14شباط 2018 كلية الطب الاهلية وما قيل حولها:

ا.د. عبدالحميد العباسي

يكاد المرء ان يؤخذ بالضجة التي اثيرت حول هذا الا مر وكأننا نحذر من ان تبتلَّ ملابسُ المشرفِ على الغرق واجيز لنفسي ان ادلوا بدولي كمواطن عاصر مهنة الطب في العراق في صعودها ونكوصها وخلال ما يقرب من سبعين ستة في ممارسة الطب وتعليمه, شملت العراق والاردن وبريطانيا وارلندة والسويد وامريكا. و مع اقراري بأن *مالا يُدرك كله لا يُترك جله*. هناك امور لابد من اعتبارها: (1). اقامة كلية طب اهلية ليست بدعة وهي موجودة في اماكن عدة في العالم ولا ضير منها. ولا ننسى انه كان هناك مشروع اقامة كلية طب اهلية ضمن مشروع جامعة الكوفة الاهلية. مشروع جرى الاكتتاب له في اوائل الستينات على ان تكون مستشفى بن سينا نواته ولكن المشروع تلكأ, ثم صودرت الاموال التي أُكتتب بها, صادرها صالح مهدي عماش وزير الداخلية حال عودة سلطة البعث الثانية.
(2). كل عراقي, تقريبا وكل ابويين عراقيين يتمنيان الن يكون احد اولادهم في الاقل يكون طبيبا. ولا اعرف اكثر من العراقين ولعا في الحديث او التدخل في الامور الطبية ومنهم من يمارسها دون ان يكون طبيبا كهواية او تطفل وقد عرجت في مكان اخر على ذلك القائد العسكري الذي طالما شغل صيدلية وحدة الميدان الطبية في تشكيله بوصفاته, لمعيته قافزا فوق راي اطباء تشكيله العسكري. ولا انسى ان اهل العراق قد عرف عنهم هيامهم بامور الطب وقد نبغوا فيه. كتب عنهم هيرودتس اليوناني الذي زار بابل في القرن الثالث قبل الميلاد وكتب عن تقدم الطب فيها ولابد انه نقل ذلك الى اليونان ثم عدنا نترجمه عنهم (اليونانين) *بضاعتنا ردت الينا* وما له علاقة بما اسلفت انه قال * كان الناس يتجمهورون في شوارع بابل يستمعون الى شخص يتكلم عن مرضه وما نفع في علاجه وما لم ينفع, اكثرهم يستمعون لعلهم يجدون فيما يسمعون ما يعينهم على ما يعانون منه من مرض واخرون يستمعون حبا في الاستطلاع. فها نحن ترى ان اهتمام العراقين بالطب ليس طارئاً بل متجذرا.
(3). دراسة الطب لا تحتاج الى ذكاء اكثر من المعتاد, على عكس العرف السائد في العراق وربما في البلاد العربية. دراسة الطب تحتاج الى كد ومواضبة وفي كلية الطب يجري التعريف بالبادىء الاولية في الطب. والدراسة في الكلية يفترض فيها ان *ينموا* الطالب على المفاهيم الانسانية لمهنة الطب, منهم من ينموا نموا طبيعيا وهي مرحلة *التثقيف* ومنهم من يتعثر نمُوه. امّا كسب المهارة لممارسة الطب فكون في المرحلة الثانية مرحلة *التلقين* بعد التخرج وفق نظام التدرج الطبي. اما الاذكياء من خريجي الدراسة الاعدادية فمكانهم الهندسة والرياضيات والفيزياء والفلسفة. وفي البلدان المتقدمة في هذا المضمار, هكذا يكون توَجُه الطلبة الاكثر ذكاء. اما القبول في كليات الطب حسب المعدلات فهو في حقيقته ليس اختيار الاقدر على دراسة الطب بل وسيلة لتحديد عدد المقبولين وفق ما تتسع له الكليات وحاجة البلد إذ كلنا نعرف مطبات الامتحانات وانها لم تكن يوما معيارا حساسا لامكانات الطالب ولا الكامن منها ولكن ليس عندنا غيرها. ويبقى هناك من يريد ان يصير طبيبا او هكذا يريد اهله ولا يجد لنفسه مكانا في