الاتفاق النفطي الإيراني العراقي يضع تركيا والسعودية أمام تحديات صعبة

وقّع العراق وإيران في أواخر عام 2017 اتفاق تبادل نفطي بين الجانبين، وأعلن وزير النفط العراقي، عبدالجبار اللعيبي، منتصف الشهر الجاري أن “بلده سيبدأ بتصدير النفط من كركوك إلى إيران قبل نهاية الشهر”، فيما تنظر كل من السعودية وتركيا، باعتبارهما منافستين رئيسين لإيران في المنطقة، بقلق إلى هذا التقارب.

وكان مقرراً أن تبدأ المرحلة الأولى من الاتفاق بتصدير 60 ألف برميل نفط من كركوك يومياً، بواسطة صهاريج، إلى إيران، لكن اللعيبي أعلن أن العراق يصدّر في المرحلة الأولى 30 ألف برميل يومياً إلى مصفى كرماشان، وكان حجم صادرات نفط كركوك يبلغ 360 ألف برميل يومياً يتم تصديرها عبر أنبوب نفط كوردستان إلى تركيا، لكن تصدير النفط من كركوك إلى تركيا توقف بعد هجمات 16 أكتوبر الماضي.

وبالرغم من صغر حجم الصادرات في المرحلة الأولى، إلا أن تركيا والسعودية ولأسباب مختلفة، تنظران بقلق إلى هذه العلاقة الجديدة بين بغداد وطهران، ويقول الباحث في مجال السوق النفطية، أولغو أوكوموش، في مقال له على صفحة “مونيتر”، إن “تركيا تخشى أن تحل إيران محلها كممر رئيس لنقل نفط الشمال إلى الأسواق العالمية، في حين أن خطة تركيا الاستراتيجية وطويلة المدى تعتمد على أن تكون تركيا الممر الرئيس لنقل النفط والغاز من الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية”.

الاتفاق بين العراق وإيران هو من نوع “سواب – التبادل النفطي”، وفي مثل تلك الاتفاقات يقوم البلد الشاري، عوضاً عن دفع الأموال، بمقايضة ما يشتريه من نفط البلد البائع بنفط من نفس النوعية والكمية، وبحسب الاتفاق بين إيران والعراق، يجب على إيران أن تسلم العراق، على الخليج، نفس نوعية وكمية النفط، ووفقاً لما جاء في تقرير لشركة النفط الوطنية العراقية “سومو”، فإن “هذا الاتفاق يعود على إيران بفوائد كثيرة على المدى البعيد، أهمها هو أن إيران ستصبح الممر الرئيس لنقل مصادر الطاقة”.

ويضم جانب آخر من الاتفاق بين بغداد وطهران إنشاء أنبوب ناقل للنفط، قد يحل محل الأنبوب الذي ينقل نفط كركوك إلى ميناء جيهان التركي، وهذا ما يثير قلق أنقرة.

كان ميناء جيهان منذ عام 1977 النقطة الرئيسة لتصدير نفط كركوك إلى الأسواق العالمية، وبالرغم من المشاكل السياسية والقانونية بين العراق وإقليم كوردستان، ظل هذا الميناء يمثل الخط الرئيس لتصدير نفط تلك المناطق، ومنذ العام 2013، كانت أربيل تصدر النفط من كركوك وبقية مناطق كوردستان عبر أنبوب مستقل إلى ميناء جيهان التركي.

وكانت بغداد وطهران، بعد استفتاء الاستقلال في إقليم كوردستان في أيلول الماضي، تنتظران من أنقرة القيام بإغلاق الخط المذكور، لكن أنقرة لم تكن مستعدة للالتزام التام بقرارات وإجراءات الحكومة العراقية ضد إقليم كوردستان، ويقول تقرير لفريق “أرغوس ميد”، الذي يراقب تصدير النفط وبيعه في العالم، إن حجم صادرات النفط من كوردستان إلى جيهان ما زال يقارب 320 ألف برميل يومياً، بالرغم من انخفاضه بنسبة 40% عما كان عليه قبل استفتاء 25 أيلول الماضي، لكن هذا دليل واضح على أن تركيا لم تستطع، أو لم تشأ، التخلي عن مصدر الدخل هذا.

وتنظر السعودية أيضاً بقلق إلى اتفاق كانون الأول الماضي بين إيران والعراق، لأن من شأن هذا الاتفاق أن يضعف من موقف السعودية في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، ويعتبر العراق ثاني أكبر منتج للنفط من بين أعضاء “أوبك”، بينما تأتي إيران في المرتبة الثالثة، والتقارب والتنسيق بين البلدين سيمثل تحدياً جديداً للسعودية في أسواق النفط.

وبحسب بيانات وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، فإن صادرات النفط العراقي إلى أمريكا والهند، كانت في تشرين الأول 2017 أكثر من صادرات السعودية، وفي عام 2017 كان معدل صادرات النفط العراقي إلى الهند 794 ألف برميل يومياً، بينما كان معدل الصادرات النفطية السعودية إلى الهند في نفس الفترة 738 ألف برميل يومياً.

وكنتيجة لرفع الحظر النووي الدولي عن إيران، ارتفع مستوى إنتاج النفط الإيراني خلال العامين الأخيرين إلى الضعف، حيث تشير بيانات “بلومبيرغ” إلى أن صادرات النفط الإيراني في نهاية العام المنصرم بلغت 2.23 مليون برميل يومياً، يأتي هذا في وقت انخفض فيه مستوى صادرات النفط السعودي، إلى 7.6 مليون برميل يومياً، وهذا ما دفع طهران وبغداد إلى السعي من أجل الحلول محل السعودية في الأسواق التي خسرتها الأخيرة بسبب خفض مستوى إنتاجها.

ويشير أولغو أوكوموش، إلى أن السعوديين يرون أن أي تعاون بين إيران والعراق في مجال النفط، لو استمر في التطور بالسرعة الحالية لتطوره، سيتمكن على المدى البعيد من خلق مشاكل لنفوذ السعودية وسيطرتها على قرارات “أوبك” وخلق توازن في الأسواق النفطية، لهذا لا يستبعد أوكوموش أن تكون لهذه الاتفاقات الأخيرة آثار كبيرة على العلاقات بين الرياض وبغداد.

وتكشف تصريحات المسؤولين النفطيين الإيرانيين والعراقيين عن أن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين لن تعود مقتصرة على الجوانب السياسية والأمنية، بل ستمتد لتشمل قطاع الطاقة أيضاً، وتدرك أنقرة والرياض أن الاتفاق النفطي “الشيعي” بين بغداد وطهران سيؤدي إلى اتفاق استراتيجي للسيطرة على أسواق وممرات نقل النفط، وعندها ستجد أنقرة والرياض نفسيهما مضطرتين لإجراء تغييرات أساسية في ستراتيجيات الطاقة لبلديهما.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here