منصات الاعتصام… تهمة اجتماعية تلاحق معتليها

كمال العياش

مرتادو ساحات الاعتصام أو ممن اعتلوا منصاتها غالبيتهم نبذوا داخل المجتمع الانباري، إن كانوا رجال دين أو شيوخ عشائر لا يقبل منهم رأي ولا مشورة على المستويين السياسي والاجتماعي.

ليس غريبا على مجتمع محافظة الأنبار (110 كلم) غرب العاصمة بغداد أن ينقاد خلف شيخ عشيرة أو رجل دين، بسبب الطابع الديني والقبلي الذي يميز هذه المحافظة عن سواها من محافظات العراق، إلا أن الغريب ما تشهده اليوم غالبية مدن المحافظة من نفور مجتمعي ينبذ بعض الشخصيات التي كان لها اثر واضح في حياة السكان المحليين، قبل وأثناء التظاهرات والاعتصامات التي شهدتها المحافظة عام 2013.

الاعتصامات وما نتج عنها كان له الوقع السيئ في نفوس السكان المحليين، وهذا بدوره انعكس سلبا على تعاملهم مع هذه الشخصيات التي كان ينقاد البعض خلف قراراتها ملبيا ومطيعا بلا مناقشة أو اعتراض.

جرت العادة عند العائلات في محافظة الانبار أن تصطحب احد رجال الدين المعروفين في المدينة عندما يتوجهون لخطبة فتاة، وكتقليد معروف داخل المدينة سعى احد الشباب برفقة أقاربه يتقدمهم احد رجال الدين المعروفين، ولسوء حظ الشاب كان والد الفتاة ممن اتخذوا موقفا سلبيا تجاه هذه الشخصيات.

عبد الكريم الجميلي (56 عاما) أحد السكان المحليين لمدينة الفلوجة الذي رفض تزويج ابنته بسبب طلبها من قبل رجل دين لأحد الشباب، يرى أن هذه الشخصيات لم تعد محل ثقة ولا يمكن أن تعود مرة أخرى الى الواجهة، وتتصدر مكانا متقدما في أي محفل أو مناسبة.

ويقول أيضا “حتى لو فرضنا أنهم كانوا يعملون بحسن نية وكانوا يقولون ما يمليه عليهم ضميرهم، يجب أن يعلموا أن المجتمع لم يعد يحتمل ما يتفوهون به، والأجدر بهم أن يلزموا بيوتهم ولا يتقدموا لقيادة المجتمع مرة أخرى لأنهم ليسو أهلا للقيادة.

ويبدو هذا النفور واضحا جدا عندما نرى البوصلة السياسية قد استبعدت بعض الشخصيات العشائرية عن الساحة السياسية، بعد أن كانت تمثل عامل جذب لبعض الأحزاب والكيانات التي تسعى الى كسب أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات.

محمد الدليمي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، يرى أن الأوضاع الاستثنائية التي عاشتها بعض محافظات العراق إبان التظاهرات والاعتصامات قد تسببت في تهاوي بعض “العروش العشائرية”، ممن كانت لها سطوة سياسية واجتماعية وكذلك الدينية التي وصفت “بالمحرضة”، الأمر الذي سهل نشوء قيادات عشائرية ودينية أخرى.

الدليمي تحدث لــ”نقاش” وقال “بعيدا عن تحديد أسماء وعناوين تلك الشخصيات التي لم تعد محط أنظار الأحزاب والكيانات السياسية، برزت كيانات عشائرية جديدة استثمرت النفور الشعبي والسياسي من تلك الشخصيات، وأصبحت بديلا يتولى قيادة المحافظة سياسيا واجتماعيا”.

واستدرك “النتائج التي تم استخلاصها من دراسات وبحوث ميدانية أجريت على عدد كبير من السكان المحليين، تؤكد أن غالبية سكان تلك المحافظات قد فقدوا الثقة بأي زعيم عشائري أو ديني، على الرغم من قناعتهم بان المرجعية الدينية والعشائرية مهمة وضرورية لأي مجتمع مدني يسعى الى أن يمتلك القوة والنفوذ”.

عند سؤالك أحد المارة ممن لا يذهبون لأداء صلاة الجمعة والتي تعد فرضا مهما لدى المسلمين، فانه يجيبك، “هل أعود واصلي خلف هذا الشيخ؟” في إشارة ضمنية الى اسمه وموقفه الداعم للاعتصامات، والآخر يجيبك “نعم اذهبٍ لأكون قد أديت واجبي أمام الله، الا أنني غير مقتنع بهذا الشيخ وبما يقوله”.

بلال هلال (45 عاماً) احد السكان المحليين لمدينة الفلوجة والذي يقطن حي الشرطة قرب احد المساجد المهمة والكبيرة وسط هذا الحي، يرى أن أداءه لبعض الفروض في المسجد القريب من داره ما هو الا طقوس دينية اعتاد عليها.

هلال، تحدث لــ”نقاش” قائلا “معظم رجال الدين وشيوخ العشائر فقدوا مكانتهم الاجتماعية داخل المحافظة، لاسيما الذين تولوا مناصب قيادية وتنظيمية في ساحات الاعتصامات، ولم يعد لهم تأثير على حياة الغالبية من السكان المحليين”.

ويضيف أيضا “نشهد بعض النشاطات والفعاليات داخل المدينة يتقدمها أحيانا بعض تلك الشخصيات، بحضور عدد من الأشخاص ممن كانوا مؤيدين لأفكارهم ومشاريعهم التي كانوا يروجون لها من خلال منصات ساحات الاعتصام، وهي محاولات من خلال هذه الفعاليات لكسب ثقة الجمهور مرة أخرى”.

غالبية السكان المحليين لا يشككون في نوايا من كانوا يدافعون ويروجون لساحات الاعتصام أو المطالب التي كانت تتخللها، إلا أنهم أصيبوا بخيبة أمل عندما أيقنوا أن هذه القيادات قد فقدت السيطرة على تلك التظاهرات.

احمد درويش، (51 عاما) أحد السكان المحليين لمدينة الفلوجة، لم يقلل من شأن تلك الشخصيات ووصفها بـ”شخصيات مندفعة”، استثمرت اندفاعهم أجندات سياسية أدت الى الإطاحة بمكانتهم الاجتماعية.

ويشير درويش الى أن “حسن النوايا من قبل تلك الشخصيات لم يغفر لهم الأخطاء التي تسببت بدمار وخراب المحافظة، الأمر الذي أفقدهم مكانتهم داخل مجتمع أصبح يرفض أن يتقبل رأيهم ومشورتهم مرة أخرى”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here