بغداد / وائل نعمة
حين سلّم قائد عشائري في نينوى مجموعة من “فلول داعش” في جنوب الموصل، بعد أشهر من تحرير المدينة الى الجهات الأمنية، كان يعتقد بأنهم أُعدموا أو أنهم يقبعون في السجون الحكومية على أقل تقدير.لكنّ القائد، الذي يقود مئات المقاتلين من أبناء عشيرته المناهضين للتنظيم، يؤكد أنه سمع بأنّ المعتقلين عادوا الى مخيمات النازحين في الموصل، من دون أن يعرف سبب إطلاق سراحهم. ويقول الاهالي في الموصل والانبار بأنهم باتوا يشاهدون أعضاءً في داعش يتجولون بحرية في المدن بعد عمليات التحرير، مؤكدين أن من بينهم أُمراء في التنظيم.
ويعتقد مسؤولون محليون أن مقاتلي التنظيم المعتقلين مدربون على المراوغة خلال عمليات الاستجواب نظراً لخلفياتهم العسكرية. كما يتحدث المسؤولون عن فساد يشوب عمل بعض الجهات التحقيقية، أدى الى خروج عدد من المتهمين بعد إلقاء القبض عليهم.
واستناداً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، الذي صدر خلال شهر كانون الأول الماضي، فهناك ما يقارب 20 ألف شخص محتجز لدى الحكومة العراقية، للاشتباه بارتباطهم بداعش.
وقتلت القوات العراقية، خلال عملية تحرير الموصل، 30 ألف مسلح، بحسب بيانات عسكرية. لكن المسؤولين المحليين يؤكدون وجود ما لايقل عن 50 ألفاً من المسلحين والمتعاونين معهم، مازالوا طلقاء في المدينة.
خروج المعتقلين
ويقول محمد المرعيد، قائد حشد شهداء القيارة في الموصل، إن قواته تتلقى يومياً بلاغاً عن وجود مسلحين تابعين لـداعش في أحد الاحياء بالمدينة.
ويؤكد المرعيد، في اتصال مع (المدى)، “في الغالب ينكر المعتقلون صلتهم بالتنظيم، ويتذرعون بأنهم كانوا مجبرين على تلك الاعمال أو أنهم كانوا يعملون مخبرين سريين للقوات العراقية”.
وعندما بدأت القوات المشتركة عمليات التحرير، في تشرين الأول 2016، شنّ داعش حملة انتقامية أعدم خلالها من يشتبه بتعاونهم مع الحكومة. كما نفذ عمليات إعدام بحق المدنيين الذين حاولوا الهروب من المدينة.
ويشعر المرعيد، بعد 5 أشهر من تحرير الموصل، بالإحباط لأنه يسمع عن عودة بعض المسلحين الذين تم اعتقالهم في وقت سابق الى مناطقهم الاصلية.
ويقول القيادي في الحشد العشائري “بعد أشهر من تحرير الموصل، ألقيت القبض على 11 مسلحاً في جنوب الموصل، اعترفوا أمامي بالانتماء الى التنظيم وارتكاب جرائم بحق السكان”.
وسلم المرعيد المجموعة بعد ذلك الى جهاز الأمن الوطني في الموصل. واعترف المسلحون أمام الجهة الامنية بارتباطهم بالتنظيم لينقلوا بعد ذلك الى بغداد.
لكنّ القيادي العشائري يقول “بعد أسابيع نقل لي بعض السكان، بأن المجموعة موجودة في مخيم الدعوة جنوب الموصل، ولا أعرف كيف تم إطلاق سراحهم”.
وفي الموصل يصعب الوصول الى حقيقة عدد المعتقلين. إذ يقول المسؤولون ان الاجهزة الامنية تتكتم على تلك المعلومات. وتتعدد الاجهزة الامنية، التي تعمل داخل الموصل، إذ تقوم كل جهة باحتجاز المشتبه بهم في مكان مختلف، الامر الذي يعقّد إجراء إحصاء لعدد الموقوفين. ويعتقد القيادي في الحشد أن “هناك فساداً في لجان التحقيق في بغداد وراء خروج عدد من المعتقلين التابعين لتنظيم داعش”. وتبقى أغلب تلك الاحاديث شفوية من دون أدلة بحسب الجهات الامنية التي تطالب أهالي المناطق المحررة بتقديم صور أو شهود، وتؤكد أنها تتحرى عن كل شكوى تصلها.
البحث عن الأدلّة
ويقول هاشم البريفكاني، نائب رئيس اللجنة الامنية في مجلس نينوى، بأن “السكان يتحدثون عن وجود أمراء من داعش، لكن المحاكم تريد أدلة”.
وتتطلب عملية الإبلاغ عن المشتبه بهم سلسلة من الإجراءات الطويلة كإحضار الشهود. وأحيانا يتعرّض “المُبلّغ” للتهديد بالقتل من الخلايا النائمة قبل صدور أمر الاعتقال، بحسب مسؤولين.