الكليات الحكومية واذن لا مجالا لتحقيق امنيته, كما ذكرت في اعلاه ويقدر على دفع الاجور المطلوبة فيحاول ان يجد مكانا في كلية اهلية. وليس في هذا, عادة اي عيب او خلل. الا ان هناك تداعيات افرزها واقعنا الحالي ليس منها هبوط المستوي الطبي في البلد والهابط اصلا. وقد بدأ التهرىء منذ عام 1973 او 1972 عندما بدأ ت المحسوبيات والمواقع السياسية تلعب دورا. وصارت الكلية جسر عبور الى الدراسة في الخارج ونمو ظاهرة العلاج في الخارج واستقدام الاطباء الاجانب لعلاج الامراض الستعصية سببا اخر في دنو موقع الكلية في نظر المسئولين
المخاوف التي ابداها بعض الاخوة اجملها بما يلي:
(!). ان القبول في هذه الكليات الاهلية سيحتكره الميسورون وهذه المشكلة وقعت ايضا عندما شاعت موضة الدروس الخصوصة لضمان تحقيق معدلات عالية في امتحانات الاعدادية تمكن الميسور من دحول اي كلية ومنها الطب, موضوع نقاشنا. وهذه ليست مشكلة بحد ذاتها بل المشكلة ان معلمي الدروس الخصوية قصَروا اهتمامهم على الدروس الخصوصية ومتلقيها. كما اني اعرف ان في بعض البلاد العربية تعطى دروس حصوصية لطلاب كلية الطب من قبل كادر كليات الطب الحكومية وقد يحصل الشيء نفسه لو طلب من كادر الكليات الحكومية التدريس (ايضا) في الكلية الاهلية وما يترتب على ذلك كما ذكرت.
(ب). هناك من يقول: ان الكلية الاهلية ستخرج طلاب اقل مستوى من اقرانهم خريجي الكليات الحكومية. هذه ليست مشكلة عويصة. في ايامي كطالب وقبلها كان من لم يقبل في كلية بغداد يشد الرحال الى سوريا او اصطنبول ويعود بعد التخرج.وقيل انهم اقل مستوىً وانهم هناك يتساهلون مع الطلبة الاجانب لكن الحكومة قررت تعينهم بدرجة وظيفية اقل من حريجي كلية طب بغداد والناس لم يثقوا بهم ولم يكونوا مشكلة ابدا واتجه معظمهة الى المؤسسات الطبية العسكرية وقد تطرقت الى هذا في مكان اخر .
(ج). من المرجح ان خريجي هذه الكلية الاهلية سيغادرون العراق حال تخرجهم وان الشهادة لن تكون اكثر من فيزا للعبور لإكمال الدراسة في الخارج حاصة ان اهاليهم لابد ان لهم اموال في الخارج إ إإ. واظن انهم سيعودون الى العراق بعد دراستهم في الخارج
(د). نعم يمكن ان تكون هذه الكلية مشروع استثماري وهذه ليست مشكلة اذا كان محصل الضرائب لهم بالمرصاد بل هي ربح للحكومة.
(ه) المشكلة هي ان المستثمر هنا سيكون عامل جذب للكوادر التعليمية الطبية مما قد يفقر الكليات الحكومية الى الكفاءات المتميزة وهذا جد ممكن حصوله ومعول اخر في كيان المؤسسات الحكومية ان بقي مجال لمعول اخر. الحل ليس بمنع الكلية الاهلية بل بفتح باب التنافس بمحفزات حسب الممكن
(و) . قد تكون الفكرة مدعومة اجنبيا عندها ستدعم بكادر كفوء يميز الدراسة فيها عن الكليات الحكومية الفقيرة اصلا الى كوادر تعليمية. معنى هذا ان البلد سيتخرج اطباء من ذوي الكفاءة والمستقيد هو المواطن ولا يبقى القادر الحكومي محميا من المنافسة من قبل الدولة وانهي بالقول *الغركان ما يخاف من المطر. واذا تداعت مناعة الفرد هبَّت عليه الهوام من كل صوب وحدب* هذا هو حلنا والمشتكى الى الله وذل من اشتكى لغيره سبحانه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here