سراديب الموصل لا تنجح دائما في ان تكون قبوراً

نوزت شمدين
نقاش-برلين – 31.1.2018
كانت تمسك بيد شقيقتها لحظة ان فتحت عينيها في قلب الظلام. شيء ما أطبق على أنفاسها وألم تسلق جسدها وضرب بنبضه مختلف الأنحاء مثل مطرقة. احتاجت الى بعض من الوقت لكي تدرك انه ليس الكابوس اليومي الذي طاردها خلال ساعات نومها القليلة منذ ان بدأت الحرب.
وان المساحة القبرية الضيقة التي استفاقت فيها هي فجوة شكلتها الأنقاض الحجرية للسرداب المنهار، واليد الصغيرة الباردة التي تقبض عليها هي الشيء الوحيد الظاهر من جسد( تبارك )المدفونة الى جوارها تحت عمود من رخام.
(أريج) شابة موصلية اتمت عامها الثامن عشر في شهر شباط 2017, وهو ذات الشهر الذي بدأت فيه القوات العراقية مدعومة بطيران التحالف الدولي وصواريخه حرب تحرير الجانب الايمن لمدينة الموصل(400 كم شمال بغداد) من قبضة مسلحي( داعش). واستغرقت زهاء خمسة أشهر. دمرت خلالها وبحسب تقديرات دولية( 11000) وحدة سكنية بالكامل، ودفن تحتها آلاف من المدنيين، انتشلت فرق الدفاع المدني العراقية وكمرحلة اولى جثث(2650) منهم، بضمنهم أفراد عائلة (أريج) وأقرباء لهم.
لا تعرف كم من الوقت مضى عليها وهي تصرخ في العتمة مرعوبة من فكرة أنها عالقة بين حياة وموت. كانت تغيب عن الوعي وتعود لذعرها مواصلةً ندائها اليائس علها تلتقط اشارة صوتية من امها. بينما واصلت يدها اليسرى حراسة برودة اصابع تبارك خوفاً من ان تفلتها، لأمل داخلي لم تستطع التخلص منه أبدا في أن أختها قد نجت بباقي أجزاء جسدها وفرت به الى خارج السرداب.
هي لا تفهم لغاية الآن كيف أخطأتها كل تلك الاطنان من الحجارة وحديد التسليح وقطفت أرواح باقي أفراد أسرتها. تشعر بوخزه ضمير حارقة كلما تذكرت أنها كانت تفترش أرض السرداب بين والدتها وخالتها وابنتيها وفي حجرها شقيقتها تبارك أو (توتة) كما كانت تسمى تحببا. وهنالك في الزاوية المقابلة كان والدها المقعد بسبب حادث قديم وشقيقها الأكبر منها وزوج خالتها.
كانت بقايا الضوء المتسربة من النافذة المحفورة عميقاً في جدار الجص والحجارة تسمح برؤية ضئيلة ما قبل مسائية، لم يكن بوسعهم تمديدها بالمصابيح المطفأة منذ اشهر بعيدة لعدم وجود الكهرباء. ولا بالفوانيس المتقاعدة بسبب عدم امتلاكهم الوقود. كانوا منشغلين ساعتها كما فعلوا خلال فترات استراحة التفجيرات القصيرة خلال الأسبوع الذي لم يخرجوا فيه من السرداب قط بسبب اشتداد المعارك، في احاديث تهدئة الجوع الذي أكل من اجسادهم. وأحلام الخروج للاحتماء بالقوات العراقية، رافعين اقمشةً السلام البيض كما فعل العديد من جيرانهم خلال الاسابيع الفائتة.
عاصفة من دخان ضربت السرداب وشطبت ما حولها. ثم ارتجت مع ذلك الصوت الذي بدا وكأنه أخترق احشائها، أنفجر بداخلها وأختفى معه كل شيء. هذا كل ما تتذكره. تستعيد أريج صوتها بعد نوبة بكاء:
” لماذا ماتوا هم وبقيت أنا ؟ “.
هذا السؤال هو ذاته الذي كانت قد طرحته بترديد ببغاوي على أطباء وممرضي مستشفى ميداني نقلها اليه عناصر من الشرطة الاتحادية استدلوا على مكانها من صوتها، أخرجوها من هناك يوم الخميس 22 حزيران 2017 برضوض وجراح طفيفة بعد ثلاثة أيام كاملة قضتها محتجزة تحت الركام.
