بمناسبة 8 آذار مجتمعا متنورا متقدما مشروط بمشاركة كاملة للمرأة

نبيل عودة

كثيرا ما نسمع بمناسبة يوم المرأة العالمي إعلانات تعبر عن موقف التأييد لحقوق المرأة ومساواتها الاجتماعية، ويطرح بعض الكتاب مواقف تعبر عن أصالة موقفهم من حقوق النساء ومساواتهم.
مع اقتراب الثامن آذار اكتشف اننا كلنا من أجل حرية المرأة ومساواتها، حتى شيوخ التخلف في السعودية وغيرها، الذين يرون مساواة المرأة بحجبها إنسانيا واجتماعيا. وآمل ان ما يجري في السعودية في هذه الايام يقود الى تخفيف المغالاة بحجب المرأة كإنسانة اولا.
جميع الرجال الذين كتبوا بهذه المناسبة أكدوا انهم من أجل الاعتراف بالمرأة بأنها انسان مساو لنا تماما. للأسف نجد ان الكثيرين من مؤيدي حقوق المرأة في مقالاتهم وندواتهم وكتاباتهم يضعون حدا فاصلا بين المرأة عامة، وبين خاصتهم من النساء. أي بكلمات أخرى، الحرية للمرأة مطروحة لغويا ولكن “نسائنا” هو الحد الفاصل الذي لن نسمح به.
البعض يتحدث متخذا صفة القيم او الموكل (طبعا اعطى لنفسه تفويضا دينيا بجوهره مشوه) على ” قيمنا “و ” أخلاقنا ” و” عاداتنا ” و ” تقاليدنا ” و ” ديننا ” .. وباتت صياغاتهم مكررة لدرجة الملل ولا تستحق القراءة .. لكنهم جزء من الأنظمة التي تبدو أحيانا متنورة، وفي التطبيق تنفذ سياسة العزل للمرأة والحرمان من أبسط حقوقها بالمساوة، وليس سرا ان أنظمة ادعت الاشتراكية والوحدة كانت تضطر المرأة ان ترافق ولي أمرها (حتى لو كانت تحمل شهادة دكتوراه وولي أمرها أمي) إذا ارادت الحصول على جواز سفر!!
واقع المرأة العربية في تراجع نسبي كبير، هذا يبرز بأشكال مختلفة ولا تحتاج لمقال كي اشير للتراجعات المقلقة بمكانة المرأة العربية، حتى المجتمعات التي كانت أكثر انفتاحا في العلاقات بين الجنسين، وفي حق المرأة باختيار أسلوب لبسها ونوع عملها، وحقها بالتعليم الجامعي، تشهد اليوم انتكاسة الى الوراء. مجتمعنا يزداد تدينا مشوها، وحيد الجانب، ينفي المرأة بالأساس ويطلق المزيد من الحرية للرجال، وهذا يمثل مجمل التراجع في تقدم المجتمع المدني العربي. اذ لا يمكن تحقيق تقدم في قضية المرأة طالما ظل مجتمعنا قبليا في مبناه وعلاقاته، ويحرمها من الحقوق السياسية المتساوية ومن فرص النمو والتعليم والتقدم في تطوير قدراتها الخاصة ووعيها، ومشاركتها في عملية التنمية الانسانية والاقتصادية لمجتمعها.
لا أتوقع في إطار واقع متعثر مدنيا، ان نحرز تقدما في مجال انجاز نهضة نسائية واجتماعية تغير واقع المرأة، ويفتح امامها وأمام مجتمعاتنا آفاقا جديدة، وامكانيات أخرى تعمق دورها ومسؤوليتها. هل انتهت الظاهرة القبلية لقتل النساء بحجة شرف العائلة …؟ وهل المرأة هي فقط التي تحمل وزر شرف العائلة والرجل ما شاء الله يفيض الشرف من سرواله؟!
هل تقلص العنف المنزلي ضد النساء؟ هل انتهت الظاهرة من القرون الحجرية بتشوية الأعضاء التناسلية للإناث في بعض الدول؟
وقعت 17 دولة عربية على اتفاق القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ولكنها قيدته بتحفظات تشريعية دينية، وقامت بنسف بعض بنود الاتفاق التي تتعارض مع “الشريعة الإسلامية”. هل واقع المرأة بظل التمييز والقمع والقتل يتمشى مع الشريعة، ومع التشريع الوطني ؟؟ الا تكتمل وطنيتنا الا بقمع المرأة؟ ولا ندخل الجنة الا إذا كنا مميزين عن النساء وقتلة لهم على أساس الشريعة التي لا اعرف إذا كانت حقا تنفي حقوق المرأة؟ ما يتفوه به رجال الدين هو العكس تماما بقولهم ان الإسلام أنصف المرأة؟ لماذا لا نرى هذا الانصاف بالتطبيق؟
الواقع تغير نصا ولكنة نفس الواقع السائد في الدول التي لم توقع على الاتفاق.
تساهم المرأة في الدول المتقدمة بحصة تكاد تكون مساوية لحصة الرجل في جميع نواحي الحياة. في عالمنا العربي أرى ان المرأة، حتى الأكاديمية، تخضع لقيود مستهجنة، يفرضها مجتمعها ونظامها، يقرر الى مدى بعيد تحركها وحجم قيودها، حتى في المجتمع الأكثر تنورا، على صعيد الدول العربية، نجد ان واقع المرأة لا يختلف بمجمل مضمونه، وليس سرا ان مستوى دخل المرأة من نفس العمل هو ما دون مستوى دخل الرجل. ولكن هذه الظاهرة تخفي واقعا أشد مرارة. واقع اتساع البطالة في صفوف النساء بالمقارنة مع الرجال.
