بارزاني من منظور أمني الحلقة الرابعة / الاهتمام بقوات البيشمةركة

عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
[email protected]
6/3/2018
تعد كلمة البيشمركه من الكلمات , والمصطلحات المهمة , والمقدسة عند الشعب الكوردي , فهذه التسمية تطلق على إنسان يعمل بنكران الذات , و مضحياً بحياته من أجل حرية , وحقوق شعبه العادلة .، فكان لسماع هذه الكلمة الوقع الصعب , والمخيف بين أتباع الأنظمة السابقة من أجهزة ألأمن , وإلإستخبارات , ورجال السلطة , وبالتالي يتحول إلى مصدر للإعتقالات , والتغييب في السجون , والموت لمن تثبت له أية علاقة بمن يحمل كلمة بيشمركه , من الناحية اللغوية تتكون التسمية من كلمتين: بيش وتعني : أمام , ومرك تعني : الموت , فالتسمية تعني : أمام الموت , وهو تحدي الموت، أما كيف تم إختيار هذه التسمية , ومتى فأن التاريخ يحدثنا إنه في إحدى أيام جمهورية مهاباد إجتمعت القيادة السياسية والعسكرية للجمهورية بقيادة الشهيد القاضي محمد , لإيجاد تسمية تطلق على الرجال المقاتلين , فكثرت التسميات , والمقترحات من جانب المشاركين فمنهم من إقترح كلمة مقاتل , أوفدائي, وغيرها وفي تلك الأثناء دخل القاعة أحد رجال الخدمة حاملا مجموعة من أقداح الشاي للمشاركين , وإسمه (أحمد دسمال ) ، عند سماعه بموضوع المناقشة طلب من القاضي محمد أن يشارك في إختيار التسمية مختاراً كلمة (بيشمركه) , فوافق الحضور على هذه التسمية , وأتخذت من ذلك التاريخ رمزاً للمناضلين الكورد , ومورد حب , وتقدير الشعب الكوردي وإحترامه .
كل مجتمع من المجتمعات البشرية , و على مر التاريخ يفتخر بما قدمه ابناوءه , من خدمة جليلة للإنسانية , و يعلو به هامته , و يشعر بأنه قدم شيئاً , ولو قليلا إلى الحضارة الانسانية , وأن ما افتخرنا به , ولازال نفتخر هي تلك الشجاعة الفائقة التي يبديها أبناء شعبنا الكردي , الذين ناضلوا بكل بسالة, شتى المظالم , وأنواع الأضطهاد من أجل حقوقه ، إنهم (البيشمه ركه) الذين يفدون بأغلى مالديهم, يضحون بدمائهم الزكية في سبيل وطنهم , و شعبهم , تلك الكلمة التي تنهار بمجرد نطقها كل الحصون , و القلاع , و يهزم أقوى الجيوش , و تدمر أحلامهم الواهية بتدنيس أرض كوردستان الطاهرة , هذا البيشمه ركه الذي لايعرف الكلل , أو الملل , ولا الصعاب , و لا الخجل , خلق ليقاتل , و يدافع , و ينتصر , و يضحي , و ينير درب شعبه نحو العلا , و الآفاق الرحيبة , فاالليل عنده نهار , و يعشق السلاح , كعشق العذراء لحبيبها , ويتمتع بشم البارود , ويجد فيها اللذة ، فهو القلعة الحصينة بصدره و الجبل الشامخ بقامته , و سيد الغابة بضربته , عنيد مثابر , صبور , بشجاعته , كبير بعطفه , و حنانه , بكل قطرة من عرقه تهتز قوى الشر , و الظلام , و تصبح كالفئران في جنح ظلام الليل , و بقطرة أخرى يصنع الحياة , على المحبة , و التفاؤل , و الحنان .
و(البيشمه ركايه تى) مؤسسة تربوية جعلت هدفها خدمة الوطن , و التضحية له , و شعارها ( الإخلاص – الفداء – التضحية حتى النصر) فانها مدرسة , بل جامعة في أرقى مستويات العلم , و المعرفة , و بناء الإنسانية التي لاتعرف الظلم و الاضطهاد , و تخرج منها العديد من الاسماء الذين كانوا , و لايزالون نجوماً لامعة في سماء كوردستان , و يفتخرون بإنتمائهم لهذه المدرسة العريقة بأصالتها , و منهجها , إما كوردستان دولة علمها يرفرف بين الأعلام بألوانه الزاهية , أو الموت , و تبقى القلعة الحصينة , و السور القوي كلما مر عليه الزمن , أصبح أكثر صلابة وعزاً , وأكثر بهاءً كالأثار…

ولد البارزاني بين مصاعب الحياة , كان لا يزال طفلاً حين سمع بالإضطهاد , والسجن , وألم التشرد , ومواجهة سياسة الأعداء المتعسفة , والدفاع عن حقوق , وحياة الكورد , وعاش أحداثها.
