(*)
د. رضا العطار
من المحتمل جدا ان يكون هناك اناس كثيرون لا يدركون ان للحيوانات شريعة اخلاقية يعيشون بموجبها ويتقيدون بها، افضل من تقيد البشر بشريعتهم، وان لديها ضرب من الذكاء الاخلاقي.
يقول البروفيسور )دومينيك لاكابرا( المؤرخ في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة : ان القرن الحادي والعشرين هو قرن (الكشف الحيواني) فقد بدأت ابحاث الذكاء والمشاعر الحيوانية تمثل مكانة على اجندة عدد من الاختصاصات العلمية من علم الاحياء التطوري وعلم السلوك الحيواني الادراكي الى علم النفس وعلم الانسان والفلسفة والتاريخ والدراسات العقائدية.
ان حياة الحيوان الاجتماعية تتأثر بانماطها السلوكية ويؤدي الى ما هم مفترض وما هو واجب فيما يتعلق بالصواب والخطأ دورا مهما في تفاعلاتها الاجتماعية، كما هو الحال بالضبط في تفاعلاتنا. واذا كنت تشعر ببعض الريبة فاننا ندعوك لان تطلق العنان لعقلك تنظر الى الحيوان من منظور مختلف.
تذكرنا وسائل الاعلام الشعبية والعلمية على حد سواء بالاشياء المدهشة والمذهولة التي يمكن ان تقوم به الحيوانات لكننا عندما نمعن النظر في السبل التي تتعاطى بها هذه المخلوقات مع محيطها الاجتماعي ندرك ان كل ما نظنه مدهشا هو ليس بالمدهش على الاطلاق.
لنفكر في كلمات الباحثة Sarito Siegel التي قالت :
( كلما امضيت مزيدا من الوقت مع السعلاة، زادت قناعتي بان القردة العليا تمتلك انماطا للاتصال، فهي واعية ومعقدة، ونظرية عقل، وحسن دعابة، وخاصة للدعم العاطفي علاوة عن الكثير من السمات الاخرى الشبيه بالبشر. ولهذه الاسباب شعرت بان المقارنة بالبشر والحيوانات الخاصة بهم ذات صلة بالدراسة ومفيدة جدا لها)
يوصي البرنامج الشهير Meerkat Manor الذي يذاع على قناة Animal Planet
في الولايات المتحدة فإن حياة الحيوان تشبه المسلسلات العائلية مثلما هي حياة البشر.
فالحيوانات تكًون صداقات وتكذب، وينكشف كذبها. وتضبط وهي تسرق ومن ثم تفقد هيبتها في مجتمعها. وتتودد للجنس الاخر، وتوحي بإحاءات جنسية يقبل بعضها ويرفض بعضها الاخر. وتتشاجر وتتصالح. تعشق او تتمادى في البعاد والهجران، فتجد بينهم الصالح والطالح كذلك.
تعرف النزعة الاجتماعية بانها نزعة الحيوان الى مخالطة الاخرين، في جماعات اجتماعية جديدة بانواعها المتعددة على كوكب الارض. وفي العديد من الجماعات الاجتماعية يقيم الافراد هرميات اجتماعية يحفظون على صلات قوية تساعد في تنظيم السلوك الاجتماعي، فيتزوج بعضهم بعض الاخر، وتدافع فئة ثالثة عن الموارد، وتقبل فئة رابعة مراتب متدنية في المجتمع الحيواني من اجل تحقيق اهداف مشتركة. وصيانة النسيج الاجتماعي، حتى ان بعضا منهم التي تعيش في جماعات تتخلى عن جزء من حريتها كي تصبح جزءا فاعلا في الجماعة.
للحيوانات طرق فريدة للحفاظ على النظام الاجتماعي، بما في ذلك التعاون المباشر ووساطة الطرف الثالث، والتصالح وجميع مظاهر الشأن الجمعي.
ان الحيوانات التي تتمتع بسلوكيات اخلاقية معقدة ليست اجتماعية فحسب وانما شديدة الذكاء ايضا، ويميل العلماء الى تعريف الذكاء باعتباره مجموع القدرات الاجتماعية التي تطورت استجابة لمتطلبات بيئات معينة. تسمح للافراد بالتكيف والتحلي بالمرونة السلوكية في العديد من الظروف. ومن الواضح ان هذا التعريف مطاط لكنه مقصود بهذا الشكل. فلا معنى للسؤال عما اذا كانت القطط اذكى من الكلاب.
فيما يتعلق بالذكاء فلو عملنا مقارنة بين افراد النوع الواحد، فان هذه المقارنة قد تشوبها استدلالات مضللة. فإذا علم كلب مكان الطعام اسرع من قرينه فهو لا يعني هذا ان الاول اذكى ؟
وان القابلات الخفافيش التي تساعد اقرانها في اثناء الولادة اذكى من الخفافيش التي لا علم لها باصول التوليد، من يدري ؟
ماذا عن التباينات الثقافية في استخدام الادوات، فهل ان قرد الشمبانزي الذي يستخدم الادوات هو اذكى من ذلك الذي لا يستخدمها ؟
واستكمالا لهذه الفكرة عمق (Howard Gardner) الباحث بجامعة هارفرد فهمنا للذكاء البشري وقال : ان هناك على الاقل ستة جوانب للذكاء لدى البشر.
فهناك الذكاء اللغوي والذكاء الموسيقي والذكاء المنطقي ـ الحسابي والمكاني والجسدي والحركي والحسي والذكاء الشخصي، وللحيوانات ايضا انواع متعددة من الذكاء ولو ان القائمة تختلف باختلاف النوع.
الحلقة التالية في الاسبوع القادم !
* مقتبس بتصرف من كتاب (العدالة في عالم الحيوان) لمؤلفه مارك بيكون وجيسيكا بيرس، ترجمة فاطمة غانم ط 1 ، 2010 هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث والكلمة
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط