للحرية كلمة4 … ليست بالانتخابات وحدها تتحقق الديمقراطية يا حضرة رئيس الوزراء

رسالة مفتوحة الى حضرة رئيس وزراء جمهوربة العراق الدكتور حيدر العبادي المحترم
اخاطبك اولاً من باب المسؤولية بصفتك رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة في جمهورية العراق، وثانياً بصفتك قيادياً مسؤولاً في حزب الدعوة، الحزب الذي تبوأ اهم المراكز الحكومية في جمهورية العراق على مدى ثلاث دورات انتخابية متتالية، وثالثاً اخاطبك بصفتك مواطناً عراقياً عانى كما عانى الملايين من ابناء هذا البلد قبل وبعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام 2003.
حضرتُ لك بعد التغييرندوات صغيرة واخرى موسعة في العاصمة البريطانية لندن مدينة اللجوء الذي ضمنا معاً في عهد الطغيان فوجدت فيك دماثة الخلق وصدق المقال وسعة الصدر التي يفتقر لها كثيرٌمن سياسيي هذه الحقبة من تاريخ العراق، ولهذا لم ابتئس كثيراً عندما نَقلت عنك اجهزة الاعلام بالصوت والصورة نداءك بصوت مرتفع وانت توكد “ان هذا البلد يجب ان يحكمه الجميع”. قلت مع نفسي لاشك ان التعبير قد خانك. انت الذي عاش عقوداً في بلد ديمقراطي متحضر مثل المملكة المتحدة لاشك انك تدرك بان الوظيفة الرسمية، مهما كبرت هي خدمة وليست حكماً. ورغم يقيني ويقين معظم العراقيين بان التكتلات الهلامية المتحاصصة على السلطة في العراق والتي تسمي انفسها احزاباً هي عبارة عن مجاميع تحكم وتستغل وتستفيد ولا تخدم.
تمسكتم حضرتكم، وباصرار عجيب بالمادة 56 اولاً، من الفصل الاول من الدستور التي تنص على ان تكون “مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب في العراق اربع سنوات تقويمية” واهملتم، بل تجاوزتم عشرات المواد الدستورية التي سبقت هذه المادة في الاهمية.
ففي الدستور ذاته، تنص المادة 16 من الفص الثاني، الباب الاول على ان “تكافؤ الفرص حقٌ مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك”. وفي العراق اليوم اكثر من مليوني نازح ومُهجر ولاجيء في مخيمات لا يمكن اعتبارها اماكن سكن تليق ببشرلهم عناوين سكن حقيقية يركن لها القانون. والسؤال هو هل فرص الاطلاع والتعرف على ما يجري وما يعد له من موضوع الانتخابات متساوٍ بينهم وبين السكان المستقرين في منازلهم الثابتة؟ وهل يمكن ان تقوم الدولة بتحصين كل هؤلاء، اي سكان الملاجيء والمخيمات من احتمالات النصب والخداع والتلاعب باصواتهم وحمايتهم من الغش والمؤثرات المعروفة؟
كل “الكيانات” الني تمارس مهمة السلطة في العراق اليوم، وحضرتكم على رأس واحدة منها تقرُّ بان هذا الدستور كان قد كُتب على عجل ويحتاج الى اعادة نظر في بعض مواده اذ لم يوفرالدستور باباً للاستثناءات، ولم يتعرض لمعالجة موضوع الانتخابات في حالات الحرب او الكوارث الطبيعية والبيئية. وقد كان العراق في حالة حرب ضروس مع الارهاب طيلة السنوات الاربع الماضية. والتمسك بمادة واحدة من الدستور دون المواد الاخرى التي تنص على استقلال القضاء وحماية حقوق المواطن هو صرفٌ للدستور عن الغرض الاساسي الذي كتب من اجله وهو تنظيم الحياة المدنية وتنسيق العلاقة بين المواطن والمواطن وبنه وبين السلطتين التشريعبة والتنفيذية وحفظ حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية.
