كذبة الاقتراع

شهور قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات البرلمانية القادمة التي من المزمع اجراؤها في 12 ايار المقبل بعد تصويت البرلمان وتثبيت هذا التاريخ لاجرائها، اي انه لن يكون هناك تأجيل للانتخابات كما ارادت بعض الاطراف متذرعة بوجود الكثير النازحين الذين سيتعذر على اغلبيتهم التصويت والاقتراع وبذلك سيفقد مرشحو المكون النازح من كسب اصوات مكونهم، اي ان البكاء ليس على النازحين ومعاناتهم بل على الاصوات التي يخسرونها المرشحون! بسبب عدم المشاركة.

لا زال الناخب العراقي جاهلا لمعنى الانتخابات الحقيقي، فيتصور ان الانتخابات ليست سوى عملية تصويت على الانتماء الطائفي او الحزبي! وليس اكثر، ولم يمنح نفسه فرصة التعمق اكثر لمعرفة المعنى الحقيقي للانتخابات والغاية منها، حيث اثبت الناخب بعد ديمقراطية 2003! انه كان مسيرا من قبل عواطفه ومعتقداته وانتمائه الطائفي!، لان اغلبية الناخبين لم ينتخبوا قائمة معينة دون غيرها ايمانا منهم ببرنامجها الانتخابي وما تطرحه من حلول ازاء الواقع المزري الذي يعيشه الشعب والوطن بل انتخبوا من ينتمي الى طائفتهم بغض النظر عن الاكفأ والاوفى والاكثر اخلاصا وحرصا على اموال الشعب وثروات الوطن، والدليل على ذلك فوز نفس القوائم الحاكمة منذ 2006 لحد اليوم بمقاعد كثيرة رغم كل ما جرته على البلد من ويلات وكوارث خلال سنوات حكمها، وبذلك يكون كل من انتخب هؤلاء ( وهم الاكثرية ) مشاركا في جريمة ذبح الشعب ونهب الوطن كون الانتخابات الوسيلة الاساسية لمشاركة المواطن البسيط في ادارة شؤون البلد.

في البلدان الديمقراطية المتحضرة يقوم الشخص المقصر في اداء واجبه مهما كان منصبه رفيعا ( سواء كان عضو برلمان او وزيرا او رئيسا للوزراء او الجمهورية) بتقديم استقالته فورا من منصبه اثر ادنى فضيحة تمس مكانته الوظيفية حفاظا على كرامته الشخصية، اما في العراق الديمقراطي الجديد فان الوضع مختلف فبالرغم من الفساد المريع الذي ينخر البلد دون محاسبة واخفاق حكومات ما بعد 2003 في تلبية الحد الادنى من مطاليب الشعب العراقي او على الاقل تغيير الوضع السياسي والاقتصادي والامني نحو الافضل حتى بنسبة ضئيلة جدا مهما كانت، نلاحظ ان نفس الاسماء والوجوه تتكرر في البرلمان والحكومة! وتتحدث عن المصلحة العليا للوطن والمواطن وتدعو الى محاربة الفساد.

اسباب كثيرة تمنعنا من التفاؤل على احداث تغييرات كبيرة وملموسة في حال العراقيين بالانتخابات القادمة يمكن تلخيص اهمها في غياب السلام الداخلي ووقوع الساسة واصحاب النفوذ والمسيطرين على مقاليد الحكم تحت سيطرة دول خارجية وفرض المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، ورفض بعض المتنفذين لفكرة مشاركة الحكم مع الاخرين والاحتكام الى مبدأ الاغلبية والاقلية لادارة شؤون البلد، وعدم تشكيل حكومة تكنوقراط تؤدي مهامها بحرية دون تدخل الاحزاب والكتل الفائزة بالمقاعد البرلمانية ايا كان حجمها، وعدم الاخذ بعين الاعتبار ما للمصالحة الوطنية من تأثير قوي ونفاذ على استقرار الامن وانجاح العملية السياسية في العراق، كل هذه الاسباب وغيرها تبقي اية حكومة عراقية مقبلة، مهما تغيرت الاسماء والوجوه، في حالة عجز عن احداث اية تغييرات ملحوظة في الحالة الراهنة.

همسة: الانتخابات ليست وسيلة او اداة لاحتكار الحكم والالتصاق بكرسي القيادة عبر استغلال العواطف والمشاعر الطائفية، بل هي طريقة سلمية لمداولة الحكم وفرصة لاستبدال المقصر والفاسد والفاشل بالافضل.

كوهر يوحنان عوديش

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here