“حملة الدنبر” تحاول إعمار الخراب في الموصل

صالح الياس

ثمة من يعلق آمالاً على المؤتمر الدولي الذي عقد في الكويت لدعم إعمار المناطق المحررة بالعراق، لكن آخرين يعولون على حملة “الدنبر” ليعودوا إلى منازلهم في الموصل الأكثر تضررا من الحرب.

بحركة رشيقة يندفع (الدنبر) وهو آلة نقل صغيرة تشبه الى حد كبير التكتك في مزاغل الأزقة الضيقة التي تختنق بالدخان الأسود المتصاعد من مؤخرته، جراء الحمولة الثقيلة، بينما يقف بندر العيكدي ليحصي عدد الحمولات المتتابعة، في حملة رفع الأنقاض من المدينة القديمة.

“إنها ثورة على السبات والإهمال، هدفها إعادة الحياة الى عدد كبير من الأحياء السكنية التي ما زالت مهجورة رغم مرور سبعة شهور على تحريرها من سيطرة تنظيم “داعش” يقول العكيدي أحد منظمي الحملة.

ويضيف، “حملتنا بسيطة جدا أطلقنا عليها اسم (دولارين فقط لرفع الأنقاض)، وتعتمد على تبرعات من المواطنين بدأناها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد حصلنا على تفاعل جيد، ثم بدأناها في منطقة المشاهدة التي لحق بها دمار كبير”.

الحياة في المدينة القديمة ما تزال شبه معدومة، وتعيق عودتها كمية الأنقاض الكبيرة التي خلفتها الحرب، حيث تغلق الشوارع والأزقة الضيقة وتعيق حركة السابلة والسيارات.

مديرية بلدية الموصل أعلنت أنها رفعت (1.5) مليون متر مكعب من الأنقاض في الأشهر الستة الماضية، فيما بقيت مثل هذه الكمية تحتاج إلى جهد كبير لتحقيقه.

يبدو أن التفاعل فاق المتوقع، فالدخان المنبعث من محرك الدنبر بدأ يتصاعد أيضاً من مناطق مجاورة للمشاهدة، اذ أعلن منظمو الحملة انهم بدأوا في أحياء الطوالب وحمام المنقوشة والشيخ فتحي والاحمدية، وجميعها في المدينة القديمة.

واختيار منظمي الحملة (الدنبر) ليكون رمزا لحملتهم، لأنه آلية نقل صغيرة تستخدم في أعمال البناء، لذا فإن حجمه الصغير يناسب والوصول الى ابعد نقطة عبر الأزقة الضيقة التي يتعذر على السيارات الكبيرة المرور من خلاها، فضلا عن انخفاض تكاليف النقل فيها، اذ تبلغ تكلفة نقل دنبر واحد من الأنقاض دولارين فقط.

هذه الحملة خصصت للمدينة القديمة، التي نالت نسبة كبيرة من الدمار، لم تشهدها أي من المدن التي سيطر عليها التنظيم، فالأرقام التي صدرت عن تقارير الأمم المتحدة تتحدث عن تدمير (11) ألف بناية، نحو 80% منها في المدينة القديمة.

بالنتيجة فإن المنطقة التي كان يعيش فيها نحو (100) ألف عند بدء العمليات العسكرية لتحرير الجانب الأيمن في آذار (مارس) 2017، أفرغت تماما من سكانها، نحو (2500) منهم دفنوا تحت أنقاض منازلهم جراء القصف الجوي الذي نفذه طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لاستهداف عناصر التنظيم، الذين يتنقلون عبر الأزقة الضيقة ويتمركزون في المنازل والأبنية.

فرق الإنقاذ المدني انتشلت جثث المدنيين، ثم أكملت بلدية الموصل المهمة فنقلت جثث نحو (300) من مقاتلي تنظيم “داعش”، ودفنتها خارج أسوار المدينة، وما يقوم به المتطوعون ليست حملة إعمار بقدر ما هي عملية قسطرة لشرايين الأحياء السكنية لتشجيع سكانها على العودة إليها، عبر فتح الأزقة الضيقة.

هذا ما تذهب إليه الناشطة نغم طلال: “ثمة ألف عائلة عادت إلى المدينة القديمة مؤخرا بحسب أرقام مديرية البلدية، والفضل في ذلك يعود للمنظمات الإنسانية والحملات التطوعية التي لم تتوقف منذ أشهر”.

وتتابع، حملة (الدنبر) ضرورية لفتح الأزقة الضيقة، لأن منظمة UNDP ساهمت قبل أسابيع في رفع الأنقاض من الشوارع الرئيسة بينما تعجز مديرية البلدية عن القيام بعملها لوجود نقص كبير في الآليات والوقود.

الحملة حظيت بدعم كبير، ثمة تبرعات بالأموال تصل باستمرار الى المنظمين، الناشط صفوان المدني أحدهم، يتلقى اتصالات هاتفية باستمرار تفيد بوجود متبرعين بالأموال، وغالبا ما يتسلم المال في ظرف ورقي، لينقله فورا إلى الشباب لتوسيع دائرة العمل.

بدأ العمل بعدد متواضع من الحمولات لكنها اليوم تصل إلى (70) حملة يوميا، وربما وصل المجموع في الأسابيع الثلاثة الماضية بين (7-8) آلاف حمولة، يشير العكيدي إلى ما تحقق.

ويضيف “أنجزنا 80% من العمل في حي المشاهدة التي انطلقت منها الحملة، فيما تتوسع إلى أحياء سكنية أخرى، والعمل محفوف بالمخاطر، ثمة عبوات وأحزمة ناسفة قد تهدد حياة المتطوعين وصحتهم”.

يتحلق مجموعة عمال ومتطوعين حول كدس من الأنقاض ليرفعوه بجرافات يدوية على ظهر (دنبر) لكنهم تراجعوا عندما رأوا قنبرة هاون، أحدهم تقرب من القنبرة وانحنى ليراها عن قرب، ثم تبرع فحملها ووضعها على مهل مع الأنقاض، لينقلها سائق (الدنبر) بعيدا.

كما أن وجود جثث عناصر التنظيم حتى هذه اللحظة يعيق عودة الكثير من العائلات. يقول احمد سعد لمراسل “نقاش” حول ذلك “بعد الحملة التي نفذها الشباب المتطوعون في منطقة المشاهدة عدنا انا وعائلتي إلى المنزل لكي نراه، ففوجئنا بوجود جثتين أمام المنزل فقفلنا راجعين”.

“لا يمكننا ان نعيش مع الموتى، مرعب جدا هذا المنظر”، مضى وهو يمسك بيد ابنته الصغيرة مبتعدا عن المنطقة.

(الدنبر) وحملات اخرى شجعت بعض السكان على العودة الى منازلهم، لكن تبقى المهمة الأكبر على الحكومة والبلدية والدوائر الخدمية الأخرى، الناس هناك تحتاج إلى الكهرباء والماء والمدارس والمراكز الصحية.

قد يطول الانتظار إذا رهن الامر بمؤتمر المانحين الذي عقد في الكويت 12 شباط (فبراير) الحالي لإعادة اعمار المناطق المحررة في العراق، أما الناس فلن تنتظر أكثر، لاسيما وان الحكومة تخطط لإعادة 90% من النازحين إلى منازلهم في غضون هذا العام.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here