أحمد أبو ياسر عنوان النزاهة والشرف في زمن الفساد

أزمنة كثيرة مرت على العراق على طول تاريخه القديم والحديث فيها من الأهوال والخطوب والمحن الشيء الكبير، أمراض وأوبئة طاعون وكوليرا وغريق وحريق وكان الفرهود قاسما مشتركا في كل تلك الأزمان والأحوال وله نصيبه الأكبر في كل ما جرى وحدث وما يجري. ألا ان جميع كتاب السير والتاريخ والمؤرخين وكل رجالات الأعلام والمهتمين بالشأن العراقي يجمعون على أن العراقيين لم يروا ويسمعوا فسادا مر ببلادهم ونخرها وحطم بنيتها الأجتماعية والأخلاقية والأنسانية، كما مر بالعراق منذ عام 2003 ولحد الآن!. الشيء الملفت أن رقعة الفساد تزداد يوما بعد يوم ويزداد الفاسدون قوة وتماسكا كلما خرجت مظاهرة ضد الفساد والفاسدين أن كانت في بغداد أو أية محافظة أخرى، وكلما توعد رئيس الحكومة الفاسدين في خطابه الأسبوعي بالويل والثبور وعظائم الأمور!!، ( أصبح خطاب رئيس الحكومة الأسبوعي بخصوص القضاء على الفساد والفاسدين نكته باهته لا يضحك عليها حتى الأطفال!). ورغم حالة اليأس والأستسلام التي باتت تسيطر على عموم المشهد الأجتماعي العراقي أمام قوة وسطوة وصولة الباطل ومن وراءه من الفاسدين، ألا أن للشرفاء وأصحاب المروءة والملتزمين بالقيم والمباديء النبيلة أصحاب الضمائر ومخافة الله لازالت لهم كلمتهم وموقفهم وقوة أيمانهم الذي يعطي الأمل بأن لازال لزمن الشرفاء بقية وصولته قادمة وأن تأخرت وتم التضييق عليها، الشرفاء الذين لا تغريهم وتهز مبادئهم كل كنوز الدنيا. كما في قصة ( أحمد أبوياسر) واحد من رجالات القيم والشرف والمباديء الذين نريدهم ونبحث عنهم في زمننا الصعب هذا، شاب في الأربعين من العمر يسكن في (العشوائيات/ تجاوز) بالقرب من حي الجهاد، متزوج وله أربعة أبناء كلهم في المدارس، مصاب بعجز في القلب، وسبق وأن أجرى عملية لقلبه ، ويحتاج الى علاج مستمر ومكلف، لا يملك من حطام هذه الدنيا سوى (سيارة أجرة سايبا/ هلكانه نص عمر!). تبدأ قصة هذا الأنسان النزيه بأنه وقبل أسبوع تفاجأ بوجود محفظة في سيارته فيها 6000! دولار مع أجازة سوق وسنوية وهوية دائرة. وعلى خلفية حالة العوز والفقر التي يمر بها أكثر من نصف الشعب العراقي،وأهتزار المباديء والقيم النبيلة والأنسانية وتدمير المنظومة والبنية الأخلاقية لدى الكثير من العراقيين بسبب أجواء الفساد التي خيمت على صورة المشهد العراقي من شماله لجنوبه، وعلى خلفية الوضع الأجتماعي البائس الذي يعيشه (أحمد أبو ياسر) بطل قصة النزاهة التي نتكلم عنها وبسبب وضعه الصحي الذي يحتاج الى الكثير من المال، قد يتصور الكثيرين أن مثل هذا المبلغ لا شك سيمثل (لأبو ياسر) كنز كبير رمته الأقدار عليه!، وسيشيع لديه الفرح بسبب وضعه الأجتماعي والمعيشي والصحي القلق!. ولكن كان (أبو ياسر) أكبر من كل هذا التفكير وهذا الأعتقاد وهذه المنطقية الطبيعية للأمور التي تصورناها واهمين!، بل أنه وعلى العكس فيما ذهب أليه تفكير الكثيرين وأعتقادهم ،عاش حالة من القلق والتفكير والحزن على صاحب المحفظة!! وأنحصر كل تفكيره في كيفية الأسراع لأعادة المحفظة لصاحبها! بسبب مصادفة يوم الجمعة وبعدها السبت وهي عطلة رسمية، لاسيما أنه لاتوجد في المحفظة أية أشارة الى رقم هاتف او عنوان يستدل عليه على صاحب المحفظة سوى هوية الدائرة ، وما كان عليه سوى الأنتظار مضطرا ليوم الأحد للذهاب لدائرة صاحب المحفظة. في المقابل صاحب المحفظة رغم القلق الذي ساوره من أستحالة أن يجد المبلغ بعد أن تيقن تماما بأنه نسي المحفظة في سيارة الأجرة التي أقلته من ساحة بن فرناس، وخاصة في هذا الزمن الصعب زمن الحاجة، ألا أنه لم يفقد الأمل بأن هناك أناس شرفاء لا تهتز مبادئهم مهما بلغت درجة الحاجة والجوع. ودائما ما كان يردد (الخير فيما يختاره الله والخير فيما وقع ولا حول ولا قوة ألا بالله!). وفعلا لم يخيب الله ظنه فجاء يوم الأحد يحمل معه تباشير الفرح وأذا (بأحمد أبو ياسر) يقف أمامه ليطمئنه بأن المحفظة في الحفظ والصون. وتعانقا بحرارة حتى البكاء!، صاحب المحفظة يبكي فرحا بأن الخير لازال موجود ولازال هناك أناس يحملون مخافة الله في قلوبهم ولازالت ضمائرهم حية تنبض بحب الخير للأخرين، و(أحمد أبو ياسر) يبكي لأنه أستطاع أن يزرع الفرحة في عيون صاحب المحفظة ويرد له لهفته كما يقال، وليثبت بأن الخير لازال موجودا. أنتهت هذه القصة البسيطة والتي تحمل كل معاني الشرف والنبل وعزة النفس وأنها أشبه ببصيص الأمل في نفق الفساد المظلم الذي نعيش فيه منذ عام 2003 ولحد الان. هنا أوجه دعوة لكل الأخوة الصحفيين والأعلاميين لتسليط الضوء والكتابة عن أية موقف يحمل في طياته النزاهة والشرف والأمانة والتصدي للباطل ولكل فاسد مهما كان الموقف صغيرا أو كبيرا مثل هذا الموقف أو غيره ومهما كان المبلغ صغيرا أم كبيرا، حتى لانترك الساحة للأفاقين والسراق وعديمي الضمير والشرف أن يصولوا ويجولوا ويلوثوا ويخربوا كل شيء،ويسيئوا لسمعة العراق والعراقيين وأن لا نسمح لهم بأن يزرعوا اليأس فينا ويجعلوننا نعتقد بأنه لا مكان للشرف والنزاهة والمباديء والقيم في زمنهم الرديء هذا. نعم علينا أن نتحداهم وليفهموا بأن صولة الحق والعدل والنزاهة والشرف هي التي ستنتصر في النهاية لا لشيء بل لأنها أرادة الله عز وعلا. فطوبى لك (ياأبو ياسر) ولكل الشرفاء في وطننا الحبيب. وليذهب الى الجحيم كل الفاسدين بأموال الحرام التي سرقوها وجمعوها من أفواه الأيتام والأرامل والسحت الحرام.
علاء كرم الله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here