اين مثوى الزعيم عبدالكريم

8 شباط 2018

د. عبدالحميد العباسي. سابقا مقدم طبيب
اين مثوى الزعيم *اللي جابوا القدر* (اسمحوا لي الاستعارة ) ستقولون لي مثواه في قلب المخلصين من اهل العراق. اعرف هذا فانا لي قلب ايضا. اما ظالموه فمأواهم مزابلُ التاريخ وجهنمُ وبئس المَهاد. لماذا لا يقام له صرحٌ يضعع عليه رموز الدول أكاليلَ الزهور, إن هم زاروا العراق. هو باني الجمهورية وابن فقراء الشعب والذي فكّ عن رقاب المواطن, قيودَ الذُلِ والمهانة والتبعية. هم اليوم ينعمون بالجمهورية التي جاءهم بها وبالمال الذي لولا القانون 80,. لما كان لايعقل ان عبدالكريم لم يكن يعرف ان في ذلك القانون سيكون حتفه, فنجده يُوقع ذلك القانون وهو يواجه عدوا غدّارا جبانا لا يعفوا. وكان يمكنه ان يساوم بذاك القانون ويُنقذ حُكمه. لا نعرف اين ترقد عظامُه ولكننا نعرف اين تطير روحه. ان الذي عاش الايام القليلة قبيل الثورة وعلى مقربة من الشعلة التي اضاءت للاجيال دربا, عليها ان تواصل السيرَ فيه, يكاد يسمعه وهو يردد والعراق في شِدَّةٍ : أضاعوني واي فتىً اضاعوا ++ ليوم كريهة وسداد ثغرِ.
إلتقيته مرات ليست عابرات وفي كل منها تبينت صورة ضابط لم ارها في غيره, على كثرة من عملت بمعيتهم ابان خدمتي الطويلة في الجيش. يقولون لا يمكن العثورعلى حيث وُريَّ الثري. أُذكرهم ان الكونكرس الامريكي مرَّرَ قانونا بعد الحرب العالمية الثانية يُلزمُ الحكومة الامريكية باسترجاع جثامين او ما تبقى منها مما يمكن العثور عليه في اي مكان من سوح القتال في العالم فقد فيه جنديٌ امريكي حياتَه في سبيل وطنه واسترد الى الوطن الامريكي ما يقرب من ثمان مائة الف جثمان, اُمكن التعرف عليها ولم يكن فحص الDNA قد استنبط وكانت عملية مضنية قرات تفاصيلها في كتاب في مكتبة كلية الطب عندما كنت طبيبا مقيما. استرداد الجثامين واجب الوطن وحقه. ومن هو احقُّ من عبد الكريم في ان يكون له مثوى في ارض الوطن الذي جاد بنفسه من اجله *والجودُ بالنفسِ غايةُ الجود*. لقد كان اهداء كتابي غيوم البارحة والعَدِّ التنازلي في العراق الذي صدر عام 2008 لقد كان:*الى مَن جادَ بنفسه في سبيل شعبه, الى كريمِ النفسِ كريم اليدِ, كريم المُحتدِ*. التقيته آخر مرة عندما نُسبت اواسط مايس على ما اذكر عام 1958, من وحدة الميدان الثامنة في بعقوبة والتي تتجحفل مع لواء الزعيم, لواء 19 ومقره معسكر المنصور قرب مدينة المقدادية (شهربان), لأغطي مكان المرحوم الدكتور مظفر القاسم الذي كان في اجازة طويلة, ولمّا تمرُّ على عودتي من مفرزة اخرى بضعة ايام. أخذت اولول, فجاءني امام المستشفى المرحوم مراد ابو طارق وكان يعرف كل ما يدور من اسرار في المعسكر وقال لي * الزعيم عبد الكريم هو الذي طلبك بالاسم, ثم في كل الاحوال انت لا تستطيع عمل شيء, فهذا امرٌ وهكذا شاءت الاقدار. كان مقر اللواء على شكل مستطيل احد ضلعيه الطويلين مقتوحٌ عل شارع المعسكر وعلى الذلع الطويل الثاني غرفة سكن الوعيم وثلاثة غرف لضباط اللواء ومنهم الملازم اول حافظ علوان التكريتي الذي بقي مرافقا للزعيم الى اخر يوم, ثم غرفتي وبعدها العيادة الخارجية والصيدلية وأما ضلعا المستطيل الاخران فكانا, واحد لمطعم الضباط ودائرة الزعيم والضلع الاخر كان ردهة المرضى. وكانت هناك حديقة صغيرة داخل المستطيل وبركة ماء صغيرة يجلس عندها الزعيم عصرا, ينظر في بريد (رسائل) التي تصل اللواء وكنت اجلس انا والملازم حافظ احيانا قربه..