الكُردي المَنسي المقدم الطيار حسين البيداوي المُزوري

أ.د. فرست مرعي
كثيرا ما يهاجم العديد من السياسيين العرب بالاضافة الى الصحافة العربية الكرد العراقيين وتتهمهم بالعمالة وموالاة اسرائيل وعدم المشاركة في القتال ضد اسرائيل في الحروب العديدة التي حدثت بين الجانبين في سنوات: 1948،1956م،1967ن،1973م على التوالي، ولا تنظر الى الجانب الآخر الى الضباط وضباط الصف والجنود الكُرد الذين سطروا أروع ملاحم المجد والفخار في الدفاع عن قضية فلسطين في الحروب العديدة التي ذكرت آنفاً، واستشهد العديد منهم في ساحات الوغى، ولما لم يكن للعراق مشاركة فعلية في الحرب الثانية (العدوان الثلاثي على مصر عام1956م)، ولكن الشباب الكردي قدم كل ما يمكن أن يقدمه تضامناً مع أشقائه المصريين، فقد قام الطلبة الكرد بمظاهرات كبيرة في المدن الكردية ضد العدوان الثلاثي على مصر، وتعرضوا الى اطلاق الاعيرة النارية من قبل الشرطة الملكية، ودخل العشرات منهم الى السجون الرهيبة للنظام الملكي العراقي، وكان والد كاتب هذه الاسطر أحد طلاب ثانوية دهوك الذين دخلوا السجن مع رفاقه وكان عمره لا يتجاوز الشهرين..
ولد الفقيد الرائد الطيار حسين محمد حسين في قرية بيده التابعة لناحية أتروش التابعة لقضاء دهوك سنة1935م، وهو من عشيرة المزوري المشهورة القاطنة في قضائي دهوك والشيخان في محافظتي دهوك ونينوى. أكمل الدراسة الابتدائية في مسقط رأسه سنة 1950م، وأكمل الدراسة المتوسطة في المتوسطة الغربية في بغداد، ومن ثم دخل الاعدادية المركزية وتخرج منه سنة1956م، ثم التحق بكلية الطيران العراقية وتخرج منها، ونظرا لتفوقه فقد تم ارساله الى بريطانيا لتكملة دراسته في فن الطيران في كلية سانت هيرست الملكية البريطانية فتخرج منها برتبة ملازم طيار في 1/7/1958م بعد أن حاز على درجة التفوق في قيادة مختلف الطائرات الحربية، ونتيجة لذلك فقد حاز على استقبال ملكة بريطانيا (اليزابيث) له مع زملائه المتفوقين بحضور قائد سلاح الطيران البريطاني.
في سنة 1965م ارسل الى الاتحاد السوفيتي للتدريب على قاذفة القنابل السوفييتية ( باجر – توبوليف) وأكمل الدورة التي استغرقت ما بين 6- 8 أشهر بتفوق؛ لذلك أصبح فقيدنا ملما بقيادة الطائرات البريطانية والسوفيتية ( المقاتلة والقاذفة) معاً أي بالنظامين الغربي والشرقي على حد سواء.
وكان الفقيد الطيار كثيرا ما يحوم بطائرته في سماء قريته (بيده) المزورية في أمسيات عيدي الفطر والاضحى المباركين، ملقياً عليها الحلويات، ويبدو أنه كان يستغل تواجده في القواعد الجوية القريبة من مسقط رأسه كقاعدة فرناس في الموصل، وقاعدة خالد بن الوليد في كركوك، وكان أطفال القرية كثيراً ما يتلهفون على هذه المناسبة للحصول على الحلوى التي كانت عزيزة في تلك الايام الخوالي.
تزوج الفقيد في سنة1963م وله ولد وبنت، نجله (هفال) من مواليد 1/4/1964م
خريج كلية الادارة والاقتصاد – جامعة بغداد، متزوج من كريمة الفقيد(حكمت عابد عبدال آغا المزوي)، حالياً مستقر في بلاد المنفى في هولندا.
عند بدء الحرب العربية الاسرائيلية في 5 حزيران/يونيو1967م شارك العراق بطائراته المقاتلة والقاذفة في التصدي للعدوان الاسرائيلي، وكان الرائد الطيار حسين البيداوي من أوائل الطيارين المشاركين في قصف المطارات الاسرائيلية بطائرته القاذفة (باجر- توبوليف) حيث تمكن من دك قاعدة ناتانيا الاسرائيلية الجوية بالقرب من تل أبيب، وفي المرة الثانية عندما غادر بقاذفته انطلاقاً من مطار الحبانية العسكري الواقعة غرب بغداد كان من المقرر أن تشارك طائرتان سوريتان مقاتلتان في تأمين الحماية للقاذفة (توبوليف) عند وصولها المجال الجوي السوري ولحين عودتها الى قاعدتها الحبانية في غرب العراق، ولكن ذلك لم يحدث مع الاسف الشديد؟!.
فتحرك الفقيد بقاذفته لوحدها وتمكن من الوصول الى مطار ناتانيا للمرة الثانية وقصفها، وعند رجوعه بقاصفته تم ضربه بصاروخ ارض جو مما أدى الى احتراقها واستشهاد كل من الرائد الطيار حسين محمد البيداوي ورفاقه الاربعة: المساعد والملاح بالاضافة الى اثنين من النواب الضباط المرافقين وذلك في يوم 6/6/1967م فوق سماء تل أبيب.
ويبدو أن الموقع العسكري الاسرائيلي الذي وصله الفقيد الرائد الطيار حسين البيداوي الى مطار ناتانيا لم يصله الى حد علمي أي من الطيارين العرب من العراقيين والاردنيين والسوريين المشاركين في القصف.
كان لاستشهاد الرائد الطيار حسين محمد حسين البيداوي المزوري وقع كبير في العراق وفي مسقط رأسه في كردستان العراق، حيث تمت ترقيته الى رتبة مقدم طيار، وإقيمت له مراسيم العزاء الخاصة اللائقة به، وأبنته الصحافة العراقية كأحد أبرز شهداء الجيش العراقي من المشهود لهم بالكفاءة والمهنية طيلة خدمته العسكرية في العهدين الملكي والجمهوري على حد سواء؛ ولكن رغم ذلك لم يحظ الفقيد بالتكريم اللازم كاطلاق اسمه على احد الشوارع أو المحلات أو غير ذلك، كدلالة رمزية على مساهمة الكُرد في الكفاح والنضال المشترك مع أشقائهم العرب في ساحات الكفاح.
رحم الله الفقيد ورفاقه رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here