ما يحبه وما لا يحبه الله!!

المحبة مشاعر إيجابية طيبة نقية رائقة تبعث الحياة في الأعماق , وتفجر منابع الرحمة والألفة والتفاعل الإنساني الصادق الصحيح في قلوب البشر.
وهي عاطفة شاملة طاهرة تتوطن الكيان الإنساني وتتمكن من المشاعر والأفئدة والعقول والوجدان.
والمحبة كلمة مطلقة المعاني سرمدية الغايات , وقول باللسان والعمل , وهي ينبوع الأقوال والأفعال الإنسانية , فنحن نفعل ما نحب ولا نفعل ما لا نحب.
المحبة التي يدفنها الناس في الشكوك والمخاوف والمظالم والقسوة والتوحش الأرضي المتصاعد.
المحبة التي يريدها الله لخلقه وأرسل رسله وأنبياءه ليبشروا بها ويدعون الناس للصفاء والأمل والرجاء والطمأنينة الأرضية.
المحبة التي نحاربها كل يوم ونطاردها في دروبنا وننقض عليها لنفترسها وندمر معالمها ومعانيها ونقضي على حملة راياتها ومبشريها.
المحبة التي يلقيها الله في قلوب عباده الصالحين الذين ينيرون الأرض بوهجها الفياض وأشعتها الدافئة السنية الطيبة.
“…وألقيت عليك محبة مني” طه: 129
والمحبة تقرن بالإيمان فالمؤمن يحب ربه ورسله وما أنزله على الأجيال البشرية , التي تسعى كأنها أمواج النهر المتوافدة.
“…والذين آمنوا أشد حبا لله…” البقرة: 165
المحبة كلمتنا السحرية الرقراقة الناعمة السعيدة , التي لا تعرف إلى أين تأوي في خضم التفاعلات الأرضية السلبية التي تدفن معالمها وتبرز ما يشير لضدها.
ولكي يتحقق الأمن والسلام والسعادة في المجتمعات البشرية فأن من المهم أن نتبع ما يحبه الله ويرضاه ونبتعد عما لا يحبه.
وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم ما يحبة وما لا يحبه , وياليتنا نتبع ما يرضي ربنا ويحبه.
ولكن “… وتراهم ينظرون إليكَ وهم لا يبصرون” الأعراف: 198
ما يحبه الله
أولا: التقوى
التقوى هي مخافة الله , ومن يخاف الله لا يعمل ما يغضبه لأنه يرى الله دائما في ما يراه ويقوله ويفعله ويجتهد أن يكون ما يقوم به خالصا وصادقا لله وحده.
والتقوى قد تعني حفظ النفس عما يؤثم وذلك بترك المحظور والخوف والحذر من الله , بإلتزام أوامره وطاعته والتفاعل مع القيم والمبادئ بصدق وإيمان.
“…إن الله يحب المتقين” التوبة: 4 , 7
“…فإن الله يحب المتقين” آل عمران: 76

