مقاطعة الأنتخابات أم مقاطعة الديمقراطية ؟

الضجة عن الانتخابات في العراق تصم الأذان ، فهناك أصوات مختلط ، تتصاعد من كل حدب وصوب ، الشيء الوحيد الذي نستطيع نميزه ، من ذلك اللغو ، هو ، لا ، لا ، للانتخابات ، ، قاطعوا الانتخابات ، ولو تسأل الواحد عن سبب هذا الضجة ، فهل تأتي من خيبت الأمال الكبيرة المتوقع منها ، أم من عدم فهم معنى لانتخابات ؟ فالبعض يماهي بين الانتخابات والثورة ، ويتوقع منها أن تغير كل شيء وتقلب الأشياء رأساً على عقب . فصحيح أن الأنتخابات هي ثورة تحدث كل أربع سنوات أو خمسة ولكنها لا تقلب ما كان موجود ولا تلغي ما سن من قبل ، وإنما تعمل وفقاً لبرنامج محدد يحترم كل ما يساعد مسيرة الديمقراطية . فالانتخابات لا تعني اللغاء العملية الديمقراطية ، والفائز لا يقوم بعدام أعضاء الحكومةالسابقة . ولا يلغي وجود الأحزاب الأخرى ، ويهدم مؤسسات الدولة . فأكثر الناس صخب حول الانتخابات من هذا النوع ، يفهمها بتلك الطريقة ، وخصوصاً البعثيون ومن لهم علاقة بهم ، فهم يفهمون الانتخابات هكذا ! ولذلك يعلقون عليها أمال كبيرة ، ولكن ما أن تخيب آمالهم ، في الفوز بالأصوات لازمه ، لقلب الطاولة على الجميع ، ، حتى تتصاعد الضجة حولها ، وعن عدم جدواها ، والواجب ألغاها ، حتى ، باتت هذه عادة تكرر مع كل انتخابات . فالانتخابات ، لم تفهم بعد ، على أنها ، فعالية عادية في حياة المواطن ، والدولة ، لا تبعث على القلق ، ولا تثير المخاوف ، وإنما هي تجديد أو تكمل لللمسيرة الحكومة السابقة التي أجادت أو فشلت في ارضاء حاجات المواطن . فمن يتابع الأخبار عن الأنتخابات في العراق يظن ، بأن البلد يوشك على الدخول في حرب طاحنة لا تبق ولا تذر . فترى البعض يطالب بتأجيلها ، لأن البلد غير مستعد لها ، والآخر يطلب للغاءها ، لأنها تعيد تكرار نفس الوجوه الفاسدة ، ولا جدوى منها . فكل تلك التشخيصات لا تنظر إلى الانتخابات بحجمها الحقيقي ، وتحملها أكثر مما تقدر على تنفيذه وتحقيقه ، ومن هنا ، يزداد عدد من يصاب بالخيبت . لأنها ، لم تشرح كما يجب ، وتفهم بشكل المطلوب ، ومقدار حجمها ، وما تستطيع تنفيذه ، فهي ، في الكثير من الأحيان ، ما تخلط والفهم الشائع ، عن الثورة عندنا ، التي تعني محو أثار النظام البائد ، والبدء من الصفر . ثم ، بعد هذا ، للنظر ، هل تم في دول العالم كله التي تُمارس الديمقراطية فيه تنفيذ الوعود التي التي يقطعها المنتخبون ؟ لا شك أن التجارب تقول ، لا ، لا ، احد ينفذ كل وعوده ، لأن عادة ما يبالغ المنتخب في جزال الوعود المعسولة ، قبل الانتخاب ، التي لا تهضمها معدة الدولة . فالانتخابات لا تحقق المستحيل ، وإنما ما هو ممكن . ولنعيد تريد سؤالنا ، لماذا كل هذا الضجة عن الانتخابات في العراق ، فهل يراد ، من كل هذا الصخب ، استخدامها هي الاخرى مثل المظاهرات في تنفيذ أغراض خبيثة ؟ فلا شك أن أولئك الذين يطلبون من الانتخابات بكل شيء هم فقط أعداء العملية السياسة الحالية ، وليس من يريدون منها تحقق ما هو ممكن . وبما كل شيء يوحي بأنها سوف لن تأت بشيء جديد ، ومثلما يشتهي المتصيدون بالمياه العكره ، وبشيء خارق ، ولا تلغي ، وتمحق كل ما هو موجود وما تم احرازه ، وإنما سوف تجيء بما مضى ، وتجعل من الديمقراطية ممارسة يومية ، وأن الوجوه ، القديمة أو ما هو مماثل لها سوف يتكرر ، لذا فأن عقيرة أعداءها ، تتصاعد مطالبه باللغاء الانتخابات أو تأجيلها أو مقاطعها وهذا