فَلسفَةُ (آلتّخَلِّف ألثّقافيّ) ألغربيّ

يَعتقد ألغربيّون خصوصاً ألأمريكيون(1) بأنّ آلتربيّة و آلأخلاق و آلثّقافة و آلأدب و آلقيم – بل آلعلوم ألأنسانيّة – لم تَعُد لها معنىً في حياتنا آلمدنيّة, بل تكريسها تُؤثّر سلباً على آلتطور التكنولوجيّ و تُحَدّدُ حياتنا ألمدنيّة و تُحجّم تفكيرنا, لهذا قدَّمَ مجموعة من أساتذة ألجّامعة في فرنسا دراسة علميّة قبل أعوام أوصوا بحذف جميع مناهج ألعلوم ألأنسانيّة و آلدّينيّة من آلمدارس و آلجّامعات بإعتبارها مضيعة للوقت و آلمال و آلجُّهد و تُسبّب تخدير وتعطيل طاقات المجتمع لأنّها تُعارض أهداف ألعلوم ألبايلوجيّة و التكنولوجيّة ألّتي وحدها تخدم الأمّم و الشعوب و تُحقق أمنها و تقدمها و مدنيّتها .. مُعلّلين ذلك بكون مسائل (ألثقافة) و (آلقيم) التي تعني (ألحضارة) ليس فقط لا تُقدّم ألمجتمع أو تؤَمّن إحتياجاته آلمادية المطلوبة لأدامة الحياة؛ بل تُسبّب تعميق التّخلّف و البطالة و آلنفاق كما هو حال المسلمين أينما حلّوا أو أقاموا(2) و يعتقدون أيضاً بأنّ آلثّقافة و آلأدب و الأخلاق موروثات قديمة لا تُناسب و لا تخدم وضعنا و تستهلك إمكانيّات كثيرة و أزمانناً للحاق بركب ألمدنيّة و آلعلوم ألتكنولوجيّة و الإقتصاديّة و العلاقات الإجتماعيّة و الدّولية وحقوق ألطفل و المرأة و المخلوقات و أنّ ثمّة مشاكل و صراعات إجتماعيّة ستُحدث و تتوالد من باب تحصيل حاصل بسبب آلثقافة (الحضاريّة) ألتي قد تُنمّي بعض آلجوانب الأنسانيّة و الأخلاقيّة في الطبقات ألمحرومة و حتى آلمتوسطة فَـتُسيئ إستخدام تلك الثقافة المنقوصة بل و آلمتناقضة لأنحراف الأديان عندنا لأعلان الثورة للبطن و ما دونه قليلاً .. لا للقيم و مبادئ العدالة و آلمساواة في الحقوق و محو الطبقيّة و الوقوف بوجه فساد النّخب آلدّيمقراطية المحميّة بسلطة (ألمُنظمة الأقتصاديّة العالميّة) التي تُسيطر على الأقتصاد في العالم, وهذا بنظرهم تعني الفوضى و آلنزاع و الحرب ضد مصالحهم!

و لاحقًا، بات مصطلح (ألتخلف الثقافيّ) لا ينطبق على هذا آلنهج الفكريّ فحسب؛ و إنما بات يتعلّق أيضاً بالنظريّة و آلتحليل, و يُساعد في تحديد و تفسير ألمشاكل الإجتماعيّة و كذلك توقع المشاكل المستقبليّة, كما يعتقد (جيمس دبليو و ودوارد)، بآلقول؛ [عندما تتغير الظروف المادية، فإنّ ثمّة تغيرات تحدث في آلثقافة التكيفية]، غير أن هذه التغيرات في الثقافة التكيفية لا تتزامن بدقة مع التغير في الثقافة المادية(ألتكنولوجية)، و هذا التأخر هو الذي يسبب ألنّزاع و التخلف الثقافي(3) ألذي تمت صياغتة كمصطلح من قِبل عالم الإجتماع (ويليام إف أوجبيرن) في كتابه:
(ألتّغير الإجتماعيّ فيما يتعلق بآلثقافة وآلطبيعة (Social change with respect to culture and original nature(4)(
الأصلية).

و تشير نظريته بشأن (التخلف الثقافي) إلى أنّ فترة عدم آلتّكيّف تشبه حالة ألصّراع ألتي تَحْدُثْ عندما تكافح الثقافة (غير الماديّة) للتكيّف مع الظروف الماديّة الجديدة .. و هذا يعكس فكرة (ألحتميّة ألتكنولوجيّة) بنظر الغربيين، و آلتي تفرض نفسها لكون آلتكنولوجيا لها آثاراً قوية على ثقافة آلمجتمع والعلاقات الأجتماعية ككل(5).