ثانيا: العدل
والعدل هو رعاية الحقوق وإحترامها وعدم الجور وهو ضد الظلم, وإن الله يأمر بالعدل والإحسان .
والعدل فضيلة سلوكية تحقق السعادة وتساهم في الأمن والتطور والرقاء.
“…وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين” المائدة: 42
“…وأقسطوا إن الله يحب المقسطين” الحجرات: 9
ثالثا : الإحسان
هو الإخلاص والإتفاق وحسن الطاعة , ويأتي من الحسن واللطف والجمال في السلوك , وما يبدر من البشر ويساهم في تحقيق الرضى ويشيع الفرح والمحبة والغبطة.
وقد يمتد في معانيه وإشاراته ليشمل الكثير من الصفات والمميزات التي ترضي الله وتسعد خلقه.
“…واصفح إن الله يحب المحسنين” المائدة: 13
” …ثم اتقوا وآمنوا واحسنوا والله يحب المحسنين” المائدة 93
“…والله يحب المحسنين” آل عمران : 134 , 148
رابعا: التوكل على الله
التوكل هو تسليم الأمر والثقة بالله والتفاؤل والأمل وحسن الظن والطمأنينة, وكذلك الثقة بحسن تدبير الله للأمور. وهو ما يكمن في القلب ويجهر به الفعل.
والتوكل بحاجة إلى الأخذ بالأسباب وتفويض ما بعد ذلك إلى رب العباد , وهو عكس التواكل الذي يعني التكاسل وعدم الجد والإجتهاد , بينما التوكل يمنح القوة على الإنجاز بعد الأحذ بالأسباب والعمل الجاد.
“…وإن الله يحب المتوكلين” آل عمران:159
خامسا: الصبر
” الصبر مفتاح الفرج” , وهو التحمل والتجلد ويبشر بأن بعد العسر يسرى , والصبر يعني القدرة على المقاومة والمقارعة للويلات والنوائب والإمساك بخيوط الأمل والرجاء.
“…والله يحب الصابرين” آل عمران: 146
سادسا: الطهارة
الطهارة هي النظافة والنزاهة , وهي ليست بدنية أو مادية وحسب , وإنما تعني تطهير القلب والنفس والمشاعر والأحاسيس من الأوضار والأضرار , وما يتسبب بنجاستها من نوادس السوء والبغضاء. وقد كُتب الكثير عن المعنى المادي للطهارة والقليل عن أبعادها السلوكية والنفسية والروحية.
” والله يحب المتطهرين” التوبة: 108
سابعا: الإيمان
الإيمان هو التصديق وإعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان كما يقال شرعيا.
وهو “أن تؤمن بالله وبملائكه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره”؟
وأن تؤمن بمعنى أن تمتثل لمبادئ وقيم ومعاني الدين بكل ما فيها من نفحات الرحمة والمودة والتفاعل الإيجابي بين الناس.
“…ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون” الحجرات: 7
” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه” , فالإيمان محبة خالصة.

ثامنا: التوبة
التوبة هي الرجوع أو العود إلى الله.
“وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون” النور: 3
” إن الله يحب التوابين…”البقرة: 222
وفي التوبة لا بد من الإقلاع والندم والعزم على فعل الخير والإبتعاد عن الفعل الذي أعلنت التوبة عنه.
وما أروع أبواب التوبة الواسعة التي تعبر عن رأفة الله تعالى بعبادة ودعوتهم للإنضمام إلى رسالاته التي توفر لهم الحياة الطيبة.

ما لا يحبه الله
أولا: الظلم
الظلم وضع الشيئ في غير موضعه.
ومَن إسترعى الذنب فقد ظلم.
والظلم أليم وطارد لدوافع الخير والبركات وعواقبه وخيمة وقاسية على المجتمع.
” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظلموا” , وكذلك ” واتقوا دعوة المظلوم فأنها ليست بينها وبين الله حجاب”
وأيضا “إتقوا الظلم فأن الظلم ظلمات يوم القيامة…” هذا هو الظلم الذي لا يحبه الله ولا يحب عباده الذين يمارسونه.
“…إن الله لا يحب الظالمين” الشورى :40 , آل عمران:57 , 140
ثانيا: العدوان
العدوان هو الظلم الصارخ وهو تجاوز لكل القيم والمعاني والأعراف والتقاليد الإنسانية التي تحترم الناس. وقد إرتبط العدوان بالصراعات والحروب , فالحروب في أكثر جوانبها هي العدوان الواضح , لأنها تتسبب بالويلات ولهذا تأسست الأمم المتحدة لتخليص البشرية من شرورها , كما جاء في ميثاقها , ” تخليص الأجيال القادمة من ويلات الحرب التي كدرت البشرية مرتين في هذا العصر (القرن العشرين) , وخلق الظروف المواتية لمراعاة العدالة وإحترام الإلتزامات المترتبة على المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي”
“…ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” البقرة: 190
“…والله لا يحب المعتدين” المائدة: 87
“…إنه لا يحب المعتدين” الأعراف: 55
ثالثا: الفساد
الفساد هو سوء إستغلال السلطة المكلف بها الفرد لتحقيق منافع خاصة , والإضرار بمصالح المجتمع والدولة بطرق غير مشروعة.
ويأخذ الفساد معاني متعددة وخلاصتها جميعا تحقيق الأضرار بالآخرين , وتوفير أسباب ودواعي دمار المستقبل.
“…والله لا يحب المفسدين” المائدة: 64
“…إن الله لا يحب المفسدين” القصص :77
” والله لا يحب الفساد” البقرة. 205

