مخبر مزدوج خطّط لكمين السعدونيّة التي تحوّلت إلى قرية أشباح

بغداد/ وائل نعمة

بدت “السعدونيّة”، القرية الصغيرة القريبة من الحويجة، مثل مدينة أشباح، بعد يوم من الكشف عن حادثة مقتل 27 عنصراً من الحشد الشعبي في كمين نصبه داعش.وغادر كل سكان القرية على خلفية الحادث الاخير بمن فيهم أقارب عناصر التنظيم، فيما قامت الجرافات بهدم منازل “داعش” كرد فعل على ما جرى هناك.

إلى ذلك وصل عدد من جثامين المغدورين الى مدينة البصرة، إذ إن أكثر من نصف القتلى هم من سكنة المحافظة، بينهم 11 من عشيرة واحدة.وجاء الحادث بعد مرور أكثر من 4 أشهر على إعلان تحرير مناطق جنوب غرب كركوك من قبضة تنظيم داعش. ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف الحوادث الأمنية في تلك المناطق، وقتل خلال الفترة الماضية العشرات من المدنيين وقيادات في الحشد العشائري في عمليات اغتيال فردية.
وعلّق الحشد على الحادث الأخير قائلا إن قوة خاصة من مقاتليه “تعرضت مساء الأحد، لكمين غادر من قبل مجموعة إرهابية متنكرة بالزي العسكري، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة دامت أكثر من ساعتين”.
وأضاف إعلام الحشد في بيان أول من أمس الإثنين، إنه “بسبب كثرة أعداد المهاجمين والأجواء الجوية الصعبة، استشهد 27 بطلاً من القوة الخاصة المحاصرة”.ونعى رئيس الوزراء حيدر العبادي، قتلى الكمين، موجّهاً بـ”ملاحقة الجناة والاقتصاص منهم”، وكذلك بـ”التحقيق في ملابسات الحادث واتخاذ الإجراءات اللازمة بهذا الصدد”، فيما دعا محافظ كركوك، راكان الجبوري، إلى “وضع خطط أمنية عاجلة لمواجهة الإرهاب، وتأمين مناطق جنوبيّ كركوك وغربيّها”.

عمليّة عسكريّة
وأعلنت قوات الحشد الشعبي، عقب الحادث ، انطلاق عمليات استعادة قرية السعدونية، التابعة لناحية الرياض، بمشاركة قطعات الشرطة الاتحادية، وبإسناد من طيران الجيش.
لكنّ مسؤولاً أمنياً في الحويجة، أكد في اتصال مع (المدى)، أمس، أن عملية السيطرة على تلك المناطق “لن تنته بيوم أو اثنين”. وتابع المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه قائلاً إن “المنطقة تمتدّ على مساحة 9 آلاف كليو مربع، وتضم بين 800 و 1000 مسلح يختبئون في تضاريس صعبة”.ويختفي المسلحون في مستنقعات واسعة تبدأ من جنوب كركوك الى غربها. وتضم هذه المناطق أحراشاً كثيفة يصعب معها على القوات الامنية أداء مهماتها.
ويؤكد المصدر المطلع أن “50 شخصاً قتلوا في الحويجة وأطرافها، منذ إعلان تحرير المدينة في تشرين الاول الماضي”.
وكانت الحويجة، آخر معاقل تنظيم “داعش” في العراق، حيث استقطب القضاء أغلب مسلحي التنظيم المنهزمين من الموصل والشرقاط.

