علي بن ابي طالب، من هو ؟

وكيف استفاد الرئيس الصيني ماوتسيتونغ من خططه الاستراتيجيته الرائدة، سنوات المسيرة الكبرى، واثناء معارك التحرير من الاستعمار، والتي اتت ثمارها بالنصر المؤزر ؟ (*) د . رضا العطار

كان علي بن ابي طالب من عظماء مشايخ قبيلة قريش, جده عبد المطلب امير مكة تاج هامات بني هاشم واعيانهم , وبنوهاشم ـ كما وصفهم الجاحظ ـ ( هم ملح الارض وزينة الدنيا والسنام الضخم والطينة البيضاء وينبوع العلم ولباب جوهر كريم ) .
يرجع نسبه الى جده الاعلى عدنان بعد تسعة عشر ظهرا, وفيه يقول الشاعر
عبد الباقي العمري :

انت العلى الذي فوق العلا رفعا * * ببطن مكة وسط البيت اذ وضعا

ولد علي بن ابي طالب (ع) في مكة المكرمة داخل البيت الحرام في يوم الجمعة من شهر رجب عام 23 قبل الهجرة , وقد لقبه رسول الله بابي تراب لكثرة ما كان يسجد،
لكن العمري اجاد الشعر في هذا السياق وقال نظما جميلا :

خلق الله ادما من تراب * * فهو ابن له وانت ابوه

السيدة فاطمة الزهراء زوجته, والرسول الاعظم ابن عمه, فقد كان العلي امين سره وحافظ احاديثه ومبلغ رسالاته, وقد اسلم على يده وهو صبي قبل ان يمس قلبه عقيدة سابقة, ولازمه وهو لم يزل فتيا يانعا في غدوه ورواحه, في سلمه وحربه حتى تخلق باخلاقه واتسم بصفاته.

يقول المؤرخ توفيق ابو العلم : كان علي بن ابي طالب شخصية خصبة, ذو نهج لامع، فريد في الادب والبلاغة, وهو الخطيب المبين وهو الفارس المقدام وهو البطل الشجاع وهو صاحب الراي في التصوف والشريعة والاخلاق الذي سبق الجميع في الثقافة الاسلامية, انه كان شديد في الحق, غليظ على الذين ينكرون الحق, انه كان مظهرا من مظاهر التكامل الانساني , انه كان لطيف الحس نقي الجوهر وضاء النفس, عارف بمهمات الامور ايرادا واصدارا.

بعد ان انتخب المسلمون الامام علي بن ابي طالب في مسجد المدينة المنورة خليفة للمسلمين عام 651 ميلادية , بدا الامام بتطبيق برنامجه الاصلاحي في اشاعة العدل والمساواة بين ابناء الامة الاسلامية بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم ولغتهم ولون بشرتهم واتجاهاتهم السياسية والاجتماعية. لقد امر الولاة ان يكونوا رحماء مع رعاياهم كما تجلى ذلك في رسالة الامام عام 656 م الى والي مصر مالك الاشتر.

جاء في كتاب lost history (التاريخ الضائع) الموجود حاليا في مكتبة الكنغرس بواشنطن لمؤلفه الكاتب الامريكي المعاصر ميشيل هاملتون مورغان الذي يعبر فيه عن اعجابه الفائق بالسياسة الحكيمة التي انتهجها خليفة المسلمين علي بن ابي طالب بعد ان اطلع على رسائله التي حررها الى ولاته، ومالك الاشتر كان احدهم مؤكدا عليهم ان يعاملوا المواطنين من غير المسلمين بروح العدل والمساواة في الحقوق والواجبات. فالكاتب الاجنبي اعتبر ذلك انعكاسا صادقا للسلوكيات الحميدة المؤطرة بفضائل الاخلاق التي اهلت الامام علي في ان يكون في تاريخ البشر رمزا شامخا للعدالة الاجتماعية.

يطالعنا الباحث العراقي والمفكر العالمي هادي العلوي من بيجين عاصمة جمهورية الصين الشعبية اثناء اقامته هناك من ان ماوتسيتونغ قد استرشد باستراتيجية امام المسلمين علي بن ابي طالب عام 1947. فقد درسها بامعان واستوعب مغزاها في مجال العلوم العسكرية، فرأى انها مفعمة بالذهن المتفتح والرؤيا المتبصرة التي يتقدم فيها سلطان العقل على سلطان النزعة الغريزية، هذا العقل الذي يحول دون الانخراط في الاعمال التهورية. وبذلك اصبح القائد الصيني ينظر الى علي بن ابي طالب كنموذج ساطع في علوم التعبئة الحربية.

