ألسّبيل للتَّغيّر..بين آلإرادة ألكونيّة و آلطبيعةُ آلبشريّة:

كيفَ نُغيير ألعالم؟
سؤآل هام سمعتهُ مراراً وتكراراً في نهاية كلّ محاضرة من ألمُهتمين بقضايا آلأنسان وآلفكر ومستقبل البشريّة من آلذين ما زالوا يُتابعون فلسفتنا ألكونيّة لتغيير العالم من خلال شبكة(النت) عبر موقع(كوكل) أو ألمناسبات ألعامّة وآلخاصّة, مفادهُ:
[كيف آلسّبيل لتغيّير ألناس و تحقيق ألعدالة و صولاً للسّعادة كغاية في الوجود]؟ و قبل الجواب, لا بُدّ من الأشارة إلى أنّ طرح آلسّؤآل لا يكون إلّا من عقلٍ كبير و مبدع يختزن خلفه ثقافة واسعة و ليس بمقدور أيٍّ كان طرح ألأسئلة آلمُنتجة لكونها مفاتيح لأبواب العلوم و المعرفة!

و رغم أهميّة ذلك آلسؤآل لكن لم يُجب عليه من الفلاسفة بوضوح و حكمة للآن لتشعباته المختلفة وملابساته آلمعقدة لأنه يتعلق بذلك المجهول المُسمّى بآلأنسان بحسب قول (ألكسيس كارل), فكيف يمكن الأجابة على شيئ مجهول؟ لذلك يحتاج الأمر لِمَدَدٍ إلهي و لثقافة واسعة لفيلسوف حكيم؛ كما إننا سنُركز على جانب واحد ما زال غير معروف بآلضبط ونترك الأجابة على الجوانب الأخرى المتعلقة بآلسؤآل لمقام و حديث آخر, لأنّها تحتاج لثقافة جامعة و مقدّمات و بحوث منوعة و دقيقة لكونها ما زالت تشغل عقل آلمثقف وألأستاذ و آلمفكر و آلعالِم ألمخلص ألذي يُريد آلتغيير الحقيقيّ في آلعَالَم لرضا الله تعالى الذي هو العدل و آلأمن و الخير كلّه!؟

و لو سألت آلمُطلعين هذا السؤآل, لجاءَك آلجّواب عادّةً ما خاطفاً و مقتضباً حتى من المهتمين, بآلقول؛ (عليكم بتغيير أنفسكم قبل أيّ شيئ), أمّا كيف و متى و لماذا, فتلك هي الأسئلة المجهولة على (مجهول) آخر هو (الأنسان)!

لذلك بقى الجواب ألمُقتضب أعلاه غامض آلفهم و غير واضح و ربّما تحوّلّ لمخدّر فسبّب أخضاع و دمار الأمّة و الناس و ستّجه الأوضاع نحو الأسوء إنْ لم يتمّ بيانهُ و عرض جواب شاف لهُ بحسب التفسير الكونيّ و توضيح أبعاده و آلياته و تأثيراته ونتائجه, تسبقها أسئلة محورية تتعلق بآلوجود, أوّلها؛ معرفة جواب الأسئلة آلسّتة .. ثمّ فلسفة القيم و العدالة و المساواة و الحقوق الطبيعية و غيرها من المحاور التي تحتاج إلى الشروحات المفصلة!

يُستثنى ألسّياسييون من ذلك .. بسبب الجهل و ألأميّة الفكريّة و قوة الشهوة بآلمقابل عندهم بسبب لقمة الحرام ألدّسمة التي يجاهدون لأجلها بكلّ وسيلة و آلغاية عندهم تُبرّر ألوسيلة – بعد ما إنخرطوا ضمن مخططات (المنظمة الأقتصادية) كخدم لتنفيذ سياستها من أجل المال و آلسّيطرة على منابع الأرض .. علّة كل هذا الفساد و منشأه هو الأنقطاع عن الغيب و آلرّكون و التثاقل في الأرض و رفض التغيير الذي أمرنا به الله تعالى و كما جاء في آية آلتّغيير؛
[لا يُغيير الله ما بقومٍ حتّى يُغييروا ما بأنفسهم].

و آلنفس أيّ (آلروح مع الجسد) .. و لأجل أنْ تتغيير يجب إشباعها بآلمعرفة و المحبّة لله و في الله لخدمة ألناس لا للنفس الأمارة .. و التزين بمحاسن الأخلاق و بفلسفة القيم ألّتي تَتَحَدّد في مجتمع ما .. كهدف في النظام الأجتماعيّ الحاكم من خلال معرفة .. أيّهما يتقدّم على الآخر؛ إصالة (الفرد) أمْ إصالة (ألمُجتمع)؟

و هذه القيم الكبيرة لا يستوعبها الذين حدّدوا تفكيرهم و أرواحهم بحزبٍ أو منظمةٍ أو مؤسسةٍ يترأسها الجّهلاء من أجل منافع شخصية دنيوية .. بل يحتاج إلى إنسان حرّ شريف مُستقل بتفكيره و تطلعاته الكونيّة, و يرفض الصّفات و الأنماط الأخلاقية السيئة كالغيبة و النميمة و النفاق و الخيانة التي باتت صفة المتحزبين ألمرضى و من صلب سلوكياتهم الشيطانية!
ذلك السؤآل هو محور هذا البحث و عنوانه آلرئيسي و بيت القصيد الذي يضمّ النظريات والمفاهيم السّماوية بهذا الشأن لنجاة الأمة!

