عوائل داعش تتوزَّع على الموصل أولاً ثمّ الأنبار فالحويجة

بغداد/ وائل نعمة

لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد العوائل التي ينتمي أفرادها إلى تنظيم داعش، لكنّ العدد بحسب مسؤولين لا يقلّ عن 20 ألف عائلة، بما يساوي نحو 100 ألف شخص.

وينقسم تواجد هذه العوائل بين أفراد معزولين ومبعدين في مخيمات خاصة قريبة من المدن المحررة، وآخرين يعيشون ضمن تجمعات سكانية تنظّمها أعراف عشائرية، وفريق ثالث قرر عدم مغادرة مناطقه الأصلية لكنه يواجه تهديدات مستمرة وعمليات انتقامية من السكان.
وتحظى الموصل بنصيب الأسد من تلك العوائل، باعتبارها من أكبر وأهم معاقل التنظيم السابقة وعاصمة الخلافة المزعومة لداعش وتضم نحو 10 آلاف عائلة، تأتي بعدها الأنبار ثم الحويجة.

وتظهر الأنبار والحويجة، كأكبر منطقتين في البلاد جرى فيها عزل واضح لذوي التنظيم، حيث تم إبعادهم في مخيمات محددة.
وقد يقفز عدد العوائل التي يتهم بعض أفرادها بالانتماء إلى التنظيم المتطرف إلى أرقام مخيفة، إذا ما اعتبرنا أن الجماعات السكانية الممنوعة من العودة الى بعض المناطق المحررة منذ سنوات، بأنهم من ذوي الدواعش.
ورافقت ظروف تحرير بعض المدن، وخاصة في شرق تكريت وجنوب بغداد، منع عودة السكان الذين فروا إبان الاحتلال والتحرير، كونهم متهمين بمساعدة التنظيم بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتقدّر أعداد تلك العوائل بمئات الآلاف، يتوزعون بشكل غير منتظم بين مراكز إيواء النازحين، وبين السكان الاعتياديين في محافظات أخرى باعتبارهم عوائل خرجت من مدنها الأصلية بسبب ظروف الحرب، لكنهم يُعاملون كمشتبه بهم.
واختلفت طريقة تعامل الحكومات المحلية والجماعات العشائرية وحتى السكان في المحافظات التي كانت تحت سيطرة داعش مع عوائل التنظيم الذين قرروا البقاء أو المغادرة طوعاً أو قسراً.
في الأنبار والحويجة، جرى اتفاق حكومي ومجتمعي على منع عودة ذوي التنظيم إلى تلك المناطق، فيما انقسم رأي العشائر والسلطات المحلية في صلاح الدين والموصل بين إبعادهم لعدة سنوات واستقبالهم تحت شروط.
وكانت بعض العوائل قد قررت مغادرة مناطقها الأصلية فور دخول القوات العسكرية أثناء عمليات التحرير خشية التعرض إلى الاعتقال او أعمال ثأرية.
بالمقابل هرَّب بعض القياديين في التنظيم عوائلهم إلى دول الجوار، والبعض الآخر تتحفظ عليهم الحكومة العراقية خاصة ذوي القيادات الأجنبية.وفي آذار الماضي، وبعد شهر من انطلاق عملية تحرير ساحل الموصل الأيمن، وعد رئيس الوزراء حيدر العبادي بـ”حماية” عوائل عناصر تنظيم داعش.
وقال العبادي، في مؤتمر عقده في بغداد “حتى العوائل المدنية للدواعش نحافظ عليهم من غير المقاتلين.. نحمي العوائل ولا نتعرض للعوائل، ولكن إرهابيي داعش نقتصّ منهم”.
ومنذ تحرير الساحل الأيسر للموصل في مطلع 2017، بدأ الحديث عن مصير ذوي تنظيم داعش، حيث كان أغلب مسلحي التنظيم وعوائلهم قد فروا الى المدينة بعد تقدم القوات العراقية.

