بغداد … أوصدت أبوابها

صبحي ساله يي

نجمت الأزمة الإقتصادية في إقليم كوردستان جراء أمور كثيرة، أبرزها تكاليف الحرب ضد داعش الإرهابي التي إستمرت لأكثر من ثلاث سنوات، وإستقبال وإيواء ما يقارب مليوني نازح، والسعي المتواصل لحكومة بغداد منذ سنوات الى إهمال حقوق الكورد وفرض شروطها التعجيزية الخانقة ومواقفها المحددة، والإمتناع عن صرف حصة الإقليم من الموازنة الإتحادية وقطع رواتب الموظفين والعمال الكوردستانيين، بهدف محاصرتهم وإستنزافهم، وإثقال كاهلهم وزيادة همومهم اليومية، والتعويل على زيادة الإحتقان الداخلي وتعميق الخلافات للفشل في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وخلق جو من المعارضة الشعبية والسياسية لحكومة الإقليم، تتماشى توجهاتها مع مطالب بغداد غير الدستورية، وإنتاج ردود أفعال تؤدي إلى إنقسامات داخل البيت الكوردي, وبالتالي نسف الأمن والأمان اللذين يتنعم بهما الإقليم. وتهميش وتحجيم السلطات في أربيل، والحد من دستوريتها وشرعيتها المكتسبة, وصب الزيت على نيران المآزق التي تضيق الخناق على حكومة الإقليم، وعدم تطبيق الوعود التي طالما قدمتها بغداد خلال الفترة السابقة، وعدم إلتزامها بالشراكة والاتفاقيات. وآخر أوراق اللعب لدى بغداد، التي تتحمل مسؤولية عدم تطبيق الدستور العراقي، تمثلت في إقرار موازنة سنوية يمكن أن توصف بالمجحفة بحق الكورد، لأنها مررت في ظل غياب الكورد والعدالة، ولأن الحصة المخصصة لكوردستان لا تكفي لتأمين رواتب موظفي الاقليم، ناهيك عن المبالغ الضرورية لتقديم الخدمات وصيانة البنية التحتية.

حكومة الإقليم، التي تمتلك زمام قرارها الوطني، إتخذت مواقف مشرفة تجاه تصرفات بغداد وتعصبها وتماديها، وسطرت بمداد من ذهب ثوابت كوردستانية أصيلة، ولاسيما في مجالات تحديد القرارات المصيرية في البلاد، ورفضت التنازل عن أجندتها الأخلاقية، وتحملت تبعات تلك المواقف المصيرية. كما أن رئيس الحكومة السيد نيجيرفان بارزاني لم يألوا جهداً في دفع عجلة الحوارمع بغداد نحو الأمام في كل الأصعدة وفق أطر دستورية قانونية. وحتى بعد تمرير قانون الموازنة الذي يعتبر إنتهاكاً صريحاً لمبدأي الشراكة والتوافق اللذين بني على أساسهما العراق الجديد. أكد رئيس حكومة الإقليم على ضرورة وضع حد لسياسة الغالب والمغلوب، ومن هو الاقوى أو من هو الاكثر عدداً، كما أكد إلتزامه بحل المشكلات مع بغداد على أساس الدستور، وعبر عن الأمل في أن تتوصل المحادثات والحوارات بين أربيل وبغداد إلى نتيجة تصب في مصلحة الجميع.

تمرير الموازنة بالتوافق بين الكتل الحزبية الشيعية والسنية العربية في البرلمان العراقي، أو كما يقال بمنطق الأغلبية العربية، ومعارضة كوردية تامة، أعاد الذاكرة الى الوراء، الى أيام التحالف الإستراتيجي بين الكورد والشيعة، وأيام لم يجد فيها النواب والساسة السنة، الملاذ الآمن لهم ولأهليهم في غير كوردستان، وأعاد من جديد فتح الملفات القديمة بين الكورد والعرب. كما دفع الساسة والنواب الكورد في برلماني بغداد وأربيل الى التوجه نحو الشعب الكوردستاني، ليقولوا لهم :

بغداد بموقفها الصارم في الموازنة الجديدة، أوصلت رسالتها لكم، تعاقبكم، وتؤكد قطع أرزاقكم، وتدفعكم نحو الإبتعاد عن العراق، وأن الساسة والنواب العرب لا يريدونكم شركاء لهم في عراق اليوم. وأن ومساعي الحكومة المركزية، تتعدى المآخذ والملاحظات ولي الأذرع والموازنة وغلق المطارات والمراوغة والتماطل في معالجة التركة الثقيلة، وإنتهاك مبادىء الشراكة والتوافق والتوازن والدستور والتجاوز عليها، لأنها تريد أن تخضع الأمور لمقاييس الاكثرية التي لا تسامح، ولا تقبل بالآخر وتستكثر كل حقوقكم القانونية والدستورية وتتشبث بالتزمت والعسر، وتصل إجراءاتها العقابية المالية والسياسية والعسكرية الكثيرة، وإقتناصها الفرص وإبتزازاتها المستمرة، الى الايقاع بكم وتأزيم أوضاعكم وشل حركتكم وإستهدافكم ومسألة وجودكم، وإنها توصد في وجوهكم كل الأبواب، وتحاول القضاء على كل ما حققتموه من منجزات، لذلك لاتندموا على ذهابكم إلى الإستفتاء، وأن ما تشعرون به من تهديد يتطور كل يوم .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here