تمرٌ وحسناء ونخلة شمّاء!!

كنت أتجول في شوارع لوس أنجلوس في كاليفورنيا , وفي زحمة الناس , عطفت نحو مكان أشد إزدحاما , وإذا به سوق للمزارعين أو الفلاحين الذين يأتون بمنتوجاتهم ويبيعونها للناس مباشرة , ومثل هذه الأسواق موجودة في المدن الأمريكية , وتكون في أيام عطلة نهاية الأسبوع وبعض أيام العطل الأخرى.
والمزارع الأمريكي يؤسس شركة في مزرعته لصناعة وتعليب وتغليف منتوجاته , لكي تكون قادرة على التنافس والتسويق الأفضل.
وكان السوق مكتظا بالناس الذين يتبضعون بنشاط ولهفة , وإنتهيت إلى طابور طويل أمام مزارع , وعندما سألت قالوا إنه يبيع لبن الماعز , ووقفت في الطابور متطلعا لتذوق اللبن , وبعد أن جاء دوري وجدت شابا عربي الملامح وهناك بعض الكلمات العربية على علب لبنه , فسألته عن موطنه فقال من تونس , وأنه يعمل اللبنة التونسية وقد إشتهرت لطيب مذاقها فهو يعملها بأنواع متعددة , وقد صارت له سمعة جيدة فيحتشد الناس أمامه لشراء ما يستطيعونه منها.
وتحدثنا قليلا بالعربية , وقال لي بأنه يعمل في مزرعة ويقوم بتربية الماعز ويبيع لبنها الذي يرغبه الناس ويشترونه بشغف.
وبعد أن تمتعت باللبن التونسي , مضيت في السوق , ولا أدري هل أن جمال شابة أخاذ هو الذي جذبني أم التمر العراقي بأنواعه المعروض أمامها , لكنني إنغمست في حديث معها على أني لا أعرف شيئا عن الذي تبيعه.
فسألتها , ما هذا؟
قالت: تمر!!
قلت:حدثيني عن التمر!!
قالت: إن جدي جلب شجرته من مدينة تسمى بصرة وهي في العراق , ويسمونها نخلة , وجدي مولع بهذه الشجرة ولديه مزرعة تضم عدة مئات منها وبأنواع مختلفة , وهو يقول بأن هذه النخلات تنتج أجود أنواع التمور.
قلت: وما هي أنواعه؟
قالت وهي تشير إلى كل نوع أمامها: برحي , بربن , خستاوي , أشرسي.
ثم أخذت تقدم لي من كل نوع تمرة.
قلت: أنت تعرفين الكثير عن التمر فهل تعملين في مزرعة جدك؟
قالت: أنا طالبة في الجامعة وأبيع له ما ينتج ويدفع لي راتبا , فأنا عاملة تسويق فقط , لكني لا أعمل في المزرعة.
كان التمر لذيذا وطريا , ووددت أن أشتري كمية كبيرة منه لكني مسافر في الطائرة , فأعطتني كارتا وورقة فيها جميع المعلومات وكيفية طلبه عن طريق الهاتف أو الإنترنيت ويأتي بالبريد إلى البيت.
تمتعت بالتمر العراقي المغترب , وبجمال البائعة وموسيقى كلماتها وكيف تنطق إسم التمر , ومضيت أحمل قليلا من التمر البرحي وأتناولها حتى وجدتني قد أكلت ما إشتريته من جميلة ستتوارث مهارات العناية بالنخلة العراقية , التي أوجعها أهلها وأذلوها وقاتلوها , فأصابهم الجوع وحل عليهم البلاء وربما غضبت السماء.
فهل سيهجرنا النخيل؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here