أي إنه منذ مقتبل شبابه بدأ بنضال دؤوب للدفاع عن أرض الوطن , وسيادة , وعظمة شعبه , وشكل جيشا من البيشمه ركه المقدامين لهذا الغرض , من أبناء عشيرته المخلصين الصابرين , والذي كان يختلف عن كل جيوش العالم الأخرى , لأنه في الجيوش الأخرى تختار الجندية كعمل , و وظيفة , ومنصب من أجل تأمين الأمور المعاشية , أو في معظم بلدان العالم يضطر الذكور البالغين (18) عاماً , وأكثر أن يخدموا في صفوف جيشهم لمدة معينة , ولكن جيش البارزاني لم يكن من أجل المال , والمناصب , ولم يكن العمل فيه إجبارياً , بل كان من أجل حياة الحرية , وتأمين الحقوق المشروعة للشعب , وتحرير الكورد وكوردستان , ولهذا السبب , فإن اسمه يختلف عن أسم القوات المسلحة الأخرى في العالم وهو اسم (البيشمه ركه) والذي هو اسم على مسمى.
كان البارزاني والبيشمه ركه أمثلة لمناضلين ذوي أخلاق عالية , ولم يكونوا مبادرين أبداً للقتال , والهجوم, والإغارة على أحد أو طرف , أو دولة , ولكن إذا (تحرشوا) بالكورد , أو شنوا هجوماً , أو أغاروا عليه, فإن البارزاني وبيشمه ركه ته , لم يقفوا مكتوفي الايدي دون ريب , واضطروا إلى اللجوء إلى السلاح , والثورة للدفاع عن انفسهم , وشعبهم ومواجهة المتحرشين المهاجمين.
كان البارزاني دائماً بيشمه ركه نشيطاً , وفعالاً , شجاعاً , منتبهاً , وعلى أهبة الاستعداد , لذا فإننا حين نتأمل صور البارزاني نلاحظ ذلك مباشرة , ونقرأه على ملامحه بأنه على استعداد دائم مثل أي بيشمه ركه في الخندق , وميدان النضال , حيث رتب نفسه بملابس البيشمه ركه , والخنجر , وبندقية البرنو , وجعبة الطلقات , والجوارب الساقيه الصوفية , (بووزه وانه). كان على دراية تامة , وخبرة جيدة في حياة ونضال (البيشمه ركايه تي) , و وضع الاستراتيجية , وأختار التكتيك المناسب لحرب الأنصار , ويشير (فرنسو حريري) الى انه ((كان البارزاني نابغة في حرب الانصار , وأن من قاتل بجانب البارزاني لايوجد بينهم شخص واحد يروي حادتة ويقول : إن البارزاني قد خطط لمعركة لم يصب الهدف . إن أي معركة خطط البارزاني خطتها , و وضع لها ساعة الصفر , وعين لها المقاتلين ليس ثمة من يقول ذهبنا إلى معركة خطط لها البارزاني ولكن لم نستطع تنفيذها , ولم ننتصر)).
ومن الصفات المهمة الأخرى في شخصية البارزاني الذي تحول من خلالها إلى قدوة مؤثرة في الشعب الكوردي , والحركة التحررية في كوردستان هي (البيشمه ركايه تي) فالبيشمه ركه كتنظيم تبلور على أيدي البارزاني , وأخذ طابعاً قومياً , وتحول إلى قوة ليس في كوردستان الجنوبية , بل في الأجزاء الاخرى من كوردستان , وكانت الدول المحتلة لكوردستان تحسب له الف حساب.
كما هو معلوم بان التاريخ العسكري للبارزاني يشكل جزءاً مهماً من تاريخه الشخصي , وبنضاله المسلح لعدة سنوات , أصبح ذو علم , وتجربة كبيرة في هذا الخصوص , وكان يعرف نفسه كـ(بيشمه ركه) قبل كل شيء , وكانت الموسسة المقدسة هذه لاتعترف بالحدود الجغرافية بين أجزاء كوردستان المختلفة , لذا جعل هذه المؤسسة في خدمة الأجزاء الأخرى , وإن دور هذه المؤسسة في جمهورية كوردستان في مهاباد يثبت ذلك بشكل جلي.
كان البارزاني يقوم مع الـ (البيشمه ركه) , وكان يتقدمهم في المعارك , ولم يكن يفرق بين نفسه , وبينهم في أية مرة , وباي شكل , لذا كان البيشمه ركه يحبونه كثيراً , ويطيعون أوامره دون تردد , حتى في توجههم للموت , وكان البارزاني يقضي حياته بين البيشمه ركه , يأكل معهم , وينام مثلهم في الجبال والآكام , حتى وصل إلى درجة عدم الخوف , والثبات حتى في أوقات القصف الجوي.
