لا أُجامل على حِساب وطني

لؤي الموسوي

عند ذهابنا إلى الولايات المتحدة الامريكية مع مجموعة من الاصدقاء بصفة موفدين، عند وصولنا خطفت انظارنا المباني الكبيرة وجماليتها ونظافة شوارعها وقواعد سير المرور المنتظمة من دون ان تشاهد رجل مرور، وابتسامة مواطنيها بمجرد ان تقع عينيك عليه.

في عطلة نهاية الاسبوع قررنا ان نخرج لنزهة لنرى جمال الولاية التي محل إقامتنا، فطلبنا من موظف استعلامات الفندق ان يطلب لنا سيارة اجرة “التكسي”، ماهي إلا ثوان وسيارة الاجرة واقفة امام باب الفندق مع ابتسامة عريضة من قِبل سائق السيارة، فاستقلينا السيارة، فكان من بين الاصدقاء من يمارس عملية تدخين السكائر، فما إن رأه سائق سيارة الاجرة طلب من صديقي ان يتوقف عن التدخين فوراً، فقال له صديقي ولِما هل القانون يمنع ذلك ام هنالك سبب اخر فرد عليه كلا ليس القانون وانما انا لا اقبل بذلك لاني لا اجاملك على حِساب صحتي!.

لو لاحظنا كمواطنين عراقيين كم منا يمارس عملية المجاملة في الحياة اليومية، الجار يُجامل جاره، والصديق يُجامل صديقه والموظف يُجامل زميله ورئيسه، واحياناً يتطلب الامر ان نُجامل اشخاص لا نودهم او لانعرفهم انطلاقاً من باب الانسانية، فكل ماذُكِر جميل ورائع ان تكون لغة الحب والابتسامة هي السائدة تجاه الاخرين، لكن هنالك خطوط حمراء لايمكن للمرء ان يُجامل على حِسابها على سبيل المثال كالعقيدة والوطن التي لايمكن ان نجامل من اجل مصلحة ما فيكون الثمن العقيدة او الوطن او كلاهما معاً.

المواطن جامل كثيراً وافرط في المجاملة على حِساب الوطن، فكانت نتائجها ان يحُكم العراق من قِبل البعث وما جرى ابان حُكم البعث للعراق من جرائم وحشية يندى لها جبين الإنسانية لا داعي لسردها فهي واضحة للعيان، فعلى اثر تلك السنوات اختلطت المجاملة مع طابع الخوف فسكت المواطن خوفاً منه للحفاظ على نفسه واسرته من الهلاك.

ما يهمنا احداث 2003، وسقوط نظام البعث و بزوغ فجرٌ جديد اطل على العراق بعد سنوات عُجاف من الخوف والحرمان والقتل والتهجير القسري، فاطلق على مرحلة مابعد سقوط نظام صدام بأسم العراق الجديد، توالت الاحداث الحدث تلو الحدث وعاماً تلو العام، مرة العملية السياسية الفتية بمراحل من الصور من مجلس الحكم إلى الجمعية وتضمنت كتابة الدستور وانبثق عنه تحديد نوع الحكم في العراق واجريت انتخابات لتشكيل حكومة عراقية منتخبة رافقتها احداث بين احتلال وارهاب وفساد وعملية سياسية تسير ببطء كسير السلحفاة، وهاهي خمسة عشر عاماً قد مضت على سقوط البعث وانتهاء زمن الخوف ولازال المواطن يمارس المجاملة على حِساب الوطن وحقوقه!.

بسبب تلك الممارسة وسكوته عن الفاسدين دفع العراق ثمناً باهضاً.

تجد المواطن متذمراً من نقص الخدمات وسوء الإدارة وتفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة وتسلط الفاسدين من البعض في العملية السياسية وفي باقي المؤسسات الحكومية وعلمه المسبق بانهم فاسدين لكن تجده بمجرد ان يقوم هذا المسؤول وذاك بزيارةٍ ما لهذه المدينة وتلك تجد ممن يهتف بأسمه وتذبح الاغنام تحت اقدامه تكريماً له!.

العراق مُقبِل على حدث مهم ومرحلة حرجة ومفصلية جداً في رسم خارطة العراق المُستقبلية بعد مرور خمسة عشر عاماً من فجر الحرية والديمقراطية بولادة عملية سياسية فتية، لاتقل اهمية عن مرحلة كتابة الدستور وتشكيل حكومة 2005، متمثلة بالانتخابات التشريعية المزمع اجرائها في الثاني عشر من شهر ايار القادم في تحديد المصير هل بابقاء الوجوه المتكررة التي لم تعمل للوطن ام بتغييرها وهذا يعتمد على المواطن نفسه.

ان يتخلى عن المجاملة لمرة واحدة لهذا المسؤول وذاك، سواء كانت تربطه صِلة القرابة او العِرق او العقيدة و ان يكون اختياره هو اختيار للوطن لاغير، وان لا يُكرر اخطاء الماضي على حِساب الوطن فيعض بعدها على يديه من الندم ولات ساعة مندم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here