الفريق طاهر يحيى كما عرفه السياسي المخضّرم أحمد الحبوبي -1

 

الفريق طاهر يحيى كما عرفه السياسي المخضّرم أحمد الحبوبي    -1

التزاحم الحزبي يبعد مدير الشرطة ثم يتسعيده ليصبح قيادياً في البعث

ناصر محسن المعاضيدي

بغداد

سمعت باسمه للمرة الأولى عند تعيينه مديراً للشرطة العامة بعد انقلاب 14 تموز سنة 1985، ثم اختفت اخباره في خضم الصراع الذي احتدم بعد الثورة بين فصائل القوى الوطنية، وكان أن أصابه رذاذ هذا الخصام فأحيل إلى التقاعد وتم إبعاده عن الجيش الذي تزاحمت كافة القوى الوطنية في أن يكون لكل منها أنصار ومؤيدون ومحازبون من الضباط لإحداث الانقلاب المضاد عند اللزوم… وغبت عن العراق سنة 1959، وعندما عدت أليه بعد انقلاب 8 شباط سنة 1963 كان طاهر يحيى رئيساً لأركان الجيش… ورأيته عن قرب وصافحته عندما حضر مع كوكبة من رجال السياسة والجيش حفلة خطوبة (عمار علوش) عضو مكتب التحقيق في حزب البعث مدعواً فيها ايضاً…

وجلس قريباً مني فرحت أختلس النظر إليه من حيث لا يشعر… كان اسمر اللون، مربوع القامة، أميل إلى القصر، ممتلئ الجسم، وبكرش بارز.. ثم برز أسمه واحداً من القيادة القطرية لحزب البعث التي تم انتخابها في اجتماع عاصف في مؤتمر حزبي، تكرس فيه انقسام حزب البعث الحاكم إلى يمين ويسار… مما سهل على عبد السلام عارف وحردان التكريتي وطاهر يحيى، والفصيل القومي القيام بانقلاب 18 تشرين ثان سنة 1963… وصعود التيار القومي واستلام السلطة تحت رئاسة عبد السلام عارف … ويبدو ان انخراط طاهر يحيى في صفوف حزب البعث كانخراط عبد السلام عارف فيه… لم يكن بدافع الإيمان المطلق بعقيدة وطروحات وشعارات هذا الحزب، بقد ما أراد كل منهما ومن خلال تعاونهما معه الوصول إلى الهدف الذي يسعيان إليه هو إسقاط حكم عبد الكريم قاسم الذي تولى حزب البعث هذه المهمة، لذا سرعان ما نزع كل من طاهر يحيى وعبد السلام عارف قميص البعث وتنكرا له، وأعلنا إيمانهما بقومية عربية وبوحدة عربية تختلف عما كان يطرحه ويفهمه حزب البعث… بل تنكرا لأي تحزب خاصة في الجيش، ولم يخف طاهر يحيى رأيه من أنه يؤمن بالقومية العربية وبالوحدة العربية ولكنه لا ينتمي إلى أي حزب او حركة او تنظيم وبذا حاكى عبد السلام عارف في هذا الاتجاه… وكان لابد أن يتولى طاهر يحيى رئاسة الوزارة بعد 18 تشرين سنة 1963 فهو الأقرب إلى قلب وفكر عبد السلام عارف فمسيرتهما العسكرية والسياسية تكاد تكون متشابهة… وقد نجح طاهر يحيى في ان يحوز على ثقة عبد السلام عارف من خلال صحبة ورفقة طويلة قطعاها معاً في تنظيم الضباط الأحرار واطمأن كل منهما إلى الآخر…، كما نجح طاهر يحيى في ان ينهض بأعباء المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه كرئيس للوزراء…