رابعا: الكفر
الكفر هو النكران والجحود.
نكران النعمة مهما كانت وتناسيها. وقد يتخذ معاني شرعية وحياتية وإجتماعية أخرى تحقق معاني الجحود والنكران.
“…فإن الله لا يحب الكافرين” آل عوران: 32
“..إنه لا يحب الكافرين” الروم : 45
“…إن الله لا يحب كل خوان كفور” الحج: 38

خامسا: الخيانة والإثم
الخيانة هي التفريط بالأمانة , وناقض العهد خائن , وهي سلوك مؤذي للمجتمع , ولهذا يعتبر الوفاء الذي هو عكس الخيانة صفة حميدة ومفيدة للمجتمع لأنه يحقق فوائد جماعية ذات قيمة حضارية.
والخيانة داء ينخر أعماق الشعوب ويحطم بنيانها ويبعثرها لتكون ضعيفة يتهالك عليها من يرغب فيها.
أما الإثم فهو الذنب وهو ” ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس”.
ومن يذنب يقترف عملا يعتدي فيه على حقوق الآخرين والحياة , ويؤسس لنتائج سلبية ذات تأثيرات مدمرة للمجتمع , ولهذا تم سن القوانين وتعريف الذنوب ومعاقبة من يقترفها لأنها تهدم المجتمعات وتحقق السوء الوخيم.
“…والله لا يحب كل كفار أثيم” البقرة: 267
“….إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما” النسائ :107
“وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون” الأنعام: 120
سادسا: الإسراف
الإسراف هو تبذير الأموال والثروات .
“كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة”.
وكل إسراف مضرة وله عواقبه الصعبة , فلكل شيئ حدوده التي تحافظ على سلامته من الميل إلى حيث يخرج عن طبعه ودوره المفيد في الحياة.
فكل شيئ بمقدار وما زاد عن حده إنفلب ضده وقضى على نفسه.
والإسراف هو اللامعقول في كل ما يبدر من الإنسان , والمعقول أن يتم حفظ الموجود في وعائه الصالح لبقائه ودوام دوره المفيد في الحياة.
“… ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” الأنعام: 141 , الأعراف: 3
سابعا: الخيبة واليأس:
الخيبة واليأس لا يتفقان مع الإيمان ومحبة الله , لأن التفاؤل من الإيمان والخيبة واليأس من النكران والجحود.
ومساندة اليأس وتزويده بكل عوامل التأثير بين الناس يعطل الحياة ويشل القدرات , ويدفع إلى عدم رؤية الضوء والتمرغ بالظلام وسوء النوايا.
“…إن الله لا يحب الخائبين” الأنفال: 58
“ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” يوسف: 87
“ولا تقنطوا من رحمة الله” الزمر: 53
ثامنا: الإختيال والفخر
الإختيال هو الكبر وإحتقار الناس وهو صفة مذمومة في جميع الأديان.
فلا يجوز الإختيال والتفاخر على الآخرين وإحتقارهم والشموخ عليهم , لأن في ذلك إساءة وهوان للناس جميعا وعدم إحترام للإنسان الذي خلقه الله بأحسن تقويم.
“…والله لا يحب كل مختال فخور” الحديد: 23
تاسعا: التكبر
التكبر هو التعالي على البشر وعدم الإكتراث لوجودهم ومعاني حياتهم , وهو إمعان فاحش في الإعتصام بخنادق الذات وتمادي في نرجسيتها وتقديرها , وربما تقديسها والتفاعل معها على أنها العالم وحسب , فلا قيمة لموجود من غير أن يحقق شيئا للذات العمياء الجاهلة المسجونة في صندوقها الأظلم المنتفخ وكأنه البالون الذي يوشك على الإنفجار.
“…إنه لا يحب المستكبرين” النحل: 23
هذه مبادئ سلوكية واضحة وقواعد راسخة تفضي إلى السعادة البشرية وتحقق الحلم الإنساني الراقي الذي ينفع الجميع , ويؤسس لمسيرة حافلة بالرحمة والصدق والرغبة الأكيدة بالحياة التي لا تضر الآخريين
, فلنتبعها لنكون أرقى وأقوى وأقدر.
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here