انا …وجاري …..وحديث صباح الأحد …

لي جار استرالي الجنسية من أصول أمريكا الجنوبية اعتدنا ان نلتقي صباح السبت او الأحد حينما نقوم يسقي حدائق منزلينا المتجاورين وبعد التحية الصباحية المعتادة نتناقش في مختلف الامور العامة ، هذا الصباح سألني عن العراق والانتخابات القادمة وكان يستفهم مني عن توجه الشارع العراقي هل سيشارك ام سيقاطع لانه كمتابع بسيط يجد ان هناك رفض شعبي لاستمرار القوى السياسية الحاكمة الان ومدى جدوى المشاركة بها طالما اننا نشتكي ونلوم الحكومة والبرلمان وان تزويرا سيحدث في هذه الانتخابات وان نفس الوجوه والأحزاب باقية متمسكة بالسلطة وترفض مغادرتها وتذكرنا سوية تظاهرات 2015 في ساحة التحرير وما آلت اليه فأجبته بالاتي :

عندما خرجنا في حر تموز وأب اللاهاب عام 2015 لساحة التحرير كان هناك شعار يوحد المتظاهرين وهو ( هي هي كلهم حرامية ) وايضا كان هناك شعار ( بأسم الدين باگونا الحرامية ) مع ملاحظة ان خطبة الجمعه في كربلاء كانت تنسجم مع توجهات المتظاهرين وتطلعاتهم بل كانت موجهة الهم في اغلب الاحيان حيث كانت تسبق موعد التظاهرة ب 5 ساعات وكنا نتزايد عددا أسبوعا بعد أسبوع وحتى اذكر ان احدى شبكات الانترنت فتحت بث مجاني للمتظاهرين بلغ عدد من تمكنوا من استعماله تجاوز ال مليون وربع مليون( وهذا كلام انا شاهد فيه وعليه ) ومن لم يستطع كانوا اكثر وكان منظر الحشود وهي تهتف للوطن كبير وعظيم ويثلج الصدر وهم جميعا كانوا بلا انتماء معين او توجيه من ورائهم حزب او جهة حتى انني اذكر حين طلبنا من مكتب استنساخ ان يستنسخ البيان الاول للمتظاهرين رفض أخذ مبلغ الاستنساخ وكان عدد النسخ كبير وحتى سواق الكوستر اللذين كانوا ينقلون المتظاهرين يمتنعون عن أخذ مبلغ التوصيل ( الگروة) لا بل ان احد اصحاب المطابع رفض أخذ مبلغ الفليكسات التي كنا نطبعها عنده، وكنا ومعنا الجمهور الحاشد لا نهتف الا للعراق الواحد فقط .

قلت له كانت صيحات التحرير تقابلها في الجهة الثانية المنطقة الخضراء ( حيث مقر الحكومة والبرلمان ) التي كانت تسمع الصيحات والهتافات ورغم تضيق البث التلفزيوني وحتى عندما كان يتم النقل كانت العراقية القناة التي تمول من مال الشعب تضع الكامرة بزاوية محددة وضيقة جدا .

وأضفت له انني سقت لك هذه المقدمة لأتحدث عّن موضوعه الانتخابات القادمة فكل الشعارات والهتافات والآمال والطموحات بالتغيير في العراق الجديد طريقها واحد هو صندوق الانتخاب لاغير فلا نتوقع ان يكون هناك صدام جديد يريد البقاء طول العمر حاكما ومن بعده من يرثه من الأولاد والأحفاد ولا نريد ان تكون هناك قوات أمريكية جديدة تغزوا البلاد وتغير النظام ولا نريد البيان رقم (1) بانقلاب عسكري دموي ولانريد مزيد من دماء أبناء الشعب الأبرياء تسيل على مذبح الوطن ، البناء الديمقراطي في العراق بعد 2003 وان كان متعكزا او متعرج ولكنه موجود يتطلب ان نقومه ونعززه لا ان نبتره من اصله .

ومن نتائج الحرية التي استنشقناها بعد زوال النظام الدكتاتوري السابق هو حق وواجب الانتخاب فأنت كمواطن واجبك ان تقوم بالانتخاب ومن حقك ان تختار من يمثلك وينقل صوتك ويسمع مشكلتك ويعمل معك على حلها فأن تركت هذا الحق والواجب تكون قد قصرت مع الوطن ومع الأجيال القادمة التي ستحملك المسؤولية لأنك كان بأمكانك ان تغير وما فعلت .