خبرة مطلوبة

فقد استعان بالخبرة المطلوبة وأحاط نفسه بخبراء يستشيرهم في كثير من الأمور التي يحتاج فيها الى رأي ومشورة، ولم يدع بطراً او تبجحاً أنه ذو قابليات خارقة إمكانيات لا يأتيها الباطل من بين يديها او من خلفها، فالرجل عسكري ويعرف تماماً قدراته وقابلياته، ولكنه لم يمار او يدعي او يتعالى، فقد كان كما لمست، تواقاً لأن يتعلم وكان والحق يقال سريع التعلم والاستيعاب، وهذا ما شاهدته بنفسي بعد اشتراكي معه في المسؤولية في تجربتين خرجت منهما بهذا الانطباع…

في مساء العاشر او الحادي عشر من تموز سنة 1965 تلفن الى بيتي المرحوم (عبد الله مجيد) سكرتير الرئيس عبد السلام عارف مبدياً رغبة عبد السلام عارف أن أوافيه إلى القصر الجمهوري بقدر ما أستطيع من السرعة… أخبرني عبد السلام عارف عن نيته في إجراء تعديل وزاري ويرغب أن أشترك في وزارة يرأسها طاهر يحيى، وزيراً للشؤون البلدية والقروية خاصة وأن قضية اشتراكي في الوزارة سبق أن نوقشت معه ومع الحزب الذي أنتمي إليه في سنة 1964 بعد قيام تنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي على أمل أن تتشكل وزارة قومية الاتجاه وهذا لم يحصل وقتئذ.. وقال عارف أنه مستعد الآن لقبول كل شروطي الشخصية والحزبية لدخول الوزارة… فأعدت على مسامعه ما عندي من شروط يعرفها جيداً فقبلها ووعد أن يعمل جهده من أجل إنفاذها ورجاني أن اقابل طاهر يحيى صباحاً حيث ينتظرني في المجلس الوطني… وفي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم كنت جالساً أمام طاهر يحيى وجهاً لوجه بعد أن ترك مكتبه وجلس على قبالتي، فوجدت الرجل قد أزداد بدانة، وبدا أكبر عمراً عما رأيته من قبل… فكان أن افتتح الكلام بعد السلام والتحية بقوله (أنت لا تعرفني أستاذ… ولكن أنا اعرفك جيداً، وإن لم ألتق بك، فأنا أعرف ماضيك ومواقفك… والرئيس عبد السلام عارف حكي لي عنك وهو يحبك… ويشرفني أن تشاركني المسؤولية…) ثم سكت ينتظر الرد فقلت: أنا أعرفك أيضاً واعرف ماضيك، وأنت تعرف إنني كنت بالأمس مع عبد السلام عارف… ولم يتركني أستكمل حديثي فقاطعني نعم اعرف وقد أطلعني الرئيس على كل شروطك وأنا موافق عليها وستجدني معك وفي صفك… أنا قومي يا أخي مثلك… ثم فوجئت به يقول وبصوت مرتفع وفيه انفعال شنو قصة عبد الزهرة… وعبد الحسين… مو عيب تأخذ كل هذه الأبعاد…… وبالمناسبة فقد كانت كلمة (الأبعاد) تتردد على لسانه كثيراً في كل لقاء او اجتماع… ويبدو أنه كان معجباً بهذا التعبير… سألت طاهر يحيى بكثير من الاستغراب عن موضوع (عبد الزهرة وعبد الحسين…) أجاب موضحاً إن العلامة السيد محسن الحكيم (المرجع الديني المعروف) يتهمنا بالطائفية وأننا نعوق أو نعرقل أية قضية او معاملة تخص أي شخص أسمه (عبد الزهرة أو عبد الحسين) او ما شابههما يراجع دوائر الحكومة باعتبارهما من أسماء الشيعة ودلالة على أننا طائفيون ونميز بين افراد الشعب… ثم سكت… فسألت كيف وصل اليه هذا الكلام المنقول عن العلامة الحكيم! (فأجاب وبسرعة هذا الكلام يتردد في مجالس السيد الحكيم نفسه وقد وصلتنا الأخبار…) فقلت.. لست بصدد الدفاع ع السيد الحكيم فهو لا يحتاج لدفاع مثلي وأشك أن القضية مفتعلة جملة وتفصيلاً لزراعة بذرة الخلاف والشقاق بين افراد الشعب العراقي فالسيد الحكيم وكما اعرفه شخصياً ضد التعصب الطائفي ويدعو إلى وحدة المسلمين…