صيد الغربان
وفي نهاية كانون الثاني الماضي، قُتل اللواء الركن المتقاعد أنور الدانوك في منطقة قريبة من الرياض. وكان الدانوك عميداً لكلية الأركان سابقاً، وهو أحد قياديي الحشد العشائري.
وعلى إثر الحادث حذر محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، من شن داعش عمليات إرهابية جديدة أطلق عليها تسمية “صيد الغربان”، بصفتها واحدة من أربع مراحل وتنتهي بتنفيذ عمليات ضخمة ينوي داعش تنفيذها تباعاً.وقال النجيفي مطلع شباط الجاري، إن “هذه المرحلة بدأت باستهداف الحشود السنية ومن المتوقع أن تنشط هذه العمليات في أطراف كركوك وديالى وجنوب الموصل وكذلك في مدينة الموصل”.
وكانت (المدى) قد كشفت بعد شهرين من تحرير الحويجة، عن تحركات مريبة لعناصر التنظيم، تشير الى قرب تنفيذه هجمات في الحويجة وداخل كركوك، فيما حذر خبراء من أن المسلحين يكسبون الوقت لإعادة ترتيب صفوفهم.
وانتقد بعض المسؤولين في كركوك، عدم تنسيق القوات الاتحادية مع البيشمركة التي انسحبت في تشرين الاول الماضي من المحافظة، مؤكدين أن الاخيرة تمتلك معلومات دقيقة عن المسلحين هناك.
ويكشف المصدر الامني في المدينة أن “بعض العوائل في السعدونية كانت متعاونة مع عناصر داعش وتخفي معلومات عن القوات الامنية”.
وعقب حادث مقتل عناصر الحشد الشعبي، أكد المصدر أن “القرية أصبحت خالية من السكان، حيث هربت عوائل داعش الذين كانوا حتى وقت قريب متواجدين في المنطقة”.
وكانت السلطات المحلية قد أجلت 3 آلاف عائلة من أقرباء داعش من الحويجة خلال الشهر الماضي، لاعتقادها بأن هذه العوائل تمدّ فلول التنظيم بالطعام والمال والمعلومات.
وكشف المصدر المطّلع أنّ “مخبراً سريّاً من سكان المنطقة كان قد ضلل الحشد، لأنه يعمل مع داعش أيضا”، فيما أكد أن “جرافات بدأت بهدم عدد من دور الدواعش في السعدونية، كرد فعل على ما حدث في القريبة”، لكنه لم يوضح الجهة التي أصدرت تلك الاوأمر.

تبديل القوات
كانت مناطق الحويجة قد شهدت خلال الـ170 يوماً الاخيرة، أكثر من عملية عسكرية. وأخيراً انتشرت قوات الشرطة الاتحادية الشهر الماضي، خلفاً لقوات الجيش التي ذهبت في مهام الى الموصل.
ويقول أحمد خورشيد، عضو اللجنة الامنية في قضاء الحويجة، في اتصال مع (المدى) امس، إن “القوات الجديدة لم تكن بذلك المستوى الذي كنا نتوقعه”.
وكانت السلطات المحلية في القضاء، قد انتقدت قطعات الفرقة 20/جيش، بسبب عدم تمكنها من السيطرة على المدينة، فيما عقدت الآمال على الشرطة الاتحادية.
ويكشف خورشيد، وهو قيادي في حشد الحويجة، عن قرب انطلاق عمليات واسعة في الحويجة لتطهيرها بشكل كامل من سيطرة داعش.
وعلّق المسؤول في الحشد، على حادث مقتل عناصر الحشد الشعبي قائلا: “نشعر بالحزن الشديد على ما جرى، لأن شباباً من الجنوب ضحوا بدمائهم بدلا منا. كنا نتمى ان يحدث لنا مكروه بدلا منهم”.
وشيعت البصرة أول من أمس الإثنين، 16 من مقاتلي الحشد المغدورين في السعدونية، فيما كان 11 منهم ينتمون الى عشيرة بني منصور في المحافظة.
بدوره اتهم هاشم الموسوي، القيادي في الحشد الشعبي، في تصريح لـ(المدى) أمس، “بعض السياسيين الرافضين لتواجد الحشد في بعض المدن مسؤولية ما جرى في القرية”.
ويتواجد أكثر من فصيل تابع للحشد في مناطق محيط كركوك والحويجة منذ أشهر، فيما كانت ناحية الرياض التي تقع فيها السعدونية قد حُررت على يد الحشد.
وكان بعض قيادات الحشد الذي ينشغل معظمها بالترويج للانتخابات، قد انتقدت تضارب القرارات الامنية في كركوك لإنقاذ القوة التي وقعت في كمين.
ويؤكد الموسوي ان “القوة قد تعرضت للغدر، لأن الهجوم وقع أثناء المطر الشديد”، فيما طالب الحكومة وقيادة الحشد بـإرسال تعزيزات كبيرة الى الحويجة للسيطرة على الأوضاع هناك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here