متى نرى الطحين؟

مرتضى عبد الحميد
ليس المقصود طحين الحصة التموينية، الذي يغيب احياناً لفترات طويلة، ثم يظهر على حين غرة، وقد يكون من الدرجة الثانية او الثالثة. وانما المقصود تحديدا المثل المعروف “نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً” ويقال عادة للشخص الذي يكثر في الحديث عن شيء، ويبشر به ليل نهار، لكن الحصيلة لن تجدها، او تجد جزءاً يسيرا منها في احسن الاحوال، الامر الذي لا يداوي جرحاً ولا يشبع جائعاً.
كثيرة هي الكلمات الجاهزة والوعود التي اغدقت، منذ سنوات، لمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وآخرها اعلان الحرب على هذا السرطان من قبل السيد العبادي، بعد ان طويت عسكرياً صفحة داعش السوداء، بفضل البطولات التي سطرها ابناء القوات المسلحة والقوى المساندة لها.
لا شك ان العبادي يريد تقويض اسس الفساد، ومحاسبة الفاسدين، لكن الضغوط المسلطة عليه كثيرة، سواء من الاقربين، او من القابعين وراء الحدود وامتداداتهم الاخطبوطية داخل الوطن وخارجه.
وهذان الطرفان المتحالفان بقوة لا يجمعهما جامع بمصلحة العراقيين، حتى المنتمين الى نفس الطائفة، فهم يبحثون عن مصالحهم ويتصرفون بوحي منها، دون التفكير بعواقب الامور، إن استمر مسلسل الفساد والتشبث المرضي بالسلطة، ودون الاتعاظ بما جرى في ايران مؤخراً ، وفي الكثير من بلدان العالم، بل الاتعاظ اولا بمصير صدام حسين وزمرته المجرمة.
لقد قوبل اعلان الحرب على الفساد ببهجة وارتياح كبيرين من جميع العراقيين المكتوين بناره، لمعرفتهم عن دراية وتجارب مريرة بانه المعول الاكثر مضاءً في اضعاف الدولة ومؤسساتها، وفي تآكل ونخر المجتمع برمته. كما يعرفون جيدا بانه ثمرة مُرة للمحاصصة الطائفية – الاثنية، ويقارنون عن حق بين الوضع الحالي والفترات السابقة عندما كان المجتمع العراقي معافى على الاقل من الناحية الاجتماعية.
بيد ان حساب الحقل لم يتطابق هذه المرة ايضا مع حساب البيدر، فلم ير الناس اجراءات رادعة على هذا الصعيد، تُديم حلمهم الاخضر بالخلاص من الفساد ومن المشاكل المزمنة الاخرى، بل ان رائحة تُشم عن بعد، تشي بمحاولة للتراجع، او فتور في الحماس، من خلال التصريح بعدم وجود معركة حقيقية ضد الفاسدين ولا اين هم متمترسون؟ بحيث يبدو الامر وكأنهم مجهولون، او يعتمرون طاقيات اخفاء تعمي الابصار عن رؤيتهم!
لا نريد ان يعاد السيناريو القديم بمعاقبة البعض من صغار الفاسدين، وترك اللصوص الكبار ينعمون بسرقاتهم وبالمال العام الذي نهبوه دون حسيب او رقيب.
و محاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين لا تأتي عن طريق الحرب الكلامية، او الاهابة بهم ومناشدتهم لاعادة الاموال المسروقة الى خزينة الدولة، مقابل العفو عنهم، وغلق ملفاتهم، فذلك مدعاة لتندرهم واستهزائهم.
المطلوب كما نرى هو التحلي بارادة سياسية صلبة للمضي في هذا المشروع الكبير وتفعيل دور المؤسسات الرقابية، وتشريع القوانين الكفيلة بإيقاف هذه الظاهرة الخطيرة والقضاء عليها. وقبل هذا وذاك لا بد من تغيير موازين القوى السياسية والاجتماعية السائدة في البلد، وفسح المجال امام الكفاءات المهنية والوطنية والنزيهة، لكي تتبوأ مكانها الطبيعي في مجلس النواب والحكومة والقضاء، وفي كل مؤسسات الدولة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here