثاني/نوفمبر 2016.

64 “السيد فالح الفياض مستشار الأمن الوطني العراقي”، فيديو على يوتيوب، 56:05، نُشر بواسطة السومرية، 30 حزيران/يونيو 2016، تمّت زيارة الصفحة في 10 نيسان/أبريل 2017، https://www.youtube.com/watch?v=fofDenLEgCA

65 مقابلة مع مستشار أمني من مكتب رئيس الوزارء، بغداد، تشرين الثاني/نوفمبر 2016، انظر: Morris, “Appointment of Iraq’s New Interior Minister Opens Door to Militia and Iranian Influence.”

66 Parker, “Power Failure in Iraq as Militias Outgun State.”

67 الحشد الشعبي، “المهندس: قطعنا طرق إمداد داعش وأدخلنا أسلحة متطورة في معارك الموصل”، الحشد، 22 آذار/مارس 2017، www.al-hashed.net/2017/03/22/المهندس-قطعنا-طرق-امداد-داعش-وادخلنا-ا/

68 “بغداد تايمز: تنشر رسالة أبو مهدي المهندس إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي”، بغداد تايمز، 21 تشرين الأول/أكتوبر 2015، https://www.baghdad-times.net/2015/10/21/بغداد-تايمز-تنشر-رسالة-ابو-مهدي-المهند/

69 مقابلة مع ممثّل عن السيستاني، بغداد، خريف 2016.

70 تحيل وزارة الدفاع عادةً المجنّدين إلى مراكز طبية للتأكد من أهليتهم الجسدية والعقلية، لكنها لاتحدد الوحدات التي سيلتحقون بها. وبما أن الحشد الشعبي كان يثير الرعدة في نفوس عدد كبير من القادة العسكريين، تركوا له ببساطة تحديد مصير المجنّدين الجدد. بيان صادر عن مسؤول متوسط الرتبة، بغداد، آذار/مارس 2016.

71 مقابلة مع الشيخ نزار حبل المتين من سرايا العباسية الموالية للسيستاني، بغداد، حزيران/يونيو 2016. بحسب المتين، أقدم المهندس حتى على مصادرة أسلحة ومعدات تابعة لسرايا العباسية. وقد وجّه انتقادات للمهندس بسبب “تلاعبه” بسياسة التجنيد.

72 أعلن النائب حاكم الزاملي من التيار الصدري عن موقف مماثل. وبرأيه، من أصل 18 ألف مقاتل، لم يتم قبول سوى 4 آلاف مجند، ما أجبر الصدر على طلب تبرعات لتغطية الباقي. وكان انتقاده المهندس لـ”التلاعب” بسياسة التجنيد واضحاً. “السيد حاكم الزاملي رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية”، فيديو على يوتيوب، 53:52، نُشر بواسطة السومرية، 4 تموز/يوليو 2016، تمّت زيارة الصفحة في 10 نيسان/أبريل 2017، https://www.youtube.com/watch?v=UFIyGlDrOww

73 “حوار التاسعة مع حاكم الزاملي رئيس لجنة الأمن والدفاع”، فيديو على يوتيوب، 55:10، نُشر بواسطة “أخبار العراق السياسية”، 7 آب/أغسطس 2016، https://www.youtube.com/watch?v=cIEuSqv3TgM

74 “السيد حاكم الزاملي رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية”، فيديو على يوتيوب، 53:52، نُشر بواسطة السومرية، 4 تموز/يوليو 2016، تمّت زيارة الصفحة في 10 نيسان/أبريل 2017، https://www.youtube.com/watch?v=UFIyGlDrOww

75 المصدر السابق.

76 رووداو، “العبادي يشيد بالحشد الشعبي ويؤكد التزامه لتحقيق مطالب المتظاهرين”، رووداو، 1 تشرين الول/أكتوبر 2015، http://www.rudaw.net/arabic/world/011020151

77 Loveday Morris, “Iraqi Offensive for Tikrit Stalls as Casualties Mount,” Washington Post, March 16, 2015, https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/iraqi-offensive-for-tikrit-stalls-as-islamic-state-inflicts-casualties/2015/03/16/258a6dec-cb58-11e4-8730-4f473416e759_story.html?utm_term=.a389e4d8c283.

