مرشح (New model)

علي علي
سؤال تتلكأ اليوم في تلفظه شفاه أغلبنا، إذ يرافقه توجس وحذر شديدان، هو ليس سؤالا ضمن أسئلة من يربح المليون، وليس غيبيا، وليس استجوابا كالأسئلة التي تلقى على ساستنا بين الحين والآخر، هو سؤال إن أسأنا الإجابة عليه كان المردود سلبا على مستقبلنا، وان كان العكس فقد يكون فيه خير لنا ولمستقبلنا، علاوة على حاضرنا.
هو سؤال: (إلمن راح أنتخب؟!) ومن المؤكد أن كثيرا منا يقف واجما صامتا تتملكه الحيرة، ويتوه عنه الجواب في زحمة الاختيارات، فيبحث جاهدا عنه من غير ما جدوى تذكر. ولا أنكر أن الوصول الى الإجابة ليس سهلا، والطريق الى الفوز بالجواب المناسب ليس معبدا او مفروشا بالورود، بل هو شديد الوعورة وكثير المتاهات، لاسيما والخيارات كثيرة وتتفاوت بين الغث والسمين، وبين الصالح والطالح، وبين الشريف و(عكسه). وما يجعل الإجابة عن هذا السؤال بهذه الأهمية، هو أنها يجب أن تكون عارية من المنمقات والرتوش، حيث لارياء بين المرء ونفسه، إذ يكون في محك مباشر معها بلا تحيز او ميول.
قد يحسب بعضنا ان الاختيار في حالتي الإصابة او الإخفاق سيان، بعد أن قنط الأغلب الأعم منا من صدق المرشحين، سواء أكانوا من السابقين المخضرمين أم من اللاحقين الجدد الذين من المحتمل أن يكونوا (new model) مقارنة بمن سبقوهم او نسخة طبق الأصل منهم. ولاأظن أحدا منا قد نسي كيف خذل المرشحون في الانتخابات السابقة المنتخبين بمجرد اعتلائهم مناصبهم، ونسوا انه منصب تكليفي لاتشريفي، وسعوا بكل جهد الى استحواذ ما يمكن استحواذه من مكاسب وامتيازات.
بديهي أن تجارب الانتخابات السابقة أضفت على ملكتنا -كمنتخبين- القدرة على حسن الاختيار، وأمدتنا بقوة فراسة ودقة في تخمين أرضية المرشحين ومدى مصداقيتهم، تمكننا من التقرب الى الحدس القريب من المبتغى والأقرب الى الحقيقة، حيث ماعاد ينفع المرشح اتباع أساليب الترغيب بمنح مواطنيه الوعود، وقطع العهود لهم في النهوض بواقعهم المتردي والالتفات الى مصالحهم. ويسرد لهم قائمة بالإنجازات المرتقبة من لدنه حين الإدلاء بأصواتهم لصالحه. وبمقارنة بسيطة بين معسول وعوده قبل الانتخابات، ومراوغته بعدها للحيلولة دون تحقيقها على أرض الواقع، نتيقن ساعتها أن كلام الليل يمحوه النهار، ونؤمن حينها بالمثل المصري: (كلام الليل مدهون بزبدة) ونردد حتما بيت الشعر:
يريك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ عنك كما يروغ الثعلب
المطلوب منا إذن، الالتفات الى جملة أمور في تقييم الأشخاص المرشحين، وانتقاء الأفضل والأكفأ منهم من خلال معايير وضوابط بعيدة عن صلات القرابة والزمالة والصداقة والمناطقية والعشائرية والمصالح الخاصة، إذ لاخير في مسؤول يضع رعيته في خانات وطبقات، ويبوب اهتمامه بخدماتهم على مبدأ القربى والمعارف والخواطر والمصالح. فكل المنتخبين الذين سيدلون بأصواتهم هم من محافظات العراق وأقضيته ونواحيه وقصباته، وعلى المسؤول أن ينظر اليهم بعين المساواة وفق مبدأ الاستحقاقات والأولويات المدروسة. والعمل بها والسعي في تحقيقها يُعد من أولويات واجباته الوطنية والمهنية والإنسانية والشرعية والأخلاقية. وعلى هذا تكون الخطوة الأولى في مسيرة إنجاح الانتخابات مرهونة بالمواطن نفسه، باختياره وانتقائه واصطفائه المرشح الذي يهدف الى خدمة العراق، لاخدمة ذويه وأقربائه وكتلته وحزبه، ولعل الانتخابات الرابعة تأتي بالصالح والنافع والمفيد، لا كسابقاتها التي لم تأتِ سوى بالنطيحة والمتردية وما تغوط الكلب.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here