أهمية نسيج

وحتى لا يطول بنا الحديث والموضوع شائك ومعقد وخطير فالرجاء إعادة النظر بما نقل إليك او بلغ اسماعك فالسيد الحكيم اكبر بكثير من هذه القضية فهو بمركزه الإسلامي الكثير لا يتعاطى بمثل هذه المسائل التي تعود على الإسلام والمسلمين بالضرر والفرقة… وعلى الحكومة من الرئيس الى أصغر موظف أن تقدر أهمية وحدة نسيج شعب العراقي وتحافظ على هذه الوحدة بنية صادقة وضمير حي وتبتعد عن كل ما من شأنه تمزيق هذا النسيج… فسكت ثم أراد أن يزيل حسب ظنه ما قد علق في نفسي من وشب فقال: يشهد الله إني لا افرق بين أبناء الشعب العراقي لا بين سنة وشيعة او كردي و عربي فأنا عراق واحب كل العراقيين فابتسمت وقلت (إن شاء الله…) باشرت، بعد أداء اليمين، مهام وزارة الشؤون البلدية والقروية في 12 تموز سنة 1965، ومر أسبوع أو يزيد قليلاً وأنا منشغل في تلمس طريقي في هذه الوزارة… وفي اجتماع لمجلس الوزراء عقد في العشرين من تموز قرأ طاهر يحيى من ورقة أخرجها من جيبه ما معناه: إن السيد رئيس الجمهورية يريد أن يسافر وفد وزاري إلى (الجمهورية العربية المتحدة) للتهنئة بذكرى ثورة 23 يوليو…وأن الوفد يتشكل من (طاهر يحيى) رئيس الوزراء وناجي طالب (وزير الخارجية) واحمد الحبوبي (وزير الشؤون البلدية والقروية) ويرافق الوفد رئيس اركان الجيش (عبد الرحمن عارف) ومر الخبر دون تعليق وكأنه حصل على الموافقة، وأن قراءته كان لمجرد العلم فقط، ولا انكر إنني فوجئت كما فوجئ مجلس الوزراء، وبعد الجلسة اتصلت بعبد السلام عارف لمعرفة المعيار الذي تم بموجبه اختيار أعضاء الوفد وعن سبب اختياري ضمن الوفد… فكان رده وهو يضحك (ما وحشتك مصر…) وفعلاً كانت مصر قد وحشتني بعد ان قضيت فيها ثلاث سنوات…