ويؤكد البريفكاني في اتصال هاتفي مع (المدى) أمس، أنّ”القيادات الامنية تنفي، خلال لقاءاتنا معهم، وجود مثل هكذا حالات، كما يؤكدون أنهم يتحرّون عن كل بلاغ يقدم لهم”.
وبدأ السكان، بحسب المسؤول المحلي، يترددون في الابلاغ عن وجود الارهابيين، بعد تناقل اخبار عودة عناصر داعش الى الموصل، والظهور بشكل علني في الشوارع. ونفت قيادة عمليات نينوى، أمس، ما نشرته صحيفة سعودية قبل يومين حول إطلاق سراح مفتي وسفاح داعش في الموصل، الذي اعتقل مطلع العام الجديد.
وذكر بيان لعمليات نينوى، اطلعت عليه (المدى)، ان “عز الدين طه أحمد وهب، 70 عاماً، الذي عمل الى حين تحرير مدينة الموصل مفتياً لها، مازال في التوقيف بانتظار المحاكمة أصولياً”.
كما نفى زهير الجبوري، عضو مجلس قضاء الموصل، ما نقلته الصحيفة السعودية عن لسانه، من إطلاق “المفتي” مقابل فدية قدرها 7 آلاف دولار.
وأكد الجبوري، في اتصال مع (المدى) أمس، أن “الإرهابي مازال قيد التحقيق، لكن مختار منطقة حي القادسية الذي ساعد في إلقاء القبض عليه تم استهدافه أول من امس بعبوة ناسفة، وقد نجا منها بأعجوبة”. واعتقلت القوات، قبل أكثر من أسبوع، رجلا مسنا من تنظيم داعش، كان قد ظهر في لقطات سابقة اشتهر بلحيته البيضاء الكثة، وهو يعطي أوامر بقتل بعض المواطنين رجماً بالحجارة أو بقطع الرأس.
وفي آذار 2015، ظهرت صور لثلاثة رجال متهمين بالمثلية الجنسية وهم يجثون على ركبهم، قبل أن يعطي “مفتي الموصل” أوامره بقطع رؤوسهم بالسيف أمام حشد من الناس الذين تجمهروا في ساحة عامة. كما ظهر أبو عمر مرة أخرى وهو يتلو قائمة تهم على أحد الضحايا وسط حشد كبير، قبل أن يتقدم أحد الجلادين بسيفه ويقطع رأس المضحية.
ضبّاط صدام
بدوره يعتقد نعيم الكعود، رئيس اللجنة الامنية في مجلس الانبار، ان “هناك خللا في قاعدة البيانات التي تعتمد عليها الاجهزة الامنية لمتابعة المسلحين”.
ويقول الكعود، في اتصال مع (المدى) أمس، إن “قاعدة المعلومات التي تضم أسماء المسلحين، فيها نقص كبير، كما تضم أسماء وضعت من جهات بتهم كيدية”.
ووجّه زعماء قبائل ومسؤولون محليّون في الأنبار، بعد تحرير الرمادي قبل أكثر من عامين، أصابع الاتهام لضباط وجهات أمنية بـ”الإفراج” عن قيادات في داعش مقابل رشاوى تصل أحيانا إلى مليون دولار. وتحدث ناشطون من الرمادي وقتها عن “صفقات سياسية” تقف وراء إطلاق سراح قادة في داعش بعد تحرير المدينة.
ويعزو الكعود، الذي يقود فصيلا مناهضا لداعش من أبناء عشيرته، سبب خروج معتقلي داعش الى أنّ”بعضهم محترف بالافلات من الاسئلة في الاستجوابات، نظرا لأن أغلبهم من العسكر ورجال الامن في النظام السابق”.
وكانت جهات عشائرية وأمنية في الانبار قد أعلنت، قبل تحرير الرمادي، إعداد قوائم بأسماء المنتمين لداعش. وتضمنت القوائم 10 آلاف اسم مطلوب.
ويتمنى الكعود ان تكون هناك محكمة خاصة في الانبار تضم منتسبين من بغداد للتحقيق مع المتهمين، مؤكداً أنه “لايثق باللجان التحقيقية الموجودة في الانبار”.
ونشرت الجهات العشائرية مطلع 2015، قائمة تضم 50 اسماً عن شخصيات منتمية لداعش، بينهم سلمان عزيز أحمد النوفل، مدير المخابرات في النظام السابق، فضلا عن أسماء أخرى لموظفين في الصحة والكمارك ومعلمين وأساتذة جامعات.
وحتى الآن مازالت العشائر تتلقى اتصالات وبلاغات عن وجود مسلحين في المناطق المحررة بالانبار. ويقول الكعود “قبل أيام كان لدي أشخاص أبلغوني بأسماء 20 عنصرا ينتمون الى داعش في مدن الانبار، قمت بإبلاغ القوات الامنية عنهم”.