كل هؤلاء الذين هتفنا عليهم ( حرامية ) وقلنا انه سرقونا باسم الدين سوف يعودون بقوة وبوجوه جديدة وبذات المنهجية الطائفية الممقوته بل سيزيدون من ذلك ويذلون اصحاب الكفأت والمهن والاختصاص والشهادات ويجلبون اصحاب الشهادات المزورة والنصابين والتافهين ليجعلوهم او ينصبوهم في أماكن القرار التي يريدونهم فيها ويعملون على وضع افضل الامتيازات لهم وفي كل المرافق مما من شأنه ان تقلل من هيبة المواطن الشريف النزيه المتعب ويزيد من ضيمه وهمه وهذا سيحصل بالتأكيد لو اننا تركنا الساحة لهم بحجة المقاطعه للانتخابات فهم سيدفعون من يريدون ومن هو على شاكلتهم ليعوض النقص الحاصل بالتصويت من الممتنعين عنه وبالتالي سنخسر من ناحيتين اننا مكنا الفاسدين بالحصول على أصوات اكثر والثانية عززنا لهم الوجود بمقاعد اكثر ..

بالتأكيد ان الكثيرين ممن سيقدمون اوراق ترشيحهم بنهاية يوم 10/2/2018 ( على ما اعتقد اخر يوم لقبول الترشيحات للمفوضية) هم من المخلصين الحريصين على الوطن واهله من المحامين والقضاة والأطباء والمهندسين والعلماء والحرفيين والمثقفين والفنانين والاعلاميين والصحفيين الاشراف جميعا ومن باقي طبقات الشعب وفئاته الواعية والغير منتمين لتوجه طائفي او حزبي ضيق بل مستقلين قولا وفعلا وانتمائهم للعراق الواحد وحتى وان مثلوا حزبا او توجها فهذا لا ينقص من وطنيتهم طالما كان الوطن هما لهم لا منصبا او جاها ولدينا مثل عراقي يقول ( عينك ميزانك ) تستطيع ان تميز الوطني النزيه من غيره .

نعم سيتقدم ممن تشبعوا بالفساد وأصبحوا حيتان في السرقة والفساد ممن احترفوا اللعبة الانتخابية وستجد لهم مؤيدين كثر من المنتفعين والمستفيدين منهم ومن فسادهم وستعمل لهم جيوش الكترونية وأبواق دعاية في القنوات التلفزيونية والاذاعية والصحافة ( وهذا حق مكفول للجميع ) وسيدفعون الأموال والاموال لضمان بقائهم في اماكنهم ولكن ستكون الفطنة والنباهة لدى المواطن العراقي الذكي جدا في ان يعرف من يختار وكيف يختار ويتحمل مسؤولية خياراته للاجيال القادمة فهذه الانتخابات أراها مفصلية بتأريخ العراق الجديد وارى التحول فيها لعراق مدني تقوده كفأت نظيفة نزيهة وطنية تريد ان تبني الوطن الذي عاث فيه الفساد والخراب لسنين طويلة وقد حان الوقت ليأخذ المثابر والصادق والمتفوق والمتعلم الصحيح اللذي يحمل شهادات صحيحة من ارقى جامعات العالم وكذلك المهني والخبير والعالم والأستاذ والرجل البسيط والمرأة الواعية والشاب الناضج ان يأخذ مكانه الصحيح في بلد يصدر خيراته وخير علمائه ومتفوقيه في كل المجالات الى دول العالم بلا استثناء وهم محرومين في داخله من ابسط الحقوق لا الامتيازات ولك ان تعدد دول العالم قاطبة فإنك بالتأكيد بلا مبالغة ستجد فيها اكثر من عراقي محط أنظار ويشار اليه بالبنان بعلمه وكفأته ونجاحه .

هذا لن يحصل او يتحقق اذا ما تركنا صناديق الاقتراع تمتلئ بأصوات الفاسدين والمستفيدين منهم سنذهب ولن نقاطع لدينا عقل ولدينا معرفة ولدينا علم رصين من هو الجيد والذي سيخدم البلد ومن هو الردئ الذي لا هم له الا المنصب والرواتب والمخصصات والانضمام لاتحاد البرلمانيين العراقيين الذي كان اخر ما شرعه الفاسدين ممن استسهلوا خداع الشعب ويحلمون بان يستمروا لدورات قادمة ويتمددون ….

سكت جاري وودعني الى بيته بعد ان اكمل سقاية حديقته وقال لي :

ان تشعل شمعه خير من ان تلعن الظلام…

المحامي

وفاء صباح راهي

استراليا- سدني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here