بعد تحرير الموصل
بعد أكثر من عام على تحرير الموصل يكشف مسؤول مطّلع في المدينة لـ(المدى) عن وجود “3000 عائلة في الموصل لوحدها، من ذوي تنظيم داعش”. وقال إن العوائل “أغلبها نقلت الى مخيمات في جنوب محافظة نينوى”.
وكانت تقديرات سبقت إعلان تحرير المحافظة في آب 2017، تحدثت عن وجود 10 آلاف مسلح من تنظيم داعش في نينوى، لكن مسؤولين قالوا إن عدد المسلحين مع المتعاونين مع التنظيم قد يناهز الـ50 ألفاً أو أكثر من ذلك.
من ناحيتها كانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان قد كشفت عقب تحرير الموصل، إنّ قوات الأمن العراقية نقلت قسراً ما لا يقل عن “170 عائلة أفرادها منضمّون لداعش إلى “مخيم لإعادة التأهيل” شرق الموصل. كما أكدت أن السلطات المحلية طالبت بإخلاء العائلات التي يعتقد أنها على صلة بداعش بعد استهداف العديد منهم.
وفي 19 حزيران الماضي، أصدر مجلس قضاء الموصل إعماماً يقول إن ما يسمى بـ”عوائل الدواعش” يجب أن ينقلوا إلى مخيمات لـ”إعادة تأهيلهم نفسياً وفكرياً ودمجهم بالمجتمع بعد التأكد من استجابتهم للتأهيل”.
وفي 9 تموز، فتحت السلطات في نينوى أول مخيم لـ “إعادة التأهيل” في برطلة، على بعد 14 كيلومتراً شرق الموصل، وطالبت المنظمة الدولية، الحكومة العراقية بعدم معاقبة أسر بأكملها بسبب أفعال أقاربها.
حينها قالت لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” إن “هذه الأعمال المسيئة هي جرائم حرب وتخريب للجهود الرامية إلى تعزيز المصالحة في المناطق التي استُعيدت من داعش”.
ودفعت الشكوى المتزايدة من سكان الموصل عن تواجد مقاتلي داعش او المتعاونين معهم بعد التحرير، في الأسواق والشوارع إلى أن يتبنى مجلس القضاء قراراً بترحيل العوائل المشتبه بهم.
وصنّف المجلس عوائل التنظيم إلى عوائل لديها أفراد منتمون إلى داعش لكنهم كانوا رافضين لما يحدث في الموصل، وأخرى مساندة بشكل كامل، لكنّ زهير الجبوري عضو مجلس القضاء يؤكد لـ(المدى) أنّ “عملية الإجلاء كانت قد شملت الصنفين في مخيمات خاصة، وفتح مدارس للتثقيف وإعادة الاندماج”. وتساءل “كيف نسمح بأن يجتمع الجلاد والضحية في مكان واحد حتى لو كانت العوائل بريئة من ذنب أولادها؟”.
وتضمن قرار المجلس، الذي صدر بالإجماع، منع استقبال عوائل داعش العائدة إلى الموصل، وكذلك سرعة إفراغ مخيمات النازحين لإسكان ذوي التنظيم بدلاً من النازحين.
ودفع مكان المعسكر في مناطق سهل نينوى إلى اعتراض بعض المسؤولين هناك، خشية تسرب تلك العوائل إلى المدن المحررة، فيما رصدت “هيومن رايتس ووتش” أوضاعاً مأساوية عن حياة النازحين من أقرباء داعش.
ووصف النائب حنين قدو، عن منظمة بدر في نينوى العام الماضي، وجود تلك المجاميع بأنها “قنبلة موقتة”، كما حذر من استهداف الأقليات هناك.
ولا يُعرف بالتحديد عدد العوائل التي تم ترحيلها من الموصل أو المدن الاخرى في محافظة نينوى، لكن المسؤول المطلع في الموصل يقول إن هناك “3 آلاف عائلة أخرى موجودة في مناطق بجنوب الموصل، تم جلبهم من غرب المحافظة”.
وأشعل سكان في القيارة والشورة الواقعتين جنوب الموصل خلال العام الماضي بعض خيم النازحين من ذوي التنظيم اعتراضاً على نقلهم بالقرب من مناطقهم.
وتتهم 500 عائلة في تلك المناطق، بانتماء واحد في الاقل من أفرادها الى تنظيم داعش، فيما يؤكد عبدالرحمن الوكاع، عضو مجلس محافظة نينوى لـ(المدى)، وقوع حالات انتقام بحق العوائل التي لم تغادر منازلها.
ويقول الوكاع إن “مصير تلك العوائل متعلق بقرار من الحكومة والبرلمان، إذ يجب تشريع قانون بالتعاون مع الامم المتحدة لكي لانُتّهم بانتهاك حقوق الإنسان”.
وكان وزير الزراعة فلاح زيدان زعيم عشيرة اللهيب، وهي إحدى عشائر جنوب الموصل، قرر مع بداية تحرير مناطق جنوب الموصل قبل أكثر من عام، إبعاد عوائل داعش لمدة 3 سنوات، على أن يعاد النظر في أمرهم بعد انقضاء هذه الفترة.
بدوره، يؤكد أحمد الجبوري، النائب عن نينوى لـ(المدى) إن “عودة عوائل داعش بحاجة الى اتفاق حكومي – عشائري”.
وارتكب التنظيم خلال فترة سيطرته على الموصل، جرائم متعددة بحق السكان، إذ نفذ اعدامات ميدانية بحق الضباط والموظفين الحكومين، كما قتل عمداً المئات من الأهالي أثناء عمليات النزوح في صيف 2017.
كذلك تسبب تحصن “داعش” بالمنازل في الموصل القديمة، وسط الساحل الأيمن، لعدة أشهر إلى تدمير المنطقة بالكامل، وإلى قتل 7 آلاف مدني فقط في تلك المنطقة، من بينهم 4 آلاف جثة مازالت مدفونة تحت ركام المنازل.

