بعضهم بعثيون سابقون: عصابات تبيع المال بنصف قيمته وتشتري سكوت الضحايا بالقانون

إبراهيم صالح

يتعرض بعض العراقيين الى الاحتيال من قبل عصابات فردية ترسل رسائل على الفيسبوك تطلب فيها بيع أموال بحوزتها لكونها هاربة من عقوبة الى خارج البلاد فتغري بعض الناس بالتعامل معها ثم يكتشفون لاحقا انهم وقعوا في فخ.

يتحدث طارق الحلاق (37 سنة) لزبائنه في صالون الحلاقة الذي يعمل فيه بمنطقة المنصور وسط العاصمة بغداد عن أن أحلامه جميعها ستتحقق قريباً فهي لا تحتاج إلا لبعض الوقت.

الغنى السريع والسفر وتأسيس حياة جديدة في بلد هادئ والعيش هناك بترافة كلها أحلام وردية يسعى طارق الى تحقيقها قريباً بعد أن وجد الطريق الذي يعتقد أنه سيوصله لما يريد.

يتفاعل زبائن طارق من جيرانه معه كما تجري العادة في الأحاديث التي تنشأ في صالونات الحلاقة الرجالية والتي تنسى بمجرد الخروج منها.

بعد دقائق قليلة يصطحب أحد الجالسين في محل الحلاقة أحد زملاء طارق من العاملين معه ليخبره بضرورة أن يحث طارق على ترك الطريق الذي يريد سلوكه لكي لا يخسر عمله وماله وأحلامه في الوقت نفسه.

يريد طارق تجميع مبلغ مالي قدره ستة ملايين دينار عراقي أي ما يعادل (4800) دولار أمريكي تقريبا لغرض الشروع بمشروعه الجديد الذي سيعود عليه بفوائد مالية تزداد في كل مرة الى الضعف.

تبدأ القصة عندما قرأ طارق قبل شهرين تقريبا منشورا في إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي الأكثر استخداماً في العراق (فيس بوك) عن وجود مبالغ مالية تقدر بملايين الدولارات في إحدى الدول المجاورة لا يستطيع أصحابها إدخالها إلى العراق وهم يريدون بيع هذه المبالغ بنصف قيمتها.

“الشدة مقابل ستة ملايين والورقة بستين ألفا” اي ان الرزمة ذات العشرة آلاف دولار تباع بما يساوي خمسة آلاف دولار فقط بالعملة العراقية وأن المائة دولار بستين ألفا اي بما يعادل أقل من خمسين دولارا ،هكذا يروج أحمد الياسري (الاسم المستخدم من قبل صاحب المنشور) للمبالغ التي يعلن عن بيعها.

ويرفق المنشور بمقطع فيديو يظهر ملايين الدولارات التي تبدو حقيقية وغير مزورة والتي يعلق عليها الشخص صاحب المنشور بصوته مكررا قوله “الشدة مقابل ستة ملايين والورقة بستين ألفا” والتفاصيل لمن يرغب تكون عن طريق مراسلته على الحساب نفسه.

رابط الإعلان في صفحة اسمها (سوق مريدي للسيارات بيع وشراء ومراوس السيارات الحديثة والقديمة) وربما لا يظهر الرابط لمن هم غير مشتركين في الصفحة.

لا يرد الياسري على جميع الرسائل التي ترده عبر صفحته الشخصية للاستفسار عن سبب البيع بهذه القيمة التي لا تساوي الا أقل من نصف القيمة الحقيقة لها لكن الكثير ممن رد عليهم ومنهم طارق يقولون إن السبب يعود لكون هذه الأموال مسروقة وأن أرقامها مسجلة لدى الجهات الرقابية الدولية وبالتالي لا يمكن التعامل بها بكميات كبيرة عبر المصارف او الحوالات مع استحالة إدخالها الى العراق أو اي دولة ثانية عبر المطارات أو المنافذ الحدودية.

ولذلك يعتقد الكثير أن الحصول على جزء يسير من هذه الأموال والتصرف به بكميات صغيرة من الممكن أن يكون تجارة مربحة جداً لسهولة صرف مبلغ يقدر بعشرة آلاف دولار في العراق من خلال بضعة تعاملات تجارية كأن يشتري سيارة مثلا أو أي شيء آخر أو حتى تصريفه في محال الصيرفة.

يسعى طارق الى الحصول على أول رزمة ذات عشرة آلاف دولار مقابل الملايين الستة التي يعمل على جمعها للتصرف بها هنا في بغداد والعودة مرة ثانية وشراء رزمتين بسعرها والاستمرار بهذا العمل لحين الوصول الى مبلغ يمكنه من تحقيق أحلامه في فترة قياسية بالاستناد إلى المبالغ المعروضة من قبل أحمد الياسري.