كله يعني شيء واحد ، أننا لا نريد الأنتخابات . وهذه ، عين الثورة المضادة الديمقراطية ، الذي يدق المسمار الأخير في نعش الديمقراطية . فليس ذنب الديمقراطية في العراق ، الذي العالم كله شهد ، بنزاهة الأنتخابات العراقية ، قل على الأقل ، بنسبة معقولة ، مما يصح تسميتها أنتخابات معقولة وحرة . فَلَو فرضنا ، أن هذا الأنتخابات تأتي بأناس فاسدين ، فليس من حقنا، من بعد أن نطالب في أبطالها ومقاطعتها ، ماداموا ، جاءو عن طريقها ، ولكونهم ، تعبير عن رأي الأكثرية ، أو لنقل ، حسب القول المشهور ، الشعب عاوز كد . فمقاطعت الانتخابات ، إذا كانت ، من أقلية ، وبتحريض ، من قبلها ، ضد ، الانتخابات ، فهو فعل ، غير قانوني ، وتحريض على العصيان والتمرد ، فتحريض على عدم الأنتخاب ، يحمل في حد ذاته أهانة للناخب والشعب ، لانه يتهمه بعدم المعرفة لما يريد ، وينصب آخرى بديل عنه يقرر له ما يجب فعله وعدم فعله . فالأنتخابات هي وحدها التي تفرز ما هو جيد مما هو غير جيد في النهاية ، والتي على البقية الرضوخ لها . ولدينا أمثلة كثيرة متطرفة نضربهما ، على ان الانتخابات هي التي تفرز الطالح من الصالح ، وأن غير هذا طريق له عواقب خطير لا تعرف نتائجه، قد يقود لنفق مسدود . أول هذه الأمثلة ، من الأنتخابات الامريكية هو ترامب وهلاري كلنتون ، وهذين الشخصين ، هما حسب أكثر الناخبين الأمريكان الأختيار بين الأسوء والأكثر سوء ! ومع ذلك لم نجد أحد من الأمريكان طالب بمقاطعة الأنتخابات أو تأجيلها ، بحجة ، أن هناك سيئين عليك الاختيار بينهما ! فوعي الناخب الامريكي ، بأن ما تفرزها الانتخابات يبقى هو الأفضل ، من الدخول في نفق مظلم . أما المثل ، الثاني والذي لا يقل دلالة أيضاً ، على وعي الناخب الألماني ، هو انتخاب هتلر ، والحزب النازي ، فالألمان لم يكونوا على جهل مطبق بنوايا بهتلر ، وأيدولوجية الحزب النازي ، ومع ذلك ، لم يتخلّوا عن حقهم في الانتخاب ، رغم مما قد يحمل لهم من شر مستطير . هذين المثلين ضربناهما ، لنبين عواقب الدعوة لمقاطعة الانتخابات ، فهي في الحقيقة ، دعوة داعشية في متياز ، ولا يمكن أن تفسيرها بالجهل وحسن النية . وانا رغم انتقادي للعبادي عدة مرات ، في أوقات متباعدة ، وحين ولم يكن معروف جيداً ، ولم يحقق شيء بعد ، ورأى ، آن الآوان لسحبها بعد ما حقق ما حقق في دحر داعش ،. لأني ، اكره ، أن نزلق ، للعادة العراقية المتآصل لدى قسم كبير منهم ، في كراهية الأبطال الأحياء ، وعبادةالأبطال الأموات ، فهو بطل وطني ويستحق لانتخاب لمرة ثانية ! وآية ذلك ، أني ، ليس من يكرهون الأبطال ، أو يعجزون عن تشخيصهم ، حينما يولدون ، فقط الخدم ، كما يقول وهيجل ، هم وحدهم ممن يعجزون عن رؤية الأبطال . فهو بطل ، بمعنى الكلمة لكونه ، جعل من الثلاثين سنة التي يحتاجها العراق لتحرير أرضه ، حسب الرؤية الأمريكية من داعش ، اربع سنوات فقط . فما مقياس البطولة لدى بعض العراقين ، إذا لم يكن طرد الأعداء والقتله ، وتحرير الارض ، وسوى ،، كان ، بعد ذلك ، العبادي ، عميل أمريكي أو جاء به الأمريكان فهذا لا ينقص من بطولته ، كما يكتب البعض . لأن الكل يعرف بأنه تحرير العراق من داعش تم بدون رضى الأمريكان ، أو على الأقل بتلك المدة القصيرة . ولهذا فأن الدعوة مرة آخرى لمقاطعة لا تصدر ، بأي حال من الأحوال ، عن حسن نية ، وأنما هي دس السم في العسل . أما التعلل في الفساد بمقاطعت الأنتخابات ، فهي أوهى