ظل الأطباء وعلى مدى اسبوعين كاملين يواجهون نوباتها الهستيرية بالمهدئات، ويحاولون منعها من الخروج للتأكد بنفسها إن كان أهلها قد ماتوا جميعهم حقاً بذلك الهجوم الصاروخي. وعندما اخذها أقرباء لوالدها الى حيث أنقاض منزلها في منطقة( إقليعات) حيث البلدة القديمة على الضفة اليمنى من نهر دجلة، تركوها تقلب الحجارة والكتل الجصية بحثاُ عن ذكريات منزلية مدفونة. وفي مكان ما في جوفها ذلك الأمل العنيد في ان احداً من ذويها ربما يكون على قيد الحياة.
كانت خالتها وزوجها وطفلتيهما الذي فروا بالأصل قبلها بأشهر من جحيم المعارك المشتعلة في الجهة اليسرى من المدينة، ينتظرون في تلك الأيام ان يهدأ مطر القنابل، وتسكت اصوات الرصاص. ليخرجوا ملوحين للقوات العراقية بمناشف وأغطية وسائد بيض مربوطة الى عيدان. وان يعود زوج خالتها لاحقاً لإخراجهم.
تمسح خيط دموع بظاهر يدها، وتتابع:
” كنا نهتز مع كل تفجير في الخارج، نمكث في الزوايا متشبثين ببعضنا. أسمع امي تتلو الأدعية والآيات وكلمات التوسل بالله ان ينجينا. أردد معها دون تفكير أو فهم لما أقول كأنه تأيد مني لها أمام الله بأننا في محنة”
ذات اليد مدتها أريج. كانها تفتش عن يد مفترضة لشقيقتها. أمسكت بها، شدت عليها قبضتها. ثم تاملت لثوان مغمضة عينيها كأنها تتأكد إن كانت اليد مازالت باردة. قالت : ” كانت ملتصقةً بي في تلك الأيام. وكنت أشعر بارتجافات خوفها. نبضات قلبها المتسارعة. وأصمت عاجزة عن الإجابة عن تساؤلاتها الملحة بعد كل تفجير: ” هل أنتهى ألأمر ؟. هل استطيع ان افتح عيني؟. ألن نموت ؟ “.

حوصر في المنطقة القديمة بالجانب الأيمن لمدينة الموصل وبدءاً من انطلاق عمليات تحريرها في 19 شباط 2017 ولغاية مطلع شهر تموز نحو( 100) الف مدني. اضطروا الى حفر الآبار في باحات منازلهم للتزود بالمياه، ودفنوا موتاهم في الحدائق وجعلوا من اخشاب وأثاث منازلهم حطباً لعدم امتلاكهم الوقود، وأكلوا بعد نفاد المواد الغذائية حشائش وورق(كرتون).
وبحسب مديرية الدفاع المدني في نينوى فأن أربعة احياء سكنية اختفت بنحو شبه كامل من الجانب الأيمن للموصل. خلف دمارها نحو ( ٣,٥ )مليون طن من الانقاض وآلافا من القتلى والأرامل والأيتام والمشردين.
هنالك في (سوق الشعارين) حيث قلب الموصل القديمة او ما تبقى منها. على بعد خمس ازقة فقط من انقاض منزل أريج. وبينما كان أفراد من الدفاع المدني ومتطوعون شبان منشغلين بانتشال بقايا رفات آخر فرد من عائلة مؤلفة من (10) أشخاص قضوا تحت انقاض منزلهم. عثر الملازم أول ( سعد) على دفتر مذكرات صغير بحجم كف، وعلى شكل قلب زهري اللون او في الأقل كان كذلك قبل أن يشوهه الركام.
تردد في إلقائه فوق كومة من الاشياء المنزلية الأخرى. اداره متفحصاَ غلافيه المنتفخين والمنخورين بحفر صغيرة. وراح يخمن شكل الصورة التي كانت عليهما والتي لم يبق من معالمها سوى شيء من ضفيرة في جانب. وفراشة بنصف جناح بألوان باهتة في الجانب الآخر. دس الدفتر في جيبه ومضى مع زملائه لتسليم الرفات الى دائرة الطب العدلي لحفظها. مختتماً بذلك نهاراً آخراً طويلاً من تشرين الأول/أكتوبر كانت حصيلته استخراج 168 جثة متفسخة. بعد ثلاثة أشهر كاملة من انتهاء المعارك في ذلك الجزء المدمر.