و للجواب على ذلك السؤآل الهامّ بل ألأهمّ في علم (ألأجتماع) و (ألأنتربولوجيا) الذي يُقرّر مستقبل العالم؛ نحتاج لنظام تعليميّ و تربويّ مركزيّ يُعرض ألأنظمة و ألمناهج ألقرآنيّة الكونيّة ألتغييريّة بجانب ألعلوم السّايكلوجية و الحقوقيّة و التأريخيّة و آلأخلاقيّة و فوقها جميعأً عرض(فلسفة الوجود) مع جواب (الأسئلة السّتة) و صولاً لمنهج آلتكامل ألأنسانيّ ثمّ آلآدميّ ألمُتبنّاة لتحقيق الغاية من الوجود .. هذا إنْ كُنّا أحراراً عقلاء نريد معرفة (المعرفة) (ألأيبستيمولوجيا)!

و من جانب آخر سوف لن نتطرق لمناهج آلملحدين أو المنكرين للوجود أو السفسطائيين أو النهليسم أو النشينليسم أو الماركيسسم أو الهيبونيسم وغيرها من آلفلسفات الوجودية الأخرى التي تجرّ الأنسان للحضيض بتُجريده من الأخلاق و فلسفة القيم الكونيّة مع إحترامنا لمدّعيها كنُظراء لنا في الخلق, و قد نشير لها فقط لو تطلب الأمر بإعتبارها وسائل إستكبارية لتسخير و مسخ الناس لتعبيدهم من أجل تنفيذ مشاريعهم!

منهجان للتغيير:
ألأوّل : ألمنهج ألأستكباريّ ألشّموليّ, ألمحكوم بقوانين تُحدّد مسير الفرد و بآلتالي المجتمع في بودقة واحدة يتركّز الهمّ الأكبر فيها على الشّهوة و آلجنس و آلمنفعة الأقتصاديّة و رأس المال ألمُقيد بسياسة طبقة خاصّة, حيث يتمّ تشريع قوانين و شؤون المجتمع بشكلٍ يُنظم علاقة الفرد مع النظام الاجتماعيّ الحاكم لخدمة الأقتصاد و رأس المال في سوق العمل و الأقتصاد و الضرائب, فيصبح الفرد ضمن هذا المنهج برغيّاً في ماكنة الرّأسمالية تعمل بإتقان و بلا إرادة لتشغيل الماكنة التي تعود ملكيتها و مُلكية الأرض التي عليها و إنتاجها و أرباحها لأصحاب (ألمنظمة الأقتصادية العالمية) التي تُعيين بغطاء ألدّيمقراطية ألرّؤساء و الحكام و المدراء و السّواقين و العمال و الموظفين ألّذين يتمّ إنتخابهم ديمقراطياً لأدامة الفساد و ألأستنزاف ألقانونيّ المُمَنهج الذي تخضع للأساليب ألميكافيليّة في آلسّالطة بدعم كامل من الأعلام و آلمنظمات آلبوليسيّة و ألأمنيّة ألمُدججة بتكنولوجيا و أسلحة تُرسّخ ألنّمط آلدّكتاتوري بشكلٍ قانوني و ديمقراطيّ تكُمّ كل الأفواه لتعبيد المجتمع للحاكم الأوحد ألمُتمثل بأصحاب المال و الشركات و البنوك العملاقة التي تحكم العالم, و يحتاج ترسيخ و إدامة هذا الأمر مسخ ضمير الأنسان و المجتمع و تجريده من آلأخلاق و آلقيم و حالته الآدميّة و تحويلهم لبشرٍ أو أقل من ذلك ليصيروا أقل شأناً و قيمة من الحيوان, يسعى فقط لإشباع بطنه بأيّ ثمن حتى بيع نفسه.

إنّ آلمشكلة العويصة التي تظهر في هكذا مجتمعات متعولمة؛ هي تركيز إصالة و ديمومة الفئة التي تتحكم بإدارة و إنتاج الماكنة المجتمعية و لا يهمّها .. لا طبيعة و نوازع و إصالة (الفرد) و لا طبيعة وإصالة (المجتمع) بعد ما تحول إلى ذلك الوضع الذي أشرنا له, حيث لا إعتبار للمُجتمع أو الفرد و آلخصوصيات المتعلقة بكرامته الأنسانيّة, و هنا بيت القصيد و آلمنطلق و نهاية المطاف, لأنّ أيّ إنسان له كرامة و قيمة يرفض فطرياً و بشكل تلقائي ذلك النظام بسبب ذلك الرادع المانع لهدر كرامته, و كما هو حال أكثر مجتمعات الأرض التي فقدت ألأصالة و آلقيم في وجودها و حلّت إصالة و قيم الحاكمين في (المنظمة الأقتصاديّة) ألذين يسيطرون على 75% من منابع العالم و المليارات من البشر المحكومين بفساد الأنظمة التي تمّ تعينهم ديمقراطياً بإشراف الفاسدين الكبار!

و هكذا فقد العالم صوابه بعد ما فقد الناس ضمائرهم و إيمانهم بآلوجود, بكلمة واحدة؛ أصالة (الفرد) هي الأصل في النظام الشمولي ألمُنتَخَب ديمقراطياً لا إصالة (آلمجتمع) الضحية بإختيارها بعد فقده آلخيارات ألمُثلي بسبب الجهل المعرفي نتيجة سياسة الظلم والتربية والتعليم المُمنهج بحسب مقاسات جيوب الأصلاء الشموليين الكبار في المنظمة الأقتصادية العالمية.

