من بوابة الانتفاضة إلى الاحتجاج: مدينة رانية تتمرد على تاريخها

سامان عمر

تبدو مدينة رانية هذه الأيام وكأنها غارقة في التراب، فعلى الرغم من ان التظاهرات الاحتجاجية قد انتهت وانسحبت القوات العسكرية من المدينة، إلا أن الأهالي ممتعضون من التجربة التي صنعوها بأنفسهم.

تحمل مدينة رانية – شمال شرق السليمانية – دلالات ورموز مختلفة بالنسبة لإقليم كردستان، ومع أنها ليست من كبريات مدن كردستان وهي تضم (15) الف عائلة الا أن أهميتها تكمن في انها تعتبر واضعة حجر الاساس للحكم الكردي.

بدأت الشرارة الاولى لانتفاضة مواطني كردستان ضد النظام البعثي من مدينة رانية في الخامس من آذار (مارس) عام 1991 ومنها وصلت الى جميع المدن الأخرى وسيطرت القوى الكردية على اقليم كردستان، لذلك اطلق على المدينة اسم “بوابة الانتفاضة” في القاموس السياسي والاجتماعي والحكم الكردي.

ويفخر اهالي رانية بأنهم كانوا روادا للانتفاضة، ولكنهم تمردوا الان على تاريخهم هذا بعد 26 عاما من الحكم الكردي ويريدون ان يصبحوا مفتاحا لتغيير آخر.

ففي الثامن عشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي خرج العديد من أهالي رانية إلى الشوارع تزامنا مع مدن وبلدات اخرى في كردستان ورددوا شعارات ضد حكومة اقليم كردستان والمسؤولين الكرد، الا ان التظاهرات التي شهدتها رانية اختلفت عن التي جرت في المناطق الاخرى في كون الاضرار التي خلفتها كانت اكبر كما انها كانت المرة الاولى التي تقف فيها المدينة ضد مفاخرها.

ومع أن انتقادات اهالي رانية والمناطق الاخرى في كردستان كانت موجهة في السابق ضد الحزبين الحاكمين في كردستان (الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني) الا انهم وقفوا هذه المرة ضد جميع القوى الكردستانية واتهموهم بالضلوع في خلق الازمة السياسية والاقتصادية وهاجموا المقرات الحزبية كانتقام على ذلك، حيث احرقوا خلال اليومين الاولين من التظاهرات 12 مقرا للاحزاب السياسية بينها مقرات لحركة التغيير والجماعة الإسلامية اللتين تحسبان نفسيهما على جبهة المعارضة.

وقال ياسين عبد الله عضو مجموعة “جبهة الدفاع عن حقوق الناس” التي نظمت التظاهرات في يومها الاول قال لـ”نقاش”: “في البداية كانت التظاهرة تجري بهدوء، ولكنها اخذت تتجه الى العنف لان مسؤولي المدينة لم يردوا على المتظاهرين”.

التظاهرات استمرت خمسة ايام وقد واجه فيها المتظاهرون القوات الامنية وحراس المقرات الحزبية بالحجارة وتم الرد عليهم بالرصاص في بعض الاماكن ما اسفر عن مقتل شخصين واصابة 85 آخرين بينهم رجال شرطة وحراس المقرات.

احد القتيلين كان شابا عشرينيا يدعى محمد طه وقد تم قبوله للدراسة في الجامعة قبل ايام من الاحتجاجات.

وقال والد محمد لـ”نقاش”: “قتل ابني برصاص حراس مقر الحزب الديمقراطي وقد قدمت شكوى الى المحكمة لتحصل لي على حقي”.

اما في الطرف الآخر فقال حراس المقرات الحزبية انهم هوجموا دون ذنب وقال وقال احد المهاجمين وهو يعمل حارسا لاحد المقرات الحزبية في رانية لـ”نقاش” طالبا عدم الكشف عن اسم حزبه: “هاجمنا المتظاهرون بعنف وقد اصبت بالحجارة” ولم يخف انهم لجؤوا الى اطلاق النار في الهواء لمواجهة المتظاهرين.

وانتشرت قوات كبيرة من البيشمركة والشرطة والقوات الامنية الاخرى في المدينة لانهاء التظاهرات وبدأت حملة واسعة لاعتقال المتظاهرين، ياسين عبد الله الذي كان احد المعتقلين قال حول ذلك لـ”نقاش”: “عصبت القوة التي اعتقلتني عيني وتعرضت للتعذيب، ثم نقلوني الى مدينة السليمانية وقد تم اطلاق سراحي بعد يومين، ولم يكن لدى من اعتقلوني امر من المحكمة”.

واكد هيوا قرني قائممقام قضاء رانية اعتقال المتظاهرين قائلا لـ”نقاش”: “تم اعتقال (80) شخصا من مثيري الشغب فمثل هذا العنف لا يخدم مطالب المتظاهرين”.

وتظهر التظاهرات الواسعة التي شهدتها رانية مدى امتعاض مواطني كردستان من الحكم الكردي فقد وصل غضب بعض اهالي المدينة الرائدة للانتفاضة الكردية الى حد يعضون فيها اصابع الندم مثلما كان احد المتظاهرين يصرخ بين الحشود: “لو كنا نعلم انكم ستحكمون هكذا لما انتفضنا ضد البعث ابدا”.

تظاهرات رانية ومناطق كردستان الاخرى تم انهائها عن طريق القوة، الا ان الانتقادات والمطالب التي دفعت المواطنين الى الخروج الى الشارع لاتزال قائمة كما هي ولا يعرف في اية مناسبة اخرى ستتحرك هذه البركة الراكدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here