اسرار الكوتا الفيلية

بقلم : عصام أكرم الفيلي

في البدأ كان الكلمة ( يوحنا 1:1 )

ثلاث دورات برلمانية مرت، دون ان يستطيع احد من الكيانات السياسية ايجاد تمثيل فيلي خالص في مجلس النواب، رغم بعض المحاولات التي لا يمكن انكارها، ولكن واقع الحال اثبت على مدى 14 سنة ان تلك المحاولات الرسمية كانت خجولة في مجملها وان المحصلة كانت صفراً، وان تلك المحاولات لم تتعدَ كونها اما اسقاط فرض أو ذر للرماد في عيون المظلومين لا اكثر، رغم الضغط الشعبي في الدورات الماضية والوفود التي تشكلت وزارت وتحركت على مختلف الاطراف من اصحاب القرار، إذن ماهو الاختلاف الذي انتج تمثيلاً فيلياً الآن ؟ وما هي اسرار الكوتا ولماذا جاءت الآن ولماذا في واسط ؟ هذا ما سنحاول الاجابة عنه في السطور القادمة.

اول تلك الاختلافات هو ان مطالبات السابقين واقصد بهم تحديداً الأخوة في التحالف الكردستاني كانت حذرة بل حذرة جداً لسبب مهم، هو ان لديهم تنظيمات حزبية في بغداد وواسط وديالى تشارك في كل انتخابات، ولم تكن الساحة السياسية والخريطة الانتخابية واضحة لديهم لدرجة تضمن لهم عدم خروج الكوتا من ايديهم فيما لو تم اقرارها، وهم بهذا كانوا يلعبون بالنار، فمسألة ان يخصصوا مقاعد نيابية لتأخذها الكيانات الشيعية يعتبر خطأ فادحاً من وجهة نظرهم حتى لو كان التخلي عن الكوتا على حساب الفيليين، فالفيليون بالنتيجة يمثلون لهؤلاء رقماً انتخابياً يجب حساب ابعاده بدقة واستقراء نتائجه بدقة أكبر، فعالم السياسية بالنتيجة عالم جاف خالٍ من العواطف، ولا مجال ان يضحوا بمقعد او مقاعد من اجل عيون الفيليين مالم يكونوا على ثقة تامة بعدم خروج الزيادة عن فلكهم وهذا ما لا يمكن ضمانه ولهذا لم يصروا عليه أو يقاتلوا من اجله الا على الورق .! اما مطالبات اخوتنا في المذهب فذكروني إن كانت توجد حتى نصف مطالبة !!

اما هذه المرة فقد جاءت المبادرة من كتلة نيابية تختلف في ابعاد مهمة، اولها عدم وجود مصلحة ذاتية لهم في الأمر الا المصلحة الفيلية العامة، وذلك لكون مدينتي بغداد وواسط بالتحديد بعيدة عن ساحة عملهم وتنظيماتهم وليس لهم فيها حتى مقر واحد، الا مقراتهم ومكانتهم في قلوب المحبين، ولهذا فهم حين عقدوا مؤتمرهم الصحفي واعلنوا عن تبنيهم مسألة اخراج الصوت الفيلي الى العلن بشكل واضح وصادح، وكتبهم الرسمية والتواقيع التي جمعوها من نواب باقي الكتل النيابية فقد كانوا يقصدون فعلاً ما يقولون، واختاروا التوقيت الذكي جداً لأسباب تخص دهاليز العمل في مجلس النواب ومستويات التطور في التعديلات التي كانت تجري على قانون انتخابات مجلس النواب، لا مجال لشرحها توخياً للاختصار ونأياً بالقارىء الكريم عن الملل واجباره على قراءة مقال غارق في التفاصيل.

إذن، اسمحوا لي في هذه السطور ان اتحدث من قلب الحدث ، ويعلم المتابعون اني شخصياً كنت جزءاً منه ولهذا ارى من الواجب التوضيح، تعلمون ان المطالبة كانت في البداية بثلاثة مقاعد بواقع مقعد في كل من بغداد وواسط وديالى، إذن ما الذي حدث وكيف تحول الموضوع الى بغداد وواسط ثم استقر على واسط؟ وسنتحدث في هذا المقال عن الجزء الأول وهو كيفية تغير عدد المقاعد من ثلاثة الى واحد، وقريباً جداً وفي مقال لاحق سنبين لماذا واسط وليس بغداد.

المرحلة الاولى من المفاوضات هي التي فرضت نفسها، وكانت بخصوص ديالى، فقد لاقينا فيها رفضاً شديداً بل قاطعاً في موضوع مقعد ديالى بالتحديد ومن كل المكونات بلا استثناء ، لأسباب اهمها ضبابية الساحة هناك وتقاسمها بين الكُرد والعرب والسنة والشيعة والمتغيرات العسكرية والسياسية بل حتى متغيرات ادارة الوحدات الادارية التي حدثت في الفترة القريبة الماضية، وهنا كان لدينا خيارين لا ثالث لهما، اما ان نبقى مصرين على مقعد ديالى على الورق ونخسره في الواقع، أو نغير بالخارطة التفاوضية ونناور بالخيوط التي نملكها ونكسب حوالي ستين صوتاً برلمانياً وهو رقم كبير ومهم جداً جداً في حسابات يوم التصويت ، ولهذا فإن المفاوض الذكي هو من ينجح في كسب ستين صوتاً مؤيداً للكوتا مقابل مقعد في كل الاحوال لن ننجح في اقراره، وهذه الحركة التفاوضية كانت ذكية جداً خاصة اننا كنا في اول مراحل التفاوض بعد البيان والمؤتمر الصحفي، والرفض المقابل كان قاطعاً والجبهة ضد مقعد ديالى كانت شديدة ولا مجال لتفكيكها وتجزئة الصراع تمهيداً لكسب الجولة، فكان تغيير مسار التفاوض بهذا الشكل مع وجود ضمانات التأييد يوم التصويت هو نصر اولي على طريق اقرار الكوتا الفيلية، لا يفهمه اولئك الذي يستيقظون ظهراً ليدلوا بما شاء لهم من تصريحات من على مساطب المقاهي وغرف المقرات التي لم تستطع لحد الان اخراج تظاهرة واحدة للمطالبة بحقهم المهدور وتنتفض من اجل مستقبلهم المجهول وتنتصر لظلمهم المستديم، لكون اهلي الفيليون واقولها بحزن شديد هم اول الظالمين لأنفسهم للأسف.