ألثاّني: ألمنهج ألألهي ألكونيّ و هو على مستويين؛

ألمستوى الأوّل؛ الفرديّ: و يضمّ تفاصيل المنهج التعبديّ ألشّخصيّ من خلال تكريم الله لعبده بآلكرامة الكونيّة للعمل في سبيل خدمة الناس و تغيير الأوضاع نحو الأحسن عبر مثلث المعرفة (الله/ الناس/ الطبيعة) تطبيقا لأحكام ألدِّين و إن إختلفت أشرعته لأنّ منبعها واحد و يتحدد بعمل الخير و نشر آلأمن و المحبة لتحقيق المجتمع الأمثل, و كلاهما (ألفرد و المجتمع) يرتبطان ببعضهما من خلال التّوحد من خلال محبّة و إتباع من عيّنهم الله تعالى كقادة للكون عندما جعل معيار الأرتقاء و العلو في الدارين بمودتهم و إتباعهم في السراء و الضّراء بقوله: [قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى] و هو خطاب لجميع الناس الذين عليهم ألتّوحد ضمن هذا آلمنهج العرفاني الأمثل ألذي يحتاج إلى عبور سبعة محطات يمكن إعتبارها دمجاً و إختصاراً لأحدى و خمسين محطة بحسب تقريرات العارف الكبير الشيخ الأنصاري ألذي تأثر بسيرة العرفاء الكبار أمثال ألفارض و الشيخ الأكبر(إبن عربي) وآلحلاّج وحافظ الشيرازي والمولوي والتبريزي وهي: [الطلب – العشق – المعرفة – التوحيد – ألأستغناء – الحيرة – الفقر و الفناء]. الغاية بناء النفس لتحقيق الآدمية فيها.

و تلك المحطات تُوضّح قصّة أسفار العاشقين لمدينة ألسّلام ألّتي عَبّرَ عنها آلعطار ألنيشابوري بـ( سفر سيمرغ) أي سفر الطيور الثلاثين التي أرادت الوصول لمدينة العشق, لكنّها فشلت و لم تصل, سوى من كان عاشقاً لله بحقّ و لم تشغله لهو الحياة و روتينها و زبرجها و مزارعها و مراعيها و أنهارها التي كانت تصادفها أثناء عبور المحطات في السفر لإكمال المسير.

ألمستوى ألثاني؛ ألمُجتمعيّ: لا تتحقّق الخلافة الكونيّة بتطبيق(العدالة) في آلمجتمع و الأمّة من خلال فرد واحد حتى لو كان آدميّاً مُتكاملاً أو نبيّاً مرسلاً من الله و يُعادل أمّة بأكملها .. كرسولنا الكريم و كإبراهيم(ع) أو حتى لو كانوا أفراداً متكاملين أو جماعات و أحزاب متكاملة صغيرةً أو كبيرة هنا وهناك كأصحاب الكهف و الرقيم أو كأهل (الصّفا) أو كأصحاب عليّ(ع) بعد وفاة الرسول(ص) أو كأصحاب آلحسين(ع) أو المختار الذي جهّز جيشاً جراراً للثأر من الفاسدين و تغيير الأمة, بل لا بُدّ من تحقق عملية التغيير .. عبر مشاركة جميع أبناء المجتمع و آلأمة كشرط ونهج حدّدهُ الله تعالى لتحقيق المنهج ألرّباني ألّضامن لأنتاج نظام عادل لتحقيق سعادة الناس كلّ الناس!

فلو توفّر في كلّ مجتمع أفراد و جماعات مخلصة تحققت في وجودهم حالة (الآدمية) تسعى للخير و إشاعة العدل و الأمن و التواضع لَـتَغَيّر الناس و لَتَمَّ ربطهم بقيادة ربانية حكيمة, و بآلتالي فأنّ مثل هذا المجتمع الذي إتصف أكثريته و النّخبة الصالحة فيه بآلإيمان و الأستقامة سينال حتما آلسّعادة, لتجانسهم و تآزرهم و سعيهم لإشاعة الخير و المحبة و آلأيثار و آلعدالة التي أحد أهم أركان تحققها هي سعي النخبة الصالحة لتحكيم ألمساواة و محو الطبقيّة و التميز العنصري و الأثني و الدّيني.

و بعكس ذلك تحلّ المأساة و الفوضى و الفساد و التنفر و تشاع الكراهية بدل المحبة و آلتآلف بين الناس, فلو كان المجتمع ملآى بآلأشرار و الفاسدين و كما هو حال مجتمعنا و المجتمعات الأخرى المحكومة بهوى (المنظمة الأقتصادية) التي أفرادها و قادة أحزابها يظلمون و يقتلون و يفسدون في أموال و أعراض و كرامة وحقوق الناس؛ فإن مصيرهم إلى المسخ و آلزّوال لا محال, و لنا في كثير من المجتمعات المعاصرة أمثلة حيّة على ذلك فقد تكون مجتمعات تتزين بآلأيمان و الصلاح الظاهر و آلنظام الديمقراطي؛ لكن ضمائر الناس فيها ميتة و تسعى لخلط الحقّ بآلباطل للتصيد في الماء العكر .. فأن مصيرها الزوال, و هكذا الحال في المجتمعات الغربية المُزينة بالأبراج و آلقصور و البنايات و الكازينوهات و التكنولوجيا على أكتاف الكادحين من دون وجود العدالة و الكرامة ..

و السؤآل الكبير و حلقة الوصل المفقودة في بلاد الغرب و في قمة كلّ برج من تلك الأبراج العاجية هو؛
لمن مُلكيّة و أرباح تلك الأبراج و الكازينوهات و آلملاهي و الشركات و التكنولوجيا و البنوك العملاقة؟
من يترأسها و من يديرها .. و من أين أتى أصحابها بكل هذا المال أساساً؟
من يتمتع بإيراداتها؟
و لمن أرباحها و أتراحها؟
و ما الغاية من تأسيسها بآلأساس؟
هل هي لبناء و إستقامة و سعادة الأنسان؟
أم لإنحرافه و تمييعه و تجريده من إنسانيته و كرامته ليسهل نزفه و السيطرة عليه!؟
لكن على الرغم من كلّ هذا .. فأنني أعتقد بأنّ آلملك يدوم مع الكافر العادل و لا يدوم مع المسلم (المؤمن) الظالم, و الحال أن العدالة في شرق الأرض و غربها مفقودة في كلا الجانبين شرقا بين المسلمين و غرباً بين الغربيين مع بعض الفوارق!

خلاصة الأمر: ما هو الموقف المطلوب تجاه هذه المأساة التي باتت قانونية عالميّة تأقلم معها الجميع بسبب (ألدّيمقراطية) بعد إنتهاء الشيوعية .. بحيث يتمنى الناس اليوم بسبب غبائهم أن يكونوا عبيدا لأصحاب المعامل و الشركات و المدراء و الرؤوساء لأجل لقمة خبز و بأي ثمن!؟

إنّ الحلّ و الطريق المحوري الوحيد و آلسّريع الذي لا يُوازيه طريق و لا نجاة إلا من خلاله؛ هو فهم روح التوحيد في الأسلام من خلال المنهج الكوني لتفسير القرآن(1) و بشكلٍ أخصّ فهم و هضم و تطبيق آية ألتّغيير العظيمة.

ألمجتمع كأفراد و بضمنهم ألجّماعات و الأحزاب تنتظر أن يقوم الآخرين بحركة تغييريّة في المجتمع تقلب الأحوال للأحسن!
بينما هو كفرد أو جماعة أو حزب لا يُحرّكون ساكناً بفعلٍ حقيقي بإتجاه الحقّ, و هذا ما حدث و يحدث الآن في جميع بلادنا التي لم تعد أوطاناً كريمة آمنة و مستقلة؛ بسبب للنهب و آلسلب و النفاق و الفساد بإشراف و تخيط حكومات المستكبرين!

مُتَطلّبات ألتّغيير:
إن الذي ينتظر التغيير إلى آلحالة الأحسن من دون برنامج و عمل؛ يواجه متاعب كثيرة و أكثر بكثير من المتاعب التي قد يُواجهها في حال تصدّيه للتغيير, ففي أسوء الحالات قد يموت الأنسان المتصدي كشهيد حيّ, لكنه سيموت بفخر وعزة و لمرة واحدة بدل أن يواجه الموت كل ساعة و كل يوم مئات المرات في حال الركون للظلم و العبودية و الأسر تحت رحمة الظالمين, لأنهُ و كما أشار الأمام عليّ(ع)؛ [إذا ضاق عليكم آلظلم فآلجّور عليكم أضيق].

إنّ سبب ركود و فساد مجتمعاتنا و ثباتها على التّخلف و عدم تطورها هي للحالة الأتكالية و إنتظار الفرج من الآخرين بحيث أصبح الأنتظار منهجاً و مذهباً يدين به المسلمون و يدعمون هذا الركون و السكون بآيات و بروايات أشهرها ما يتعلق بإنتظار الفرج و كونه[إنتظار الفرج من أكبر العبادات], متأملين النجاة على يد الأمام الحجة(ع), بينما ألامام الحجة (ع) نفسهُ ينتظرنا لفعل شيئ بإتجاه التمهيد للظهور لا السكون للظهور, في مقابل هذا .. نرى الشعوب الأخرى التي لا تؤمن بآلغيب و لا بآلأمام الحجة تتقدم و تعمل و تبني على الأقل بغض النظر عن ما أسلفنا من حديث حول مآسي و مردودات و شأن الأستثمار و غاية الحضارة ألحديثة بقيادة آلمنظمة الأقتصادية العالمية؛ وأنها على العموم و كما نشهد تتقدم و تنتج و تتطور و تسيطر حتى على العوالم الأخرى في الأرض و فوق الأرض لقوة خططها ألعلمية آلتي ترجع بآلنفع لأنفسها و لمن حولها على الأقل!

ألتّغيّر في الأسلام:
أولا : يجب معرفة الأسلام الصّحيح .. كشرط للدخول في الموضوع, و الأسلام الصحيح يقول لا بد من التغيير .. بل يعتبر السكون و الخمول و آلقعود .. من الذنوب الكبيرة, حتى وصف آلأسلام؛ ألمُستهلك .. بصفة سيئة حذرنا الله من إطلاقها على الكافر أو الظالم أو المجرم إلا إستثناآت, حيث قال بحقّ القاعدين: [ملعون من كان كلّه على الناس]!

إن المجتمع الطفيلي الخامل و الساكن الذي يعتمد على الرّواتب الحرام – بآلأخصّ المسؤوليين – من دون تقديم شيئ يواجه مثل هذا المجتمع نتائج كارثية و مأساوية إن إستمر الوضع على هذا الحال, فلا بدّ من إجراء عملية التغيير على مستوى الفرد و المجتمع, و هذا يتطلب شروطاً و آليات, منها:
1- وجود النهج التغييري العلميّ ألموثق عقليّاً و نقليّاً, فحتى (ألأمر بآلمعروف و النهي عن المنكر) له شروط يجب مراعاتها منها؛ ألعلم بآلموضوع المراد علاجه؛ مراعاة الأدب و الأخلاق مع المخاطب؛ إعتماد المنطق و الدليل مع المُخاطب مراعاة مستوى المخاطب و غيرها, فكيف الحال لو كنا نريد تغيير دولة مع شعب بآلكامل؟
2- دراسة ألزّمان و آلمكان و الأمكانات المتيسرة, بحسب الخطط والمستلزمات المطلوبة ألمُعدّة لعملية التغيير.
3- من أهمّ مستلزمات نجاح النهضة التغييرية ألشاملة؛ وجود القيادة الرّبانيّة ألواعية مع مجموعة من المفكرين من حوله لقيادة و ترشيد مسيرة الأمة نحو التغيير إعتماداً على لجان إختصاصية, كشروط ضامنة لعملية التغيير.
4- وجود الجماعة و الثلة المثقفة ألمرتبطة بآلمفكريين التي عليها لعب دور الوسيط بين القيادة من جهة و بين الأمّة من آلجّهة الأخرى.
5- وجود ألمنهج ألصّحيح و البرامج المتكاملة البديلة كي تحل مكان البرامج القديمة الفاسدة والمغرضة التي دمّرت الأمة في حال تمكينهم لأقامة ألبديل الأمثل لتحقيق العدالة الألهية.
6- ألأستقلال و قطع الأرتباط بالمستكبرين الذين لا يريدون الخير لبلادنا لكونهم السبب في إيجاد الفوضى و الكوارث و الحروب عن طريق الحكومات, ألّتي تسبّبت إحلال المستكبرون بدل الله لتوجيههم و كما هو الحال, حين إتّخذوهم بطانة من دون الله.
7- ألمساواة و العدالة في الحقوق و الواجبات و الفرص, بعكس ما هو السائد اليوم في بلادنا, حيث راتب الرئيس أكثر من راتب العامل و الموظف بفوارق كبيرة جداً تصل لمئات الأضعاف المضاعفة.
8- وجود المُختصّين ألمُجَرّبين ألمخلصين للبدء بتنفيذ المشاريع حسب الأولويات والأهمية طبقا للمواصفات ألفنية العالمية.
9 – عدم بيع الأراضي للمستثمرين ألأجانب في حال تأسيس معمل أو شركة أو مؤسسة أو مكاتب أو عمارات أو مخازن.
10 – تحديد الشروط الداخلية اللازمة لعملية الأستثمار و في مقدمتها؛ نسبة الضرائب المطلوبة دفعها من المستثمرين بحيث لا تقل عن 15- 20% من الأرباح المتحققة, و كذلك تعيين نسبة مئوية ثابتة لتشغيل العمال المحليين لا تقل عن 70%.
ما أوردتّهُ بإجمال في النقاط العشرة أعلاه؛ ترجمة أمينة لقوانين الله و لتجارب الشعوب التي نجحت في التغيير و كذلك إستنباط من آلقصص و آلأحداث و آلسّنن ألكونيّة القرآنيّة, بجانب أقوال و أفعال و تقريرات الأنبياء و الرّسل و الفلاسفة بعد التّفكر فيها و ترجمة مضامينها, بموازاة نهج أهل البيت(ع) الذين جعلهم الله حبل الوصال بين آلسّماء و الأرض.

و لو تأملنا جيّداً تفسير و أبعاد ألآية العظمى المعنية بآلتغيير و التي وردت في سورة الرّعد: [إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ](2), فأنّها تُدلّل على إن الله لا يُغيّر حال فرد أو جماعة أو أمّة ما لم يبدؤوا هم بأنفسهم أولاً كشرط للتغيّر!

بمعنى آخر؛ إنّ تلك ألآية ألمحوريّة ألعظيمة تدُلّ على إنّ الله تعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغيّر ما بقوم .. من خير إلى شرّ؛ و من شرٍّ إلى خيرٍ؛ و من رخاءٍ إلى شدّةٍ؛ و من شدّةٍ إلى رخاءٍ, حتى يُغيّروا ما بأنفسهم!
و السّبب؛ كي يعرف ألمُغيّر قيمة و أهمية هذا التّغيير للثبات و آلحفاظ عليه من دسائس ألمستكبرين والمعاندين للحق, كي لا يتغيّر مرّة أخرى بفعل المعاندين نحو الأسوء و الفساد ممّا يكون عندئذٍ من آلصّعب جبر تلك الخسارة للتغيير من جديد.
و إذا كان الناس في صلاح واستقامة .. لكنهم غيّروا؛ فإنّ الله يُغير عليهم أيضاً بالعقوبات و آلنكبات و آلشدائد والجدب والقحط، والتفرّق وغيرها من العقوبات جزاءاً وفاقاً, كنتيجة طبيعية لظلمهم لأنفسهم: [وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ](3)، وقد يمهلهم سبحانه و يُملي لهم و يستدرجهم لعلهم يرجعون, ثمّ يُؤخذون على غرّة إن لم يتوبوا .. كما قال سبحانهُ: [فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ](4), يعني آيسون من كلّ خير، و قد يُؤجّلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم أشدّ كما قال سبحانه: [وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ](5) و المعنى أنهم يُؤجّلون و يُمهلون إلى ما بعد الموت، فيكون ذلك أعظم في العقوبة و أشد نقمة, و قد يكونون في شرٍّ وبلاءٍ و معاصي ثمّ يتوبون إلى الله و يرجعون إليه و يندمون و يستقيمون على الطاعة فيُغيّر الله ما بهم من بؤس و فرقة، و من شدّة وفقر إلى رخاء ونعمة، واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الآية الأخرى: [ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ](6) فهذه الآية تبين لنا أنّهم إذا كانوا في نعمة و رخاء و خير ثم غيروا بالمعاصي غَيّرَ عليهم, ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد يمهلون كما تقدم والعكس كذلك إذا كانوا في سوء ومعاص، أو كفر وضلال ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله غيَّر الله حالهم من الحالة السّيئة إلى الحالة الحسنة؛ غَيّرَ تفرّقهم إلى إجتماع و وئام؛ غَيّرَ شدّتهم إلى نعمة وعافية ورخاء؛ غَيّرَ حالهم من جدب و قحط و قلة مال و مياه و نحو ذلك إلى إنزال الغيث و نبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير.

لذلك و بعد كلّ هذه الحُجج القويّة و الأدلة الراسخة والمناهج السّماوية التي بيّنت طريق الحقّ و الباطل بوضوح مع العقل؛ فإنّ الحُجّة قد ألقيت علينا بآلتمام و الكمال, لذلك يجب ألبدء بآلتغيير نحو الأحسن و إستدامة الأستمرار عليه .. بعد تغيير أنفسنا أولاً و قبل كلّ شيئ .. ثمّ تغيير الأقرب فآلأقرب, حتى يتغيير آلمجتمع و الناس جميعأً.

و هناك آيات قرآنيّة و أحاديث كثيرة و تراث عظيم رغم التراكمات و الغبار الكثيف الذي غطى الكثير من حقائقه, بجانب نهضة إسلاميّة حيّة معاصرة تبيّن بوضوح المعنى و الهدف من الثورة و آلتّغيير الذي أشرنا له مقدماً ؟ و التفاصيل كثيرة جداً بهذا الشأن, لكن مَنْ و كيفَ يتعلم شعبنا و مجتمعاتنا تلك الدروس العظيمة وقد قفلوا على أنفسهم باب المعرفة(7).

و إليكم حديثاً محوريّاً يختصر فلسفة التغيير كلّه, ورد عن أبي عبد الله ألصّادق(ع):
[من إستوى يوماه فهو مغبون، و من كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، و من كان آخر يوميه شرّهما فهو معلون، و من لم ير الزيادة في نفسه فهو الى النقصان، و من كان الى النقصان فالموت خير له من الحياة], و آلمقصود بـ (اليوم) هنا ليس مقدار اليوم المكون من 24 ساعة؛ بل المقصود هو مقدار الزّمن الذي قد يمتدّ لأيام أو أسابيع أو أشهر أو حتى سنين بحسب حجم و أهمية العمل التغييري, فآلتغيير بآلنسبة للمُحققين أو طلبة العلم في الجامعات مثلاً أو تأسيس مصنع أو مستشفى أو العمل و التخطيط لتنفيذ برنامج زراعي أو إجتماعي لا يُنفذ بيوم أو يومان؛ بل يحتاج لزمن و برنامج .

إنّ آلمؤمن الذي يكون أمسهُ كيومهُ أو إسبوعهُ الماضيّ كإسبوعهُ الحاليّ و شهرهُ الماضي كشهره الحاليّ و سنتهُ الماضية كسنتة الحالية؛ إذا كان حاله في آلماضي كآلحاضر و لم يتطوّر .. أو يتقدّم ولم يرتقي بعلاقته مع الله ومع الأنسان و مع الطبيعة فإنّهُ (مغبون)، و آلغبن ألمقصود يشمل كل الأصعدة المتعلقة بحياة الأنسان و شؤونه و مستقبله و علاقته (بآلله و بآلأنسان و بآلطبيعة) و كيفية التأثير المتبادل بين الجانبين (جانب الفرد المعني و جانب علاقته بالجوانب الثلاثة المذكورة), و قد أشرنا لمسألة (التغيير) الذي يشمل الفرد كفرد او كفردٍ في عائلته أو مجتمعه أو في الوسط الأنساني أجمع.

و كذلك؛ [ … من كان آخر يوميّه خيرهما فهو مغبوط] و هذه هي الحالة الأفضل و آلمطلوبة منا كأفراد و مجتمعات, فحين يكون وضع المجتمع او الفرد في هذه السنة أفضل من آلسّنة الماضيّة, أو أوضاعه خلال هذا الشهر افضل من الشهر الماضي؛ و بآلتالي أحوال وأوضاع و شؤون الفرد او المجتمع سيكون افضل، وهكذا لو كانت المؤسسات المجتمعية والصناعية والزراعية والسياسية و التربوية حالها افضل الان من الفترة الماضية؛ فإنّ آلمجتمع و المؤسسات المعنية مغبوطة و تتقدّم نحو الأفضل الذي يُحقق لنا العاقبة الحُسنى في الدارين.

