السلام بات قريبآ من بلاد الشام

قد تكون انهاء الحرب و الأزمة في سوريا و التدخلات الخارجية الكثيرة و المتشعبة من دول الجوار الجغرافي و حتى الدول الغير مجاورة قد وصلت الى مرحلة الحل الذي و كما يظهر ان هناك اجماع دولي خفي على ان الحرب في سوريا يجب ان تتوقف لأنها اصبحت تشكل خطرآ محدقآ على اغلب تلك الدول التي كان لها الدور الكبير في تأجيج الصراع الداخلي من خلال تقديم الدعم و الأسناد للمجموعات المسلحة المعادية للحكم السوري بما فيها المنظمات المتطرفة الأرهابية ( النصرة و داعش ) فكانت ( تركيا ) تمهد الحدود و تفتح الأبواب امام تلك المجاميع المتدفقة عبرها نحو الأراضي السورية و كانت ( السعودية ) و معها دول الخليج هي من تمول تلك الجماعات و تمدها بالأموال و ترفدها بالرجال و كذلك كان الأرهابيين من كل دول العالم يتوافدون على سوريا للأنضمام الى الجماعات الأرهابية حصرآ .

لم تتوقع تلك الدول و الأنظمة التي اججت الحرب في سوريا و مدتها بكل مقومات الديمومة و الأستمرار ان تكون بهذه المدة الزمنية الطويلة من اجل اسقاط النظام السوري و حسبت ان الوقت الذي يستغرقه سوف يكون مثلما جرى للنظام الليبي و سقوط ( القذافي ) و الذي لم يدم اكثر من اشهر معدودات بعدها تهاوى ذلك النظام و سقط حين قتل ( القذافي ) في تلك الواقعة المعروفة و كانت المقارنة بين النظامين السوري و الليبي على انهما متطابقي التشابه غير صحيحة مطلقآ لا من حيث الجغرافية و انظمة الدول المجاورة و لا من حيث التحالفات الدولية و لا حتى طبيعة المعارضة الداخلية لكلا النظامين الدكتاتوريين .

كان النظام السوري و بما يتمتع به من خبرة سياسية غنية اكتسبها من فترة الحكم الطويلة التي استمر فيها متربعآ على سدة الحكم ان فتح الحدود و قدم التسهيلات امام المواطنين الراغبين بالمغادرة و السفر الى الخارج و الأستقرار هناك و هكذا كان الملايين من السوريين في رحلة البحث عن مستقر آمن ان ازدحمت بهم دول الجوار و عجزت مدنها و اسواقها عن استيعاب العمالة السورية الماهرة و الرخيصة و كانت دول العالم الأخرى على موعد مع تلك الجموع الغفيرة الزاحفة نحوها و كانت مفاهيم حقوق الأنسان و حماية الأرواح و الحريات على المحك و في الأمتحان الصعب حين تقدم اولئك الهاربين من الحروب و الموت و الهلاك بطلبات اللجؤ الأنسانية .

اكتسحت الفصائل الأرهابية ( داعش و النصرة ) الأراضي السورية و اصبحت الفصائل و التي تسمى بالمعتدلة لا وجود فعليآ لها على ارض الواقع فكانت تلك التنظيمات ( المعتدلة ) امام خيارين اما الأنضمام الى داعش او النصرة و الذوبان فيهما او مواجهة خطر التصفية الحتمي و الهزيمة النكراء فكان الأنصهار بهما هو اهون الشرين و ان كانت تلك الفصائل ( المعتدلة ) لا تبتعد كثيرآ عن الفكر المتشدد و الذي تعتمده داعش و النصرة و هكذا كانت الساحة المعارضة السورية خالية من تلك المعتدلة التي يمثلها ( الجيش السوري الحر ) بعد ان مني بالهزائم و الأنكسارات المتعددة امام التنظيمات الأصولية المتشددة و تقهقر ما تبقى منه و انكفأ الى داخل الحدود الأردنية جنوبآ و التركية شمالآ .

