مجزرة شباط بدأت من قصر الرحاب

مجزرة شباط بدأت من قصر الرحاب
في ذلك القصر المشؤوم بدأت القصة المروعة و المرعبة و التي لم تنتهي فصولها الدموية بعد و كانت البداية المؤلمة في المذبحة التي حصلت في صباح يوم 14 تموز من العام 1958 و التي راح ضحيتها العائلة المالكة و التي ابيدت عن آخرها بمن فيهم ملك البلاد و الوصي على العرش و العديد من افراد الأسرة المالكة و ربما تكون الخسارة الجسيمة و الكبيرة في فقدان احد المع السياسيين و اكثرهم حكمة و حنكة و ذكاء و ذلك ليس على الصعيد الوطني او الأقليمي انما على الصعيد العالمي فكان ذلك اليوم الذي شهد مقتل ( ثعلب السياسة المراوغ ) و الذي كان و من خلال شهادات الأعداء قبل الأصدقاء يحاور و يناور بكل الدهاء السياسي المتمكن من المهنة و الواثق من الصنعة في جلب الخير للبلاد و تحصين الدولة الحديثة التكوين و الذي جعلها في مصاف الدول ذات السمعةالرصينة المحترمة و القوية .
انطلق العنف الهمجي الذي كان حبيسآ في النفوس مستمدآ قوته و عنفوانه من الدولة و القانون الى العالم الفوضوي حيث كانت الأحزاب و مواثيق الميليشيات و التي تملك من السلاح ما يفوق ما تحوزه من الشرعية فكانت هناك فصائل عسكرية مدججة بالأسلحة و الأفكار المتزمتة التي لا تقبل النقاش و لا الأعتراض و التي لا ترى بدآ من انهاء المخالف جسديآ و قتله و ان كان ذلك خارج قاعات المحاكم و بعيدآ عن دفاع المحامين و القضاة و بدلآ عن ذلك كان في الأزقة و الشوارع و دون الحاجة الى شهود اثبات او حتى شفاعة او توسل و استرحام .
هكذا دارت العجلة الدموية تسحق كل من يقابلها من الذين كانوا يقفون في طريقها و يتصاعد العنف المنفلت من العقل و التفكير حتى كانت هناك غريزة جديدة مستحدثة تحت عنوان ( غريزة القتل ) التي استهوت المجرمين العقائديين الذين قتلوا المخالفين لهم دفاعآ عن الفكر و العقيدة او هكذا اوهموا انفسهم و برروا كل ذلك الأجرام و الأنحراف و برأوا انفسهم من تلك الدماء التي اريقت و الأرواح التي ازهقت و وضعوها في خانة الدفاع عن القيم و المقدسات و حقوق الشعب حين اقتحمت ثلة من العسكريين المجرمين القصر الملكي و الذي لم يكن على ابوابه سوى العدد القليل من حرس التشريفات الذين لا حول لهم و لا حيلة امام القوة المهاجمة الغاشمة التي فتكت بسكان ذلك البيت الكبير المسمى زورآ ( بالقصر ) و لم ترحم احدآ فأبيدت العائلة المالكة لا لذنب اقترفته او جرم ارتكبته انما كانت هناك نوبة من ( هستيريا ثورية ) انتابت احد افراد القوات المهاجمة فأردى الجميع صرعى يتخبطون في دمائهم .
منذ انطلاق الرصاصة الأولى و التي دوى صداها في ارجاء ذلك المنزل العتيق و الذي اصبح مهجورآ و مجرد غرف فارغة و جدران باهتة بعد ان غادر ساكنوه و رحلوا الى ربهم لم تتوقف آلة القمع و القتل و المجازر و لم تهدأ فكانت كل الجرائم التي حدثت هي ارحم و اقل وحشية و دموية من تلك التي تلتها و كأن كل تلك الدماء الغزيرة لم تعد كافية للحكام الجدد القادمين من الثكنات العسكرية فكانت الحروب العدوانية الداخلية منها و الخارجية و التي كانت تحصد ارواح المئات و ربما الالاف في المعركة الواحدة من تلك الحروب الطويلة و التي لم تتوقف و تهدأ و يزاح الهم الثقيل عن كاهل الشعب المنهك و المتعب و المثخن بالحصار و الفقر و الفاقة ان يجد ابناءه المفقودين و قد دفنوا في مقابر حفرت على عجل كالخنادق الطويلة و رصت فوقها الصفوف من الجثث التي تنتظر دورها في ان تأتي تلك الآلة ( الشفل ) و تلقي بها الى حيث المستقر الأخير لكن دون شاهد قبر او تلقين او حتى قرأءة سورة الفاتحة .
كالصوص الذين لم ترق لهم تقسيم السرقة و طمعوا في نصيب اكبر منها اختلف ( الثوار ) و الذين استولوا على الحكم بقوة السلاح فيما بينهم على المناصب و المكاسب ان تربص كل فريقآ منهم بالآخر يتحين الفرص المناسبة و يحكم اطواق الفخ للأيقاع برفاقه في الكمين القاتل الذي اعد لهم في شباط فكان البطش هذه المرة بالرفاق و الشركاء ان ابيد الحكام حلفاء الأمس و معهم من ناصرهم من الأحزاب السياسية في ( حفلة ) دموية مروعة فاقت في وحشيتها و همجيتها ما سبقها من الجرائم و المجازر و كأنهم يتفاخرون و يتباهون بالأساليب الجديدة في التنكيل و التعذيب و التفنن في طرق الأعدامات البشعة التي طالت زملائهم في ( الكفاح و النضال ) قادة ( الثورة ) التي اطاحت بالنظام الملكي و جعلت من العراق مقبرة كبيرة مفتوحة لا اسوار لها و لا حدود .
حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here