اقلتنا طائرة (شارتر) وكان معنا على الطائرة (عبد الرحمن عارف) رئيس أركان الجيش ومعه وفد عسكري كبير، وقد استقبل وفد العراق بحفاوة بالغة ونزل ضيفاً في قصر الطهارة، وحضر جميع الفعاليات والاحتفالات التي أقيمت في القاهرة بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو بما فيها حفلة غنائية لأم كلثوم في نادي الضباط في الزمالك… أستقبلنا جمال عبد الناصر في بيته عصراً، وكان حريصاً أن يسمع من الوفد العراقي ما يطمنه عن الوضع في العراق وما يمر به من مشاكل بعد استقالة ستة من الوزراء اعتبرهم الإعلام الغربي من (القوميين) على أثر خلاف بين عبد السلام وعبد الكريم فرحان (وزير الثقافة والإعلام) ودار الحديث مع عبد الناصر بعد استقباله لنا كوفد عراقي حول هذا الموضوع… وتكلم طاهر يحيى بعد أن انهى جمال عبد الناصر عبارات الترحيب التقليدية فقال… إننا نحمل تحيات حارة من أخيك عبد السلام عارف… وكان بوده أن يحضر بنفسه لتقديم التهنئة بهذه المناسبة لولا المشاغل الكثيرة… ثم راح طاهر يحيى يقلل من حجم الأزمة التي ضخمها الإعلام الغربي لأسباب معروفة قائلاً: إن الأمر لا يعدو عن خلاف بسيط في وجهات النظر بين الأخوة… وأنا اطمئن سيادتك أن العراق بخير وستحل كل المشاكل بروح أخوية… فقال عبد الناصر بعد أن أستمع جيداً لما قاله طاهر يحيى… إنه يرحب بمجيء الأخ عبد السلام عارف إلى القاهرة ليقضي بعض الوقت معنا وتهدأ اعصابه ويستريح من ضغط العمل… ويا حبذا يجي… ثم تشعب الحديث (كما دونته في حديثي عن جمال عبد الناصر في هذه الأوراق)… وقد لفت نظري أن طاهر يحيى قد أعد نفسه جيداً لهذا اللقاء مع جمال عبد الناصر، فقد كان ينتق عباراته بحساب وردوده كذلك وبهدوء… وبدا واثقاً من نفسه ولم أخف اعجابي به…

وسافر الوفد إلى الإسكندرية لحضور الاحتفالات هناك وخصصت لنا سيارتان… أقلت الأولى كل من طاهر يحيى، ورجب عبد المجيد (السفير العراقي المنقول) وكنت معهما وأقلت الثانية ناجي طالب وشكري صالح زكي (السفير الجديد). وفي الطريق استمعت إلى حديث طويل بين طاهر يحيى ورجب عبد المجيد عن ذكرياتهما عن ثورة 14 تموز سنة 1958 وعبد السلام عارف… وأخذ طاهر يحيى يذكر رجب عبد المجيد عن الاجتماع الذي ضم بعض الضباط وكيف أن الضباط أجمعوا أن يكون (ناجي طالب) هو الرئيس لهذا التنظيم الذي يعد العدة للانقلاب على حكومة عبد الكريم قاسم… وكيف أن الأمور سارت بعدئذ باتجاه التعاون مع حزب البعث بعد التأكد من وجود خطة جاهزة لديه للانقلاب العسكري… ولم أذكر أن طاهر يحيى قد ذكر عبد الكريم قاسم بسوء رغم اختلافه معه وعمله ضده… بل شعرت أنه يكن له احتراماً وتقديراً…

رئاسة وفد

وحل الوفد العراق في قصر الصفا في الإسكندرية وحضر احتفالات الإسكندرية وأولم لنا جمال عبد الناصر وليمة غذاء بفيلته في شاطئ المعمورة (وذكرت ذلك أيضاً وبالتفصيل عند الحديث عن جمال عبد الناصر). استغرقت زيارتنا لمصر مدة أسبوع وكان الوفد العراقي محل ترحيب واهتمام عند الأوساط الرسمية والشعبية ويقابل بالهتاف والتصفيق أينما حل ونجح يحيى طاهر أن يملأ المكان الذي يتبوأه كرئيس وزراء ورئيس وفد العراق فأحاديثه ومداخلاته كانت حسنة. وأولمت كثير من المآدب على شرف الوفد العراقي. وأذكر أن السيد (عبد الحميد السراج) قد دعا الوفد العراقي إلى وليمة غذاء في نادي الجزيرة المعروف في القاهرة ودعا ايضاً (عبد الرحمن عارف) رئيس اركان الجيش العراقي الذي رافقنا في الرحلة. وعلى مائدة الطعام سأل السراج طاهر يحيى ما اذا كان يرغب بشرب (الويسكي او البيرة) فأعتذر طاهر يحيى عن الشرب وأنه يكتفي بالماء البارد ثم أعتذر ناجي طالب أيضاً عن الشرب عندما سؤل ثم اعتذرت أنا كذلك، ولكن عبد الرحمن عارف قال (أريد بيرة) قالها بصوت عالٍ فما كان من طاهر يحيى إلا أن يلتفت إليه ويشتمه بكلمة عراقية ثقيلة قائلاً … يا… ألا ترانا جميعاً اعتذرنا عن الشرب فلماذا أنت تشذ.. ألا تستحي.. فأجابه.. (أبو زهير يكولون البيرة المصرية ممتازة..) فكرر عليه طاهر يحيى نفس الشتيمة.. ولم يبال عارف وأصر على شرب البيرة وكان له ما أراد.

