ابونؤاس في سطور

* د. رضا العطار

لا يفوت القارئ الكريم بان قصائد ابي نؤاس لم تكن المرآة التي تعكس طبيعة الحياة الاجتماعية للمجتمع العباسي عموما، بل انها انها كانت تعكس حياة طبقة معينة لاهية جلًها من الفنانين والمترفين الميالين بفطرتهم الى حياة الترف والمجون، رفقاء المغنين رواد المواخير. وقد شجع الحياة الصاخبة لهؤلاء المارقين، السلوك الماجن للخلفاء الذين عجت قصورهم بالجواري والغلمان لدرجة، كان اهالي بغداد يدعونها بالحانات الليلية.

ولا ريب في ان البذخ الكافر الذي كان يتمتع به الخلفاء وحواشيهم من البيت العباسي ومن اتصل بهم من الفنانين والشعراء امثال ابو نؤاس، بأموال بيت المال. وكأنما كتب على الشعب المغلوب على امره ـ الذي كان معظمه من طبقة الفلاحين ـ ان يكدح و
يتصبب عرقا، ليملأ حياة هؤلاء جميعا باسباب الرخاء و النعيم. اما هو فعليه ان يتجرع غصص البؤس والشقاء وان يتحمل من اعباء الحياة ما يطاق وما لا يطاق، ومرد ذلك يرجع الى طغيان الخلفاء العباسيين الذين حرموا الشعب حقوقه وطوقوه بالاستعباد والعنف الشديد.
وبينما كان الشعب يبحث عن قوت يومه، يشكو جور حكامه الظلمة، كان المترفون من الاهالي يقضون اوقات فراغهم مع ابي نؤاس يؤنسهم في مجلس طرب في جانب الكرخ من بغداد بقصائده الخمرية كهذه :

غدوت وما يشجي فؤادي خوادش * * وما وطري الا الغواني و الخمرُ

معتقة , حمراء , وقدوتها جمر * * ونكهتها مسك وطلعتها تبرُ

حططنا على خمارها جنح ليلة * * فلاح لنا فجر , ولم يطلع الفجرُ

وابرز بكرا مزة الطعم , قرقفا * * صنيعة دهقان , تراخى له العمرُ

فقال : عروس كان كسرى ربيبها * * معتقة , من دونها الباب و السترُ

فقلت : أدل منها العنان , فأنني * * لها كفء صدق ليس من شيم العسرُ

فجاء بها شعثاء مشدودة القرا * * على رأسها تاج , ملاحفها عفرُ

فلما توجّى خصرها فاح ريحها * * فقلت : أذا عطر ؟ فقال : هو العطرُ

وارسلتها في الكاس راحا كريمة * * تعطر بالريحان , احكمها الدهرُ

كان الزجاج البيض منها عرائس * *عليهن بين الشرب اردية حمرُ

اذا قهرت بالماء , راق شعاعها * * عيون الندامى , واستمر بها الأمرُ

وضاء من الحلى المضاعف فوقها * * بدور ومرجان تألّفه الشذرُ

كأن نجوم الليل فيها رواكد * * أقمن على التأليف آنسها البدرُ

وصلت بها يوما بليل وصلته * * بأول يوم , كأن آخره الشكرُ

وظبي خلوب اللفظ , حلو كلامه * * مقبّله سهل وجانبه وعرُ

سكبت له منها , فخرّ لوجهه * * وامكن منه ما تحيط به الأزرُ

فقمت اليه والكرى كحل عينيه * * فقبّلته والصب ليس له صبرُ

وقبّلته ظهرا لبطن , وتارة * * يكون بساط الأرض بالباطن الظهرُ

الى ان تجلى نومه عن جفونه * * وقال : كسبت الذنب , قلت لي العذرُ

فأعرض مزرورا , فكان بوجهه * * تفقؤ رمان , وقد برد الصدرُ

فما زلت ارقيه والثم خده * * الى ان تغنى راضيا وله الشكرُ

الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من ديوان عمر فاروق الطباع، دار الارقم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت 1998 ومن كتاب العصر العباسي الاول لشوقي ضيف القاهرة 1960.

* مقتبس من ديوان ابي نؤاس لعمر فاروق الطباع دار النشر الارقم بيروت 1998

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here