كما يُحذرنا الأمام الصادق(ع) في ذلك الحديث ألّذي يُمثّل محور(ألتّغيّر)؛ من آلحالة التي يجب تجنّبها لأنّها كارثة, بقوله: [… و من كان آخر يوميّه شرّهما فهو معلون], أيّ منبوذ و مطرود من رحمة الله تعالى و لا يرى الخير و آلتغيير نحو آلأحسن في أيّ شيئ أو منحى و يُحاسب يوم القيامة على كلّ شيئ!

و يختم الأمام(ع) كلامه بآلقول: […و من لم يَرَ الزيادة في نفسه فهو الى النقصان، و من كان الى النقصان فالموت خير له من الحياة].

إنّ تبني هذا الحديث ألأستراتيجي يكفي لإحداث ألتّغيّر و آلثورة ألشاملة لتحقيق المجتمع آلسعيد لو إلتزمناه بعد عرض و مقايسة أنفسنا عليه أولاً كأفراد و مؤسسات و حكومة .. لتبدء عمليّة تغيير حال ألأمّة بل كلّ الناس للأحسن بتحقيق ألنهضة الشاملة بشرطها و شروطها, و أوّلها كمنطلق هو درأ الأتكاليّة و الرقود و آلسّكون آلمراوحة في مكاننا .. لأنّ آلمرض و آلذلة و آلموت هو الذي سيشملنا رويداً .. رويداً و العياذ بآلله.

أليوم .. و بعد كلّ الذي كان؛ ليس أمامنا و أمام آلشّعوب الأسلاميّة آلتي تُعاني القهر و الجّوع و الأستعمار على كل صعيد؛ سوى النهضة و آلتغيير على كلّ صعيد وعلاقة.

وعلينا الأنتباه إلى النقطة الجّوهريّة في عملية التغيير كأفراد و مجتمعات, و هي؛ عدم إنتظار التغيير و آلتّبدل من آلخارج؛ على يد الآخرين, بل لا بُدّ أن يكون على أيدي الناس أنفسهم بألقيام لأجل آلتغيير .. كلّ فرد من موقعه و قدراته.

و علينا مراعاة الأولويات و آلأهمّ ثُمّ المُهم أثناء التغيير كأفرادٍ أو مؤسسات أو مجتمعات و في كلّ آلمجالات من دون إستثناء حتى يتحقّقَ آلتغيير ألشّامل و الهدف المطلوب ألذي حدّدناه و الذي يستحق التضحية و من ثمّ الحفاظ عليه .. و هذا تكليف إلهي مصيري لكل الأقوام و المجتمعات بلا إستثناء و في كل الأزمان بحسب ما جاء في الآية القرآنية التي تقول:
[نَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ].

و من آلأخطاء و المغالطات الكبيرة كما أشرنا هي أنْ يتصوّر الفرد أو الجماعة بأنّ التغيير يأتي من فوق فقط .. يأتي من الله تعالى(كن فيكن) .. و كذلك الحال بتوهم البعض في مسألة إنتظار الأمام الحجة بآلظهور للقيام بتغيير العالم و تأسيس الدولة الكريمة, و هذا ما سمعته حتى من مراجع دِّين للأسف, وهو خطأ فادح و كبير و مُهلك لأنّ الأمام الغائب نفسه ينتظرنا ليرى ماذا نفعل, و لهذا قلنا بأنّ الصفة الأصح للأمام(ع) هو (الأمام المُنْتَظِر) بكسر الظاء و ليس آلمُنْتَظَر بفتحه, كما يُطلق عليه حتى آلكُتّاب و الفقهاء جهلاً .. لأنّ عمليّة الثواب و الجزاء ستنتفي و سيختل فلسفة الوجود و الغاية منه و يُخالف السنن الألهية الكونية, التي حددها لنا, بعد ما سوّى النفس الأنسانية و ألهمها فجورها و تقواها, و قد أفلح من زكّاها و خاب من دسّاها, و المسألة مرتبطة بخيار الأنسان نفسه بوضوح طبقا لما ورد في سورة الشمس!

إذن لا بُد من الجميع البدء بالتغيير .. كلّ فرد و مجتمع و مؤسسة يبدأ بالتغيير بنفسه لا بغيره.
و الله تعالى يقول سأُهَيِّأ لكم الأسباب و أُسَهِّل لكم الصّعوبات لنيل المطلوب في الدُّنيا والآخرة.

و قد ورد في حديث تربويّ يُفيد كلّ من يُريد التغيير لأمير المؤمنين(ع): [إحصُدِ الشرَّ من صَدرِ غَيرِكَ بقلعهِ من صَدرِكَ].