” البقاء طويلا بين الموتى يفقد الموت رهبته”. هذه هي الفلسفة التي خرج بها (سعد) بعد أربع سنوات من وضعه نجمة رتبته الأولى على كتفه، ومشاهدته لزملاء له يسقطون في شوارع المدينة برصاص اغتيالات الإرهاب أو خلال المعارك او بعدها بالعبوات الناسفة المخبأة تحت انقاض المنازل وغيرها من العقارات. “وهذا سبب تأخر استخراج الجثث كل تلك الفترة، وستظل الكثير منها هناك لحين تطهير المنطقة بالكامل من المفاجآت الملغمة ” يقول متأسفاً.
يجمع بصعوبة كلمات لتشكيل المعنى الذي يريد إيصاله: ” ليس الموت هو الذي يحرك ذلك الجزء الراكد في داخلي وإنما ما يتركه فيه من أثر”. وواصل محاولاً توضيح وجه نظره في أنه شاهد عددا لا يحصى من الجثث، باردة كالثلج أو مازالت عالقة بها سخونة الموت. متفسخة أو ممزق. منتفخة بسبب الغرق أو الحرارة. فزعة الملامح ومفتوحة الحدقتين والفم على وسعها أو هادئة وديعة ومسجاة كأنها في قيلولة.
ويقول أيضاً بأنه وصل في لحظات ماقبل وفاة الكثيرين، مدنين او عسكريين. سمع كلماتهم ألأخيرة، وصاياهم . شهد صحوات موتهم. صمتهم المفاجئ او رعشاتهم وأختلاجات أنفاسهم. لكن ما احدثه ذلك الدفتر الصغير في نفسه أمر يختلف تماماً عن كل تلك الهزات الحياتية. لقد رفعه عالياً الى أقصى مدى ثم القاه من هناك، لتشعر كل خلية في جسمه بصدمة الارتطام بالواقع التي استعاد معها شيئاً من انسانيته المفقود. كما يعتقد.
قضى تلك الليلة محاولاً ومن خلال الكلمات القليلة المكتوبة في الدفتر تتبع سيرة حياة قصيرة توقفت عند حدود الطفولة. وعبثاً حاول العثور على ملامحها في الصور المكدسة في ذهنه للرفات التي استخرجت نهاراً بإشرافه من ذلك المكان. ثم انساب سريعاً مع الألم الذي احدثته كلمات الطفلة المتوفاة، كل حرف منها كانت بمثابة إدانة له ومحاكمة. كونه جزء من نظام دولة لم تبذل جهدا في الفصل بين إرهابي سفاح ومدني بريء. بل حاصرتهم في زاوية إعدام واحدة.
صد عبرة أرادت التقليل من وقاره الوظيفي: ” الشرطة لا يبكون” قال راسماً خط ابتسامة رفيع على وجهه، تملص من انطفائها السريع بتشكيل قلبي صنعه في الهواء بتلاقي سبابتيه مع ابهاميه : ” احتوى الدفتر على ستة عشر صفحة قلبية سميكة وسليمة، كل واحدة بلون يختلف عن الأخرى. كتبت في صفحتها الأولى وبثلاثة ألوان مختلفة( سما) مع تأريخ الثلاثاء 4/3/2014 ورسم لوجه دائري سعيد وعلى مقربة منه عبارة خطت بكلمات كبيرة( عيد ميلادي).
أنزل القلب لينقسم الى جزأين أستراحا على ركبتيه. مشيراً الى انه قام بتسليم الدفتر الى الأمانات في دائرته لأنه شيء قد يهم احد من أقرباء العائلة الاحتفاظ به. وبين بان الصفحات الخمس التالية كانت بلا تواريخ، ضمت جملاً قصيرة بلهجة اهل الموصل. كلمات منها مشطوبة بألوان غامقة وكلها مطرزة الجوانب برسومات صغيرة لأزهار او اغصان أو قلوب. وأخذ يعد بأصابعه بدءاً من الخنصر ويقرأ من ذاكرته ما جاء في كل صفحة:
“أجمل هدية من أمي، حبيبة قلبي. أنا صرتو 12”.