شتيمة ثقيلة

ولاحقاً وعندما تولى عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية في العراق سنة 1966 ويحضر أحياناً اجتماعات مجلس الوزراء يهب طاهر يحيى واقفاً له بكل احترام ويقول (نعم سيدي) أتذكر تلك الشتيمة الثقيلة في نادي الجزيرة في القاهرة واضحك وأردد (سبحان مقلب الأحوال..).

لم يطل مكوثي في وزارة طاهر يحيى فقدمت استقالتي إلى عبد السلام عارف رئيس الجمهورية، وقبلت بعد مماطلات إذ كان عبد السلام عارف رافضاً قبولها، فخرجت من الوزارة بعد أربعين يوماً وعدت إلى مهنة المحاماة ولم اعد النقي بطاهر يحيى، وإن كانت استقالتي لم تقلل اعجابي به لتصميمه على تثقيف نفسه وإعدادها لأن يكون رجل دولة، وأن كان مركزه قد تضعضع بعض الشيء عند عبد السلام عارف الذي ارتأى استبداله برئيس وزراء آخر فكان اختياره لعارف عبد الرزاق أن يحل محل طاهر يحيى.

وظل طاهر يحيى وهو خارج الوزارة محل تقدير واحترام من قبل الكثير من الضباط والمدنيين، وظل بعيداً عن المسؤولية إلى أن أعاده عبد الرحمن عارف (رئيس الجمهورية الذي حل محل أخيه عبد السلام بعد احتراقه بطائرة الهليكوبتر كما هو معروف) قبل نكسة حزيران سنة 1967. وأذكر أنه قد ذهب في وفد عراقي لزيارة مصر إبان اشتداد الازمة التي سبقت النكسة وطار طاهر يحيى والوفد العراقي صبيحة يوم 5 حزيران مع حسين الشافعي (نائب رئيس جمهورية مصر) لتفقد القوات المصرية في سيناء فهوجمت طائرته كما هوجمت المطارات في سيناء من قبل الطائرات الإسرائيلية إذ بدأ العدوان صبيحة ذلك اليوم ولم تجد الطائرة التي تقله مطاراً صالحاً للهبوط فيه ولكن الطيار استطاع أن ينزل في احد مطارات سيناء غير المضروبة وكانت الطائرات الإسرائيلية تلاحق الطائرة مما اضطر طاهر يحيى ومرافقوه الى رمي انفسهم من الطائرة الى ارض المطار دون استعمال سلم الطائرة تخلصاً من قصف الطائرات الإسرائيلية وراحوا يركضون للابتعاد عن الطائرة التي صارت طعمة سائغة لقذائف الطائرات الإسرائيلية.. كما روى الحادث بنفسه بعد حين.