نأتي الآن الى مرحلة التفاوض الثانية، والتي كانت مع الكيانات الشيعية، وهذه المرحلة في حقيقة الأمر تطلبت عملاً داخل البرلمان وتحركاً اكبر واوسع خارجه، وصل لدرجة ايقاظ احد السادة المراجع في منتصف الليل لابلاغه بوجود معارضة شديدة من قبل ممثله في اللجنة القانونية، وقد استطعنا بجهود اخوتنا في واسط تحديداً من تغيير الموقف وكسب المعارض الى صف الموافق صباح اليوم التالي، وبقينا في ليلتها الى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل في مكتب الدكتور حيدر القطبي مدير الاشراق الفضائية التي شكلنا فيها ما يشبه خلية أزمة لكونها مقر قناة عامة ويمكن للجميع الاجتماع فيها، وهكذا استمرت على مدى ايام وليالي العديد من التحركات على زعماء الاحزاب الكبيرة والمؤثرة لكسب التأييد وايجاد منفذ لخروج الصوت الفيلي الى العلن واقرار كوتا فيلية لأول مرة في تاريخ البرلمان.

اما في المرحلة الثالثة من التفاوض، والتي كانت حول حجم التمثيل وعدد المقاعد، ثلاثة أم اثنان أم واحد ؟ وهذه من اصعب المراحل واسهلها في نفس الوقت، اصعبها لكونها المرحلة ما قبل الاخيرة أي قبل التصويت النهائي العام تحت قبة البرلمان الذي لا مجال فيه للمناورة وليس فيه دور ثاني! فإما ان تنجح وإما ان تخسر، والوقت ينفد منا خاصة بعد قرار المحكمة الاتحادية بتحديد يوم الانتخابات ولوجود توقيتات دستورية لا يمكن تجاوزها محددة في المادة 56 من الدستور بشقيها الأول والثاني، بالاضافة الى الصراع الكبير الذي كان جارياً حول فقرات اخرى من القانون، وبنفس الوقت كانت هذه المرحلة اسهلها من حيث وجود خيارين فقط امام مفاوضنا العتيد النائب أمين بكر داخل اللجنة القانونية ومفاوضتنا الشجاعة السيدة سروه مع رؤساء الكتل، بالاضافة الى باقي الأخوة نواب الكتلة وبالأخص سيادة نائب الرئيس الشيخ ارام الشيخ محمد، وكل هذا كان يجري في تناغم وابداع متميز واتصالات وصراع من الزمن ، فإما ان يكون الاصرار على ثلاثة مقاعد او مقعدين وبالنتيجة يسقط هذا الخيار ويسقط التمثيل الفيلي والكوتا بأجمعها خلال دقيقة واحدة حاسمة لا اكثر اثناء التصويت الأولي في اللجنة القانونية ، واما ان نقبل مضطرين بمقعد واحد ونكسب التصويت.

وهكذا كان الخيار الوحيد امامنا في تلك اللحظات العصيبة هو القبول بالمؤكد وعدم المغامرة بالمجهول، وهذه من اذكى واهم المناورات التفاوضية التي قامت بها كتلة نيابية لا يتعدى عدد اعضائها اصابع اليدين مقابل 328 ، ولكنهم عملوا بجد وجهد وحولوا البرلمان الى خلية نحل واستطاعوا كسب تعديل القانون وتحقيق مصلحة فيلية واخراج صوت فيلي خالص لأول مرة في التاريخ ، حتى إن كانت دون مستوى الطموح بشكل كبير ، وادنى من استحقاقات الفيليين وحجم تضحياتهم، ولكن قد تبين لكم من خلال السطور السابقة التي شرحنا فيها جزءاً يسيراً من اسرار الكوتا الفيلية وما جرى خلف الكواليس، انه لم يكن بالامكان اكثر مما كان واننا لم ندخر جهداً ولو بمقدار شعرة لتحقيق الأكثر، واستطاع فتية آمنوا بربهم وتخلوا عن الــــــ ( أنا ) ان يحققوا انجازاً للفيليين، في الوقت الذي لا مصلحة ذاتية لهم فيها، فلا هم مشاركون في الانتخابات ببغداد وواسط، ولا فيهم من ينوي الترشح والمشاركة في حصاد الاصوات واولهم كاتب هذه السطور، فها هو مقعد فيلي خالص قد ظهر الى الوجود، والكرة الآن في ملعب الفيليين انفسهم ، فهم ابناء المأساة واصحاب القرار وهم الذين عليهم تدارك وضعهم في كيفية زيادة هذا المقعد وادارة الصراع الانتخابي وهم احرار في تجربة التخلي عن الانانية والتحلي بروح الوحدة سعياً لانتصارات قادمة، أو يستمروا على نفس النهج السابق المتكرر في اختلاق مبررات الفشل والعودة الى التسقيطات والصراع مع انفسهم !!!

عصام أكرم الفيلي

25 كانون الثاني 2018

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here