نعم اندحرت “داعش” بعد ان خَلّفت وراءها الجثث والدماء والمعوقين و المدن المدمرة، وقد ساهم في اندحارها عوامل كثيرة كان اولها عزم المقاتل العراقي وتصميمه على النصرمن كل اصناف القوات المسلحة. تعزز ذلك بفتوى المرجعية وفصائل الحشد الشعبي وابناء العشائر الميامين، وتزامن ذلك مع الحملة االعسكرية الدولية على الارهاب. وهذا لا يعني ان نُغيّب الدور الذي قام به حضرتكم بصفتكم القائد العام للقوات المسلحة الذي خطط ونسق بين هذه الاطراف للخروج بالنصر المؤزرعلى هذه الشراذم الضالة. نحن العراقيين سوف لن ننسى لكم هذا الدور، ولكن هناك اسئلة ما زالت قائمة في اذهان الجميع سوف لن يطويها الزمن. وعلى رأس تلك الاسئلة هو مالذي مكن شراذم “داعش” من استباحة كل هذه المساحات من ارض العراق كي تنشرفيها الموت والخراب والدمار؟
اجتاحت قطعان “داعش” ثلاث محافظات من ارض العراق في الوقت الذي كان فيه “حزب الدعوة” وحضرتكم في الصف المتقدم من قيادته يتبوأ اهم مراكز المسؤولية في دولة المحاصصة، وطُردت “داعش” من العراق والمعادلة التي مكنتها من ضرب العراق، اي محاصصة السلطة، ما زالت قائمة.
تمكنت “داعش” من العراق بعد ان سرقت القوى المتحاصصة على السلطة بلايين الدولارات من ميزانيات تسليح الجيش. وتمكنت داعش من العراق بعد ان اغرقت القوى المتحاصصة على السلطة الجيش والقوات المسلحة بالجنود والضباط الوهميين، اي ما يعرف “بالفضائيين”. وتمكنت داعش من العراق بعد ان تغلّبَ حضور اصحاب الرتب والشهادات المزورة على حضور الاكفاء والمخلصين في القوات المسلحة. ومن هنا يتضح ان الدم الغالي الذي هُدر في العراق كانت قد سببته المحاصصة الطائفية والقومية ، وهي المحاصصة ذاتها التي تمهد اطرافها اليوم لاعادة استنساخ دورها في ادارة المشهد السلطوي في العراق. متمثلة بالعناصر ذاتها التي جلبت الكوارث المالية والعسكرية والاجتماعية للعراق على مدى ثلاث دورات انتخابية متتالية، وها نحن نشرف على الرابعة ولا يبدو في الافق القريب اي جديد عما سلف من عسف وتزوبر.
تحدثتم عن الاصلاح ومحاربة الفساد. والفساد هو السبب المباشر الذي ادى الى حرمان المواطن العراقي على مدى عقد ونيف من الخدمات الاساسية كالكهرباء والماء والعناية الصحية والصرف الصحي وكل ما من شأنه ان يضع لانسان العراقي في مصاف بشر القرن الحادي والعشرين. والاصلاح لا يغير الخلل الجذري الذي رافق العملية السياسية. وكلمة اصلاح، مع احترامي لكم هي كلمة فضفاضة ان لم تعتمد على منهج واضح وبرنامج معلن بفقراته على الشعب الذي هوالمتضرر الاول من استشراء الفساد في اجهزة الدولة. الشعب الذي لم يشهد بعد اي اجراء جوهري في هذا الجانب حتى اشراف دورتكم الرئاسية الراهنة على الانتهاء. فقد جاءت اجراءاتكم في هذا الجانب شحيحة ومخيبة لللآمال. فما لم يُعد النظر ببعض جوانب العملية السياسية المرتبكة ، وما لم تدخل الساحة السياسية احزاب حقيقية تطرح برامجها الاقتصادية والتربوية والاجتماعية على جمهور الناخبين من خلال مؤتمرات عامة علنية وما لم تُعِد تلك الكيانات النظر في قياداتها الفاشلة من خلال المحاسبة والتغيير المستمر، سيبقى الاستيلاء على المال العام ديدن الكتل التي تتسابق على مواقع استنزاف اموال العراق وتحويله الى منافع غير مشروعة في حسابات رؤوس الجشع والاثراء على حساب ما يستحقه المواطن من خدمات وتنمية وعمل توفر له الحياة الحرة الكريمة. ما لم تختفي كلمة “مكونات” ويصبح الخطاب موجهاً الى المواطن العراقي بعزته واحترامه لذاته فالاستنزاف والدمار والتخلف سيبقى ملازماً لهذه العملية السياسية الكارثية.