سمعت من منتسبي وحدة الميدان التي رافقت لوائه الى الاردن عام 1956 اثناء العدوان على مصر, سمعت عن شدته وكانوا يتصورون انه من رجال نوري السعيد. يبدو لي انه كان يجيد التمويه والمراوغة وقد سمعت انه عندما كان معلما في مدرسة ريفية في الديوانية على ما اذكر وذلك بعدما اخرج من الجيش اثر مقتل بن خالته العقيد الطيار محمد علي جواد (الذي كان من قادة انقلاب بكر صدقي عام 1936) ,عند مقتل بن خالته في الموصل مع الفريق بكر صدقي) سمعت انه اقتنى ثعلبا (لا كلبا ولا قطا كما قد يفعل الاخرون). نعم كان شجاعا كالاسد مراوغا كالثعلب. كيف قدروا عليه؟ فهذا سيبقى قيد التخمين والايام أمُ الحقيقة. كان هناك طبيب احتياط, نصرة توفيق, ابوه ناظر الخزينة (الملكية) الخاصة نُسِّب من جلولاء ( مقر اللواء 20 الذي شرع بالانقلاب في فجر 14 تموز) و ذلك ليغطي اجازة الدكتور مظفر. وكان من المفروض ان يُعاد الى وحدته عند التحاقي ولكنه ظل يماطل والموقع لا يبدوا انهم في عجلة من امره. ثم تناهي إليَّ انه توسط لدى اللواء *عبيد المضايفي* من الحرس الملكي, ليبقى وأُرسل انا في مفرزة مع اللواء 20 بدلا عنه, لم لا وانا طبيب المفارز إإ. يبدوا ان ولولتي وصلت الزعيم فطلب اعادته الى جلولاء حالا. ولم يبق على ثورة تموز الا ايام قليلة. يبدوا لي ( انا شخصيا) ان الزعيم اراد ان يبقي هذا الطبيب بعيدا عن اللواء العشرين المزمع ان يكون رأس النفيضة في الثورة, لئلا يلحظ شيئا (وهذا الطبيب هو بن صفي واعرف انه لا يلحظ الجمل اذا مرَّ من امامه الا اذا اريد منه ان يلحظ), ثم يعيده في لحظة اللا عودة وفي نفس الوقت أحضر البديل, هذا تصوري انا ولا اجزم بصحته. قبيل الثورة بأيام قليلة كنت والصيدلي الاحتياط طه (لا يحضرني اسم والده) جالسين امام غرفتي فجاء الزعيم وجلس معنا وكان مما قاله الصيدلي* ان الدكتور عبد الحميد ينوي النقل او الاستقالة (لا ادري بالضبط مع اني قد عزمت على شيء من هذا) فقال الزعيم *لا لا, اللي يبقى ويَّانه يحصِّل) قلت في نفسي على ماذا يحصل* هذا الجو المحرق ام هذا الماء الي يصلصل مخلوط بالحجر والحصى, ام هذه الرياح الترابية كلها تكفي ان تكون مبررا لثورة) كانت تلك اكثر مرة يفكر فيها الزعيم *بصوت* مسموع. في يوم 13 تموز الأغر. رصد دماغي, رغما عني ولطالما فعل فكري مثل هذا. بعد الغداء, انتحى الزعيم بالنقيب قاسم امين وكان آمرَ سرية الهندسة ومقرها في بعقوبة وهي تتجحفل مع لواء الزعيم في التمارين والحركات وقد وصلت من بغداد قبيل ذلك بوقت قصير. خرجت من غرفتي لانده على احد ليملأ المبردة لان الماء لايصلها فشاهدت العميد الركن احمذ صالح , رحمة الله عليه والذي صار الحاكم العسكري في اليوم الذي تلى, ثم جاء ضباط اخرون فرادا ورايت الزعيم يودعهم . ثم طلبني الزعيم في دائرته, تصورت ان عنده وعكة صحية ولكنه اخذ يتكلم عن كل شيء الا الثورة و شخوصها وقد ملأت شرارات عينيه جوِّ الغرفة. عادرته وشعرت ان الرجلَ مُقبلٌ على امرٍجلل. صباح اليوم التالي كان المفروض ان يقوم اللواء بتدريب يتجه فيه صوب خانقين ولكنه توجه صوب بغداد الموضوع طويل وقد اخذ مني الان الالم والتعب مأخذا والى فرصة اخرى فهناك الكثير واقول, هنا فجرعبد الكريم الثورة يوم 13 تموز واعلنها عبد السلام في 14 منه. كيف فات الاجهزة ذلك, انها ارادة الله. زوالى حلقة ثانية: (14 تموز وبعيده)
.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here