14 تموز وبُعيده والنهاية – مأساة كربلاء جديدة

د. عبدالحميد العباسي

من مآخذي على الحركات السِرّيَة (وأحزابها). انك قد تأتمر بأمر مَن تظن إنك تقاومه.
فجر 14 تموز (كان فجرا باسما): اللواء 19 يتجه صوب بغداد من معسكره, معسكر المنصور, يعلن عبدلكريم, من هناك, ثورته, ثورة الشعب ويوُكِلُ الى العقيد عبد الكريم محمد, موصلي من *يارمجة* واقدم ضباط اللواء, يوكل اليه قيادة اللواء, ثم يندفع مع فصيل الدفاع, فقط الى بغداد, مارّا بمعسكر سعد (في بعقوبة) حيث إعتقلَ النقيبُ قاسم امين الجنابي, اعتقل فائدّ الفرقة (الثالثة) اللواء غازي الداغستاني. قررت انا ان التحق بوحدة الميدان التي انتمي اليها والتي تُلحق باللواء 19 (لواء الزعيم عبدالكريم قاسم), عند تَحركِه وكان معي المرحوم الرئيس الطبيب مظفر القاسم الذي قطع اجازته.
في معسكر سعد: كان الكل فرِحا, فقد انطلقت الثورة التي كانت حبيسةُ صدورِهم. كنت اعرف هذا وقد عشت بينهم. استقبلني منتسبو وحدتي بالعناق فقد حسبوا الثورة, انتصافا للمظلومين وكذلك كانت, سيما وان مُفجَرَها ناصعةٌ صفحتُه. علمت, في المعسكر أنه فجرَ ذلك اليوم, قام النقيب قاسم الجنابي امر سرية الهندسة والذي ذكرته, في الحلقة السابقة, انه التقى الزعيم ظهر 13 تموز (لِتَلقي اخر الاوامر,على ما اعتقد, انا), قام, قاسم الجنابي باعتقال قائد الفرقة اللواء غازي الداغستاني ولولا ان فعل, هذا البطل ذلك, لكان بامكان ثُلةٌ من الجُند ان تقطع الطريق الى بغداد (والطريق محاذٍ للمعسكر) وبُذلك يُمنع الزعيم ولوائه من الوصول الى بغداد, بل وتدميره إن لزم. وقد ألمني ان رايت الرئيس (النقيب) قاسم الجنابي من على شاشة احدى القنوات قبل سنتين او ثلاثة وهو بلباس بسيط, ربما اقل من بسيط, في حين ان مُستغلي الثورة من الجبناء (كما هي العادة) يطلون علينا, كل يوم بهندام مختلف وكأنهم عارِضو ازياء (توصيف أنعمَ به الرئيس حافظ الاسد على غريمه). سمعت انه في ذلك اليوم (14 تموز) ان رائدا من منتسبي المعسكرالتحق (بالثورة) في معسكر سعد, عندما سمع بها وعلى كتفه بندقية (وقيل بندقيتين) ومسدس او اثنين وعتاد وسيف ( وكأنه مِشجبٌ متحرك وكله من سلاحه الخاص في بيته) يُريد مناصرة الثورة. كثيرة هي الاحداث المهمة والخطيرة التي واكبتها في ذلك المعسكر مما لا تتسع به هذه الفسحة وقد ذكرتها في مكان اخر. اردت تحريك وحدة الميدان خاصة واني اصبحت الضابظ الاقدم بعد هروب واحالة امرها الدكتور طالب ناجي العاني الى التقاعد ذلك الصباح, الا إنَّ عدمَ وجودِ قيادة للمعسكر… الخ جعلني التحق باللواء في بغداد وأُلحقت وحدة الميدان, بي بعد ذلك وصارت وحدات لواء الزعيم عبد الكريم, الرئيسة ثلاثة افواج ومعمل ميدان ووحدة ميدان (مستشفى ميدان, الذي كنت انا آمره). ما هي الا سويعات بعد اعلان الثورة الا وتقير ذلك الجو المشحون بالخوف وتوجس الواحد من الاخر جتى من الاخ والصديق, تغير الى الفرح والتآخي وعمَّت العدالة في تعامل الدوائر الحكومية ولم يعد للطائفية, سياسة الحكومة التقليدية, غير المعلنة, اي وزن. ثم ظهرت بوادر الفؤقة وتعمقت, فريق يدعي مؤازرة عبد الكريم والجمهورية ويرتدى ثوب الشيوعية ولم يكن اكثر من معاد الى التوجه العروبي وافكار عبد الناصر. وكان هذا الفريق خليطا غيرَ متجانس من تيارات مختلفة الاهداف هيمنت على الشارع واذلت الناس خاصة المثقفين والعسكريين ممن لم يصطف في جمهورهم. ولم يكن سبي الموصل وكركوك بحجة حماية الجمهورية, لم يكن الا عمليات تطهير عرقي استهدفت عرب الموصل وتركمان كركوك. ولا اظن ان كان بينهم كثر من المؤمنين بالشيوعية ومعظم هولاء نحروا في رمضان اياه. ودهشت إذ سمعت من قناة RT فبل اشهر, ان روسيا كانت تمول المسلحين الاكراد في الشمال *لزعزعة حكم عبد الكريم قاسم* وقد ساهمت تلك الحركات المسلحة بالاطاحة بعبد الكريم. علينا, يبدوا انه في كل الامور علينا ان ننتظر عدة سنوات لنعرفَ الحقيقة, فالاعلام في مجمله ل تضليل وإيهام. اما الفريق الثاني فقد التفَّ في اوائل ادواره حول عبد السلام وكان تجمعا هدفه الاساس اسقاط حكم عبد الكريم قاسم *غير العروبي*. عبد الكريم لم يقل غير ان العراق جزء من كلٍّ وليس جزء من جزء, اي نحن جزء من العالم العربي ولسنا جزء من قطر عربي اخر. هل هناك بلد عربي يقبل ان يكون جزء (تابعا) لبلد عربي اخر؟. اليس عبد الكريم من خصص مليون دينار (ما يساوي اليوم مليار دولار اليوم) لثورة الجزائر,سنويا اليس هو الذي شكل جيش التحرير الفلسطيني وكان مقره في جلولاء وقد عالجت في مستشفى الرشيد بعضا من منتسبيه. اليس هو من لم يفسد ولم يلحن في اللغة العربية (ولا يفعل مثله معظم القادة العرب) ولم يكذب. لم يكونوا عروبيون ولا عرب في غالبية قياداتهم. ثم ماذا فعلوا بعد نسلمهم الحكم. الم يضعوا دمية (تمثل عبدالناصر) في ساحة الشواف ويكتبوا تحتها *ابو رغال* ومعظمهم لا يعرفون من هو ابو رغال, عربي دلَّ الاحباش عل الطريق الى مكة ليهدموها في عام الفيل. وظل العرب يرجمون قبره. ترى كم ابي رغال عندنا اليوم؟ ولم يتقدم العرب قيد انملة نحو الوحدة في زمانهم. كنت في بعثة في لندن عندما وقع انقلاب 8 شباط. كانت لندن تعج بالحركات المعادية لعبد الكريم معظمهم طلاب بعثة وبخاصة الاطباء العسكريين, كذلك كان قسم من موظفي السفارة, فلم تكن الدوائر الحكومية تاخذ بنظر الاعتبار, التوجه السياسي للفرد في ترشيحه للبعثة او العمل الدبلوماسي. قبيل الانقلاب بايام رجاني زميلي المرحوم الدكتور تحسن معلة, ان اوصله الى فندق في شارع Bayswater ليقابل السيد فائق السامرائي, قومي نائب رئيس حزب الاستقلال القومي, جاء موفدا من الرئيس عبد الناصر للالتقاء بالمعارضة في لندن , فرجوت زميلي الا يسترسل في الكلام وقد اراد, فانا ارى خير وسيلة لكتمان سرٍ تؤتمنُ عليه, هو الا تعرفه. عُقد الاجتماع التآمري الموسع في وضح النهار في احدى قاعات لندن حضره قسم من قادة الانقلابيين ومنهم الدكتور فؤاد مصطفى اعتقد بن اخ الدكتور عزة مصطفى واطيح بعبد
الكريم, الزعيم الخالد. في برنامج لقناة العراقية في يوم 8 شباط الجاري قال احد المتكلمين: ان دولا خارجية تآمرت على عبد الكريم قاسم وتمكنت من اسقاطه واقول ان المؤامرات من اية دولة على اية دولة لاتنقطع ولكنها تنجح فقط اذا كان لها عملاء وقد تنتظر طويلا حتى يتيسر العميل المناسب. اما القاء اللوم على العدو الخارجي فهو ليس الا تهربا من مواجهة فساد حالنا وخوار همتنا وضعف انتمائنا ولا يبدل الله ما في قوم حتى يبدلوا ما في انفسهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here