دأبت تقارير الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية، على وضع اليد على واقع مذهل من التخلف في المجتمعات العربية، يطول النساء والرجال، وغني عن القول ان واقع المرأة هو الواقع الأشد مضاضة ..
البطالة تطول نسبة عظيمة من النساء، ومنهن جامعيات. وضع الرجل لا يقل سوءا، والمعروف ان غياب تخطيط حقيقي للتنمية، وغياب أبحاث أكاديمية حول التنمية وآفاقها واحتياجات الأسواق العربية، والربط بين الاقتصاد ومعاهد الأبحاث الجامعية، يقود الى فوضى، او تنمية ارتجالية لا تستجيب للمتطلبات الملحة للمجتمعات العربية، ولا مع توفير أماكن عمل حسب احتياجات النمو السكاني. ان فرص خلق أعمال جديدة يسير ببطء شديد ويقود الى تعميق استغلال عمل النساء، وهذا يبرز بالأجور المتدنية جدا. وبات ايجاد مكان عمل، صدفة سعيدة تتمسك بها المرأة وتصمت عن واقع املاقها وسحقها كانسان.
تقارير البطالة في العالم العربي تتحدث عن أرقام رهيبة تصل الى 25 – 30 مليون عاطل عن العمل، ولا أعرف هل تشمل هذه الأرقام مجمل الراغبين بالعمل، ام فقط المسجلين رسميا؟ وهل تشمل مجمل نساء الوطن العربي القادرات على العمل؟
حين نجد ان المرأة في المجتمعات الصناعية المتطورة تشكل ما يقارب نصف عدد العاملين، نجد انها في المجتمعات المتخلفة لا تشكل أكثر من 15% وربما أقل كثيرا.
ان خروج المرأة للعمل هو جزء من مساواتها وحريتها في القرار بما يتعلق بمصيرها أسوة بالرجل.
المرأة التي تفتقد للدخل لن تكون حرة ولن تصل الى المساواة حتى لو كانت تحمل عشرة شهادات دكتوراه.
ثانيا: المؤشر الأخر المرتبط ارتباطا وثيقا بهذا الواقع، هي نسبة الأمية المرتفعة جدا بين المواطنين من الجنسين، وخاصة بين النساء.
هل يتوقع أحد ان ينشا جيل مثقف متعلم في أحضان نساء جاهلات؟
لا ليس تهجما على المرأة، هذا الواقع ليس بمسؤوليتها. لأنها تخضع لتحكم الجاهلين حتى لو كانوا أكاديميين بتحصيلهم.
دولا عدة كانت أكثر تخلفا وعصبية تجاوزت واقعها الى مجتمع مفتوح، دمقراطي، تشكل فيه العلوم والاقتصاد قاعدة تطور تضعها في مقدمة دول العالم. وجعلت للمرأة مكانة متقدمة في وظائفها الاجتماعية والاقتصادية، وهل من نموذج أفضل من المجتمعين الياباني والصيني؟
لم يتدهور وضع المرأة اليابانية من ناحية الأخلاق مثلا …نتيجة الانفتاح على الحضارة العالمية والمساهمة بنشاط في انجاز خيرات مادية وثقافية وجعلت من اليابان نموذجا دوليا للتقدم؟
المرأة في الصين .. لم يكن وضعها أفضل من حال المرأة العربية.. ولكنها اليوم تشكل قوة علمية انتاجية في إطار المجتمع والاقتصاد في جمهورية الصين .. بعد ان أعطيت الحقوق الكاملة المساوية للرجل.
السؤال المقلق: ماذا تعد المجتمعات العربية للمستقبل، بظل فكر ذكوري ينفي حقوق المرأة؟ هل يمكن إيجاد طريق تقود العالم العربي نحو الانفتاح الحضاري إذا تواصل اعتبار المرأة ضلعا قاصرا يجب نفيه؟
ان الانفلات في ضبط مسألة الزيادة السكانية يطرح قضية أكثر خطورة على واقع المجتمعات العربية، وعلى فرص تغيير واقع المرأة خاصة الواقع الاجتماعي.
هناك انفلات سكاني .. تسيب بعدد الزيجات (الشرعية وغير الشرعية).. أطفال بلا مستقبل يفدون دون تخطيط لهذه الحياة. هل نكشف أمرا جديدا بأن نقول ان الدول النفطية الغنية تشمل سكانا في فقر مدقع يزدادون وسيشكلون مستقبلا مشكلة اجتماعية وأمنية لأي نظام كان؟
بلا شك ان أخطر ما ستواجهه المجتمعات العربية، هو غياب الفكر التنويري من مؤسسة صناعة القرار، الأمر الذي يعرقل طرح بدائل اجتماعية واقتصادية للمستقبل تؤهل النظام ليقر تغيير في التفكير .. وتغيير في جوهر النظام.
لا أظن ان أحدا من المتحكمين بالقرار العربي يعرف الإجابة. ربما يعرف كم يوجد في حسابه المصرفي ليس الا، ومشروعه لضم الزوجة الجديدة.
حان الوقت لمراجعة فترة الثورات (الانقلابات) العربية، وما أنجزته (سلبا او ايجابا) للواقع العربي .. وبدء تحرك اصلاحي شامل.
حان الوقت لإعادة برمجة كل حياتنا ..من الفها الى تائها.
حان الوقت لنفهم ان مجتمعا متنورا متقدما اجتماعيا واقتصاديا وعلميا، لن يكون دون مشاركة كاملة للمرأة في التخطيط والانتاج والبرمجة المستقبلية. واقرار القوانين وشكل نظام الحكم.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here