عوائل الأجانب
علاوة على ذلك يقول المصدر المطّلع في الموصل إن “هناك نحو 2000 عائلة من عوائل التنظيم معتقلين في أحد السجون في نينوى”. وأكد أن العوائل المحتجزة تضم جنسيات تركية وشيشانية وأوزبكستانية.
وأكد نواب عراقيون مؤخراً أن الحكومة نقلت نحو 300 من عوائل داعش من الأجانب، من أصل نحو ألفين، من معتقل ببلدة تلكيف الى معسكر التاجي (40 كم شمال بغداد).
وقالت عضو لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، النائبة فيان دخيل في تصريحات صحافية انه “لا نستبعد وجود مئات الأطفال العراقيين بمعية نساء داعش، سواء من كانوا من آباء عراقيين أو من تم خطفهم من عوائلهم أثناء اجتياح داعش لمساحات شاسعة من البلاد منذ 2014”.
وخلافاً لمصير العوائل العراقية التي ينتمي أحد أفرادها الى داعش والتي لم يوضع لها حل حتى الآن، فقد نقل قبل 5 أشهر الى العاصمة الشيشانية، غروزني، الوجبة الثانية من عوائل تنظيم داعش. حيث كشفت مصادر حكومية روسية وقتذاك، عن وجود قنوات حوار لإرجاع عوائل التنظيم الذين ما زالوا عالقين في العراق وسوريا.
وكان قبل ذلك قد وصلت وجبة من نساء وأطفال مقاتلين في تنظيم داعش، الى العاصمة الشيشانية، فيما لم يكشف عن أعدادهم.
ويقود الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، حملة لإعادة أبناء عناصر داعش الذين غادروا روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة للالتحاق بالمجموعات المتطرفة في سوريا والعراق.

أزمة “العامريّة”
إلى الانبار وتحديداً في جنوب الفلوجة يطالب شاكر العيساوي رئيس ناحية عامرية الفلوجة في اتصال مع (المدى)، الحكومة بنقل عوائل داعش من المخيمات المتواجدة في منطقته الى مدنهم الأصلية.
واستقبلت “العامرية” خلال فترة عمليات التحرير نحو 40 ألف عائلة في مخيمات الإيواء هناك. ويقول العيساوي إن “10% من تلك العوائل ينتمي أحد أفرادها الى تنظيم داعش”.
وكانت العشائر في الرمادي، مركز محافظة الانبار، قد اتفقت قبل 3 أعوام، على عدم استقبال ذوي التنظيم مرة أخرى في مدينتهم.
ويقول عبد الكريم الفهداوي، زعيم عشيرة البو فهد، أحد أكبر العشائر التي قاتلت ضد داعش في الرمادي لـ(المدى): “نحن لانريد الانتقام، لكننا لن نفرط بالنصر الصعب الذي تحقق في الرمادي ونبحث عن السلام”.
وقبل إعلان تحرير الرمادي نهاية 2015، كشف مجلس العشائر المنتفضة ضدّ داعش، الذي شكّل قبل عام من تحرير المدينة لمساندة القوات العراقية، عن ميثاق بين العشائر المختلفة في الانبار، للحفاظ على المدن من السقوط مرة أخرى بيد المسلحين.
وقام مجلس العشائر بوضع قوائم تضم مئات الأسماء عن شخصيات متورطة وداعمة للمسلحين في الانبار.
وعقب استمرار عمليات التحرير في شمال وغرب الرمادي، امتلأت المدراس والساحات والمحال التجارية في عامرية الفلوجة بالنازحين، لكن الآن تناقص العدد الى النصف بعد موجات العودة.
لكنّ المشكلة بحسب رئيس ناحية “العامرية”، تتعلق ببقاء عوائل التنظيم، حيث يؤكد المسؤول المحلي أن “كل عوائل داعش في الانبار متواجدون لدينا الآن، وهذا أمر فيه مخاطر أمنية كثيرة”.
وينصح العيساوي، الحكومة الاتحادية، بإعادة تلك العوائل الى مدنهم الاصلية، وهم في الغالب من أقضية غرب الانبار التي تحررت أواخر العام الماضي، على أن تتم مراقبتهم عن كثب.

