18 عاما على رحيل والدتي الحبيبة ’ذكرى وعبرة

وراء كل رجل عظيم امرأة
’ذلك كان رأي نابيليون بونابرت
اما شاعر النيل حافظ ابراهيم
فكان اكثردقة في تقييم ألمراة ’عندما وصف الام
بانها مدرسة’اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق
واليوم سأتحدث عن هذا الموضوع’
بمناسبة حزينة الى قلبي
ففي مطلع هذا القرن’وفي مثل هذا اليوم الثامن والعشرون من عام 2000
رحلت والدتي الحبيبة الى بارئها
غادرت روحها الطيبة الطاهرة ,بعد حياة حافلة
ونضال مرير وصراع بطولي مع كل التحديات الجدية التي واجهتها’
واثبتت انها كانت بطلة بحق’عندما حققت معظم احلامها
,ونفذت ما كانت قد صممت عليه منذ البداية
والدتي الحبيبة كان انسانة فذة’
ورغم ان كل انسان يستطيع ان يزعم ذلك’وله كل الحق’
الا اني ساوضح ما جعلني اشيرالى تلك المسألة
ففي طفولتها الباكرة
,وحوالي عام 1920 افتتحت اول مدرسة للبنات في محلة المكاوي
قرب مسكنها الذي كان يقع في محلة باب المسجد في مدينة الموصل
والدها كان من المثقفين والمتفتحين’فسارع الى تسجيلها فورا
حدثتنا كثيراعن تلك التجربة العظيمة’بالقول
كان والدها يوقظها كل صباح ويسعى لان تكون في افضل مظهر
’ويأخذها بنفسه الى المندرسة’ليعود ويصحبها في نهاية الدوام عائدابها الى البيت
كانت سعيدة وطموحة’وكانت تحلم بأن تحقق من خلال المدرسة اهدافا عظيمة
خصوصا وانها كانت ذكية وقوية الذاكرة بشكل لايصدق
وكمثال مناسب يؤكد تلك النقطة اذكر القصة التالية
في عام 1921’وعند تتويج فيصل الاول ملكا على العراق
’كانوا قد الفوا نشيدا بالمناسبة’ وعمموه على المدارس انذاك
وبعد مرور حوالي سبعين عاما ’وفي عام
1990’ورغم انها كانت على مقربة من الثمانين عاما
الا انها كانت تتذكركلماته بدقة ’ورددته امامنا’وسط حالة من عدم التصديق!
المهم انها وبعد ان اجتازت’المرحلة الاولى وعبرت الى الصف الثاني
تدخلت والدتها في الامر’واعربت عن قلقها على ابنتها من مخاطر الطريق الى المدرسة
واحتمال ان ينشغل والدها يوما ما ولايستطيع مرافقتهافي الذهاب’أو الاياب
كانت انذاك في االثامنة من العمر’وكانت تنمو بسرعة
اصرت جدتي على ان تمنع والدتي من الذهاب الى المدرسة
’خشية ان تتعرض الى مضايقة الشباب ’والذين كان غالبيتهم العظمى من غيرالمتعلمين
’وكان من النادرانذاك ان تخرج الفتاة من دارها
وهكذا اجبرت على ترك المدرسة’
مما سبب لها حزنا عميقا وصدمة كبيرة لم تفارقها حتى اخرأيام حياتها
المهم انها قررت ان تعوض مافاتها في اولادها
وفعلا حققت نجاحا باهرا
اذ’رغم انها خلفت خمسة اناث واربعة ذكور
’فقد تمكنت من العناية بهم على افضل وجه
ثمانية من التسعة انجال تمكنوا من الحصول على شهادات دراسية’بعضها عليا
فقط ابنة واحدة لم تستطيع اكمال دراستها وبسبب مرض حساسية في اقدامها’منعها من الدوام خصوصا اثناء برد الشتاء القارص
اكبر بناتها سنا والتي تجاوزت اليوم الثمانين’(طولة العمر)هي استاذة جامعية’رغم ان اكثر من 90%من اقرانها هم اما اميون’أو لم يتجاوزوا الابتدائية
اثنان من ابنائها سجل اسميهما في سجل الشرف’’لمشاهير محافطة نينوى للقرن العشرين
من اشهر انجازاتها وافضالها علي شخصيا’قصة حدثت معي
ففي الخامسة عشرة من عمري’ابتليت بصديق سوء’ كان قد اقنعني بترك الدراسة والالتحاق معه بسلاح الطيران’وزين لي الامر جنة الله على ارضه
كنت صبيا عنيدا حالم
صعب المراس’اذا اردت انفاذ امر’ليس من السهل على اي ان يثنيني عن المضي اليه
عندما سمعت المرحومة والدتي بالامر جن جنونها’وبدأت عملية مفاوضات,معي انتباتها حوارات وامثلة وحكم ومواعظ’بطريقة جعلتني اعود الى رشدي واتخلى عن مخططاتي
وحتى اليوم’وكلما اتذكر ماذا كان سيحل بي لولا تلك الام العظيمة’والتي انقذتني بطريقة واسلوب كانا كالمعجزة’ارى اني لاازال لم افهم الطريقة والوسيلة والاسلوب الذي اتبعته معي’!لكني
استطيع ان ازعم وبكل قناعة وتواضع بأنها لو تمكنت من اكمال تعليمها لاصبحت افضل وزيرة للخارجية’
من هذه النقطة احب ان استخلص فكرة عامة من موضوعي الخاص هذا
اذ ان العادات والتقاليد الاجتماعية التي ابتليت بها شعوبنا
والنظرة الدونيةالى المرأة والى دورها في المجتمع
كان ولازال السبب الرئيسي في تردي اوضاعنا وهواننا على الاخرين
والانهيارات المستمرة في البنى الاجتماعية وتشردنا في بقاع الارض
فالمراة المستلبة التي لاتملك كرامة وقيمة وتحرم التعليم ’
لايمكن ابدا ان تربي اجيالا تتمتع بكرامة وقيمة انسانية حقيقية
ففاقد الشئ لايستطيع ان يمنحه للاخرين
كثيرا ماتسائلت:-
كم من ام كلثوم ياترى’وكم من فاتن حمامة او هدى شعراوي’أو حتى نجيلا ميركل’أومدام كوري’وغيرهم ’من
نساء مجتمعاتنا المنغلقة ’
منعتهم العادات والتقاليد وصرامة الاهل من اداء دور
مهم في المجتمع؟!
وحرموا بسبب ذلك من استخدام مهاراتهم وفنهم وعلمهم
بالختام لااملك الا الترحم على روح والدتي الحبيبة
لم انساها يوما ولم انسى فضلها على العائلة
واعاهد روحها الطاهرة ان ابقى على الدوام اردد ذكرها ومناقبها
وادعوا لها بالرحمة واطلب من الاخرين مشاركتي بالترحم على روحها الطاهرة
عزائنا ان الكل راحلون يوما
لكن المهم هو ماذا فعلوا في حياتهم واي ذكرى تركوا

مازن الشيخ

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here