ابونؤاس في سطور

. . (*) د. رضا العطار

ليس رائدي من سرد قصائد ابي نؤاس الخمرية، الترويج لأفكاره الماجنة، بقدر ما اروم احياء تراثه العراقي الاصيل و تخليد فنه، الفريد من نوعه، و الالمام بجوهر معانيه والاستمتاع بروعة وصفه والسرح في خياله الخصيب الجميل.
وقد يتذكر القراء الكرام مقالاتي الاسبوعية (فأجتنبوه) التي كنت انشرها على موقع صوت العراق الموقر عام 1911 والتي كانت موجهة على وجه الخصوص لجيل شبابنا الناهض، موضحا لهم الجوانب السلبية الكامنة في تناول الكحول، وما ينجم من الادمان عليها من اضرار صحية واجتماعية واقتصادية خمًة !.

في الواقع لا تقوم شاعرية ابي نؤاس في قصائده لمجرد انه جعل من الخمرة فنا بقدر ما ينطوي عليه شعره من مذهب خاص يتعلق بفلسفة الحياة.
فهو في وصف الخمرة والكأس والأبريق والساقي ومجالس الشراب ومفاعيل المدام في النفس لا يكاد يتجاوز صاحبيه الاعشى والاخطل، إلا بجودة التصوير وحلاوة التشبيه، ولكنه من خلال ذلك يجعل للخمرة عالما خاصا، تطالعنا في ثناياه آراؤه الخاصة في سر الوجود، ونلمس فيه ايضا نفسيته العابثة، وطبيعته المؤمنة المغلقة بغلالة عازلة من الكفر او زندقة الظرف.

يقول ابو نؤاس :

معتقة حمراء وقدتها جمر * * ونكهتها مسك وطلعتها تبرُ

خططنا على خمارها جنح ليلة * * فلاح لنا فجر ولم يطلع الفجرُ

ويضيف : وساق غرير الطرف والدل فاتن * * ربيب ملوك كان والدهم كسرى

اغوينا مغنيا على الشرب كأسه * * فتدركه كأس وفي كفه اخرى

فأمسك ما في كفه بشماله * * وأومأ الى الساقي ليسقي باليمنى

فشبهت كأسيه بكفيه اذ بدا * * سراجين في محراب قس اذا صلى

اديرا علي الكأس تنكشف البلوى * * وتلتذ عيني طيب رائحة الدنيا

خمرا كأن البرق في لمعانها * * تفاريق در في جوانبها شتى

فتزداد عند المزج طيبا كأنها * * اشارة من تهوى الى كل ما تهوى

وكان مجلس الهواة في المجتمع العباسي فرصة طرب , يجمع فيه كل مؤنس وجميل يحيون امسية بهيجة بأشراف الشاعر الجذل ابونؤاس المولع في الأستمتاع بلذة غناء الوصائف, ورؤية جذل الرقص العباسي, مغذيا اياها بأشعاره الغزلية العذبة التي كانت تتردد في اجواء الحفل المعطر بعبق الزعفران و العنبر المحروق , تحيل ظلمة القلوب الى رياض غنًاء، ووحشة الروح الى انس وانشراح , يستمتع الحضور بنعيم الهناء ونشوة الراح, يتسامرون ويمرحون مغتبطين حتى مطلع الفجر.
الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من كتاب ديوان ابي نؤاس لمؤلفه د. عمر فاروق الطباع، شركة الارقم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1998 ومن العصر العباسي الاول لشوقي ضيف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here