فقد كانت التقاليد الصينية قديما، تقضي بأعدام الاسرى في الحروب والفتك بالخصوم، وكانت اعدادهم اثناء المعارك هائلا، لكن الاستراتيجية الاسلامية التي ابتدعها الامام علي كانت على عكس ذلك، إذ انه كان يجمعهم في معتقلات خاصة، يطعمهم ويرشدهم الى سواء السبيل ثم يقوم بتدريبهم على فنون حرب التحرير، وبهذا الاسلوب القويم كان الامام يكسبهم الى جانبه.
لهذا قرر القائد الصيني تطبيق استراتيجية علي بن ابي طالب على ارض الواقع التي قادته في النهاية الى تحقيق النصر المبين عام 1948.

كان الامام علي يتمتع بشخصية دينية وادبية ومعرفية عالية، فضلا عن انه كان في ساحات الوغى المحارب المقدام، كان في شجاعته مضرب الامثال، يعظًمه اغلب شعوب العالم الاسلامي والعربي، ماضيا وحاضرا بصرف النظرعن طبيعة معتقدات هذه الشعوب واتجاهاتها، فمثلا نسمع من الكاتب والاديب اللبناني ميخائيل نعيمة يصرح قائلا :

ان علي بن ابي طالب كان من عظماء البشر، انبتته الارض العربية. ففي شخصه فجرت الدعوة الاسلامية ينبوعا من المواهب ولم يكن الامام علي مجرد بطل في ميادين الحرب فحسب بل انما كان بطل في صفاء البصيرة وطهارة الروح وسر البيان وعمق الانسانية وحرارة الايمان , وانه ليستحيل على مؤرخ مهما بلغ من الفطنة ان يكون قادرا على وصف شخصية عظيمة من معيار الامام علي حتى لو كتب الف صفحة, ذلك العملاق الذي لم تسمعه اذن ولم تبصره عين من قبل.

وفي الختام اقول : كان الامام علي صاحب رسالة انسانية خالدة، انبثقت من معين مكارم الاخلاق، ولذا بقي ذكره الحسن كالشعاع المنير يضيئ درب الهداية والصلاح للبشرية جمعاء ماضيا وحاضرا ومستقبلا, حقا كان الامام علي في ادارته لشؤون الدولة الاسلامية متحليا بمكارم الاخلاق ومتجليا بالحرص المطلق لشؤون الفقراء، جاهدا ومنضلا في سبيل تطبيق قواعد والنهج السليم لروح العدالة الاجتماعية.

و في هذا المجال يشرفني ان اسجل بمداد من ذهب، فخري واعتزازي بالزعيم العراقي
عبد الكريم قاسم، كونه كان اول حاكم عربي مسلم انتهج سياسة على بن ابي طالب
في رعايته لفقراء الأمة، مقتديا به في حرصه المستدام على شؤونهم، فكان جل اهتمام الزعيم اقامة المشاريع الخدمية وتهيئة الظروف المؤاتية لخدمة الفقراء قبل كل شيء :
( جسديا وصحيا وعقليا ) كي يكونوا في مستقبل الايام اهلا لبناء عراق متقدم مزدهر. وفي سبيل تحقيق هدفه المنشود ضمن برنامجه الاصلاحي، عرًض الزعيم حياته لمهب الريح، متحديا بطش الاعداء، مضحيا بروحه ـ الطافحة بحب العراق ـ في سبيل رفعة العراق وفقراء العراق.
رحم الله الزعيم عبد الكريم قاسم.

(*) المصادر :
1- توفيق ابو العلم في علي بن ابي طالب , اهل البيت القاهرة 2003
2- هادي العلوي في المستطرف الصيني، بيروت عام 2000
3- التاريخ الضائع، لميشيل هاملتون مورغان مكتبة الكنغرس واشنطن عام 2007
4- انتوني نتنج العرب من العصر الجاهلي الى عهد عبد الناصر القاهرة 2004
5- مقتطفات من حكم الامام علي من كتاب سنابل القمح

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here