من نسيج العنكبوت . فالفساد ، رغم أنه مصطلح بعثي بمتياز ، ويكشف ، عن أنتماء المرء بمقدار تشديد على الفساد ، والعمالة لإيران ، ووأصراره على وطنية خالصه . فالفساد ، بات لا يمارس من قبل الذين في السلطة فحسب ، وأنما من قبل الكل ، وعلينا أن لا نحلم بأن ثمة شخص كائن من يكون ، ظاهر أو مخبئ في مكان ما سيكون في أستطاعة لو جاء للحكم ، أن يقضي على الفساد في ليلة وضحاها . فالفساد بات ليس هو المقصود هنا ، في حملة التشهير هذه ، وأنما حجة وذريعة ، لنيل من الدولة الحالية . وهذه ، الكذبة ، المضخمة عن حجمها عدة مرات ، صدقها الجميع عن حسن نية وسوء نية على حد سوء ، فما عادت هناك من حجة سواها . لذلك مقاطعة الانتخابات ، ليس الغرض منها القضاء على الفساد ، ولا منع الوجوه القديمة من العودة ثانية ، بل القصد منها ، في الأغلب ، هو وأد الديمقراطية ذاتها . فنحن لو سألنا هؤلاء المنادين بمقاطعة الانتخابات عن البديل ، لما كان بمكانهم أن يجيبوا بسو أنتظار الفوضى الخلاقه أن تعم ، أو بحكومة التكنوقراط السئيت الصيت . فالحكومة التي تأت عن طريق الانتخابات هي أفضل بكثير من تجيء عن طريق انقلاب عسكرية أو مؤامرة ، فمثل تلك الحكومة ، أعني حكومة الانتخاب ، يوجد ثمة أمل بتغيرها بعد أربعة سنوات أو بتصويت البرلمان عليها أو حجب الثقة عنها ، أما حكومة الانقلاب ، فقد تدوم ثلاثين سنة مثل الانقلاب البعثي ولا يمكن تغيرها إلا بمحض صدفة وحسن حظ . ولعل اعجب ما في ما مقاطعة الانتخاب أن تتزامن مع ولادة بطل يستحق تكريم العراقين ، في أن ينتخبوه ، تكريماً له على ما بذل من جهد في تحرير أرضهم من عدو غاشم راهن عليه الأعداء في اذلال العراق ، لذا ليس من التجني منا نعت كل هؤلاء الداعين لمقاطعة الانتخابات بدواعش . فكيف يمكن لأولئك الذين لا يرون الشمس في رابع النهار أن يتنبأو بعود الفاسدين لهم ! أن عمى البصر والبصيرة لا يتم إلا بسوء نية والتحامل . فحقيقة ، لو نظرنا لهذه الدعوة من وجهة نظر فلسفية ، أي من وجهة نظر أعمق ، وجذرية ، وبحثنا عن الدوافع ، الكامنة ، والتي ، لا يمكن قولها بصراحة ، لانها تصدم الوعي ، وتحط من الذات ، وليس من وجهة نظرة عاطفية ، أي التعاطف مع بعض الكتاب ، الذين يدعون لها لأنهم ، لهم بعضه المصاداقية في نفسنا ، لوجودنا ، فيها انتحر فكري ، ، ففي الفلسفة ، لا يمكنك أن تلغي قوانين الفلسفة ، ومن ثم يمكن أن تتفلسف . لأن ، لكي تتفلسف يجب أن يكون هناك ثمة معيار ومقياس ، يقاس به التفلسفة ، وهو الاتساق، وعدم التناقض . فماذا يبق لنا حينما نلغي الانتخابات ، لنقيس به شرعية الحكومة ، التي جاءت عن طريق الانتخابات على علاتها ؟ وكنت فيما مضى ، أتمنى دكتاتور وطني في زمن داعش ، لان الديمقراطية كانت تخدم الدواعش ، ولكن الآن ، وكل الشعب اصبح من الفاسدين والسراق ، فلماذا أخاف من عودة السراق والفاسدين ، أن الشعوب يمكن تفسد مثل الأفراد ، وحينئذ ، أن نقول عنه شعب فاضل ، أما الكلاب فتبقى تنبح من يتمسك بأخلاق من مضو . أن بعض الكتاب المرائين يتسترون بأنبل القضايا والقيم ، بيد أن عصفت ريح ، زلة ، موقف من قضية حاسمة ، يكفي ، لكي ، ينزع القناع ، لترى وجه الحقيقي . ولا شك أن الموقف من الانتخابات ، قضية كبيرة ، وشأن خطير بوضع العراق الحالي . فالدعوة لمقاطعة الانتخابات ، هي أستجابه لصرخة أستغاثة داعش الأخيرة !

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here