لكن الحقيقة وراء ما ينشره الياسري مختلفة تماما عما يدور في مخيلة أي شخص يطالع منشوراته وغيرها من منشورات مشابهة والتي توحي أن هذه الأموال أما مزورة بطريقة احترافية يصعب كشفها أو أنها مسروقة كما ذكر اعلاه أو حتى أنها أموال بحاجة للغسيل لأسباب معينة.

محمد أحمد (32 سنة) يروي لـ”نقاش” تجربته مع هذا النوع من العصابات التي تستخدم هذه الحيل للإيقاع بضحاياها والحصول على أموالهم دون أي مقابل.

“هذه الأموال حقيقية وليست مزورة أو مسروقة أو بحاجة لغسيلها لكن غير الحقيقي في الموضوع أنها ليست للبيع من الأساس يقول محمد.

ويضيف إن “هذه العصابات تغري الباحثين عن المال الوفير من خلال عرض هذه المبالغ للبيع مقابل نصف أثمانها الحقيقية لتكون طعماً لهم قبل أن يدفعوا الضحايا الى تحويل أموالهم الى أشخاص ما أو حسابات معينة وعبر طرق يتم تحديدها من قبل العصابة ليكتشف الضحية متأخراً أنه وقع في فخ لا يمكن استرداد ماله منه”.

ويوضح محمد أن بعض الاشخاص الذين اعتقدوا أنهم أكثر ذكاءً اضطروا الى السفر بأنفسهم الى الأردن ولبنان كما تم الاتفاق مع أفراد العصابة لضمان اتمام الصفقة غير أنهم وصلوا إلى نفس النقطة التي وصل إليها من لم يسافر وهي ضرورة تحويل المال المحدد قبل الحصول على المقابل.

تتلاشى أحلام الطامحين الى الثروة عندما يتخذون خطوة تقديم الثمن لمن يتاجر بأحلامهم ليعرفوا عندها أنهم كانوا مجرد ضحايا انضموا لضحايا غيرهم يقدر عددهم بالمئات إن لم يكن بالآلاف لمثل هذه العصابات.

وتبرز المشكلة الأساس بعدم مقدرة الضحايا على التبليغ عن مثل هذه العصابات لكونهم يعرفون أنهم من الناحية القانونية كانوا مساهمين في جريمة يعاقب عليها القانون فهم يعرفون أن هذا المال مسروق أو مزور أو أنه جزء من عملية غسيل أموال واسعة ومع ذلك انزلقوا في دوامته وهو ما يحذر منه مدير عام مديرية مكافحة الجريمة المنظمة في وزارة الداخلية العراقية.

ويقول العميد الحقوقي خالد عبود بداي لـ “نقاش” إن “جهل المواطنين بالقانون قد يكون سبباً في وقوعهم ضحايا لهذه العصابات وفي بعض الحالات قد تكون الضحية شريكة في الجريمة من الناحية القانونية ما يستدعي التنبه لمثل هذه الحالات”.

ويبدو أن هذه العصابات قد فهمت اللعبة جيداً فجعلت القانون وسيلة لضمان عدم تبليغ الضحية عنها من خلال إيقاعه بشرك المساهمة في جريمة مفترضة تمنعه من التبليغ لكي لا يكون أحد المتورطين بها من الناحية القانونية فيرضى بخسارة ماله مقابل عدم شموله بالعقوبات القانونية.

ويحث العميد بداي المواطنين على الاحتكام الى العقل قبل التورط مع هذه العصابات وغيرها مذكراً بمقولة أن القانون لا يحمي المغفلين وأن المال السائب يعلم السرقة.

ويقول العميد بداي إن “إجراءاتنا تشمل ملاحقة القائمين على هذه الصفحات لحين الوصول إليهم ومن وراءهم وتهكير بعض الصفحات للحد من نشاطها وغيرها من إجراءات”.

ويواجه القائمون على هذه الصفحات إجراءات قانونية تحددها القوانين النافذة الخاصة بالجرائم الأخرى كالنصب والاحتيال وغيرها مما يقومون به عبر هذه المواقع.

وتنطبق على هذه الحالات أحكام المحتوى الرابع الخاص بالاحتيال ضمن المواد (456) و(457) و(458) و(459) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 والتي تتراوح عقوباتها بين الحبس والسجن والغرامة وفقا للجريمة وملابساتها

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here