كان البارزاني يعطي الأهمية الفائقة للبيشمه ركه , وكان يرى هذه المؤسسة المقدسة حسب نظرة البارزاني إن الجهة التي لا قوة لها لايمكنها أن تكتسب الإحترام بين الناس , وإن الشيء الذي عُصبه العدو لايمكن استرجاعه بسهولة , لم يكن في قاموس البارزاني شيء إسمه الاستسلام , أو وضع السلاح أو المتاجرة بحقوق الكورد , أو قبول المساومة مع , العدو مهما كان قوياً , إن البيشمه ركايه تي مؤسسة ولدت من رحم المجتمع الكوردي , وتلعب حتى اليوم دورها القومي والوطني , تربت على الصفات الحميدة للشعب كالرجولة , والشهامة , والتسامح , وحافظت على أحجار وأشجار كوردستان , وكبرت بين جبالها , و وديانها , وامتصت روح الكوردايه تى من تراب كوردستان.
كانت أمهات الكورد يُسَمين أولادهن باسم البارزاني , وكان البارزاني يقود البيشمه ركه الأبطال , ولم يسمع بابتعاد البيشمه ركه من بيوتهم وعوائلهم , وكانت علاقة البيشمه ركه مع القرويين جيدة , وفي أوج حالتها وكان البيشمه ركه يقومون بالاهتمام بحقولهم وبساتينهم ,كلما سنحت لهم الفرصة , وكان البارزاني يؤمن لأطفال البيشمه ركه كل الدعم المالي , وكانت الثورة تقدم رواتب إلى عوائل البيشمه ركه .
كان البارزاني يعتز بالبيشمه ركه الابطال , والمناضلين القدامى , وكان البيشمه ركه , والشعب الكوردي بمختلف شرائحه , والسهول , والجبال , والقرى , والمدن يفتخرون ويعتزون برئاسة البارزاني .
كان البارزاني يرفض رفضاً كلياً فكرة حل البيشمه ركه التي كانت تصر عليها الحكومات العراقية المتعاقبة في كل جولة من مفاوضاتها مع القيادة والثورة , وكان البارزاني يقول (البيشمه ركه شكلت تلبية لضرورة قومية تاريخية , وقد أصبحت قوة عظيمة للدفاع عن حقوق الكورد , وهي لاتهدف إلى العدوان , وإن الذين يريدون حل البيشمه ركه قبل تحقيق الكورد لأهدافهم , وغاياتهم ينظرون إلى المسألة بطريقة مقلوبة, مثل الذي يضع العربة قبل الحصان .
ولمعرفة المزيد عن مدى دفاع البارزاني عن البيشمه ركه , والاهتمام بأمورهم المعاشية , وتأمين حياة سعيدة لهم .
مرت سنوات كثيرة على الثورة , والبيشمه ركه لم يكن لديها السلاح الذي يمكنها من التصدي لهذه القوة الحكومية الكبيرة المدججة بالأسلحة , سوى قلبها , وجرأتها , وشجاعتها , والثقة بقائدها , وهذا السلاح نفعها أكثر من أي سلاح آخر , ومنذ بداية هذه الثورة الطويلة ألامد إلى نهايتها , لم تجدِ محاولات الحكومة نفعاً في حسم الثورة بالعمليات العسكرية , بل تطورت واشتد أوارها رغم ممارسة جميع الضغوطات , إلى حد أنه لم يبق موقع في طول كوردستان وعرضها , لم تصبح جبهة قتال . ولم يكن لكوردستان في ذلك الوقت أي مصدر داخلي لمواردها , لتأمين السلاح , وأرزاق البيشمه ركه , غير قيادة نابغة ذات أهلية , والتي كان واجباً هاماً , وصعباً جداً لإدارة الثورة.
ويتبين من الرسائل الجوابية للبارزاني على عرائض البيشمه ركه أنه كان يكتب تلك الأجوبة بخط يده, ويسطر تحتها (خادمك البارزاني مصطفى) , وبعدها يوقع باسمه المجرد مصطفى , ويقول (شكر عبدال شيخكي) كان البارزاني يهتم بالبيشمه ركه , وخاصة في أوقات القتال ويستفسر عن أحوالهم وبالأخص الشجعان منهم , فكان على اتصال دائم معهم , ويعرف معلوماتهم عن طريق جهازه الاستخباري , وكان للبيشمه ركه مكانة خاصة عنده يكن لهم الاحترام والتقدير.
ويقول حردان التكريتي (وكان القصد من المفاوضات إعطاء الملا مصطفى كل التنازلات التي يريدها في محاولة لاحتوائه , أو القيام بانقلاب عسكري ضده , لكنه كان أقوى , وأذكى , وأكثر تمرساً بأساليب المناورات السياسية , والعسكرية لذلك اشترط في بند سري من بنود البيان (بيان 11 اذار 1970) بقاء (25) خمسة وعشرين الف جندي من جنود البيشمه ركه تحت السلاح وأعطيناه ذلك .
المقال مقتبس من مؤلفنا غير المنشور البارزاني من منظور أمني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here