وفي احد أيام تموز سنة 1967 زارني طاهر يحيى وكان معه عبد الكريم فرحان في مستشفى (الالوسي) حيث كنت راقداً فيه بعد اجراء عملية جراحية (البواسير) وفاتحني ان اشترك معه في الوزارة الجديدة المنوي تشكيلها، وكان حاضراً احد (القوميين) داء يزورني هو الآخر في المستشفى وسمع عرض طاهر يحيى بشأن التشكيل الوزاري الجديد فما كان منه إلا ان عدل من جلسته ووضع رجلاً فوق رجل ليبدو حذائه قبالة طاهر يحيى فحدجته بنظرة لأشعره بسوء تصرفه الذي لا يليق ولكنه لم يبال وقد ظل على وضعه وكأنه يتحدى طاهر يحيى بتلك الجلسة وقد شعر طاهر يحيى بحركته تلك ولكنه تجاهله تماماً وتمالك أعصابه ولم يعره أي اهمام وظل يتحدث عن مشاريعه الوزارية وقال أخيراً: ما رأيك.. يا أستاذ فأجبته أن الظروف تحتم على المشاركة وتحمل المسؤولية ولكن بشروطي ولم بدعني أكمل فقال ضاحكاً: أنا موافق ولكن مو أربعين يوم ثم تبطل… قام طاهر يحيى مودعا ولم يتزحزح الأخ القومي من مكانه وما أن خرج الرجل حتى انفجرت فيه لوماً وتوبيخاً على سوء تصرفه الذي يحسب أنه يسيء الى طاهر يحيى وكان جوابه ان طاهر يحيى من (المليانين) وانا من الكادحين والمسحوقين فكان جوابي له ان حسن الاخلاق والتربية والتهذيب لا تفرق بي الغني والفقير.. وتمر الأيام.. وبدور الزمن وإذا بهذا الأخ الكادح والمسحوق يتحول الى رجل اعمال كبير يجمع الملايين من الدولارات جراء تعاطيه الاعمال التجارية في بلد عربي خليجي أتخذه مقراً له ولنشاطه التجاري الواسع ثم هاجر أخيراً الى أمريكا ونسي حكاية الفقر والكدح والانسحاق ولم يفكر حتى في مساعدة الفقراء والكادحين وان طاهر يحيى يموت مفلساً في العراق بعد ان حرم من المعالجة في الخارج وانطفأ نور عينيه قبل وفاته.

قبلت المسؤولية بعد نكسة حزيران سنة 1967 على أساس اعداد العراق للمعركة القومية القادمة مع الصهيونية والامبريالية الامريكية وسميت الوزارة (وزارة حرب وبناء) وتكريس العمل من اجل المجهود الحربي وقبلنا التنازل عن جزء من رواتبنا اسهاماً في هذا المجهود، خاصة وان جمال عبد الناصر مصر على مواصلة القتال وأطلق شعاره المعروف (ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة) ولا بد (من محو آثار العدوان) فوضعت الوزارة خطة طموحة للنهوض بالعراق وحشد طاقاته من اجل التنمية وان تسير جنباً الى جنب المجهود الحربي، وكان ضمن الخطة العمل على حمل الاخوة العرب، وخاصة الخليجيين على استثمار أموالهم في مشاريع صناعية وزراعية في العراق، ومن اجل ذلك سافر وفد برئاسة طاهر يحيى ضم كلاً من: عبد الكريم فرحان (وزير الزراعة) وخليل إبراهيم حسين (وزير الصناعة) ود. مالك دوهان الحسين (وزير الارشاد) واحمد الحبوبي (وزير العمل والشؤون الاجتماعية) الى الكويت ومعه خطة مدروسة من اجل اسهام الكويتيين رسميين وغير رسميين في مشاريع زراعية وصناعية تنفذ في العراق واعددت دراسة من اجل انتقال الايدي العاملة بين البلدين العراق والكويت وتحسين أحوال العمالة العراقية الموجودة في الكويت والتي يبلغ عددها عشرات الألوف.. وعقدت جلسات رسمية وشعبية بين الوفد العراقي والاخوة الكويتيين الذين قابلوا وفدنا بترحاب وابدوا رغبتهم الاكيدة في التعاون والاسهام في التنفيذ بعد الدراسة.. حتى ان الوفد العراقي تلقى طلبات من بعض الاخوة الكويتيين يطلبون تخصيص مساحة واسعة من الأراضي العراقية تستقطع لهم من اجل زراعتها بمختلف المحاصيل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here