صحافة حرة جيدة … مجتمع انساني ناضج

مما لا شك فيه ان للصحافة دور كبير في صياغة حياة الحضارة الانسانية حيث ان تأثيرها يصب في صالح كافة فئات وشرائح المجتمع لأنها وسيلة اساسية في توعية الافراد وارشادهم نحو فهم الاحداث والقضايا لذا فمن المهم وضع اركان ودعائم صحافة جيدة في المجتمع ايا كان تصنيفه ونوعه لكي تصنع جيل واعي ومثقف ومدرك لما يحصل حوله وحول الاخرين فمثلما يقال ان صديق الانسان الوفي والمخلص هو الكتاب فأن الصحافة ايضا هي بمثابة المكمل الفكري والادبي والسياسي والفلسفي لهذا الصديق المتمثل بهيئة ( الكتاب ) حيث ان العملية الثقافية مثلها مثل العملية الادارية والمعادلات الاقتصادية والنظريات الحسابية لها عوامل كالتخطيط والتنظيم والتوجيه تجعل من المادة الصحفية هدفا فكريا يتابعه الفرد وبالتالي استيعابه في كتلة العقل وتوظيفها بهدف التوعية لتنشيط عمليات الادراك لحدث ما او مشهد ما فالصحافة بجميع صنوفها وتشكيلاتها بداية بأجهزة الاعلام المرئية والسمعية مرورا بالدراسات والبحوث التي اجريت عنها وتم توظيف نتائجها لغرض تخريج افراد اصحاء صحفيا وصولا الى دور النشر والطباعة كل هذا له مفهوم واحد الا وهو توجيه رسالة فكرية الى وعي الانسان بهدف نشر المعلومات والمعرفة والافكار في كل زوايا المجتمع هنا تسمو قيم واخلاقيات الصحافة حيث تنهض المجتمعات من سبات التخلف والجهل وبالتالي خلق مجتمعات مثقفة تستطيع مواجهة كل ما يحصل على الكرة الارضية من خلال الكلمة من خلال الصورة من خلال الفهم الصحيح للواقع لذا فأن الصحافة الحرة الجيدة هي التي تبني مجتمعا انسانيا ناضجا وهذا ما حصل منذ بدايات الحياة العصرية على كوكب الارض حيث تشكلت ارقى المجتمعات فكريا من خلال الصحافة فلقد كان لها دور بارز في خلق اجواء ثقافية بين كل طبقات المجتمع واذا ما اقتربت الذاكرة اكثر فأن معظم الدول والشعوب في القرن العشرين والواحد والعشرين التي امتلكت صحافة جيدة هي دول ناجحة استطاعت اقامة اركانها ودعائمها بقوة الفكر والعقل وفي ذات الوقت خلقت شعوب ناضجة استطاعت توظيف قدراتها في سبيل تطوير الحياة العصرية لافرادها لذا فأن هذا العنصر المعلوماتي والمعرفي الذي يملك صيغة كيميائية فريدة مصنوعة من الفكر المسمى ( الصحافة ) مر بصعاب وعقبات كثيرة منذ نشؤه حيث تأثر بكل ما حدث في المجتمع الانساني عبر الزمن فتارة كانت السلطة تفرض قيودها وتارة كانت العادات والتقاليد عقبة في طريق ازدهارها وتارة لعب الاقتصاد دوره في زعزعة مسارها وفي العصر الحديث اصبح الارهاب يستهدف الصحافة بقوة الحديد والنار كي لا تنقل المشهد والحدث للجمهور لكن ما حدث لم يؤثر في مسيرتها وان تهاوت نجومها من سماء الابداع الانساني الا انها عادت بقوة كلمتها الحرة وصورتها الصادقة وهدفها السامي والنبيل ورسالتها الفكرية الى القمة من جديد لذا فأن الصحافة بتركيبتها الفكرية عالم متمرد شرس مقاتل مناضل متميز بتخطيطه وتنظيمه وهي في ذات الوقت عنصر ثائر مجرد من المفاهيم المعادية للانسانية فالحرية فيها ارقى صفاتها والثورة فيها ارفع سماتها لذا فأن الصحافة الجيدة هي صحافة حرة والحرية هنا تكمن في النقل الصحيح للكلمة والصورة دون قيود وشروط حيث يتخذ الخبر الصحفي والتقرير الصحفي والمقال الصحفي والحوار الصحفي والصورة الصحفية والتغطية الصحفية وغيرها على رغم اختلاف كل واحد منها من حيث المفهوم شكلا ومضمونا الا انها تتخذ قوتها من عمق رسالتها الفكرية الحرة لايصالها للفرد او الافراد او المجتمع وهذا التنوع الملون بألوان الطيف هو بمثابة التغير لكل مخارج ومداخل العقل وبالتالي تنمية الوعي حيث يتخذ الوعي شكلا واحدا في عقل الفرد حيث يمكن وصفه بالوعاء الذي يخزن المعلومة القصيرة وينظمها لزيادة المعرفة حول حدث ما على عكس الكتاب الذي يمر بذات العملية لكن معلومتها تكون طويلة حيث تحلل وتفسر الحدث بكافة جوانبه ومع التطور الهائل الذي اجتاح البشرية من كافة الاتجاهات باتت الحاجة الى الصحافة الحديثة شيئا اساسيا في حياة الفرد حيث التنوع في الاحداث وسرعتها جعل من الصحافة مادة اساسية تتناولها معظم فئات المجتمع والهدف هو مواكبة ما يحصل في العالم سياسيا وثقافيا ورياضيا وادبيا واقتصاديا والرأي والرأي الاخر حيث ازدهرت دور الطباعة والنشر وسارعت المؤسسات التعليمية الى الاهتمام بفتح جامعات وكليات ومعاهد للصحافة لكي تقوم بدورها في بناء جيل اكاديمي صحفي ناضج وصرفت الاموال على البعثات الصحفية لغرض نقل ما يحدث على ارض الواقع واصبحت المؤسسات الصحفية تنافس بعضها في سبيل ايصال المعلومة والمعرفة وبهذا اصبحت الصحافة شيئا لا يتجزأ من ثقافة الدول والشعوب واحتلت موقع بارزا فيها وحظيت بسلطتها التي تشرعها قوانين الكلمة الحرة والصورة الحقيقية فلا يمضي يوم دون ان تظهر الصحف ووسائل الاعلام بحلة فكرية بهية سلسة متغيرة وفق الواقع الذي يتغير بحكم ما يحدث فيه وهذا التغير هو بمثابة ادامة محرك بحث وتحليل وتفسير عالم الصحافة هنا لابد من الاشارة الى ان لكل مهنة مخاطرها ومشاكلها فلطالما وضعت الصحافة قاب قوسين او اكثر امام دائرة الخوف والرعب والترهيب بحكم الانظمة الدكتاتورية وعدم تقبل الرأي والرأي الاخر وعدم الرغبة في ايصال الحقيقة والكشف عن الاحداث وما وراء الكواليس بل وتجاوزت مخاطر مهنة الصحافة الى ابعد من هذا لكن الصحافة الحرة هي التي لا تموت بل تبقى حية بكلماتها وصورها واخبارها وتقاريرها لأنها رسالة سامية هدفها نقل ما يجري بحيادية واستقلالية تامة بعيدة عن الربح والمتاجرة بعقول وقلوب الشعوب .

ايفان علي عثمان
شاعر وكاتب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here