إعتذاري للنخيل!!

لو بحثتم عن كلمة نخلة في خطابات جميع حكام العراق والمسؤولين فيه منذ تأسيس دولته وحتى اليوم , فلن تجدوا مَن ذكرها منهم في خطاباته أو أبدى إهتماما بها.
وكذلك كلمة دجلة والفرات , وأتحداكم إن عثرتم عليهما في خطاباتهم أجمعين.
وهذا سلوك غريب يشير إلى أن الذين تسلطوا على العراق لم يعرفوه وما عملوا من أجله , وإنما جميعهم وبلا إستثناء , وحتى يومنا هذا , وطنهم الكرسي والفئة والحزب لا غير.
أما العراق كوطن فهو بئر نفط يدر عليهم أموالا يستحوذون عليها ويتنعمون بها وليأكل الشعب الحصى.
هكذا جرت الحياة في العراق على مدى قرن أو يزيد , ولا تزال بذات العقلية النكرانية للوطن العراق.
فما يجري اليوم لا يختلف عما جرى سابقا , وإنما هو تعبير مضاعف مدجج بآليات إنتقامية وتدميرية غير مسبوقة.
وعودة إلى النخلة , فأن الناس قد أذلوها وما عرفوا قيمتها وأعدموها بالجملة , وإحتقروها , وهي التي أطعمتهم وأعزتهم وحافظت على وجودهم وعزتهم وكرامتهم.
وبسبب هذا التجافي والقسوة على النخلة يسّر لها ربها مَن يرعاها فيأخذها من أهلها الذين أذلوها , لتزهو متباهية في أصقاع الدنيا الأخرى.
وها هي بساتينها الشاسعة زاهية في كليفورنيا وأريزونا , فتلقى العناية الفائقة والرعاية المعاصرة , فتجدها شامخة عزيزة محترمة , يحتفي زراعها بعطائها الوفير , ويتنعمون بما تدره عليهم من ثروات .
إنها النخلة العراقية التي أذلها أهلها , أقف أمامها وأتطعم بثمرها البرحي والخستاوي والحلاوي والبربن والأشرسي والزهدي , وغيرها من أنواع التمر التي لا أستطيع لجم شهيتي عن تذوقها.
هذا الإهمال الجائر يسّر للنخيل خلقا أرأف منا بها , وأكثر حرصا عليها وتقديرا لأهميتها ونعمة عطائها الوفير , وما تساهم به في بناء الإقتصاد المحلي والحفاظ على البقاء , ونعمة العيش الرغيد في البقعة الأرضية التي تحل بها وتترعرع.
وهي شجرة مباركة لا تحتاج للكثير من العناية والمُداراة , بل أنها تعطي أكثر للذي يعتني بها ويعزها ويكرمها.
لقد إحتقرنا النخلة فعانينا شظف العيش وقلة الطعام , وجعنا في بلدٍ ترعاه النخيل لكنه عاداها وأعدمها , ولهذا فهو يجوع لأنه شن عليها حربا شعواء قاسية.
وعليه فأن الواقع المعاش يميل إلى الإفقار والإندحار في أقبية التراب ومغارات الغابرات الخاليات من اللون الأخضر.
فالأشجار عندما نعاديها تغضب علينا فلا تعطينا ولا نهنأ بعطائها , وغضب الأشجار يُسخط السماء على البشر , وقد تنتحر الأشجار لعدم قدرتها على تحمل شرور البشر , وهذا ما حصل في بلاد كانت ذات رافدين.
فأعيدوا للنخلة هيبتها ودورها في صناعة الطعام , فهي شجرتنا المباركة التي تطعمنا وتأبى أن نجوع!!
فهل من زراعة نخلة في كل بيت يا عرب؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here