تجربة تكريت
في آب 2016، قرر مجلس محافظة صلاح الدين “الطرد الفوري” لأقارب عناصر داعش، لفترة تتراوح بين 10 سنوات ومدى الحياة.
وظهرت في المحافظة خلال تلك السنوات، عمليات ثأر عشائرية، وحاول زعماء القبائل تطويقها بأي شكل من الأشكال، وكان قرر إبعاد عوائل التنظيم الحل الأسرع.
وطرح بعض المسؤولين في صلاح الدين، إيجاد مناطق معزولة ومحمية يوضع في داخلها ذوو “داعش”، لمنعهم من التسلل مرة أخرى الى المناطق المحرَّرة.
لكنَّ ونس الجبارة، زعيم أحد أبرز العشائر التي قاتلت داعش في صلاح الدين، يوضح في حديث لـ(المدى) عن وجود تعامل مختلف من مدينة إلى أخرى في داخل المحافظة مع عوائل “داعش”.
وتمكن الجبارة ومع عدد من العشائر في شرق تكريت عقب طرد داعش من هناك، من الاتفاق على إبعاد العائلة التي تؤيد جرائم التنظيم والتي لديها فرد متورط مع التنظيم.
ودفع ذلك الإجراء الى خروج عدد من العوائل بشكل طوعي من ناحية العلم والمناطق القريبة منها، لأنها لم تعد مرحباً بها في الداخل. ويقول الجبارة إن “هناك 160 عائلة من أقرباء داعش، يعيشون بيننا بشكل طبيعي، لأنهم قرروا الوقوف معنا”. كما تبرّأ عدد من العشائر هناك من أبنائهم المتورّطين في بادرة حسن نية.
لكنه بالمقابل يؤكد أن هناك عقوبات جماعية وجهت لبعض المناطق، منها النواحي والقرى القريبة من آمرلي الواقعة جنوب شرق تكريت.
ومنذ تحرير تلك المناطق نهاية 2014، ما زال هناك أكثر من 50 ألف شخص ممنوعين من العودة بأمر بعض الجهات التابعة للحشد الشعبي، وبحسب مسؤولين هناك، فإن أبرز الممنوعين هم سكان ناحية سليمان بيك.
وتتشابه ظروف جرف النصر (الصخر) التي تحررت أيضا قبل 3 سنوات مع “سليمان بيك”، حيث اعتبر نحو 200 ألف مدني هناك بأنهم من ذوي داعش. وحُرم الأهالي طوال تلك الفترة من العودة الى ديارهم.
ويرفض ونس الجبارة، مبدأ الانتقام لأنه يجده مشابهاً لما فعله داعش في المدن التي احتلها. وعلى الرغم من أن التنظيم مازال قريباً من المناطق التي تعيش فيها عائلة الجبارة، وخاصة في جبال حمرين، لكنه يتمنى نقل تجربته بالتعامل مع داعش الى باقي المناطق والابتعاد عن الثأر.وقد لا تكون دعوات المصالحة ذات جدوى في بعض المناطق، التي يُتهم فيها ذوو التنظيم بالاستمرار في تقديم العون لـداعش لتخريب الامن في المدن المحررة.
ويقول أحمد خورشيد، القيادي في حشد الحويجة، جنوب غرب كركوك لـ(المدى) ان “هناك 3 آلاف عائلة قد تم إجلاؤها من الحويجة، لأنهم أقرباء داعش”.
ومنذ تحرير الحويجة، في تشرين الاول الماضي، والهجمات المسلحة لم تنقطع، حيث يستغل المسلحون اتساع المنطقة ووجود المستقنعات للاختباء.
ونقلت تلك العوائل إلى مخيمات في كركوك وفي صلاح الدين. ويضيف خورشيد إن “بقاء ذوي التنظيم أمر خطر، لأنهم يقومون بمساعدته”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here