“أنا وماما عملنا كبب غز* اليوم”
” شلنا اليوم كل المحيفيغ * “.
” جدتي تكره البزوني * بابا يقول راح يصير عدها أفراخ بالصيف ”
” اليوم كثيغ كثيغ مطغت * “.
” أنا وعبودي اشتغينا * من البقال ”
توقف عند وصوله بالعد الى إبهام يده الثانية، قائلاً ان ذلك كل ما يتذكره من تلك الصفحات. لكن المتبقية كان يحمل اثنان منها تواريخاً، الحادية عشر والأخيرة، وكلها مكتوبة بقلم الرصاص:
“بابا يقول احنا فقراء وبيتنا بالعوجات* الضيقة ما تدخلها سيارات، ما كو شيء علينا هوني”
” أنا وماما ولولة وعبودي وعموري وعمي زينة * نغيد نغوح * مثل بيت جارتنا خالي ضمرة”.
” علوا يجب البيبي اللي بطن ماما بسرعة “.
“ماعدنا كهرب حتى بابا وجدتي يحكون مع جدو بالتلفون”.
” البيحة * كلتنا نمنا بالسغداب * ”
” انا خيفي كثير. اكو تفجيرات. صوت طيارات” الجمعة 9/6/2017
“ماظل عدنا أي شي ناكلو، بابا جاب ماي من بير بيت الجيران”
” ما نطيق نطلع من السرداب صوت تفجيرات وطلقات كل شوية ”
” بالليل متنا خوف كان ديقع البيت علينا *، خالتي وبنتا زنوب مايعرفون اش صار أبيتم ، وعمو نزار مريض صارلو ثلاث ايام “.
“سمعتو بابا يقول لجدتي بيت جيرانة كلتو وحايطنا البغة ويقعين * “.
” انا وماما وعبودي ولولة نقعد جوا الدغيج. وبابا بس يصلي” السبت 15/6/2017

على ضفة نهر دجلة المقابلة لخراب المدينة القديمة، أقتحم عصر العاشر من كانون الثاني/يناير 2017 أربع قناصين من تنظيم داعش منزل البروفسور(محمد طيب الليلة)، وكمنوا في السطح العالي للقوات العراقية التي كانت تتقدم لبسط سيطرتها على الجزء الأخير من جانب الموصل الأيسر وفوقها طائرات التحالف الدولي تمشط الارض بصواريخها.
وقبل ان يضغط أي منهم على زناد الإطلاق هبط صاروخان من السماء، احالا المنزل المؤلف من طابقين على مساحة(600 م2) بما فيه من حجر وبشر الى فتات. وادخلا الموصل برمتها على الرغم من جراح الحرب الغائرة، في حزن عميق على مقتل واحد من كبار علماء ميكانيك التربة والعميد السابق لكلية الهندسة في جامعة الموصل، وزوجته الطبيبة ( فاطمة الحبال) وأبنتهم( إيمان).
الأبن البكر للعائلة (أحمد- 1976يقيم مع عائلته في مدينة أربيل بأقليم كردستان) مازال يشعر بفرح طفولي لرنات هاتفه الخلوي الأولى مستجيباً بنحو غريزي لوهم أنه قد يسمع صوت احد والديه في الطرف الآخر.
قال بأنه توسل مراراً بوالده ان يترك المدينة الى مكان آمن لكنه كان يرفض بشدة ويقول بحزم: ” انا لست مجبراً على تسليم بيتي ومكتبتي التي فيها مؤلفاتي وكتبي العلمية التي جمعتها بتعب منذ الصغر لأشخاص همجيين رعاع أتوا ليحرقوا الحرث والنسل. لقد جاؤوا الى هذه المدينة لكي يدمروها ويقتلوا كل ماهو جميل فيها”.
“كان إسفين عمره قد دق عميقاً في أرض الموصل ولم يستطع داعش ولاحرب التحرير منه نزعه ” هكذا يصف(أحمد) ارتباط والده بمدينته. رفض مغادرتها حتى عندما أنفجر بركان حرب التحرير وبدأ بحرق كل شيء في طريق سيل حممه. تماماً مثلما رفض قبلها اللحاق بقوافل النازحين صوب الجهات الأربع، يوم سيطر تنظيم داعش على الموصل وأعلن فيها دولته الاسلامية في حزيران 2014.
