الجوار الست والمحاور السبع

غزوان البلداوي

خلق الله عزّ وجل سبع سموات وسبع أرضين, وأنشأت لنا الحضارات المتعاقبة سبعة عجائب، منتشرة في بقاع العالم, وصنعت لنا السياسة في العراق ما بعد الـ ٢٠٠٣ سبعة محاور، تجمعها وتفرقها المصالح الحزبية والدولية المحورية، مهمة تلك المحاور السيطرة والهيمنة على السياسة والإقتصاد العراقي بالدرجة الأولى، والمسك بزمام القرار العراقي داخلياً وخارجياً.

لعل القارئ اصابه الفضول ليتعرف على ماهية تلك المحاور السبعة:
أولاً: (المحور الإسرائيلي) الذي اختار افضل الأماكن مركزيةً وقوةً في المنطقة، فتمركز في شمال العراق، وهي المنطقة الواقعة بين (ايران وتركيا وسوريا)، لأجل السيطرة على نفوذ العراق شمالاً، لذلك صب جل اهتمامه على الأكراد، ودفع بهم بقوة لأجل الهيمنة على الموصل، لتوسعت المساحة والحدود الكردية، فجعل القضية الكردية أساساً لمنطلقه وتحركاته، واستغلُّالهم من خلالها، حتى غدت القشة التي قصمت ظهر البعير، وهذا الامر ليس بخفي، فالكل يعلم بحجم الوجود الاسرائيلي في شمال العراق، وتحكمهم بالقرار الكردي.

ثانياً: (المحور التركي) الذي ما زال يحلم بعودة الدولة العثمانية، لبسط نفوذها على المنطقة من جديد، فجمع بين الأكراد المناهضين لسياسة القوى الكردية الكبيرة، والسنة اللذين لم يحصلوا على الدعم الخليجي والامريكي الكافي، الذي يُؤْمِن مصالحهم ومنافعهم الشخصية.

ثالثاً: (المحور الخليجي) الذي اقتصر على السنة، وبعض الشيعة من بقايا النظام السابق، وهو من أشد المحاور دموية، لأنه لم يترك اَي فصيل ارهابي في العالم الا وجاء به الى منطقة نفوذه، في محاولة فاشلة غايتها اعادة الحكم الى السنة، خشيةٌ من الحكومة الشيعية والتواجد الإيراني، فصنع للسنة مظلومية وهمية، تذكرنا بقميص عثمان، عندما طالبوا الإمام علي عليه السلام بدمه، وحينما سئل الإمام عن الحسنين قَال “إنهما يضمدان جراحهما لما لاقوه في الدفاع عن عثمان”، فالشيعة ما تزال تضمد جراها بسبب ما لاقوه في سبيل اعادة الأراضي العراقية لأهلها.

رابعاً: (المحور الإيراني) وهو حاله كحال بقية المحاور الأخرى، يبحث عن مصالحه ونفوذه داخل الفضاء العراقي، الذي جمع تحت لوائه اغلب الفصائل العسكرية، وأطلق على نفسه بمحور المقاومة.
خامساً: (المحور الامريكي) وَهُو اكبر المحاور مساحةً وأقواها نفوذاً وأمضاها سياسياً، حيث تمتد أذرعته بين الشمال والوسط والجنوب، كما له إمكانية التأثير على القرار السياسي العراقي.

سادساً: (المحور الوطني) وهو محور ضعيف نوعاً ما, وقليل التأثير بالقرار العراقي, ووجوده محدود داخلياً, لافتقاره الدعم الخارجي والدولي، ويجتمع تحت لوائه الكثير من الطوائف والأقليات العراقية، ويمكنك ان تتعرف عليه بسهولة، بمجرد ان تدخل الى مواقع السوشيال ميديا، ستجد ان الجميع يهاجمه, ويستهدفه بالمباشر، هذا من جهةٍ, من جهةٍ اخرى ستجده المحور الأكثر تنازلاً، في محاولة للدفع بالعملية السياسية نحو الامام.
سباعاً: (محور المصالح) لا يمكن ان تجتمع تلك المحاور على قرار واحد، لأن اختلافها يكمن في تعدد وتنوع مصالحها، فمنها من يبحث عن مصالحه السياسية, ومنهم من يبحث عن مصالحه المادية والاقتصادية, ومنهم من يبحث عن قوة وجوده داخل العراق، ومنهم من يَصْب جل اهتمامه على مصالح داعميه المحوريين، فتراه لا يهتم الى امر العراق كثيراً الا في الاعلام.

استخدمت تلك المحاور عدة أساليب، لأجل بسط نفوذها من خلال ممثليها وأدواتها الموجودة في الفضاء العراقي، أمريكا تعتبر نفسها هي صاحبة الفضل في تغيير النظام وإعطاء الحكم للشيعة، عليه لابد ان يكون رأس الهرم في السلطة على اقل تقدير لا يخرج عن رؤيتها، ويكون ضامناً لمصالحها.

بعد تولي المالكي الولاية الثانية بشرطها وشروطها، نتيجة المفاوضات في أربيل بين (زلماي خليل زاده) عن المحور الامريكي، والجنرال(قاسم سليماني) عن المحور الإيراني، فما كان منه الا الابتعاد عن المحور الامريكي والذهاب بإتجاه المحور الإيراني، وهذا الامر كافياً ليكون سبباً للأمريكان، في إعطاء الضوء الأخضر للمحور الخليجي، بفتح الحدود أمام الإرهاب المتطرف للدخول في العراق، لمعاقبة ناكل العهود والمواثيق، وجرى ما جرى من انهيار في الدولة العراقية، وتدمير كامل للبنى التحتية في المنطقة الغربية، مما انعكس سلباً على الاقتصاد العراقي برمته.

خليفة المالكي وعى الدرس جيداً، وابتعد قليلاً عن ايران، واقترب من أمريكا اكثر، وقلل مسافات الخلاف بينه وبين المحاور الاخرى، مع تداركه الخطأ الذي وقع فيه من جرّاء تحالفه مع النصر والحكمة، خلال هذا التدارك ضمن بعض الدعم من المحور الخليجي بوعود أمريكية اذا ما التزم الاول بتعهداته.

نهاية المطاف: هل سيحافظ العبادي على تعهداته وإلتزاماته للجانب الامريكي؟ الامريكي هل سيلتزم بما الزم نفسَه؟ أم تتغير الوعود بتغير المصالح، أم سيلعب الناخب دوراً محورياً بتغيير اللعبة السياسية، وسيكون خيارهم المحور الوطني؟ هذا ما سنشهده في قادم الأيام.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here