قميص الإنحطاط!!

المفكرون العرب عندهم وسوسة بأن الأمة قد مرت بفترة إنحطاط لعدة قرون مما تسبب بما هي عليه , وكأن مجتمعات الدنيا لم تكن أشد إنحطاطا وتخلفا من المجتمعات العربية في الفترات التي يتحدثون عنها , وفي هذا الإقتراب إضطراب إدراكي وإنحرف تقديري ووعيوي للواقع الذي يتصدون له.

فمجتمعات الدنيا وبلا إستثناء مرت بفترات قاسية وطويلة عانت فيها من العديد من الآفات السلوكية والنفسية والفكرية والإعتقادية , وأوربا بجميع دولها عانت منها وقاست لقرون.

وهذا الإقتراب العربي التعجيزي الترسيخي هو السائد في رؤى وتصورات معظم المفكرين العرب , وكأن ما يسمونه إنحطاطا هو الطامة الكبرى والنهاية الحتمية للعرب , وعلى ضوئه يفسرون ويحللون ويؤولون.

والواقع أن العرب كأية أمة أصابهم ما أصاب غيرهم من الأمم , لكن بعض الأمم سبقتهم للخروج من محنتها وشقت طريقها نحو المستقبل , وبهذا السبق تعلمت كيف تفترس غيرها ومنهم العرب , وبعض الأمم المُفترَسة تعلمت كيف تتحرر من أنياب ومخالب المفترسين لكن العرب إستلطفوا ذلك , ورسخه في سلوكهم المتاجرون بالدين الذين يريدون قطيعا يتبع ويخنع , وممنوع من التفكير.

وتلك الأمم التي كانت أشد إنحطاطا وتلفا من العرب أعملت عقلها وتحررت من قيود التفكير , وأدركت أن عليها أن تلد قياداتها المنورة القادرة على أخذ الناس إلى آفاق مستقبل رحيب , فكان لقياداتها الدور الأمثل في إنتشالها وإطلاق قدراتها وبناء حاضرها ومستقبلها.

والعرب أمة سبّاقة في التنويرين وعلى مر العصور , وما خلى قرن في مسيرتها من الثوار والمفكرين والمنورين , لكن أزمتها في القيادة , فأمة العرب بلا قيادة منوّرة وقادرة على الإستثمار في الطاقات والقدرات العربية , ويلعب المتاجرون بالدين دورهم السلبي في تعزيز الإنحطاط وتعطيل العقل العربي.

فالمجتمع العربي لم يكن أشد إنحطاطا من المجتمع الصيني في خمسينيات القرن العشرين , لكن توفر القيادة الصينية نقلته إلى المعاصرة والتفاعل المتطور مع زمانه ومكانه , بينما المجتمع العربي أمضى النصف الثاني من القرن العشرين ولا يزال في دوامة الإنقلابات العسكرية والحروب والتصارعات , وخلت الساحة العربية من القيادة المعاصرة القادرة على تحقيق التقدم والإزدهار , فتردى التعليم أو أهمل , وسادت مفاهيم ومعايير خسرانية تدميرية إستنزافية , فأهملت الزراعة والصناعة وتدهورت النشاطات الإقتصادية بأنواعها , وعلى مر العقود والعرب يستثمرون بالجهل والأمية والتضليل والبهتان وسَوق الناس إلى أتون الويلات , ويأتيك من يتمنطق بالإنحطاط والإنقطاع وما يحلو له من التفسيرات التعزيزية التسويغية للقنوط واليأس والعجز المبيد.

ولا يُعرف على أي الأسس يتم القول بأنهم مفكرون , وماهم إلا مرسخون ومؤكدون لحالة التدهور والضعف والهوان , بما يقدمونه من تبريرات سلبية لا تقنع أي صاحب عقل فاعل , لكنها محببة لذوي العقول المنفعلة الذين تقودهم قدرات القوة السيئة اللاواعية المهيمنة على سلوكهم وكل ما يبدر منهم.

وليس ذلك كذلك , وإنما على الأمة أن تنجح في تولية خيارها عليها , وتتمكن من تأسيس أنظمة حكم وطنية تستمد قوتها من الشعب الذي تؤمن به وتعمل من أجله وتهتم بمصالحه , لا بمصالح الآخرين , فمعظم أنظمة الحكم العربية ذات أجندات لا تخدم الإنسان العربي , وإنما هي لخدمة أعداء العرب , وأي قول غير ذلك فيه الكثير من الميل لتحقيق مشاريع أعداء العرب.

فالعرب أمة حضارة وفكر وإبداع ونبوغ وقوة وإنطلاق مطلق , فهل ستتحرر من أهوال الكراسي ونواعير المآسي , لكي تتفاعل بعقلها الحرّ المنير , وعندها سينحط كل موسوس بالإنحطاط!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here