وأشار احمد الى أنه ولأكثر من عامين ونصف، كان يتواصل وبحذر شديد عبر الهاتف الجوال مع أهله المحاصرين على الرغم من انها كانت مخاطرة كبيرة بسبب ان التنظيم كان قد وضع قوانين بعقوبات مميتة ضد من يتم العثور على هاتف بحوزته. ويستدرك: ” كان أبي يترك هاتفه الجوال في الطابق الثاني كون الاشارة الضعيفة أصلا لم تكن تلتقط إلا هناك، وكنت خائفاً على الدوام من انكشاف امر تمرد والدي على قوانينهم فيؤذوه”.
وتعاظم قلقه مع اندلاع حرب تحرير الجانب الايسر لمدينة الموصل في تشرين الأول/اكتوبر 2016 ، بسبب الجرائم الأنتقامية البشعة التي قال بان التنظيم ارتكبها بحق السكان. فاكتفى باستقبال اتصالاتهم التي تباعدت يوما بعد آخر، حتى أصبحت قليلة عندما وصلت المعارك جهة نهر دجلة اليسرى حيث يستريح حي الضباط على امتداد الضفة بين جسري المدينة المدمرين (الثاني والرابع).
آخر مكالمة هاتفية من والده كانت في الخامس من كانون الثاني 2017 وتلقى منه وصايا بنبرة وداعية وكأن قرار موته قد صدر وينتظر فقط الامتثال له. هكذا بدا لأحمد الأمر فأخذ يؤكد لوالده بان الجيش العراقي بات قريباً جداً وسينتهي كل شيء في غضون ساعات.
وفجر الثلاثاء العاشر من كانون الثاني اتصلت به شقيقته، مذعورة بسبب المعارك التي اقتربت من الحي السكني. قال بأنها كانت خائفة أكثر من أي وقت مضى. وانه حاول طمأنتها بان منزلهم الذي ينتهي به الحي لا يمكن ان يكون هدفاً لأي جهة، وان السرداب المحصن سيقيهم من أي خطر على أية حال. ولم يكن بيده فعل شيء بعدها سوى انتظار المكالمة التالية لتؤكد له فيها ان كل شيء أصبح بخير.
غير ان تلك المكالمة من شقيقته لم تأتي أبدا. وبدلا منها تلقى اتصالا من احد الجيران القريبين في الحي، نقل له خبر استهداف منزل العائلة بهجوم صاروخي قبيل مساء ذلك اليوم، واعلمه بأنه المنزل الوحيد الذي استهدف في المنطقة على الرغم من ان عناصر داعش كانوا موزعين مثل الجراد على اسطح المنازل الأخرى.
ونقل تقرير للدفاع المدني عن عناصر فريق اغاثي تابع له، بأنهم لم يروا أي أثر لمنزل كان قائما هناك، إذ ان الهجوم كان عنيفاً لدرجة أن ساواه بالأرض تماماً ولم يعثروا بين الانقاض على أي أثر لجثتي البروفيسور أو زوجته. لكنهم تمكنوا من العثور على اجزاء من جسم أبنتهما فوق سطح منزل مجاور.
يقول احمد بأسى: ” المحاكم في الموصل ترفض تزويدي بشهادات وفاة لوالديّ، لأن القانون العراقي يستلزم إجراء كشف على الجثث للتأكد من سبب الوفاة كشرط لإصدارها. وأنا لا اعرف من اين اتي لهم بجثتيهما. فالسرداب الذي بناه ابي مستعينا بخبرة سنوات عمله الهندسية الطويلة لم يعجز فقط عن حماية أرواحهم، بل عجز حتى عن الاحتفاظ بجثثهم أو في الأقل أن يكون لهم قبراً”.
————————–————
1- كبب غز: كبة رز./ 2 – المحيفيغ: سجاد ارضية المنزل./3-البزوني: القطة. /4- كثيغ كثيغ مطغت: أمطرت كثيرا. /5- اشتغين: اشترينا./6- العوجات: الأزقة./7- عمي زينة: عمتي زينة./8- نغيد نغوح:نريد ان نذهب./9-البيحة: يوم امس./10- ديقع البيت علينا: سيسقط البيت فوقنا./ 11-ويقعين: ساقطين.
————

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here