حديث عن الوطن

علي علي
لم يبق من زمن الانتظار إلا القليل، ويشير العراقيون بأصابعهم المخضبة الى الشخص الذي يحلمون بانجازاته التي بدورها طال انتظارهم لها، حتى باتت لدى كثير منهم ضربا من ضروب المعجزات. وقطعا لم يأت هذا الشعور من العدم، بل هو وليد مابدر من الشخوص الذي تسيدوا الساحة العراقية كممثلين عن الشعب، خلال السنين الأربعة عشر العجاف المنصرمة من عمر العراقيين. والحديث اليوم عن كثير من هؤلاء الممثلين غير مجدٍ، إذ لاينفع فيهم لوم او تقريع او توبيخ او حتى (شتيمة). وكيف تنفع هذه المغازلات بمن تسبب بحرمان المواطن من حقوقٍ، كان قد بنى آمالا على مرشح في توفيرها له، اوعلى نائب يسعى بشكل جدي في تحقيق شيء من الحد المعقول والمقبول من حقوق المواطنة.
اليوم ونحن على أبواب توديع النواب الذين تربعوا على عروشهم أربع سنوات، أذاقوا خلالها العراقيين -أسوة بالذين سبقوهم- من المرار ألوانا، ومن التعطيل والتسويف والمماطلة في الوعود أشكالا، لايسع المواطن إلا التأمل باللاحق من الخيرين الذين سيملأون حتما الشوارع والساحات بصورهم، وما أمله بهم إلا أن يملأوا غدا حياته بما حرم منه طيلة عقود، على يد النظام السابق او على أيدي المعتلين صهوة المسؤولية، في مجالس الدولة الثلاث، بعد عام 2003.
ولاأظن أحدا يختلف معي في صبر العراقيين وصلادتهم في التحمل، فمنذ سبعينيات القرن الماضي والعراقيون بين معتقل ومعدوم ومطارد ومفقود ومشرد ومنفي، فضلا عن المهاجرين الى بقاع الأرض بعد نفاد سبل العيش الرغيد والحياة الكريمة داخل بلدهم، كذلك من بينهم المجبر على العيش تحت سقف العراق وفوق أرضه، منتظرا ما لاتحمد عقباه، يصبّره في انتظاره هذا تعلقه بأرض وطنه، وحبه لتراب بلده، وانتماؤه لأهله. ورحم الله الشاعر أحمد الصافي النجفي الذي نُفي من العراق مدة خمسين عاما، وحين سُمح له بالعودة بعد طول هذه المدة عاد ولكن، فاقدا بصره. فكانت متعته الوحيدة فيما تبقى من حياته، الجلوس على قارعة الشوارع الرئيسة في بغداد، كي يطيل الاستماع الى أصوات العراقيين ومحادثاتهم، وهو بهذا يستعيض -مجبرا- بحاسة السمع عن حاسة البصر التي فقدها، فكان يردد دائما:
ياعودة للدار ماأقساها أسمع بغداد ولاأراها
هو الوطن ياساستنا وياقادة كتلنا ويارؤساء أحزابنا، ويانوابنا السابقين، وأنتم أيها الموعودون اللاحقون، هو الوطن الذي تستقتل للمحافظة عليه كل المخلوقات، وتذود عنه حتى الحيوانات، أليس حريا بكم وأنتم قادمون بشعارات رنانة، وعبارات وطنية طنانة، أن تعطوه حقه مادمتم تدعون بالوطنية.
هناك أنشودة كان السوفييت ينشدونها في الحرب العالمية الثانية تقول كلماتها :
إذا فقد الجندي ساقيه في الحرب.. يستطيع معانقة الاصدقاء
وإذا فقد يديه.. يستطيع الرقص في أفراح رفاقه
وإذا فقد سمعه.. يستطيع التمتع برؤية الأحبة
وإذا فقد عينيه.. يستطيع سماع ألحان بلده
وإذا فقد الإنسان كل شيء.. يستطيع الاستلقاء على أرض وطنه
أما إذا فقد أرض وطنه.. فماذا بمقدوره أن يفعل؟
فيا أيها الفائز بانتخابات الغد.. هو سؤال يوجهه لك المواطن؛ ماذا بمقدورك فعله لوطنك؟ ومن المؤكد أن الجواب الحقيقي على سؤال كهذا، يكون تحريريا على أرض الواقع لاشفهيا في وسائل الإعلام، وعليه تنعكس جملة حيثيات منها؛ ضميرك.. أصلك.. أخلاقك.. شرفك.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here