امام هذه الخارطة الجديدة في توزيع القوى العسكرية المقاتلة لم يكن امام الدول الفاعلة على الساحة السورية و بالأخص تلك المعادية للنظام الحاكم و المؤيدة و الداعمة لقوات المعارضة بالمال و السلاح و الرجال و على الخصوص منها الولايات المتحدة الأمريكية و تركيا و دول الخليج بقيادة السعودية و كذلك اسرائيل سوى خياران اما سقوط النظام السوري الحالي و بالتالي سيطرة جبهة النصرة و داعش و تقاسمهما اراضي الدولة السورية و اقامة نظام واحد ديني متشدد و متطرف او اكثر و ما يشكله هذا من تهديد جدي و خطير على كل الدول المجاورة و حتى تلك البعيدة و التجربة المريرة مع نظام حكم ( طالبان ) في افغانستان قريبة و ماثلة في الأذهان و لم تمحى من الذاكرة بعد و كيف جعلت من ذلك البلد قاعدة الأنطلاق في الهجوم الشهير على واشنطن و نيويورك في ايلول من العام 2001 .

اما الحل الثاني و هو الأسلم و الأكثر امانآ على الرغم من مرارته لتلك الدول التي تكن العداء للنظام السوري و تحبذ زواله و القضاء عليه ترى الآن في هذا النظام الأقل خطورة و هو في اضعف حالاته و لا يمكن له ان يشكل تهديدآ او مصدر خطر على أي دولة و خاصة اسرائيل و تركيا فهذا النظام ان خرج من هذه الحرب سالمآ فأنه سوف يكون متهالكآ و مثخنآ بالجراح و يحتاج الى العديد من السنين للتعافي و النهوض و اصلاح ما خربته الحرب الأهلية المدمرة التي عصفت بالبلاد و تكون مخالبه قد قصت و انيابه قد انتزعت و اصبح بلا حول و لا قوة .

قد يكون هناك اتفاق ضمني و غير معلن بين كل الأطراف المؤيدة للنظام السوري ( روسيا و ايران ) او المعادية له ( تركيا و السعودية و اسرائيل ) على انهاء الحرب الأهلية السورية تبدأ من دحر المنظمات الأرهابية ( النصرة و داعش ) و الأجهاز عليهما و الأبقاء على طرفين فقط في المعادلة هما النظام القائم حاليآ و المعارضة السورية المعتدلة ( فصائل الجيش السوري الحر ) اللذان سوف تخلو الساحة السورية الا منهما و سوف تكون هناك مباحثات و مفاوضات طويلة بين الجانبين في اعداد مسودة الدستور الجديد للبلاد و مراحل الأتنقال التدريجي للصلاحيات و الأمتيازات و الأتفاق على اعادة ترتيبها و توزيعها حسب تلك الأتفاقيات و الألتزامات و ما الى ذلك من توضيب جديد للبيت الداخلي السوري .

سنوات طويلة من الصراع المرير و المدمر في سوريا لم يجلب الخير و الفائدة لأحد بل كان وبالآ ثقيلآ على الجميع و ان كان للشعب السوري المنكوب الحصة الأكبر و النصيب الأوفر من تلك المآسي و المصائب و التي غصت بهم مخيمات اللجؤ المذلة في دول الجوار و طفت جثثهم في بحار العالم و هم يكافحون للوصول الى الضفة الآمنة من الطرف الآخر للكرة الأرضية بعد ان ضاقت بهم البلاد السورية بما وسعت و بما اشتهرت به من الرحابة في الضيافة و اغاثة الملهوف و نجدة المستغيث و لم ينس الكثيرون ممن لم يفقدوا الذاكرة بعد من مواطني الدول الأخرى حين حلوا في هذه البلاد مطاردين او منفيين من بلدانهم ان كانت لهم المسكن الأثير و المستقر الآمن و لم تطلب مقابل ذلك كثيرآ لا حمدآ و لا شكورآ الا الوفاء و لو قليلآ .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here