و وفقًا لنظريّة (أوجبيرن)؛ يُعتبر (التخلف الثقافي) ظاهرة مجتمعية شائعة بسبب ميل الثقافة المادية إلى التطور و التغير و محو العادات والأعتقادات بسرعة و بشكلٍ كبيرٍ جدّاً لأنّها تتعلّق و ترتبط مباشرةً بآلحواس الأنسانيّة التي ترتبط بحياة آلمجتمع؛ في حين تميل (آلثقافة غير الماديّة) إلى مقاومة آلتغيير أو قسماً منه للبقاء كما هي لفترة أطول من الزمن (6) و نظراً للطبيعة المعارضة لهذين الجانبين من الثقافة؛ فإنّ التكيّف مع التكنولوجيا الجديدة يصبح صعباً, و هذا آلتّميز بين آلثقافة ألماديّة و غير ألماديّة يُعتبر أيضًا مساهمة لعمل (أوجبيرن) ألصادر عام 1922م حول آلتّغير الإجتماعيّ.

إنّ (التخلف ألثقافي) بحسب التعبير الغربي و آلذي يُقصد به(الثقافة) نفسها؛ يسبب معوّقات و مشاكل للمجتمع بطرق عديدة, و تُنفذ و تؤثر قضية (التخلف الثقافي) على أيّ نقاش و موضوع يتعلّق بتطبيق التكنولوجيات الجديدة, على سبيل المثال؛ أدى ظهور أبحاث الخلايا الجذعيّة إلى ظهور العديد من التكنولوجيّات الطبيّة الجديدة و التي من المحتمل أن تكون مفيدة و مؤثرة في صميم الحياة؛ و مع ذلك أثارت هذه التكنولوجيا الجديدة أسئلة أخلاقيّة و شرعية كبيرة حول استخدام الخلايا الجذعية في الطب.

يُعتبر ألتخلف ألثّقافي بمثابة قضيّة أخلاقيّة خطيرة حيث إنّ الفشل في التوصل إلى توافق مجتمعيّ واسع حول آلتّطبيقات ألمناسبة للتكنولوجيّا الجديدة قد يُؤدي إلى حدوث شرخ في آلتّآلف والتكافل الإجتماعيّ ونشأة الصراع ألطبقيّ(7).
يُمكننا إختصار جدليّة ألثقافة و آلتكنولوجيّا بجملة واحدة: [ألأخلاق يتناسب عكسياً مع آلتكنـولوجيا]!
و الحمد لله بلادنا في مأمن من ذلك لكونها تفتقر إلى الجانبين؛ الأخلاقيّ و آلتكنولوجيّ بسبب الحكام!
و آلسّؤآل الأساسيّ ألرّابط بين الجانبيّن : هل تتحقّق ألسّعادة في حياةٍ ماديّةٍ مَدَنيّةٍ عادلةٍ لا أخلاقيّة!؟
Azez Alkazragyعزيـز حمــيد ألخـــزرجيّ
A cosmic philosopherفيلسوف كـونيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. ألأمريكيون بعكس الأوربيين أصحاب “الرينوسانس” و الثورة, لا يؤمنون بآلقيم و الأخلاق سوى التوسعة العلمية و الاقتصادية و المالية, و لهذا سعوا و للآن نحو تشكيل إمبراطورية معلومالية للسيطرة على العالم, بينما الأوربيون, حين نهضوا لم يتركوا الجانب الأخلاقي وآلقيمي .. بل حاولوا ترسيخ الجانبين المادي و الحضاري و إن كانت فرنسا قد تغييرت أخيراً.
2. بنظرة لحال ألدول الأسلامية والعربية ومنها العراق, نرى أنّ معظم الناس يُعانون ألبطالة المقنعة, خصوصا في العراق, حيث يعتمد 5.5 مليون موظف على الرّاتب النفطيّ بلا إنتاج حقيقي, ويتمّ إستيراد كل شيئ, كما لاحظتُهم والعرب حتى خارج أوطانهم يعتمدون على المساعدات الحكومية والتزوير والأحتيال, بسبب ألجهل وآلفساد الحكومي الذي إنعكس عليهم.
3. Woodard, James W. “Critical Notes on the Culture Lag Concept.” Social Forces 12.3 (Mar. 1934): 388-398. SocINDEX with Full Text. EBSCO. Langsdale Library, Baltimore, MD. 30 Sep. 2009.

4. Ogburn, William F. Social change: With respect to original nature . Oxford England:
Delta Books, 1966. PsycINFO. EBSCO. Langsdale Library, Baltimore, MD. 30 Sep. 2009.

5. Schaefer, Richard T. Sociology: A Brief Introduction 8th Edition. New York: McGraw- Hill, 2009. Print.
6. Ogburn, William F. “Cultural Lag as Theory.” Sociology & Social Research 41.3 (Jan. 1957): 167-174. SocINDEX with Full Text. EBSCO. Langsdale Library, Baltimore, MD. 30 Sep. 2009.

7. Marshall, Kimball P. “Has Technology Introduced New Ethical Problems?.” Journal of Business Ethics 19.1 (n.d.): 81-90. SocINDEX with Full Text. EBSCO. Langsdale Library, Baltimore.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here