78 Rod Nordland and Peter Baker, “Opening New Iraq Front, U.S. Strikes ISIS in Tikrit,” New York Times, March 25, 2015, https://www.nytimes.com/2015/03/26/world/middleeast/iraq-islamic-state-tikrit-united-states-airstrikes.html?_r=1.

79 لجأ العديد من شيوخ القبائل السنية إلى استخدام هذه الكلمات المشجعة لرثاء مواقفهم الضعيفة. مقابلات مع مختلف قادة القبائل السنّة في بغداد، آذار/مارس 2016.

80 Suadad al-Salhy, “Mistrust Blights Coordination Between U.S. and Iraqi Militias in IS Fight,” Middle East Eye, June 20, 2015, http://www.middleeasteye.net/news/mistrust-blights-coordination-us-and-iraqi-militias-fight-against-156177594.

81 وفق مصادر أمنية عديدة، بغداد، آذار/مارس 2016. انظر أيضاً: Loveday Morris, “The Force Leading the Iraqi Army’s Fight Against ISIS Went From ‘Dirty Division’ to Golden Boys,” Washington Post, July 26, 2016, https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/the-force-leading-the-iraqi-militarys-fight-against-isis-went-from-dirty-division-to-golden-boys/2016/07/25/8e6b0164-389e-11e6-af02-1df55f0c77ff_story.html.

82 المصدر السابق.

83 كانت محاولات العبادي استخدام الأموال للضغط على قادة قوات الحشد الشعبي محدودة، ولم يكن لها عواقب ملموسة. في المقابل، تمكّن المهندس ومساعدوه من تصوير التأخيرات في الدفع كشكل من أشكال عرقلة الجهاد. العربية، “الحشد الشعبي”.

84 مقابلة مع خالد العُبيدي، بغداد، آذار/مارس 2016.

85 عمر ستار، “قانون الحشد الشعبيّ… بين مطرقة الاعتراضات السياسيّة وسندان الانتخابات”، المونيتور، 8 آذار/مارس 2017، http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2017/03/iraq-election-pmu-shiite-militias-abadi.html

86 مقابلة مع العبادي، بغداد، آذار/مارس 2016.

87 مقابلة مع متحدث باسم الحشد الشعبي في بغداد، خريف العام 2016.

88 Erwin van Veen, Nick Grinstead, and Floor El Kamouni-Janssen, “A House Divided: Political Relations and Coalition-Building Between Iraq’s Shi’a,” Clingendael, February 2017, https://www.clingendael.nl/publication/iraq%E2%80%99s-shi%E2%80%99-house-divided.

89 Mansour, “The Political Battles in Baghdad After the Battle for Mosul.”

90 الجورنال، “مصادر: اتفاق سياسي بين المالكي والحشد الشعبي للمشاركة بقائمة انتخابية واحدة”، الجورنال، 6 أيول/سبتمبر 2016، http://journaliraq.com/myapp-992/

91 مقابلة مع نوري المالكي، بغداد، آذار/مارس 2016.

92 مقابلة مع عددٍ من الشباب العراقيين

93 مقابلة مع مسؤول في وزارة الدفاع، بغداد، تشرين الثاني/نوفمبر 2016.

94 صدر بيان الصدر على شكل فتوى في حزيران/يونيو 2016 ردّاً على سؤال وجّهه له تلامذته. عربي 21، “الصدر يحذر المالكي من تحويل العراق للحكم “المليشياوي””، عربي 21، 24 آب/أغسطس 2016، https://arabi21.com/story/942279/الصدر-يحذر-المالكي-من-تحويل-العراق-للحكم-المليشياوي

95 مقابلة مع مسؤول بارز في التيار الصدري، بغداد، تشرين الثاني/نوفمبر 2016.

96 علي معموري، “الخلافات السياسيّة الشيعيّة توسّع الهوّة بين النجف وقم”، المونيتور، 26 شباط/فبراير 2017، http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2017/02/iraq-najaf-iran-qom-sistani-haidari-muqtada.html

End of document

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here