ازدياد وتيرة الثأر في محافظات سنية بسبب “لعنة” وضغوط لتوقيع “براءة”

ذكرت تقارير واردة من محافظات عراقية سنية، تحررت من سيطرة داعش، ان ذوي المنتمين للتنظيم يشكون من “لعنة داعش”، بسبب تورط أبنائهم بالعمل برفقة التنظيم المتشدد خلال السنوات الثلاث الماضية.

وأوضحت التقارير أنّ قضية تنظيم داعش في العراق وتبعات اجتياحه البلاد قبل ثلاث سنوات، ستمرّ بسهولة على العراقيين، وتحديداً في المدن التي كانت ضحية اجتياح التنظيم.

فعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي مُني بها أهالي تلك المناطق شمال وغرب ووسط العراق، لا تزال لعنة التنظيم تلاحقهم أينما حلّوا، فكابوس القرابة من أفراد تورطوا مع داعش بشكل أو آخر، يجبر آلاف العائلات على تحصين نفسها بطرق غريبة في كثير من الأحيان، لتجنّب ملاحقة الحكومة وأجهزتها والمليشيات، وكذلك العشائر التي نصّبت محاكم مستقلة بذاتها في كثير من المدن، تفرض من خلالها أحكام النفي والديّة والقتل على أشخاص لا ذنب لهم سوى أن أحد أفراد العائلة تورّط مع التنظيم.

وتتراوح درجات القرابة التي توقع العائلة ضحية هذا الابتزاز من الدرجة الأولى كالأب والابن والأخ وتصل إلى ابن الخال وابن العم والصهر والنسيب.

ومن بين تلك الطرق التي يمكن اعتبارها أساليب حماية، هي كتابة خطاب براءة من الشخص المعني، أو خطاب هدر دم، والتعهد بالإبلاغ عنه، وتزويد الأمن، ومن يطلبه، بأية معلومات عنه، وكذلك تعليق لافتات على المنزل غالبيتها تحمل عبارة “نحن براء من فلان.. ودمه مهدور”، وذلك في محاولة للعيش بأمان من دون أن يمسهم أذى.

ويقول مسؤولون في الحكومة العراقية وأعضاء في مجالس المحافظات في مدن شمال العراق وغربه إن الظاهرة باتت مقلقة، وتحوّلت إلى ابتزاز أيضاً لكثير من العائلات وأبعدت الجانب القضائي عن الحالة، وأقصت النظرة المدنية للدولة بتغليب سلطة العشائر والدين والمليشيات.

ووفقاً لمصدر حكومي عراقي بارز، فإن “أي إجراء بحقّ تلك العائلات غير قانوني، كونه يؤخذ بجريرة الغير، وهو ما يحاسب عليه القانون العراقي، لكن نرى أن الظاهرة تحوّلت إلى عُرف، والعرف صار كأنه قانون في تلك المدن”، كاشفاً عن “جرائم قتل وقعت بحق عائلات كاملة بسبب ابن لهم، والشرطة والجيش يعرفون من قتلهم، لكنهم لم يعتقلوهم بحجة أنهم (عائلة داعشي)، وهذا مخيف وخطر ويؤكّد أن سلطة الدولة والقانون ثانوية أمام سلطة الدين والعشائر والمليشيات في تلك المناطق”.

ومع إقدام تلك العائلات مجبرةً على خطوة إهدار دم ابنها، فإنّ مراقبين يحذرون من تبعاتها على الوضع الاجتماعي في البلاد، مؤكدين أنّ “إهدار الدم قد يطمع جهات أخرى بقتل الأبناء، ما قد يتسبّب بنزاعات عشائرية ومجتمعية تدفع باتجاه تفكك المجتمع”.

وفي هذا الإطار، قال مسؤول في مجلس محافظة صلاح الدين إنّ “الوعود التي أطلقتها مليشيات الحشد الشعبي خلال الفترة الأخيرة، لإعادة النازحين، كانت قد فترت بعدما أقرّ قانون الانتخابات، وقد منعت الكثير من العائلات من العودة إلى مناطقها”، موضحاً أنّه “تمّت إثارة موضوع العشائر والثأر، في مناطق النزوح لمنع العودة”.

وأضاف المسؤول “كما أنّ الموضوع لم يتوقّف عند هذا الحدّ، بل إنّ العائلات التي يُتَّهم أبناؤها بالانتماء إلى داعش، تتعرّض لمضايقات حكومية كبيرة، والأجهزة الأمنية تنفّذ عمليات تفتيش مفاجئة بحثاً عن أبنائها، وتتهمها بإيوائهم، ما يعني أنها متهمة بإيواء عناصر من داعش والتستر عليهم”، موضحاً أنّ “تلك العائلات طالبت بتدخّل حكومي لخلاصها من تلك الضغوط التي أصبحت لا تطاق، وتلاحقها أينما تحلّ”.

وأكّد المسؤول أنّ “الحكومة المحلية تدخّلت، وحاولت أن تجد مخرجاً لتلك العائلات، وتسوية الوضع، من خلال طرحه على الحكومة والقوات الأمنية والحشد الشعبي، لكن الأخيرة أصرّت على أن توقّع كل عائلة يتهم أحد أبنائها بالانتماء إلى داعش، تعهداً بالبراءة منه وهدر دمه، ليتم رفع الضغوط عنها”، مضيفاً أنّ “هذا الشرط لم يقبل النقاش، ولم نستطع تخفيفه، على الرغم من عدم قناعتنا به”.

وتابع أنّ “أغلب العائلات رفضت الشرط، خصوصاً أنّها تعلم أنّ أبناءها غير منتمين لداعش، ورفضوا التوقيع، بينما أجبرت عائلات أخرى على القبول به، ووقّعت عليه، محاولةً التخلّص بأي طريقة من الضغوط الحكومية والمليشياوية”.

ولم يشمل هذا الإجراء محافظة صلاح الدين فحسب، بل شمل أغلب المحافظات المحررة، ومنها ديالى والأنبار وجرف الصخر في محافظة بابل، بحسب ما أكده مسؤولون فيها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here