ان معظم هذه القوى المتحاصصة، مع احترامنا للبعض القليل منها لا تمت الى الاحزاب بصلة. كل منها يساق من قبل زعيم متنفذ يأمر فيطاع على طريقة زعماء القبائل البدائية في اعماق افريقيا، او زعماء الهنود الحمر. هل سمعت بان واحدة من هذه التكتلات كانت قد اقدمت على محاسبة احد متزعميها على ماجلبه للعراق من كوارث؟ ونراها اليوم تصطف بطريقة غير مبدئية بما عرف بالقوائم الانتخابية غرضها تأمين المناصب لقادتها وليس تنفيذ البرامج التي ادعتها امام الشعب. حتى الحزب الذي ينتمي له حضرتكم اصبح من خلال “حملة” القوائم يتحرك برأسيين غير متطابقين. انها “كوميديا” سياسية مثيرة للسخرية يا حضرة رئيس الوزراء.
تزامن اصرار كم على اجراء الانتخابات حسب الموعد الذي ينص عليه الدستور مع اصرار السيد رئيس مجلس النواب على ابقاء لجنة اجازة الاحزاب التي تتمثل فيها الكياتات المتحاصصة على السلطة دون تغيير. خرج علينا احد النواب لينشر بالصوت والصورة متذمرا، كما يتذمر معظم العراقيين ليفيد بان رئيس مجلس النواب السيد سليم الجبوري كان قد طرح كل ما في جعبته من مناورات كي يحبط اقتراحاً كان يرمي الى تغيير اللجنة المذكورة بقضاة مستقلين، وبذلك أُبقي على تلك اللجنة دون تغيير. مما ادى الى تذمر العراقيين، كعادتهم في مثل هذه المواقف دون قدرتهم على التأثير على هذا القرار المبرمج برعاية المتحاصصين على السلطة. والشعب العراقي يعلم لو لم تتفقوا ككتلة برلمانية مع السيد رئيس الرلمان على هذا القرار المجحف لما استطاع بكتلته وحدها انُ يُثّبت من جديد لجنة اجازة الاحزاب بصيغتها الراهنة والتي يتمثل فيها اطراف قوى المحاصصة التي جلبت الكوارث المالية والعسكرية والاجتماعية للعراق على مدى ثلاث دورات انتخابية، وها نحن نشرف على الرابعة.
وكانت هذه العلامة هي البينة الاولى على ان خطة القائمين على السلطة تقضي باعادة استنساخ القوى المتحاصصة واقطابها في المجلسين التشريعي والتنفيذي وهم يتسارعون باستخدام ما استحوذوا عليه طيلة عقد ونيف من وجاهة واموال حرام ليفسدوا الذمم من جديد ويعيدوا تنصيب انفسهم في مواقع الحكم ويبقى الشعب المُغيب يراقب اقتسامهم، حسب تعبير بعضهم، كعكة قوته بعقود مزورة واستيراداتٍ كاذبة تتمثل بالوصولات المزورة او المواد التالفة غيرالصالحة للاستهلاك البشري والتي لا تساوي قيمة تغليفها وشحنها.
قبل فترة وجيزة من الزمن وفي ظل وجودكم في المسؤولية خرج علينا نائب معتبر ليعلن على رؤوس الاشهاد بالصوت والصورة قائلاً انه سارق، وان اعضاء المجلس كلهم سارقون. لم يتحرك الادعاء العام ولم يُستدع النائب من قبل القضاء ولم يطالب بادلة ثبوتية بخصوص ما افاد عن بقية السُّراق. وفي سابقة اخرى ، وفي مقابلة على احدى القنوات الفضائية ثبت السيد عبد الباسط تركي مدير الرقابة المالية ورئيس البنك المركزي العراقي سابقاً ، بان هناك ستة مصارف عراقية تقوم بغسيل الاموال وتهريب ملايين الدولارات من عملة اليلاد الصعبة لصالح بعض المتنفذين مقابل وصولات استيراد مزورة. وعندما سأله الاعلامي عن الاجراء الذي اتخذه بهذا الخصوص افاد بانه احال القضية للقضاء منذ عامين لكنه لم يسمع باي اجراء عن الموضوع لحد الان. تم بث هذه المقابلة في 1\5\2015 ولم نسمع تحن ايضاً باي اجراء عن الموضوع لحد الان.
نائبة لم تُنتخب، دخلت مجلس النواب عن طريق “بدعة القائمة” هللت “لداعش” عندما احتلت الاخيرة الموصل. وصرحت بالصوت والصورة بوضوح تام “ان الموصل اليوم يحكمها اهلها”. مرة اخرى يا حضرة رئيس الوزراء، اين القضاء والسيدة التي تمثل “داعش” تجلس اليوم تحت قبة البرلمان. هذا يعني ان القضاء معطل في هذا البلد “الذي يجب ان يحكمه الجميع” على حد تعبيركم. هل اعيد على حضرتكم ما ورد في المادة 87 من الفصل الثالث من دستور جمهورية العراق وما تلاها من مواد بشان استقلال القضاء، ام انها غير مهمة امام مادة الاربع سنوات “المقدسة”؟ لا اعلم كيف استنتجتم بان تأجيل الانتخابات لتهيئة الظروف الصحيحة المناسبة لاجرائها نزيهةً سيمهد لظهور الدكتانوريات، وهل هناك دكتاتوريات تؤمن بحق االانتخاب؟ معظم الدكتاتوريات في العالم تنظم انتخابات شكلية مزورة كي تسبغ على وجودها شرعية زائفة. ولكن بالمقابل هل نتوقع انتخابات نزيهة في بلد لا وجود فيه للقضاء؟ ولماذا، بعد ان تم هدر البلايين على العقود الزائفة لم تستطع الدولة ان توفر نظام الفرز الالكتروني السائد في دول العالم المتقدم ، والتي تظهر فيها نتائج الفرز بعد ساعات من اغلاق صناديق الاقتراع؟ لماذا يتم نقل صناديق الاقتراع من مكان لآخر تحت ايادي المتنفذين لاسابيع متتالية قبل ان يتم اعلان نتائج الاقتراع؟ ثم هل تصل اسماعكم هذه الاسئلة المشروعة التي يرددها ابناء العراق؟
انت جدير يا حضرة رئيس الوزراء بان تدرك ان هناك انفصاما كاملا بين المواطن والطبقة الحاكمة في العراق على مدى ما يقرب من عقدين متتاليتين ولم تغير منها شيئاً الدورات الانتخابية المتتالية شيئاً، وان مثل هذا الواقع قد ينذر بتطورات خطيرة. كنا نفكر كمجموعة من المواطنيين العراقيين ان ندخل الساحة السياسية بمشروع وطني مبدئي يتجاوز الشعارات الطائفية والمناطقية الضيقة الا اننا وجدنا ان قراركم باجراء الانتخابات قبل ان تنفذوا تعهدكم باعادة المهجرين والنازحين، وعدم التزامكم بوعدكم القاضي باصدار القوانيين اللازمة لتنظيم العلاقة بين الدولة والفصائل المسلحة، ومنها بعض فصائل الحشد الشعبي والحشود العشائرية بعد انتهاء الحملة العسكرية على الارهاب اضافة الى ما افسدته السلطات المتعاقبة من ذمم من خلال نشر الرشوة ومبدأ التزوير، لا يوفر اجواء مناسبة لكيان وطني متجرد ما زال في مرحلة التأسيس لخوض الانتخابات. لذا قررنا ان نبقى حالة مبدئية تخاطب الشعب وتبني نفسها عى مدى المستقبل. وهذا لا يعني انها دعوة لمقاطعة الانتخابات بكل ما فيها من مثالب راهنة وبكل ما يحفها من تساؤولات، لان ا لمقاطعة ستضع السلطة ثانية بيد المتحاصصين بدون عناء. اذ سيعتمدون الحد الادنى من مساهمة المُنتخبين لشرعنة تسلطهم. سنعطي اصواتنا بالتشاور مع القوى الوطنية الاخرى للقوي الوطنية القليلة التي لها حضور في المنظومة السياسية الراهنة. نتمنى لكم الموفقية في مهمتكم الاساسية بصفتكم الثابتة كمواطن عراقي اصيل.
ضرغام جواد كاظم\ عن المشروع الوطني العراقي الدائم\ مشروع سياسي عراقي في مرحلة التأسيس
في 20\2\2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here