د.عبدالخالق حسين
هناك حملة ضارية تشنها صحافة أعداء الديمقراطية، والعملية السياسية في العراق، تدعو إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية، ودون أن تقدم سبباً معقولاً ومقنعاً لهذا التأجيل ما عدا ترديدها لأقوال لا تغني ولا تسمن من جوع، مثل قولهم أن الدستور يمكن تجاوزه لأنه ليس آيات بينات، وان الانتخابات ستأتي بنفس الوجوه والأشخاص الفاسدين…الخ
وأشد المتحمسين لهذه الدعوة المشبوهة هي صحيفة المدى لصاحبها فخري كريم زنجنة، من خلال أجيره عدنان حسين الذي كرس عموده اليومي هذه الأيام لهذا الغرض، وآخر مقال له بهذا الصدد بعنوان (وكأنك يابو زيد ما غزيت!)، في إشارة إلى أن الانتخابات لو جرت في موعدها فإنها ستأتي بنفس الكتل السياسية.
نعم، الدستور ليس كتاباً منزلاً من السماء، ولكنه يُعتبر القانون الأساسي، و أبو القوانين الذي صوت عليه الشعب في استفتاء تاريخي عام 2005 متحدياً تفجيرات الإرهابيين، لذلك يجب الالتزام به. أما الالتزام بمواعيد الانتخابات فهو الآخر مسألة حضارية تدل على مدى احترام المسؤولين للوقت وعدم التفريط به. فمما تؤاخذ عليه شعوب العالم الثالث عموماً، والعربية بخاصة، أنها لا تقيم وزناً للوقت والمواعيد، وعلى العراق الديمقراطي أن يتخلص من هذه الآفة.
أما الإدعاء بأنه لو أجريت الانتخابات في موعدها فستأتي بنفس الكتل السياسية، فلا نرى ضيراً في ذلك، إذ يجب احترام إرادة الشعب حتى ولو فاز بعض الفاسدين المحتملين عن طريق الخطأ، فالديمقراطية لا تعطي الحصانة من الخطأ ولكنها تمتلك آلية تصحيح أخطائها، و يتعلم الناس من أخطائهم، والانتخابات هي مناسبة لتعلم قواعد الديمقراطية وتكريسها في ثقافة الموروث الاجتماعي. ولو أذعن المسؤولون لطلبات دعاة التأجيل فمعنى هذا أنه يجب تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، إلى أن يتأكد هؤلاء الدعاة أنه حان الوقت لمرشحيهم أن يفوزوا، وأن الشعب العراقي أصبح مؤهلاً للديمقراطية في نظرهم، و هذا عذر غير مقبول. صحيح أن الديمقراطية لا تعني الانتخابات فقط، ولكن في نفس الوقت نؤكد لهم أنه لا ديمقراطية بدون انتخابات أيضاً. لذلك أتفق مع الرأي القائل ان “تأجيل الانتخابات ليوم واحد بخلاف الدستور يعد مخالفة قانونية واضحة وخرق لهيبة الدستور”. ومما يحسب للحكومات المتعاقبة في العراق الجديد أنها التزمت بمواعيد الانتخابات دون أي تأجيل، وعليها أن تصمد على نفس النهج.
والملاحظ أيضاً أن دعوة تأجيل الانتخابات تأتي من أولئك الذين دأبوا على تخريب العملية السياسية لأسباب طائفية وعنصرية ومصالح شخصية، مثل كتلة أسامة النجيفي، و حزب مسعود بارزاني و وسائل إعلامهما. فالمعروف عن هؤلاء أنهم ألحقوا أشد الأضرار بمناطقهم خاصة، وبالعراق عموماً منذ 2003 وإلى الآن بدعوى التهميش والإقصاء. فالنجيفي معروف بتآمره وتواطئه، هو وأخيه أثيل، في تسليم محافظة الموصل و المناطق الغربية إلى داعش، وبارزاني بمحاولته لتمزيق الوحدة العراقية بإجرائه استفتاء الانفصال خلافاً للدستور، والذي هو الآخر جلب الكوارث على الشعب الكردستاني. فهؤلاء يعرفون أنهم قد جلبوا الكوارث إلى المكونات التي يدعون تمثليهم لها، فخسروا مكانتهم وشعبيتهم بين ناخبيهم، لذلك يحركون صحافتهم لشن حملة تضليلية لتأجيل الانتخابات على أمل أن يتحسن الوضع لصالحهم في المستقبل.
و الغرض الآخر من التأجيل هو شل الحكومة الحالية ومنعها من اتخاذ أي قرار مصيري، بدعوى أنها حكومة تصريف الأعمال فقط، وبذلك يسهل على أعداء الديمقراطية تنفيذ مخططاتهم التخريبية. فهناك من يحلم بالعودة إلى الانقلابات العسكرية لتحقيق طموحاتهم، وإعادة العراق إلى ما قبل التغيير الذي حصل عام 2003.
ومن كل ما سبق، نهيب بالسادة كبار المسؤولين في الرئاسات الثلاثة عدم الإذعان للضجيج المطالب بتأجيل الانتخابات، بل الإصرار على إجرائها في موعدها المقترح من مجلس الوزراء والمفوضية المستقلة للانتخابات وهو يوم 12 أيار المقبل حسب ما أقره الدستور.
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/