عقْلُنا….محمد باقر الصدر

صادق الحسناوي
الاسم بذاته ثورة وتمرد ووعي ماكان يجب ان يظهر !! نعم ماكان يجب ان يظهر وفقاً لاشتراطات عصر الانهزامية والاستسلام للواقع ومجاراته ،غير ان الثورة تبدأ اولاً من كسر الاوهام النفسية وتحطيم اصنامها ومثلها الزائفة فانطلق محمد باقر الصدر ليحطم كل تلك الاوهام والحواجز فحطّمها واطاح بها واخذ يصول في ميدان الفكر واضعاً الاسس النظرية للتفكير السليم في اسسه المنطقية للاستقراء وغاص بعيداً في الزمن ليحاكم ارسطو ويظهر خطأه ، مبكراً برز الشهيد الصدر مفكراً عملاقاً متجاوزاً كلاسيكيات الحوزة وغوصها في مسائل الفقه والاصول بعدما ترك بصماته على تلك المسائل ليتجه الى الفكر الحديث ومناقشته نقاشاً فكرياً معمقاً فارضاً على الخصم الايديولوجي احترامه لما ابداه من احترام للافكار وناقشها نقاشاً موضوعياً خالياً من مسبقات ذهنية او احكام تتسلح بالفتوى فلم يحمل الفتوى سلاحاً في مواجهة الفكر وقمعه أو طرد دعاته من ارض الله وسماواته …لم يطرح نفسه بصفته كبير موظفي ملكوت الله عزوجل ولا المطلع على اسرار السموات او العالم بما يخفيه الغيب ! وهو بذلك يحطم حاجزاً آخر يؤدي الى موت الامم وهو حاجز الانغلاق الثقافي واهماله دون تقدير ضرره او نفعه على المتلقي المسلم او غير المسلم ،لم يحاجج الا بالدليل ولم يناقش الا بالحكمة والموعظة الحسنة محاولاً استرجاع الامة من غربتها وتوجيهها نحو الصواب …في كتابه ( اقتصادنا) ناقش الفكرة القومية في مقدمة الكتاب لطبعته الثانية وكانت القومية يومها دين الشعوب وحكامها وثقافة العصر حينذاك وانتهى الى نتيجة مفادها ان القومية ليست سوى رابطة تاريخية ولغوية وليست فلسفة ذات مبادئ ولاعقيدة ذات اسس بل حيادية تجاه مختلف الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والعقائدية والدينية ، ثم بيّن حاجة الفكرة القومية للاخذ وجهة نظر معينة تجاه الكون والحياة وحاجتها ايضاً لفلسفة تصوغ على اساسها معالم حضارتها ونهضتها وتنظيمها الاجتماعي) وقد سجّل على دعاة القومية العرية اتخاذهم الاشتراكية العربية اطاراً فلسفياً للفكرة القومية مؤاخذة لاتغتفر لان الاطار العربي لايعطي الاشتراكية روحاً جديدة تختلف عن وضعها الفكري والعقائدي المعاش في بلاد المستعمرين .! لكنه سرعان مايضع الحل متمثلاً بقوله( ان الامة بحكم حساسيتها الناتجة عن عصر الاستعمار لايمكن بناء نهضتها الحديثة الا على اساس قاعدة اصيلة لاترتبط في ذهن الامة ببلاد المستعمرين انفسهم ) ومامن شك انه قدس سره ينتهي الى ضرورة اتخاذ الدين الاسلامي منهجاً للحياة بعد نقاش طويل مع الماركسة والراسمالية من حيثياتها الاقتصادية والاجتماعية .
كان محمد باقر الصدر( عقل الامة) المفكر ، والرجل الذي تنبأ بفشل كل ايديولوجيا لاتحمل اسباب الحياة في مجتمع لايتفاعل معها مهما غالت في تاطير ذاتها باطار فضفاض لكن المفارقة الكبرى ان الرجل الذي حذّر من التأطير تحول الى اطار عندما استولى من يدعون ارتضاعهم لمبادئ مدرسته الفكرية حكم العراق فاستبدلوا رصاص الطاغية برصاصهم مثلما استبدلوا الناهب الفرد للبلاد الى ناهبين يؤطرون ذاتهم بهالةٍ من القداسة !
سلام عليك في ذكراك ايها العقل الفذ
سلام عليك ايها القديس الشهيد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here