و للحكومة الصالحة دور كبير في قلب الأوضاع و تغيير الأحوال و آلتأثير المباشر في المجتمع, ذلك و بحسب الحديث؛
[إنّ الله يزعُ بآلسُّلطان ما لا يزعهُ بآلقرآن], لكن بشروطٍ .. أوّلها تدوين و تطبيق القوانين التي تُحقق في نتائجها رفاه المجتمع و المساواة و العدالة في الحقوق و الواجبات و الفرص بين الجميع من قبل الفلاسفة و يبدأ البناء و التغيير بحسب الأولويات بدءاً بتوفير ألأمن ثمّ الخدمات و المدارس و الجامعات و مؤسسات البحث و التحقيق ثم التوسعة الزراعية و الصناعية و في مقدمتها الصناعات الأمّ كآلحديد و الصلب و آلكيمياويات و تكرير النفط و المعادن و الصناعات الزراعية التي تعتبر عماد النهضة و الأستقلال و ترشيد الطاقة و رسم البرامج القصيرة و المتوسطة و البعيدة المدى, بما يُحقق تحسين و توسيع الأنتاج ألزّراعي و الصّناعي و الأقتصاديّ و الأجتماعيّ و الصحيّ و النفسيّ للمواطنين, و إذا كانت الحكومة عاجزة أو فاقدة للقدرة على تحقيق ذلك بسبب آلجهل و الفساد و الظلم و السلطة, فعلى الشعب تغييرهم بكل الوسائل المتسيرة و إعلان الحرب عليهم لتغييرهم و الوقوف أمام فسادهم قبل أيّ شيئ آخر حتى لو تطلّب الأمر ألجّهاد و التضحية بآلنّفس لتأسيس حكومة عالمة عادلة و نظيفة و مخلصة و البدء بمقاضاة الفاسدين أينما كانوا أو حلّوا و إرجاع الأموال المنهوبة بغطاء القانون و الدّيمقراطية و كما هو حال العراق و الدول العربية و الأسلاميّة و حتى العالميّة!
كلمة أخيرة قبل الختام تتعلق بشروط نجاح النهضة و عملية التغيير و هي؛

لا بُدّ للقيادة الرّبانيّة إنتخاب ألمسؤوليين الكبار الذين يمتازون بـ (الكفاءة و الأمانة) معاً لتطبيق النّظريات و آلخبرات العلميّة بلا فساد و سرقات و محاصصات أثناء التوسعة الزراعيّة و الصناعيّة و البناء و الأعمار و يتطلب ذلك إعداد مراكز تحقيقية و بحثية مدعومة من الرئيس (المُفكر) – أكرّر – الرئيس و الوزير و آلنائب المُفكر – لا الجاهل و كما هو الحال الآن, بجانب مُختصّين مُجرّبين يعملون بإمرة المفكريين, لإدارة ألخطط الأستراتيجية الذي يشرف عيها القائد الفيلسوف, و أقولها بصراحة؛ ألعراق ليس فقط يفتقد إلى مفكرٍ إستراتيجيّ واحد خصوصا بين الرؤؤساء و النواب و الوزراء؛ بل كل القائمين على الحكم في السلطات الثلاث و كما شهدناهم يتميزون بآلجهل و بقلة الحياء و الصّلافة و آلأميّة الفكرية و معاداة بل و إبعاد أهل العلم و العاملين المخلصين ألذين لهم باع في البناء و التغيير, و قد أشرت في آخر مقال(8) لحقائق مأساوية ما زالت تقع و تتكرّر على أرض الواقع و بمباركة الرّؤساء و دعم الأَعلام و آلإِعلام (بفتح الألف الثانية في الأولى و كسرها الألف الثانية في الثانية), و بغير هذه الشروط و النهج ألتّغيّري الذي يُعدّ بمثابة الثورة على الفاسدين الذين سرقوا العراق و الأمة ثم ذهبوا للأستجداء باسم الشعب في مؤتمر قذر .. بغير كلّ هذا؛ فإنّ الفساد و الظلم و الفوارق الطبقية ستستمرّ و ستتعمّق حالة آلمسخ و يحلّ الموت و الفناء و عندها يتحقّق التّغيير آلألهي و عملية الأستبدال الكوني لتحل أمماً أخرى بدل أمتنا التعيسة الخاضعة للأستكبار بسبب الشهوة و لقمة الحرام و فسادهم أمام مرآى الناس الذين ثبتوا على إستكانتهم و مواقعهم دون تغيير!

لذلك سارعوا للتّغيير و آلثورة التي من آلمستحيل أنْ تتحققّ فجأةً ثمّ تبقى و كما يعتقد الناس ومعهم أكثر المؤمنين بقوّةٍ كونيّةٍ خارقة تتجاوز ألقوانين ألطبيعية, و الرّبيع العربي ألمُفاجئ خير شاهدٌ على ذلك؛ بل يتمّ ألتّغيّر المطلوب من خلال القواعد آلعشرة التي ذكرناها و التي يستند عليها النظام الكونيّ القائم و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.
ألفيلسوف الكونيّ / عزيز الخزرجيّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لمعرفة منهج التفسير الكوني للقرآن, راجع بحثنا الموسوم بـ [التفسير الكونيّ للقرآن] كذلك منهج المنتدى الفكري:
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2018/02/10/456590.html
(2) سورة ألرّعد / الآية 11.

(3) سورة فصلت / الآية 46.

(4) سورة الأنعام / الآية 44.

(5) سورة إبراهيم / الآية 42.

(6) سورة الأنفال / الآية 53.
(7) في بداية سقوط النظام العراقي الفاسد عام 2003م, صرّح الدكتور السّيد … معلّقاً على الوضع العراقي الجديد بآلقول: [ألتغيير قائم على قدم و ساق و الأوضاع في تحسن مستمر, و سنبني حكومة مثاليّة لا نُقلد فيها نهج أحد و لا نقتدي بأية تجربة تأريخية أو معاصرة حتى إيران, لأنّ تجربتنا إسلاميّة جديدة مستقلة], و لك أنْ تصوّر حال و مستقبل العراق مع مثل هذه المستويات الهابطة من التفكير و التنظير الذي مثّله معظم (دُعاة السلطة) للأسف!؟
(8) ألمقال بعنوان؛ [ألأستثمار القذر في العراق] على الرابط التالي:
http://www.alnoor.se/article.asp?id=333817

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here